المظاهرات الأولى في مدينة حمص، والدفع للانشقاق
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:09:30:09
بالنسبة لفصيل الطوارئ [في قاعدة حميميم العسكرية] الذي كان ينزل ويشارك في الأعمال ضد المتظاهرين، كنا نسمع منه الكثير من الأمور الغريبة، وأنه كان هناك الكثير من العناصر المجندين في أجهزة الأمن الذين يشاركون فيه كانوا يأخذون حبوب هلوسة، وحتى إنه كان هناك جزء من الطرف الآخر بين المتظاهرين الذين يتمّ القبض عليهم كان يتمّ ضربهم بشكل مبرح جدًا، ولا يكون لديهم أي نوع من الإحساس، وكانوا يقولون أيضًا: قد يكون البعض منهم أخذ حبوبًا (حبوب الهلوسة).
نحن نريد التركيز على أن هذه الثورة والمتظاهرين ليس لهم انتماء واحد، وليس لهم سلوك واحد، وليس لهم سويّة أخلاقية واحدة، وهم متفاوتون، وتجد أنت فعلًا أشخاصًا كانوا خارجين عن القانون وخرجوا في المظاهرات، وتجد أشخاصًا في قمة الأخلاق وخرجوا في المظاهرات، وتجد أشخاصًا من النخب ومن واجهات المجتمع خرجوا في المظاهرات، وهذا دليل ضد النظام؛ لأن كل الشرائح كانت متضررة منه، وكل الشرائح كان يكبتها، وحتى الشرائح الوسخة والقذرة كان يخترقها، ويوسّعها، ويستخدمها في استخدامات ضد شرائح أخرى، وبالتالي أنا لا أرى أنها إدانة للمتظاهرين في الأيام الأولى للثورة، فهذا مجتمع عام ومجتمع سوري كبير، ويوجد فيه كل الشرائح، ولكن يغلب على المتظاهرين الأشخاص المحترمون الذين لهم قبولهم في مجتمعهم وشارعهم، ومن أجل ذلك كانت المظاهرات لا تقلّ بل تزيد بعدد [أفرادها]، وتزيد بعدد نقاطها؛ لأنها كانت تشجع الآخرين بسبب الناس الذين كانوا يشاركون فيها.
إذا انتقلنا إلى موضوع وجودي في القاعدة (قاعدة حميميم) وما أفكر به في منزلي بخصوص أولادي وزوجتي وأهلي، وأنا لا أستطيع أن أنسى أول مظاهرة، أو أول صيحات خرجت في حمص من جامع سيدنا خالد بن الوليد. أنا ابن حي الخالدية في حمص، وأهلي يسكنون في طرف..، الجامع يقسم المنطقة التي نسكن فيها فأهلي على اليمين ومنزلي على اليسار، وجامع سيدنا خالد في الوسط، وأنا في منطقة اسمها حارة بيت العلّو، وهي منطقة المظاهرات الكبيرة التي كانت تخرج على الجزيرة والعربية، وكان فيها عبد الباسط ساروت، و في كل هذه المظاهرات كانت واضحة صورة بيتي، فشرفتنا كانت واضحة تمامًا وأن هذا منزل فلان، وفي المنطقة الأخرى عند جامع سيدنا خالد بن الوليد في الطرف الآخر، وطبعًا نحن نتحدث عن مسجد ضخم جدًا وله ساحات وحدائق، كان هناك منزل أهلي، فأول صيحات المظاهرات التي خرجت ضد محافظ حمص [إياد غزال]، و[هتاف]: "الشعب يريد إسقاط المحافظ"، ولم تكن لديهم جرأة أن يقولوا: "إسقاط النظام". كان والدي -رحمه الله- معهم، وكانوا عبارة عن خمسة أو ستة أشخاص بعد صلاة الجمعة في جامع خالد بن الوليد، وصرخ أحد الأشخاص، وهذا ذكره لي والدي أنه صرخ أحد الأشخاص، ولم يجد نفسه (الوالد) إلا وهو يردد خلفه، وخرج حوالي 40 أو 50 شخصًا من المسجد إلى ساحة المسجد وسط ذهول الشرطة، ولكن لم يتدخّل أحد وأمام أجهزة الأمن، وبدؤوا يصرخون عليهم: يا شباب، أنهوا ذلك. ويا شباب، وصلت صورتكم وكلامكم، ونحن سنعالج الموضوع. وفضّوا المظاهرة، وفُضّت بشكل سلمي؛ لأنني أتكلم حاليًا عما حدث تقريبًا في نهاية الشهر الثالث (مارس /آذار)، يعني في تاريخ 20 آذار [2011] تقريبًا، وهذا كان بداية خروج المظاهرات في دمشق.
في وقتها، خرجت من منزلي، وذهبت باتجاه منزل أهلي، فرأيت أن وضع الساحة (ساحة جامع سيدنا خالد بن الوليد) بعد صلاة الجمعة [مختلفًا]، كانت هناك حركة أمنية وشرطة، وسألتهم: ماذا يحصل؟ فقالوا: كانت هناك مظاهرة. فقلت لهم: ماذا تقولون؟ مظاهرة عندنا في حمص وفي جامع سيدنا خالد! وطبعًا نحن قبلها كنا قد رأينا مظاهرات في تونس ومصر، وأنا لم أكن أتخيل أن تخرج مظاهرة عندنا أو نداءات، وقالوا: إنهم كانوا ينادون ضد المحافظ وليس مثل مصر: "الشعب يريد إسقاط النظام". وعندما ذهبت إلى منزل أهلي كان الوالد موجودًا، وسألته: يا والدي، ماذا حصل؟ فقال: كذا وكذا وأنا كنت منهم، وهو كان يتكلم بعنفوان، فقلت له: ولماذا تتحدث معي بهذا الشكل؟ فضحك، وقال: يبدو أنك تستفسر وأنت لست سعيدًا. فقلت له: على العكس، أنا مندهش من حصول ذلك. فقال: ولماذا لا يحصل؟! ألسنا رجالًا؟! وكان لايزال يأخذه الحماس والحمية.
فجلسنا على الغداء، وسألته والدتي، ونحن كنا نشاهد التلفاز على مظاهرات مصر، وكانت المظاهرات في مصر تصبح أكثر، وأصبحت بالملايين، فقالت له: هل باعتقادك أنه سيحصل في سورية مثل ذلك؟ فالتفت، وقال لها: في الحقيقة، سيحصل، ووفق ما أتوقع سيحصل ذلك. وطبعًا، الوالد كان يتحدث بهذا الكلام وعمره بالسبعينات، ولكن الله أعطاه الصحة وقال: إن [أبناء] جيلي وما دونه لديهم حقد على نظام الأسد أكثر مما يُتخيل؛ لأننا منذ عام 1963 ونحن مقموعون، لعن الله حزب البعث. وأنا رأيت أنه انفعل، فقلت له: يا أبي، من وجهة نظري أتمنى أن يحصل كما تقول، ولكنني أرى أنه لن يحصل عندنا في سورية مثل ذلك؛ لأن هذا سيكلف دماء، وأنت تعرف ماذا حصل في حماة (أحداث الثمانينيات). فقال: وأين هي المشكلة يا ابني؟! حتى لو وصل الدم إلى الركب، ونحن أخطأنا والناس أخطأوا في حماة؛ لأنهم توقفوا، ولو أنهم استمروا لما خلّد [حافظ الأسد] ابنه [بشار الأسد]، والابن سيحضّر الابن الآخر، وقال: هل تعرف مما أخاف؟ وهذه الكلمة لا أنساها في حياتي، وقال: أخاف أن أكون أنا في جهة، ولأنك ضابط أن تكون أنت في جهة ثانية. وقال: يا بني، ثق تمامًا أنه ليس عندي أي تردد بالاستمرار في طريقي، حتى لو كنت أنت الذي تقتل الناس. وقلت له: هل ربيتني على ذلك؟ فقال: لا. فقلت له: ولماذا تتحدث بهذا الشكل؟ ولماذا ظنك بي هكذا؟ فقال: أنا لا أظن بك، ولكنني أخاف أن يحصل ذلك. فقلت له: ثق تمامًا أنه لن يحصل هذا الأمر، ولأنك أحسنت تربيتي فأنا بالتأكيد سأكون في المكان الصحيح، ولكنني سأقول لك بكل هدوء: أنا عندما أرى التقييم الشرعي، وأين يجب أن أكون فأنا سأذهب مع التقييم الشرعي، ولن تأخذني العاطفة، وعندما أرى الحق وفق مشايخ ووفق مرجعية دينية فأنا هنا سوف أتخذ هذا القرار؛ لأنني سوف أمضي به حتى النهاية، وأنا لا يمكن أن أضيع حياتي وآخرتي بقرار خاطئ. فقال: بارك الله بك، وهذا ما أريده منك يا بني، وهؤلاء هم أهل حارتك وهذا بلدك وناسك. وهو كان -رحمه الله- متخوفًا ففي هذه الفترة التي كان يتكلم فيها كنت لا أزال في القيادة والأركان، وهو يعرف أنني مصرّ على أن أكون الأول، وأن لدي تميزي ووضعي، وهو خائف من أن أكون متشربًا عقلية النظام بشكل كبير ومتشبثًا بالسلطة والجاه، وهو أعطاني هذا الدرس، وهو -رحمه الله- من كان يلاحقني لاحقًا، ويذكرني بعملية الانشقاق، وهو من كان يرتب لي ذلك.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2021/04/21
الموضوع الرئیس
الانشقاق عن النظامكود الشهادة
SMI/OH/115-13/
أجرى المقابلة
إبراهيم الفوال
مكان المقابلة
أنطاكيا
التصنيف
عسكري
المجال الزمني
3/2011-2011
updatedAt
2024/08/09
المنطقة الجغرافية
محافظة حمص-الخالديةمحافظة حمص-مدينة حمصمحافظة اللاذقية-مطار حميميم العسكريشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
قاعدة حميميم العسكرية الروسية - مركز العمليات الروسية
قناة الجزيرة
حزب البعث العربي الاشتراكي
قناة العربية