الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

انتشار شرارة الثورة من درعا، وخصوصية مظاهرة دمشق وحراك الشباب

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00;15;02;41

في الحقيقة، لم يكن هناك خوف أن تكون [درعا] مثل حماة [في أحداث الثمانينيات]، فلا يستطيع أحد أن يتهم درعا بالتطرف الديني، بل على العكس، كانت محافظة درعا دائمًا محافظة بعثية، وفي كل تاريخ البعث، من 8 (آذار/ مارس) 1963وحتى ذلك الوقت، كان دائمًا لأبناء درعا (الحوارنة) وجود حقيقي في السلطة [ابتداءً] من رئاسة الوزارة وأعضاء القيادة القطرية [لحزب البعث العربي الاشتراكي] حتى الوزارات، فلم يكن ممكنًا اتهام درعا بالعداء للنظام والتطرف الديني بهذا الشكل، لكننا كنا نستشعر المخاطر؛ لأننا نعرف العلاقات الأسرية في درعا. في درعا وفي مجتمع الحوارنة يوجد عدد من العائلات هي عشائر في الحقيقة وأكبر بكثير من العائلات، وهي ليست منتشرة في مدينة واثنتين وثلاث، ولكن في مجمل الريف الحوراني، و[وبعد] هذا القتل المباشر تمّت إهانة أهل درعا الآن، فيما يتعلق بالأطفال (أطفال درعا) خلال شهر (شباط/ فبراير)، والآن في شهر (آذار/ مارس) يجري الاستهانة بدمائهم بهذا الشكل الفجّ والفاجر، فأصبح لدينا نوع من التخمين: ما الذي سيجري؟ وهل ستتراجع السلطة الآن بعد إسالة الدماء؟ وما الذي سيفعله الناس؟ ولكن الإجابة كانت سريعة في الأيام التالية حين رأينا أهالي الريف الدرعاوي -سيرًا على الأقدام- ينتقلون إلى درعا تضامنًا مع المتظاهرين. ثانيًا- هذه الشرارة والمظاهرة التي خرجت في 18 (آذار/ مارس) من الجامع العمري انتقلت تداعياتها إلى باقي المدن السورية وبما فيها العاصمة (دمشق) في يوم 25 (آذار/ مارس) 2011. 

في ذلك اليوم، حصلت المظاهرة الوحيدة المعروفة في دمشق التي خرجت من الجامع الأموي، وسارت في سوق الحميدية، ووصلت إلى ساحة المرجة، ولم يستطع النظام كبحها لمنعها من الوصول إلى هناك. صحيح أنه في ذلك اليوم خرجت مظاهرات كثيرة في الريف الدمشقي: في الكسوة، وكذلك خرجت في اللاذقية وبانياس وحمص، ولكن مظاهرة دمشق لها معنى آخر؛ لأنَّ عزم النظام السياسي والعسكري واطمئنانه الكبير كان بأنَّ دمشق لن يحصل فيها شيء، ولكنه حصل.

وبالنسبة لي مظاهرة الجامع الأموي في 25 (آذار /مارس) لها معنى خاص، وفي هذا اليوم بالذات، خرج رافد لهذه المظاهرة من منزلي وأنا لا أشعر، ابني الصغير محام واسمه أيهم، ولديه مجموعة أصدقاء، وكل يوم يجتمعون مساءً معه، وحين بدأ "الربيع العربي" في تونس ومصر أصبحوا يأتون ويسألونني بعض الأسئلة: هل من الممكن أن يحصل هذا الشيء عندنا؟ هل من الممكن أن يحصل؟ ما هو الأفق؟ وحين خرجت أول مظاهرة من الجامع الأموي ازدادت الأسئلة في 15 (آذار/ مارس)، فهم جميعًا شباب جامعيون، ومنهم خريجون، ومنهم طلاب جامعة، مجموعة شباب من كل المكونات والانتماءات: المسيحي والمسلم والدرزي والعلوي، واجتماع يومي، وأنا أقوم بواجبي في توضيح هذه الأشياء لهم، وكانوا دائمًا يستدعونني ليصغوا إلى ما أقوله. وفي يوم الجمعة 25 (آذار /مارس)، استيقظنا باكرًا في الساعة العاشرة تقريبًا على ضجيج أصوات الشباب (أصدقاء أيهم في غرفته)، وكانوا قد وضعوا موسيقى، وهناك كلام وضجة، وأنا كما جرت العادة أعرف أنَّهم سيطلبونني، ولكنهم لم يطلبوني، وفتحت الباب عليهم، وفجأةً كان هناك صمت، [فقلت]: صباح الخير. [فأجابوا]: صباح الخير. ولم يُبدِ أي أحد منهم أي اهتمام أو أي رد فعل، التفتّ يمينًا ويسارًا، كانوا قد قاموا بتشغيل الكومبيوتر وهم يغنون، ومنهم من يأكل، ومنهم من يشرب قهوة، أحسست أنني زايد (لا مكان لي)، وأغلقت الباب، وخرجت، فما إن أغلقت الباب حتى عاد الصوت والهرج وكانت الابتسامات والضحكات تخرج، وقلت: إنهم شباب أحرار. ذهبت ربع ساعة، والضجة لا تزال قائمة، وعدت، وفتحت الباب، فوجدت المشهد نفسه (صمت وسكوت)، وكأنَّهم يقولون لي برسالة واضحة: أنَّك زائد هنا، ما الذي أتى بك؟ اخرج. وفعلًا، خرجت، وقلت: ربما لديهم مشروع. وبعد نصف ساعة أخرى، إذا بالباب يُفتح، ويخرج الشباب (بحدود عشرة أشخاص) من أمامي، كانوا كلهم يرتدون بناطيلًا من "الجينز" وسترًا من الجلد وخفافات (أحذية) رياضية، وبكل بهجة قالوا: إلى اللقاء عمو (يا عمي)، [فقلت لهم:] مع السلامة، وخرجوا. وعند الباب وقف أيهم مع أمه، وقال لها: أنا ذاهب إلى دمشق. فقالت له: مع السلامة، كما جرت العادة، فهو لديه مكتب للمحاماة في دمشق. ودخلت إلى الغرفة بعدهم، ورأيت شاشة الكومبيوتر مفتوحة، كانوا قد نسوا الشاشة مفتوحة، وتوجد على شاشة الكومبيوتر تعليمات ونصائح يقدمها الثوار المصريون للثوار السوريين والعرب الآخرين: البسوا "الجينز" وأحذية الرياضة وستر الجلد وأغلقوها، وامشوا في وسط الشارع، وتماسكوا، وما يشبه هذه الإرشادات، وكيف تتصرفون إذا الأمن واجهكم. فعندما كنت أقرأ هذه الصفحة، وكان بذهني المشهد الذي خرج به الشباب أمامي، كان الوضع واضحًا، فذهبت إلى زوجتي في المطبخ، وقلت: إلى أين ذهب ابنك يا سيدتي؟ وقالت: إلى مكتبه. وقلت: اليوم هو الجمعة، منذ متى تفتح المكاتب يوم الجمعة؟ وقالت: ربما يكون هناك وكيل، وهناك موعد معه. وقلت لها: منذ متى يذهب المحامون إلى المواعيد والمكاتب بخفافات (أحذية) الرياضة؟ فاستفاقت أن هناك شيء خطأ، وقالت: أين ذهب إذًا؟ فقلت لها: لا أعرف، ولكنه لم يذهب إلى المكتب، والناس الذين خرجوا من أمامي ذهبوا إلى المظاهرة. وسألتني: أين توجد مظاهرة؟ هل هناك مظاهرة؟! قلت لها: لا أعرف. ولكن الذين خرجوا أمامي هنا خرجوا إلى المظاهرة، وبقينا بين مصدّق ومكذّب لهواجسه. 

وأنا أنتظر قدومهم لأرى الحقيقة، وبعد مرور ساعتين، كان الشباب أنفسهم قد جاؤوا، وكانوا يحملون الهواتف، و[يرون] الصور، كانوا قد صوروا، وكانوا يقهقهون، ويقولون: فلان قام بذلك، وفلان.. ويشاهدون تندّراتهم مما جرى. واستفهمنا مما يجري، وعرفنا أنَّهم [كانوا] في المظاهرة، وذهبوا إلى الجامع الأموي، ودخلوا، وكان بينهم مسيحيون ومن بينهم ابني، وجلسوا بين الناس، ويصفون المشهد بأنَّ الناس يلتفتون يمينًا ويسارًا؛ وينتظرون ليعرفوا من أين يخرج صوت "الله أكبر"؟ وإلى أن بدأ خطيب الجامع يوجّه تحية لـ "الرئيس" [بشار الأسد] ويدعو له، فقام أحد الشباب إلى المنبر، وقام بسحبه، ورماه على الأرض وقام بدعسه، وهو يقول: سحقًا لك ولرئيسك. وخرج نداء "الله أكبر"، وخرج الشباب [للتظاهر]، والأمن كان موجودًا في قلب المسجد، والشباب يريدون الخروج من المسجد؛ لأن هناك متظاهرين يريدون أن ينضموا لهم في الساحة الأخرى، وكان همّ الأمن أن يحصرهم داخل المسجد حتى يستطيع ضبطهم واعتقالهم. وفي النهاية، نجحوا في فتح باب المسجد، واستطاعوا أن يخرجوا إلى مدخل الجامع الأموي من الجهة الغربية من منطقة المسكية، وبعد ذلك يبدأ سوق الحميدية، وهنا انضم لهم الشباب الذين كانوا ينتظرونهم في الحارات الشعبية، وسارت مظاهرة كبيرة في سوق الحميدية وبهتافاتها المنظمة؛ لأنَّها سمعت أيضًا ما جرى في درعا، وكانت المظاهرة واضحة بشعاراتها الوطنية؛ لأن التنوع كله موجود فيها رغم أنَّها خرجت من المسجد، ونجحت هذه المظاهرة في الوصول إلى ساحة المرجة وإلى قلب دمشق، وبمحاذاة جدران وزارة الداخلية. حاول النظام في منطقة السنجقدار (بين باب سوق الحميدية والمرجة) منعهم من الخروج إلى شوارع المدينة، ولم ينجح، ووصلوا إلى ساحة المرجة، وازداد عنف الأمن والوجود الأمني، واضطر الشباب أن يهربوا من الأمن، ويصعدوا إلى النصب التذكاري؛ النصب التذكاري منذ زمن العثمانيين في قلب المرجة، وجرت الاعتقالات وأعمال العنف، ولكنها محسوبة، والنظام لا يريد أن يعطي انطباعًا بأن دمشق تحرّكت ويجب أن نواجهها بالعنف. وكانت مفاجأة بالنسبة لي، وأنا أسمع منهم عاتبتهم [قائلًا]: يا شياطين، منذ زمن وأنتم تتكلمون معي عن المظاهرات و"الربيع العربي" وحين تنزلون [إلى المظاهرة] لا تقولون لي! وقالوا لي: "حدَّ الله بيننا وبينكم". وهذا الوقت أعطاني درسًا كبيرًا، فابني داخل في العملية الوطنية بغنى عني، وكلهم يعرفون أنني معارض، وأشتهي هذه اللحظات وأدعمها، ولكنني صرت أثق بأنَّ هناك تاريخًا جديدًا بحاجة لأشخاص جدد، و كان لديهم قرار في ذلك ألا يستندوا إلى أحد لا أحزابًا معارضة ولا أهل ولا مشايخًا ولا... ، وأنّ هناك حدثًا أعطاني شخصيًا درسًا كبيرًا بأن هذا المولود الجديد وهذا الحلم قادم ومعه أدواته، وأدواته التي تعرف حقيقًة ماذا تريد وداخلة في العصر، ولباسهم أخذوه من خبرة الشباب المصريين في التلفزيون، وأفكارهم ربما كان لنا دور فيها سابقًا لأننا من أسرهم، ولكن هناك ولادة جديدة لحالة جديدة في سورية.

 وحين نقلت الوقائع لأصدقائي في "إعلان دمشق" والحزب (حزب الشعب)، قلت لهم: هذا ما جرى في بيتي، فكيف هي المشاهد المماثلة في بيوت الناس غير المعارضين والذين لا ينتظرون لحظة كهذه، فماذا يفعل شبابهم؟! كانت مفاجأة سارة بكل معنى الكلمة. وبالنسبة لنا كمعارضين جلسنا عمرًا وعقودًا من الزمن، ضحايا ودخلنا إلى السجون وخرجنا وحافظ الأسد هو القوي، وشعرنا [الآن] أنَّنا اشتددنا، والأمانة التي حرصنا عليها كل الفترة الماضية شعرنا بأنَّ هناك يدًا قادمة أخذتها منا وستمشي بها إلى المخاض الأهم الذي هو مخاض الشارع والتضحيات التي بدأت بالدم. أبناء جيلنا كسياسيين قدمنا تضحيات من عمرنا في السجن والفاقة والطرد من الوظيفة والمنع من السفر، لكن الآن ثمن هذا الموقف لأولادنا من الجيل الجديد يبدأ من الدم، وكان الدليل على ذلك ما حصل في 18 (آذار/ مارس) [2011] في درعا.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2020/07/21

الموضوع الرئیس

البدايات الأولى للثورة السورية

كود الشهادة

SMI/OH/56-09/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

باريس

التصنيف

سياسي

المجال الزمني

3/2011

updatedAt

2024/08/09

المنطقة الجغرافية

محافظة حمص-مدينة حمصمحافظة طرطوس-مدينة بانياسمحافظة اللاذقية-مدينة اللاذقيةمحافظة ريف دمشق-محافظة ريف دمشقمحافظة دمشق-المرجةمحافظة دمشق-الحميديةمحافظة دمشق-مدينة دمشقمحافظة درعا-محافظة درعامحافظة درعا-مدينة درعا

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

حزب الشعب الديمقراطي السوري

حزب الشعب الديمقراطي السوري

إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي

إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي

وزارة الداخلية - النظام

وزارة الداخلية - النظام

حزب البعث العربي الاشتراكي

حزب البعث العربي الاشتراكي

القيادة القطرية لحزب البعث

القيادة القطرية لحزب البعث

الشهادات المرتبطة