المشاركة في فعاليات الثورة في المعضمية وداريا ودوما وحي القدم
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00;14;25;50
سقط شهداء المعضمية باكرًا في 25 (آذار/ مارس)، سقط الشهيد محيي الدين الدمراني، نصبوا الخيم والكراسي في ساحة كبيرة في قلب المدينة قرب جامع الزيتونة، وكان صديقي أبو ناصر من [حزب] الاتحاد الاشتراكي هو عريف الحفل. والمعضمية مدينة تأذّت كثيرًا من النظام، وأراضيها أخذها النظام دون أن يعوّض أهلها بأي شيء، وأخذ مطار المزة، وأخذها رفعت الأسد وسرايا الدفاع [وقاموا] ببناء معسكرات سرايا الدفاع وسرايا الصراع على أرض المعضمية، حتى إنه بنى تجمعات سكنية للعساكر المنضوين في تلك التنظيمات؛ ولذلك أهل المعضمية يشعرون بالغبن الشديد. والقضية الثانية أن المعضمية مدينة سياسية فيها وجود للمعارضة، ووجود ملموس للاتحاد الاشتراكي ولحزب الشعب الديمقراطي، وهو ملموس أيضًا، ولذلك منذ البدايات كان لها موقفها الشعبي المتألم تاريخيًا من وضع النظام وسياسيًا وفيها حضور للمعارضة من قوى "إعلان دمشق" بقوة. وفي تأبين [محيي الدين] الدمراني، نزلنا، وكان من الطبيعي أن أُستقبل؛ لأنَّني أعرف المعضمية، وهي تعرفني منذ عقود من الزمن، ومعظم شباب المعضمية من جيلي درسوا في قطنا، وكنا في مدرسة واحدة، أعرف بيوتهم؛ لأننا كنا نعيّدهم ويعيّدوننا، وأعرف فقرهم ومعاناتهم، ومن الطبيعي أن أُستقبل في المعضمية خاصًة في الإطار السياسي الذي نعمل فيه معًا، ومن الطبيعي أن أُدعى "على الميكرفون"، وأتوجه مباشرة، وكان الهم الأساسي في ذلك الوقت كيف نقدّم خطابًا نؤطِّر فيه جوهر أهداف الثورة التي تعبّر عنه في تلك الهتافات. وكان التركيز حول الحرية، وحول أنَّنا في تلك التظاهرات والتجمعات نمارس حقنا الدستوري الذي تعطينا إيَّاه "المادة 39" من الدستور، فنحن لا نرتكب أي مخالفة، والسلطات هي التي ترتكب المخالفة في منعنا من هذا الحق، وترتكب الجريمة في هدر دماء السوريين. [وهناك] مشهد لا يُنسى، وهو موجود ومثبَّت صوت وصورة لذلك الشاب الذي ضُرِبت ذراعه، وأسرع إلى الجدار، وبدأ يكتب بذراعه المدماة وبدمه كلمة "حرية" على أحد جدران المعضمية.
في المعضمية رغم الوجود السياسي للمعارضة، ولكن المشهد كاملًا هو مشهد شعبي حتى مع وجود رموز معروفة للمعارضة من داخل المعضمية ومن خارجها، والحضور حضور شعبي، والهتافات للحرية والكرامة وإحياء الشهيد وتعظيم الشهادة، لأنه اتضح أمام الجميع أنَّ هذا الباب فُتح، ولم يعد بإمكان أحد إغلاقه، وأن النظام عن سبق تصميم كبير يريد التصدي بالرصاص للمظاهرات العزلاء. وكان هناك استعداد كبير لدى الناس في الاستمرار، وهم يعرفون أنَّ باب الشهادة مفتوح لهم ولأولادهم، وهذه القضية كانت واضحة في الأماكن كلها.
في مظاهرات داريا، كانت الهتافات: "يا ديراني قوم قوم حتى ما تضلك مظلوم"، [وهو بمثابة] تذكير لأبناء الشعب بالمظالم الكبيرة وأنَّ الوقت قد أتى لنقوم، وبدأ الشعب وحتى الأشخاص الذين كانوا مترددين، والخوف كان سيد الموقف؛ لأن جمهورية آل الأسد هي جمهورية الخوف أساسًا، ولكن رصاص النظام وتقبُّل الناس للاستشهاد واحترامه وتعظيمه والتفاف الناس حول المدن التي تتحرك والشهداء الذين يسقطون كان دافعًا لنقول: ما كنا خائفين منه ممكن [أن يحدث]، وها هو يحدث أمام أعيننا. وذهبنا في وفد آخر إلى [حي] القدم، والقدم على مشارف العاصمة، وهي أحد أحياء العاصمة من الجهة الجنوبية، وكان مشايخ القدم موجودين، وأقاموا منصة من الخشب لاحتفالية (تأبين) الشهداء، والوفود من مختلف المدن تأتي، ونحن من قطنا ذهبنا وفدًا كبيرًا، واستُقبلنا، ولأنَّني أصبحت معروفًا عبر الإعلام والإطار السياسي فما إن أستقر على الكرسي مع أعضاء الوفد حتى يعلن عريف الحفل على "الميكرفون" ويستدعيني لألقي كلمة، وكنت ألقي كلمة في كل مكان، والتوجه الأساسي هو: نحن أشخاص سلميون، ونحن أشخاص نريد الحرية لشعبنا ومجتمعنا، ونحن الشعب السوري من حقنا أن يؤخذ بإرادتنا ورأينا ومواقفنا فيما يجري.
التأبين فيه شيء اجتماعي، وفي الأرياف عادةً حين يحصل حادثة وفاة من هذا النوع تتضامن بقية الأطراف والقرى، فكيف حين تحصل شهادة؟ لذلك هي واجب اجتماعي وتقليد اجتماعي، ولكن أُضيف له الآن أنه واجب وطني وتضامن، وبدأ الناس يشعرون أنَّ التضامن مع الشهداء ومع المدينة الفلانية التي فيها تظاهرات هو تضامن معنا، وكان هو الحدّ الأدنى، عدد كثير من القرى الصغيرة التي لم تستطع أن تقوم بمظاهرات في ذلك الوقت المبكر كانت مشاركتها في مراسم التعزية والأخذ بالخاطر والعزاء هي شكل من أشكال المشاركة في الثورة.
دوما مدينة كبيرة، ومركز محافظة ريف دمشق، ومساحتها بمفردها كمنطقة أكبر من المحافظات، وقيمتها الاقتصادية كبيرة وحجمها السكاني كبير ودورها التاريخي كبير أيضًا، وهي مدينة معارضة، وخلال حكم [حزب] البعث كله كانت هذه المدينة هي عقر دار المعارضة الأساسي وخاصة للاتجاه الناصري والاتحاد الاشتراكي. ودوما تحركت من 25 (آذار/ مارس)، قامت أولى المظاهرات فيها، وسقط 8 شهداء دفعة واحدة، ولكن عبر مواكب التشييع التي استقطبت من قرى الغوطة الآلاف من الرجال استمر سقوط الشهداء. وتجمّعنا في وفد، وذهبنا لنعزي في دوما، وتصادف أن نلتقي هناك مع الوفود الأخرى، وكان أحد الوفود من مدينة دمشق على رأسه السيدة منتهى الأطرش، ولا يمكن أن نتخيل كيف كان استقبال مدينة دوما لسيدة درزية ورجل مسيحي يصعدان على منبر المدينة للتعزية بالشهداء والحديث في الثورة، كانت الحفاوة... نحن لم نكن نصدقها، والحفاوة الكبيرة أنَّها أحيت عند أهل الغوطة العلاقات التاريخية إبَّان الثورة السورية بين ثورة الغوطة وثورة جبل العرب ضد الانتداب الفرنسي في عام 1925 خاصةً وأنَّهم يستقبلون ابنة سلطان باشا الأطرش، ويستقبلون المرأة التي تربّت في بيت كان يجمع الوطنية السورية، وكان يجمع عبد الرحمن الشهبندر وشكري القوتلي وأولاد البكري الذين ذهبوا من دمشق وسلَّموا قيادة الثورة، واستأمنوا سلطان باشا على قيادتها، وفي مضافة سلطان الأطرش، ازدحمت الوطنية السورية حين قامت الثورة في 1925، وكان من الطبيعي عندما جاءت منتهى الأطرش أن تكون تلك الحفاوة لتعيد إلى الذاكرة هذه العلاقة والتي أثمرت الاستقلال السوري، وعلى أمل أن تثمر الآن الحرية للشعب السوري.
دخلت منتهى الأطرش إلى الاحتفال (التأبين) بكل هذه الحفاوة، وكان ذلك مقرونًا بصوتها الذي سمعه السوريون منذ أسابيع ومنذ بداية الثورة، فمنذ الأيام الأولى للثورة وعبر الإذاعات والتلفزيونات، بدأ السوريون يستمعون لصوت نسائي متقدّم في السن، ولكنه حاسم في انحيازه للشعب السوري وحاسم مما يفعله النظام من اعتقالات وقتل وحاسم بانحيازه لمستقبل الثورة وإيمانه بالثورة، ولذلك حين استقبلوا منتهى الأطرش كانوا يستقبلون ابنة الثورة السورية في التاريخ الثوري، وهي الآن أحد الفاعلين في الثورة السورية الآن. وكان اللافت للنظر في كل هذه الحفاوة في تأبين الشهداء في كل المدن أنَّ هذا الفعل ليس من صنع أسر الشهداء، فلا علاقة لأسر الشهداء بذلك، فعلى العكس، وفي بعض الأحيان كانت أسر الشهداء لا تريد ذلك خوفًا مما يمكن أن يلقي ذلك عليها من مسؤوليات عند النظام، وبدأ النظام يهدد أسر الشهداء؛ لأنَّ الحفاوة بالشهادة أصبحت مناسبة للتظاهر، والنظام يريد أن يسكتها ويقمعها، ووجد لذلك بابًا، وهو أن يهدد الأسر، ولكن حتى الأسر التي خافت، ولا تريد أن تقوم بتشييع وتأبين لأبنائها، لم يكن [الموضوع] بيدهم ، وبدأ الشباب في كل مدينة هم الذين يقومون بهذا الفعل، لذلك كانت هذه الحفاوة والتأبين من فعاليات الثورة، وأخذ منحاه الخاص بعيدًا عن المنحى الاجتماعي، وهو من فعاليات الثورة التي استوجبتها الأحداث المتلاحقة في كل المدن، وخاصة أرياف دمشق التي هي أرياف متواصلة، وليس هناك فرق بين حرستا ودوما وعربين وبيت سوا، وكل تلك التجمعات البشرية كانت متلاحمة.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2020/07/22
الموضوع الرئیس
البدايات الأولى للثورة السوريةكود الشهادة
SMI/OH/56-13/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
باريس
التصنيف
سياسي
المجال الزمني
3/2011
updatedAt
2024/11/15
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-محافظة ريف دمشقمحافظة دمشق-مدينة دمشقمحافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقيةمحافظة ريف دمشق-مدينة دومامحافظة دمشق-القدممحافظة ريف دمشق-مدينة داريامحافظة حماة-المعضميةشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي في سورية
حزب الشعب الديمقراطي السوري
مطار المزة العسكري
حزب البعث العربي الاشتراكي
سرايا الصراع
سرايا الدفاع