الاعتقال في سجني طرطوس وتدمر
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:11:10:21
في زحمة الأحداث -أحداث الثمانينات-، وبعد أن احتدت واحتدمت المعركة بين النظام المجرم آنذاك والطليعة المقاتلة، كانت الاعتقالات بشكل كبير جدًّا وممنهج وتطال كل الفئات الشبابية بشكل عام، وخاصة من الطلاب -طلاب المدارس الإعدادي والثانوي والجامعات- والأطباء والمهندسين وكان -سبحان الله- لنا نصيب من هذا الاعتقال، فلم أكن أعلم أنَّني سأحاسب على آية من القرآن الكريم كنت كتبتها على السبورة، وأنا في الصف الثالث الإعدادي في المدرسة، فبعد سنتين من كتابتها أُفاجأ أنَّ اسمي واسم بعض الطلاب من أصحاب بعض النشاطات والميول الإسلامية كما هو حال كل الشباب في بداية شبابهم أو نشأتهم، وبداية استطعنا أن نتخلص منهم بطريقة ذكية ولم يستطيعوا اعتقالي، وبقيت حقيقة شهرين أو 3 أشهر وأنا مختف بعد أن رأيت أنَّ قسمًا من زملائي تم اعتقالهم من أجل كتابة أو رفع علم في المدرسة ونشاطات [كهذه] آنذاك، ووجدنا أنَّ الأمر يبدو اعتقالًا لكل هؤلاء الشباب، وبقيت مختفيًا شهرين أو 3 أشهر، وتم حقيقة من خلال أحد المخبرين عندنا ودله علينا للمخابرات.
وأُلقي القبض علينا في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 1980 وكنت أسبح –ما زلت أذكر أنَّني كنت أسبح في البحر-، فجاؤوا بشكل مختف على أنهم مدنيون وليسوا مخابرات، و-سبحان الله- كان الوقت عصرًا وتم اقتيادي إلى سجن طرطوس آنذاك فرع الأمن العسكري وحُقق معي هناك، وإذ أنا أمام ذئاب مجرمة، ولم أكن أتوقع أنَّ فرعًا مهما كان في طائفيته وحقده وقذارته أن يعامل أبناء بلده بهذا الشكل، ولم يكن لدينا هذا التفكير لأنَّنا مازلنا صغارًا، وكان عمري 17 سنة آنذاك، ولا أفكر أنَّ أناسًا مهما بلغت درجة الحقد لديهم أن يقتلوا بهذا الحقد، ويستخدموا تلك الوسائل من الدولاب والكرابيج (والسياط) والكهرباء وكله لأطفال! وأصوات التعذيب التي كنا نسمعها، ولم نكن نحتمل أن نسمع هذا الأمر، ولم نكن نظن أنَّ أحدًا ممكن أن يمارس هكذا أساليب على الناس.
وفي بداية الأمر لم يكن التحقيق معي طويلًا، لأنَّه ليس لدي الخلفية التي يمكن أن يستفيدوا منها سوى أنني كتبت هذه العبارات، ويريدون ما هي الدوافع؟ ماذا وراءك؟ كيف تفكر؟ وهكذا، وما فهمته أنا والذين كانوا معي في نفس الأمر أنهم يريدون أن يجمعوا كل هؤلاء الشباب لزجهم في السجون، وخاصة عندما أُخذنا وانتقلنا من فرع الأمن وانتهى التحقيق وأُخذنا إلى طرطوس السجن المدني ووجدنا من الشباب الكبار الذين كانوا يُنظر إليهم على أنهم القادة، ووُضعت إلى جانبهم في زنزانة (سجن) وبقيت 45 يومًا في زنزانة واحدة، وهناك زنازين بجانبي منفردات وكان هناك 7 رجال كانوا من المفكرين والعلماء والأطباء، وكان هناك طبيب على مستوى بانياس و2 من الأطباء والمهندسين والأساتذة 2 وكلهم قامات، ووُضعوا في الزنازين، وأنا كنت في الزنزانة معهم وبقيت حوالي 45 يومًا، ثم نقلوني إلى مهجع جماعي لنعيش مع بعضنا، شباب كلنا في سن واحد، ولكن لم نكن على مستوى التفكير أنَّ هذا النظام ممكن أن يفعل بأبنائه هكذا ويسجنهم من أجل هكذا تهم والتي لا تقدم ولا تأخر ويمكن أن ينقلهم أو يخرجهم، طبعًا أُخرِج الشباب قبلي ونُقلوا إلى مكان آخر -لا نعرفه آنذاك-، ولكن التقينا بهم بعد أشهر في سجن تدمر، فوجدنا كل السجون والفروع في سورية كانت تجميعًا ثم ينقلونهم إلى سجن تدمر، وهناك تكون التصفيات الجماعية.
طبعًا بقينا في سجن طرطوس حوالي 7 أشهر مع بعضنا، ثم تم نقلنا في الوقت الذي كنا نفكر أننا سنخرج إلى أهلنا، لأنَّه لا أحد منا [يوجد] عليه من الجرم الكبير الذي يمكن أن يُزج به في تلك السجون، ولكن تفاجأنا بعد 7 أشهر أنهم كبلونا وأخذونا في الساعة 2:00 ليلًا من سجن طرطوس ولا ندري إلى أين! ولكن كان بطريقة قاسية للغاية مكبلين ومطمشين (معصوبي العيون) وفي سيارات مغلقة، -وهي سيارات اللحوم [كما] يقال لها- حوالي 4 أو 5 ساعات حتى وصلنا إلى فرع التحقيق العسكري وطابق تحت الأرض، ووصلنا تقريبًا صباحًا، وكان هنا يبدو [أننا] بدأنا في قضية السجن الحقيقي، حيث مُورس علينا أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي من التفتيش وسيخلع الإنسان ثيابه كما ولدته أمه، مع التعذيب والإهانة والسخرية، ثم وُضعنا في منفردات ومهاجع لمدة 10 أيام، ثم جمعونا في مهجع واحد، وكان هذا المهجع الذي جُمعنا به آنذاك أمام مكاتب التحقيق، وهذا من أصعب الأمور التي لم نعتد عليها نهائيًّا، ولا يمكن أن نفكر يومًا ما أنَّ هذا النظام ممكن أن يعامل أبناءه كذلك، ولو كانوا قد أخطأوا ومهما كان [خطؤهم].. فكنا نرى الموتى أمامنا وأصوات التعذيب ننام عليها ونصحو عليها، وننظر أحياناً من طاقة (فتحة) الباب الصغيرة خفية لنرى الناس المصلوبين، والذين يُجلدون أمامنا، والذين وُضعوا مكبلين بالسلاسل، والناس التي يُمارس عليهم [التعذيب] وهم في الدولاب، ومناظر مرعبة، ونحن لم نعتد على هذا الأمر، ومازلنا صغارًا وبتنا حوالي 15 يومًا لم ننم لا ليلاً ولا نهارًا، وكأنَّ وضعنا في هذا المكان كان مقصودًا حتى ننظر إلى تلك الأجساد كيف تُقتل وكيف تموت أخيرًا تحت التعذيب، وقد شاهدنا الكثير من الحالات التي ماتت تحت التعذيب ونحن نراقب عن بعد.
وحقيقة بقينا على تلك الحالة في التحقيق العسكري حوالي 5 أشهر إلا عدة أيام، ولم يحققوا معنا أبدًا، لأنَّنا ليس لدينا أضابير (مستندات) ولا تهم ونظرنا أننا سنخرج من هنا، ولم يستطيعوا أن يخرجونا من طرطوس، وسنخرج غالبًا من التحقيق العسكري إلى البيوت، لنتفاجأ في نهاية شهر أيار/ مايو -على ما أعتقد- بخروج أسمائنا، ومرة ثانية إلى سجن تدمر، ولكن تلك النقلة كانت أصعب من النقلة الأولى بكثير، وكأنهم يريدون أن ينتقموا بشكل كبير جدًّا، فالقتل (فالضرب) بشتى أنواعه وأساليبه القذرة مورست علينا من هؤلاء السجانة، وكان الوقت الساعة 2 ليلًا، وأُخرجنا حقيقة في حالة مزرية جدًّا، لنصعد ونحن مطمشون ومقيدون إلى الوراء ومربوطون (مقيدون) في بعضنا وكل واحد مربوط بالآخر كسلسلة بشرية، وتم أخذنا إلى السيارات المغلقة [نفسها]، ومعنا في السيارات نفسها سجانة، وإلى أين؟ لا ندري!
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2022/11/08
الموضوع الرئیس
الاعتقال قبل الثورةكود الشهادة
SMI/OH/159-07/
أجرى المقابلة
خليل الدالاتي
مكان المقابلة
اعزاز
التصنيف
مدني
المجال الزمني
1980
updatedAt
2024/08/09
المنطقة الجغرافية
محافظة طرطوس-مدينة بانياسمحافظة طرطوس-محافظة طرطوسشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
سجن تدمر
الطليعة المقاتلة
فرع المخابرات العسكرية في طرطوس
سجن طرطوس المركزي