قصص ومشاهد من عمليات الإعدام في سجن تدمر-2
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:09:58:04
في نفس تلك الحفلة، وكما قلت حين خرج ثمانية أشخاص عندنا أيضًا كان معنا أحد الإخوة وكان والده أيضًا، ووالده كان كبيرًا في السن مازلت أذكر اسمه محمد غرير أبا أحمد، أعتقد أنَّه تُوفي وكان كبيرًا في السن آنذاك، وآنذاك كان عمره 50 عامًا في سنة الـ 1980 أو 1982، وولده مازال شابًّا، وخرج للإعدام مع إخوانه الـ7 وكان رابط الجأش ثابتًا مبتسمًا، ودَّع ابنه وكلَّه هدوء وطمأنينة وسكينة، وخرج هؤلاء الشباب بعدما أدلوا في نصائحهم وثباتهم، وعشنا معهم تلك اللحظات العصيبة للغاية في الوقت الذي كنا كلنا نتألم على حالهم، ولكنهم كانوا رمز الثبات والشموخ والعزة والفخار، وكأنَّ -كما قلنا- كلَّ واحد منهم كان ينظر إلى مكانه في الجنة ليخرج، وبعد قليل نسمع التكبيرات –تكبيراتهم- ونحن نرقب ونختلس بعض النظرات من الباب، عندما يتسلَّل أحدنا ليرى بأمَّ عينيه كيف تكون حفلات الإعدام، وكيف تتم تلك العملية الإجرامية بحق هؤلاء، وحين ينتهي هؤلاء ونحن مازلنا في المهجع الملاصق والمحاذي لباحة الإعدام في المهجع 26، نأتي لنواسي هؤلاء ونعزيهم لنرى أنَّ الحاج أبو أحمد غرير، والأخ الحمصي وكان اسمه بشار حداد -وأخوه طريف الذي استُشهد رحمه الله- كيف كانوا يتعانقون ويواسون بعضهم، فأتينا لنعزيهم فكان أبو أحمد غرير يقول: لا تعزوني في ابني، بل هنئوني في ابني، فإنَّه في ضيافة الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الثبات.
خرج الشباب وسمعنا تكبيراتهم ونحن نسترق السمع، وأحيانًا نقتنص الرؤية [لنرى] كيف تُقام فيهم هذه العملية الإجرامية لهؤلاء الشباب، ثمَّ بعد ذلك نعود لنواسي بعضنا بعضًا، وخاصة الشباب الذين يحتاجون منا لتعزية الحاج أبي أحمد وبشار حداد الذي فقد أخاه طريف حداد، وإذا ما أتينا إليهم، وإلى الآن أذكر حين أتينا للحاج أبي أحمد غرير لنعزيه في استشهاد ابنه فقال: لا تعزوني بل هنئوني، فإنَّ ابني ضيف عند الله عز وجل وشهيد من أجل دينه وكرامته وعزته؟
والحقيقة [أنها] كانت أمثلة رائعة جدًّا، وفي موقف آخر بنفس الأمر ولكن في حفلة ثانية، كان عندنا أحد الأشخاص أيضًا من حمص واسمه عبد الغني دباغ -على ما أظن-، وكان شابًّا له من الطول ما يقارب المترين، ورجل من أصحاب الأخلاق العالية جدًّا، وإخوانه كانوا قد سبقوه إلى الإعدام، وأعتقد [أن] هذا استبقوه إلى الإعدام، وهو لم يُعدم حتى إذا ما انتهى وقت الإعدام وأيقنَّا أنَّه لا يوجد اليوم إعدام نهائيًّا، وانتهت الأمور وسيعود كلّ منا إلى عمله في حفظ القرآن أو نيل دروسٍ معينة أو عمل أمر معين من أعمال النهار، أتى اسم عبد الغني دباغ على حين غفلة، وكانت الساعة 11 وفي هذا التوقيت من النهار ليس لدينا هذه العادة في السجن، وحين خرج اسم عبد الغني دباغ رأيته بأمِّ عيني وكيف كان يقفز في الهواء رقصًا وفرحًا وسرورًا وبهجة، ويقول: الآن ألقى الأحبة محمدًا وصحبه، فزت ورب الكعبة، وكان يرددها 3 مرات وكله بهجة وسرور.
وشبابنا حقيقة كانوا في قلق أنَّهم سيفتقدون هذا الشاب وخرج بين أيدينا وأُعدِم لا أدري إن كان معه أحد آنذاك أم كان لوحده، وفي المهجع كان لوحده فقط، أما إذا كان معه أحد غيره من بقية المهاجع لا أدري، ولكن هذا الموقف الذي رسمه عبد الغني وبقية الشباب.
هذه كانت حادثة واحدة ولكن هي حوادث كثيرة، وكانت تلك الحوادث تدل على أمرين: عظم الإجرام والإفساد والحقد الطائفي البغيض من تلك الطائفة "النصيرية" (العلوية) التي تمارس هذا الحقد علينا، وفي نفس الأمر الثبات والتضحية والطمأنينة والاستقرار والهدوء والسكينة لدى شبابنا الذين كانوا راضين في حكم الله عليهم في تلك المواقف الطيبة، التي يرى كل واحد منهم أنَّه يعمل من أجل تلك اللحظة ليكون شهيدًا عند الله سبحانه وتعالى، ويدرك تمامًا كل شخصٍ منهم أنَّ هذا الطريق طريق طويل ولكنه شاق ومحفوف بالمصاعب والمتاعب والأشواك، وقد يصل بهم إلى حبال المشانق، وكلهم ثقة أنَّهم شهداء وخرجوا من أجل الله، وأنَّ هذا النظام الفاجر المجرم يدركون طبيعته أنَّه يمكن أن يقتلهم، ولكن كانوا مصرين على هذا الطريق، لأنَّهم مدركون تمامًا أنَّه طريق الأنبياء وطريق المرسلين وطريق الدعاة من بعد الأنبياء والمرسلين، فهم على هذا الطريق سائرون وواثقون في نهايتهم، لأنَّهم هم من أرادوا السير في هذا الطريق بكل قناعة ورضا وتسليمٍ بأمر الله عز وجل.
كان النظام بشكل عام يقوم بكل تلك الأمور بسرية تامة، حتى من يقومون بتلك الأعمال من الشرِطة والضباط والمخابرات الذين يأتون لا أحد يعلم عنه شيئًا، فقد كانت تأتي سيارات عسكرية حين ينتهون من هذا الأمر وندرك كيف كانوا يملأون تلك الجثث في السيارات بطريقة -[في] الحقيقة- مؤلمة للغاية، وكانت تخرج تلك السيارات من السجون دون أن يعلم أحد أين تذهب، وما علمناه فيما بعد -وذلك بعد أن خرجنا من السجن- أنَّها تذهب في ضاحية من ضواحي تدمر وتُوضع هناك في منطقة -على ما أظن- اسمها تلة عويمر، وعُرِفت [الحقيقة] آنذاك وتؤخذ في السيارات، وكُشفت فيما بعد أما في ساعتها لم نكن ندرك ذلك، ولكن كنا نرى كيف تتم تعبئة تلك الجثث بطريقة صعبة، وكيف تدار تلك الأمور بسرية تامة، وكيف كانوا يرقصون على الجثث ويشدون الجثث -حتى يتأكدوا أنَّها ماتت- إلى الأسفل، وكان بعضهم يأتي بالكرابيج (بالسياط) لينال من الجثث وهي ميتة! لينمَّ هذا الأمر عن الحقد الدفين الذي اكتنزوه في قلوبهم على هؤلاء الشباب.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2022/12/28
الموضوع الرئیس
الاعتقال قبل الثورةكود الشهادة
SMI/OH/159-27/
أجرى المقابلة
خليل الدالاتي
مكان المقابلة
اعزاز
التصنيف
مدني
المجال الزمني
قبل الثورة
updatedAt
2024/08/09
المنطقة الجغرافية
محافظة حمص-سجن تدمرشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
جماعة الإخوان المسلمين (سورية)
سجن تدمر