قصص عن المحاكمات الميدانية في سجن تدمر-2
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:09:11:07
القصص في هذا المجال كثيرة جدًّا عن تلك المهازل التي يسمونها المحاكم العسكرية، والتي كانت تتكرر -كما قلت- مع الإعدامات وقد نشهد أحيانًا 3 محاكم أسبوعيًّا أو محكمتين أسبوعيًّا أو محكمة [واحدة] بحسب ما يتم تنفيذ الإعدامات، وما كانت تنتهي المحاكم إلا والشباب الذين خرجوا إلى هذه المحكمة مازالوا جاثمين على أرض مدببة كلها، والكرابيج (والسياط) تلعب في ظهورهم حتى المساء، يعني تبدأ المحاكمة أحياناً الساعة الـ 01:00 فيتغدون ويجلسون ويشربون الشاي على مهلهم (ببطء)، وهؤلاء يعذبون شبابنا، فيبدؤون في 01:00 وينتهون الساعة الـ 04:00 أو الساعة الـ 05:00، وبالتالي هؤلاء الشباب الذين يجلسون هذه الجلسة على أرض صعبة جدًّا، وهناك الكرابيج والشمس أيضًا تضرب على رؤوسهم وأجسادهم، ولا يعودون إلى مهاجعهم إلا وهم منهكون أكثر، وأحيانًا قد يعادل التنفس وأحيانًا قد يفوق التنفس من شدة هذا العذاب.
ولذلك حين أقول أنَّ المحاكم العسكرية كانت نوعًا من أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، لأنَّك ستخرج وتسمع من هذا المجرم وقد يكون لك نصيب من القتل (الضرب)، وتسمع حكمك طبعًا ليس لدينا براءة، والبراءة سيبقى من 10 سنوات وما فوق، وقبل تعديل القرار 49 الذي تكلمنا عنه في الحلقة الـ 7 والذي ينص على الحكم بالإعدام [على] كل من ينتمي إلى الإخوان المسلمين، وكان الشباب جميعهم ممن تمت محاكمتهم قبل التعديل الأول في منتصف 1982 أغلب ممن تقدموا وحوكموا في تلك الفترة حقيقة تم إعدامهم.
وبعد ذلك تم تعديله أنَّ من قام بالعمل المسلح هو من سيُعدم، وتلك الفترة أعدموا الآلاف المؤلفة من هؤلاء الشباب، ولذلك حقيقة المحاكم لدينا كانت قاسية للغاية وكانت مزاجية، وكان حين يرون شابًّا لديه الأنفة والعزة والكرامة كانوا يعدمونه، ويطلقون حكم الإعدام لأنَّه قرار مزاجي، لذلك الشباب حين انتبهوا إلى تلك النقطة كان إذا ما خرج [أحدهم] يوري عن نفسه ويتكلم بعض الكلمات أنَّه ندم، حتى لا تأخذ هذا المجرم العزة بالإثم ويكون سببًا في قتله من أجل كلمة، وهذا من باب التورية والتعريض الذي كان يقوم به بعض شبابنا في مثل تلك الحالات، وفي هذا الأمر لدى الشباب فرصة ليتخلصوا من حكم الإعدام الجائر الذي سيطالهم، ومع كل هذا الأمر نلاحظ أنَّ [هناك] أعدادًا كبيرة جدًّا ممن طالها الإعدام الجائر، علمًا أنها كانت -كما حللنا وسبرنا الواقع من هؤلاء الشباب الذين خرجوا إلى حبال الإعدام- [أنها] كانت تصفية جسدية لشباب سورية بكل فئاتها وطبقاتها الاجتماعية وكل أصنافها، وخاصة العلمية من العلماء والمفكرين والأطباء والمهندسين والمربين من الذين كان لهم باع كبير أو حركة وتأثير في الساحة.
ويبدو أنَّ الدراسات الأمنية التي لحقت بهم وبأضابيرهم (مستنداتهم) حوسبوا عليها إضافة إلى العمليات التي كانوا قد كُلِّفوا بها، والنشاط الذي كان مناطًا بهم وكل تلك الأمور حوكموا عليها، ومن كان مثلنا رُفعت لهم أعمارهم ومواليدهم من أجل أن يقضي عليهم، في إشارة واضحة أنَّ الأمر ليس محاكمة نزيهة وإنما تصفيات جسدية لجيلِ ثورةٍ وجيل كرامة وجيل عزَّةٍ يبدو أنه [كان] في طريقه لأن يتسلَّم قيادة البلد، لأنَّهم كانوا أغلبهم طلابًا -كما تكلَّمنا-، فحوكِموا بمحاكمات جائرة، وحتى من خلال -كما قلت- أنهم يرون أنَّ هناك شخصًا له تأثير، ومنهم من سيأتي الكلام عنه [وهو] طبيب على مستوى السجن، فكانوا يقتلونه تحت التعذيب إن لم يستطيعوا قتله في المحاكم كما حصل مع الطبيب زاهي عبادي -رحمه الله- صاحب الفضل الكبير على سجن تدمر بما قدَّم من أمور في مجال المعالجة.
إذًا المحاكم الميدانية كانت للتصفيات الجسدية، ومن كان يقوم على الإعدام هو القاضي أو رئيس المحكمة الميدانية هؤلاء هم من كانوا يقضون بهم، ويُسمعونهم أحكامهم ثمَّ يتلون عليه الحكم ثمَّ يحاكمون الدفعة الثانية التي ستخرج، وستكون مئة أو مئتين أو ثلاثمائة خلال 3 أو 4 ساعات وبإمكانك أن تتصور أنَّ 200 أو 300 شخص سيحاكمون خلال 3 ساعات؛ معنى ذلك كل شخص كم سيقف أمام القاضي؟ لتشعر تمامًا أنها محاكم هزلية وهي وسيلة وأدوات لتصفية هؤلاء الشباب، وكنا لا نسميها محاكم وإنما تثبيت حكم، فيسألون بعض الأسئلة وثمَّ يخرج من أمامه ويعود منهكًا إلى مهجع في صورةٍ قاتمة وصعبة جدًّا، وبالتالي يوم الإعدام نعيش يومًا كاملًا أسود يعني قاتمًا من الإعدامات الصباحية وحتى المحاكم الميدانية التي لا تنتهي حتى الساعة الـ 05:00 أو الـ 06:00 مساءً دون طعام أو تفقد أو غداء ودون العشاء، حتى يأتون بكل تلك الأمور في المساء في فترة متأخرة من اليوم.
ونحن أيضًا لم نكن في المهاجع في أريحية، وإنما نكون في ترقب وفي تعذيب دائم من الشرِطة الذين هم على الأسطح في الحرس، ويدركون تمامًا، ويحسبون بعض الحسابات أنَّ السجناء سيقومون بشيء من التمرد لأنَّهم فقدوا اليوم من شبابهم إعدامات، وتلك الأمور -كما قلت لك- مبرمجة بشكل دائم، وكنا بداية مصدومين في الأسابيع والأشهر الأولى، ولكن تأقلمنا مع هذا الواقع المؤلم والصعب، ولكن لا مفرَّ منه ولا مهرب.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2023/01/10
الموضوع الرئیس
الاعتقال قبل الثورةكود الشهادة
SMI/OH/159-29/
أجرى المقابلة
خليل الدالاتي
مكان المقابلة
اعزاز
التصنيف
مدني
المجال الزمني
قبل الثورة
updatedAt
2024/08/09
المنطقة الجغرافية
محافظة حمص-سجن تدمرشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
جماعة الإخوان المسلمين (سورية)
سجن تدمر