الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

الأوبئة التي حلّت على سجن تدمر - 1

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:15:17:21

سأتدارك نقطة عن المحاكم الميدانية من أحد الشباب الذين كانوا مسجونين معنا، وتُوفي في الثورة السورية، وقد التقينا به في عام 84 وكان يخدم في الشرطة العسكرية، وحولوه إلى المخابرات ليخدم في التحقيق، وكان لديهم من الأمر أن يلصقوا التهم الكثيرة بما يستطيعون لأكبر عدد ممكن ممن يأتي إليهم من الفروع، وتحويلهم مباشرة إلى سجن تدمر، ولذلك شهدنا في سجن تدمر في سنة الـ 84 وخاصة من أهالي مدينة إدلب وضواحيها أعدادًا كبيرة للغاية؛ أن اعتقلوا ما تستطيعون وألصقوا بهم التهم وحولوهم مباشرة [إلى سجن تدمر]، في إشارة واضحة أنَّه كان استهدافًا لهذه الكوادر من أهل السنة من أجل تصفيتهم.

 أما عن هذه الحلقة التي سأتكلم الآن عليها تحت عنوان "ضيوف ثقلاء" سميتها في كتاب "خلف أسوار تدمر" "ضيوف ثقلاء" فعلى الرغم من المتاعب والمصائب والآلام اليومية التي تمر معنا في جولتنا اليومية، فالحقيقة [أنه] كان ينزل في مضاربنا ضيوف.. ضيوف لكنَّهم ثقلاء والضيف مهما كان ثقيلًا لا يمكن الهرب أو التخلص منه أبدًا.

 ما عنيته بالضيوف الثقلاء كما قلت أنَّ هؤلاء سيحلون في بيتك ومضاربك ولا يمكن أن تهرب منهم؛ على سبيل المثال الأمراض التي نزلت في سجن تدمر والتي عمَّ بلاءها جميع مهاجع وأفراد السجن على الإطلاق تقريبًا في السنة الأولى 1981، نزل علينا الكوليرا، والذي كان حقيقة من أصعب الأمراض التي حلَّت ونزلت في السجن والتي حصدت أرواحَ الكثير من شبابنا، وثمرة أو نتيجة هذا المرض كانت سريعة للغاية، وكان يُصاب الأخ لدينا في مرض الكوليرا في الوقت الذي لا نملك من الدواء شيئًا، وكنا نلاحظ عليه الإسهال والإقياء الساعية فإذا ما رأيته صباحًا وقد أُصيب بهذا المرض لو نظرت إليه الساعة 10:00 أو الساعة الـ6 مساءً تراه أنَّه غارت عيناه في وجهه وصار عظمة وجلدة فقط [نحيلًا] بشكل مخيف جدًّا وسرعان ما يفارق الحياة.

ولذلك أمام هذا الخوف من إدارة السجن أن ينتقل هذا المرض إليهم مباشرة جهزوا مهجعًا خاصًّا، وسموه مهجع الكوليرا لحصر السجناء في مكان واحد، ليس خشية علينا، ولكن خشية على أنفسهم من أن ينتقل إليهم المرض، وكان عام 1981 من أصعب الأعوام وخاصة هذا المرض الذي تربع في مضاربنا وحصد الكبير من الشباب، إضافة إلى من عُلِّقوا على حبال المشانق وإضافة إلى من صُفُّوا في ساحات القتال، والحمد لله لم يمكث كثيرًا ولكن مكث أشهرًا قليلة، ورحل من غير رجعة، ولكن حصد من أرواح شبابنا الكثير.

 ليأتي في عام 1982 مرض الجرب وترافق دخول الجرب مع انقطاع المياه في سجن تدمر، وانقطعت المياه تقريبًا 3 أشهر، وبالتالي تصور المهجع فيه 200 شاب سيعيش على 10 بدونات (وعاء لتخزين المياه) من المياه للوضوء والشرب والغسيل والاستحمام، وبالتالي عشنا حياة من أقسى ما يكون في استخدام المياه، وليس لك أن تشرب إلَّا أنهم خصَّصوا -وأذكر آنذاك حين كنا نخلد إلى النوم الساعة الـ6- يكون لكل واحد نصف كأس من المياه، والباقي أنت تحتاجه للجلي والغسيل والحمامات وهكذا، وبالتالي عشنا حياة كانت قاسية للغاية، وكانت مؤهلة ومرتعًا ليدخل هذا المرض ويتغلغل في أجساد شبابنا.

الجرب كان على نموذجين: نموذج لم يكن منه إلا الحكة فقط، ولكن السجن كله أُصيب بمرض الجرب لأنَّه كانت الحكة واضحة عند الجميع، وكانت الحقيقة [أنها] لا تجعل الشباب ينامون لا ليلًا ولا نهارًا، أما النموذج الآخر منه كان حقيقة صعبًا للغاية، وكان يتحول إلى حب في الجسم ممتلئ بالقيح بمنظر كان مؤلمًا لصاحبه، وحتى في علاجه الذي سيكلفه الكثير، والذي قد يكون صعب المنال في السجن.

النموذج الثاني من أنواع الجرب والذي أصاب أيضًا السجن هو ما كان متزامنًا مع تحول الحكة إلى حبوب، وهذه الحبوب هي ممتلئة بالقيح، والتي كانت تؤرق حياة الأخ المصاب، ولكن الحمد لله لم يكن العدد الكبير مصابًا بهذا النوع، وما زلت أذكر أحد الشباب -رحمه الله- كان قد استُشهد فيما بعد واسمه عبد الكريم الصالح -على ما أظن-، وشاهدته آنذاك وكان الحب عنده -حب الجرب- تقريبًا من رقبته إلى أسفل قدميه بمنظر رهيب جدًّا، كان حين يرتدي البيجاما (لباس من قطعتين للنوم) يرتديها في الصباح، وعند الظهر يمكن له أن يخلع هذه البيجاما ويمكن له أن يضعها على الأرض فتقف، لأنها قد امتلأت من القيح والدم لشدة ما أصابه من هذا الأمر، وما كان يترتب على الجرب، [لأنه] كان يترتب عليه الكثير من الآلام النفسية والجسدية، وكان يحتاج للدواء، وكانت إدارة السجن أيضًا -لتحد من هذا المرض بشكل أو تخفف منه- كانت تقدم لنا شيئًا من الدواء، ولكن كان له كلفة، يعني عندما سيخرج من هذا المهجع 10 أو 20 شخصًا أجرب سيذهبون إلى الحمام، وتكلمنا عن مآسي الحمام وماذا تكلفه من القتل (الضرب) والرعب والخوف، حتى يحصل على دهنة ويدهن جسده.

ومازلت أذكر أحد المهاجع -المهجع [الذي] قبلنا 25- قال له: كم لديك من الجرُب؟ فقال: 30 وقال: أخرجهم فخرجوا إلى الحمام في الشورت (سروال قصير) وعادوا ولم نسمع لهم أية حركة؛ يعني كان يومها حمامًا نظيفًا ليس هناك تعذيب أبدًا، وهنا شبابنا في المهجع 26 دهنوا في الباحة للجرب ودخلوا إليهم، ومهجعنا 26 فاستبشرنا خيرًا أنَّ الأمر جيد وبالتالي لم يستطيعوا إخراجنا بعدهم، وإنما أجلوا إخراجنا لليوم الثاني، وأتوا في اليوم التالي وسألوا رئيس المهجع - اسمه محمد جمال العيار- رحمه الله أيضًا استُشهد على حبال المشانق، [وكان] من الشباب الطيبين الشجعان جدًّا، قال: كم لديك من الجرُب؟ قال: 40 قال: أخرجهم في الشورت وخرجوا في الشورت وإذا بهم 60 أو 80 شخصًا طمعًا أنهم سيحصلون على الدواء، وخاصة لا توجد كرابيج (سياط) ويذهبون إلى الحمام فيستحمون، وإذا به حين رأى أنَّ العدد كبير قال: يا رئيس المهجع أنت تكذب علينا! قلت: لديك 40 وخرج 80، وقال: هؤلاء يا حضرة الرقيب وكانت معدة لحفلة من القتل (الضرب) وأنا كنت من ضحاياها ولم أخرج مع هؤلاء، ولكن ما حصل جراء تلك الحادثة [أنه] قال طبيب السجن آنذاك لهم: المريض أو الأجرب يجلس على جنب، فيصفون كلهم، والمريض يصف على جنب مرة ثانية، ويصفون كلهم لأنَّ أحدهم لو يتراجع الآن سيموت من القتل (والضرب)، والله أعلم لذلك كانوا يأخذون القرار [بأن] الواحد يصف على جنب، فيصفون 80 شخصًا، وقالوا: لقد عذبتمونا وسوف نعذبكم، وتحول الحمام إلى إيعاز من رئيس الحرس يومها (الشرِطة) إلى رئيس المهجع فقال: خلال 3 ثوان أو 10 ثوان سيكون المهجع كله في الشورت في الخارج، وفعلًا أخرجونا في الشورت وكنا 200 شخص آنذاك، والجُرب بقوا في الخارج ونحن وضعونا على الجدران ووضعونا في وضعية السجود -سجود الصلاة- وأيدينا وراء ظهورنا اثنين اثنين، وإذ بها كانت معدة للتعذيب الجسدي وبقينا حوالي نصف ساعة إلى ثلث ساعة وحقيقة كانت واقعة لم أنساها في أبد حياتي [أبدًا] لما أكلنا (بسبب ما تعرضنا فيها) من القتل (الضرب) بجميع أنواع أسلحة القتل والسياخ والحديد والمبرومة وبواري (قضبان) الحديد وعصي القبان وكان طوله مترين، وهي مستديرة إذا ما أحد أكل (تعرض) بها ضربة أعتقد [أنها] تكسر له ظهره، وسبحان الله لأننا وقعنا في هذا الخطأ، وحين انتهوا من قتلنا (ضربنا) بهذه الطرق البشعة جدًّا أعتقد [أن] أصواتنا وصلت إلى مدينة تدمر بكل أريحية، وكان موقفًا صعبًا جدًّا.

 وبعدها أُدخلنا إلى المهجع بطريقة الزك زاك (متعرجة)، وبالتالي شرطي من هنا وشرطي من هناك، وإذا لم تأكل (تصبك) قتلة (ضربة) من هذا سيصيبك الثاني، حتى إذا دخلنا المهجع وحين يدخل أحدنا يرى ظهر أخيه وأصبح أسود من كثرة الكرابيج، وبعضهم من الدماء التي سالت بعد أن سُلِخ جلده، وبعضهم [تُوفي]، وما زلت أذكر [شابًّا] -وقد توفي- من شباب سرمدا، واسمه مضر كدجان، والذي عندما دخل وحقيقة حتى يتخلص من هؤلاء السجانة الذين وقفوا في طريقه عن يمينه وشماله وحتى يتخلص من كرابيجهم اصطدم في زاوية حديد المهجع، وبالتالي أصابته تقريبًا حوالي 5 سم وكُسِر العظم في جبهته بالكامل، وأنا رأيتها بأمِّ عيني دون أن يعلم شيئًا مما أصابه من هول الموقف آنذاك، وحتى إذا ما أُغلق الباب هو نظر إلى من كان قبله وقال: انظر إلى ظهرك ونظر إليه وضحك، فقال: انظر إلى وجهك لترى ماذا حلَّ بك.

 وكل تلك الأمور هي من المآسي لهذا الجرب ليخرجوا إلى الحمام وينال أحدهم جرعة من أجل أن يداوي نفسه، وحقيقة كان هذا الداء له نصيب كبير في سجن تدمر، والذي أقضَّ من مضاجعنا إلا أنه لم ينل من أرواحنا بفضل الله عز وجل.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2023/01/10

الموضوع الرئیس

الاعتقال قبل الثورة

كود الشهادة

SMI/OH/159-30/

رقم المقطع

30

أجرى المقابلة

خليل الدالاتي

مكان المقابلة

اعزاز

التصنيف

مدني

المجال الزمني

قبل الثورة

المنطقة الجغرافية

محافظة حمص-سجن تدمر

شخصيات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

كيانات وردت في الشهادة

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

سجن تدمر

سجن تدمر

الشهادات المرتبطة