اقتحام حي الرمل الجنوبي والاعتقال للمرة الثالثة في فرع الأمن السياسي
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:14:44:22
موضوع السلاح في الحقيقة أنا لم ألمسه (لم ألمس وجوده)، وخصوصًا أنه كان هناك إصرار حتى في حي الرمل الجنوبي على أنه يجب علينا الحفاظ على سلمية الثورة، ولكننا بدأنا نسمع بعض الأصوات من أبناء المنطقة [تقول]: يجب علينا التحضير لمرحلة في حال سعى النظام إلى فض الاعتصامات والمظاهرات بقوة السلاح كما فعل في مراكز المدينة، فبالتالي نحن يجب أن نكون مستعدين لهذه المواجهة، وهذا الصوت بدأ يكبر داخل الرمل الجنوبي، وأنا لم أحضر أي اجتماع من هذا الشكل، لم يحصل ولم يكن عندي علاقات أبدًا مع شباب لديهم هذا التوجه، وحتى على المستوى الشخصي، لم أكن أؤمن، ودعني أقول أنه إلى مابعد الاعتقال الرابع حتى بدأت أفكر كمصطفى بأن السلمية لم تعطِ نتيجة، وقبلها... وهذا دلالة، فشخص يدخل مرة أولى وثانية وثالثة ورابعة وأنا مصر على سلمية الثورة! فتخيل كم كان عندنا [تمسك بالسليمة]، ولم نتقبل السلاح كفكرة، فقد كنا نحب إنهاء الثورة السورية في سورية كما انتهت في تونس ومصر، بمعنى أن النظام يسقط وأنت تحافظ على سلميتك؛ لأنني لم أكن أؤمن بحمل السلاح في الثورة السورية، ولكن في النهاية هناك آراء أخرى يجب أن تسمعها، والشباب إلى حد ما يدركون بأنهم في الكثير من المواضع والأماكن الأخرى كانوا على حق، وأنه يجب علينا أن نستعد، فإذا كان النظام يريد الاقتحام فيجب أن نكون مستعدين حتى ندافع عن أهلنا؛ لأن العلوي هنا -مع الأسف- أخذ موقفًا، الغالبية من العلويين أخذوا موقفًا وأنهم منحازون للنظام، وبالتالي أعداد الأجهزة الأمنية لم تكن كافية حتى تحقق هذا الانتشار في المدينة بشكل كامل، وبالتالي استعانوا، وأصبحوا [يقبلون] شبابًا متطوعين من الطائفة العلوية ليعملوا معهم، وهذا الشيء كان واضحًا من خلال العلاقات السابقة، وإذا سألت عن ابن فلان يقولون: إنه أصبح مع الأمن، وفلان مع الأمن، وجميعهم يذهبون باتجاه الأمن، ومنهم من اعتبرها واجبًا وطنيًا، وأنه يجب أن تنحاز إلى الأمن ضد خيار الشعب السوري، وهذه هي المشاهدات التي كانت في داخل الرمل الجنوبي على اعتبار أنه قبل الاقتحام في بداية شهر رمضان (آب/ أيلول 2011) اعتقلت للمرة الثالثة من قبل الأمن السياسي، من مكان إقامتي، دخلوا واقتحموا، ولكن لم يكن عندهم أي دليل، ففي هذا الاعتقال لا يوجد عندهم أي دليل على مصطفى؛ لأننا كنا ننشط في المظاهرات الطيارة التي لا يستطيعون أن يعرفوا أنني مشارك بها، وفعلًا أخذوني باتجاه فرع الأمن السياسي وعلى نفس المنفردة التي رقمها 7، ولكن بدون أي تحقيق، كانوا كل عدة أيام يخرجونني ويعذبونني، أتعرض للتعذيب والضرب والشتم ثم أعود، ولكن لا يوجد تحقيق، لم أكن أعرف أن الهدف من ورائها...، لم أكن أعرف أهداف هذا الاعتقال، ولم أفهمه، ولكنني فيما بعد عرفت -بعد عدة أيام عندما بدأ الاقتحام على الرمل الجنوبي- ففهمت أنه كان لكل الشباب الذين نشطوا في الفترة السابقة من مركز المدينة، وهؤلاء يجب أن يتم اعتقالهم؛ حتى لا يفعلوا شيئًا إذا تم الاقتحام على الرمل الجنوبي.
بقيت لمدة 63 يومًا تقريبًا في فرع الأمن السياسي، حينها كانوا قد اقتحموا حي الرمل الجنوبي (حصل اقتحام الرمل الجنوبي في 14 آب/ أغسطس 2011 - المحرر) وبدأنا تجربة جديدة في الفرع، وهي أن النظام عندما يبدأ معركة ويعتقل الناس فإنه يتحول إلى وحش مرعب، لأنه حصل اشتباك أثناء دخول النظام إلى الرمل الجنوبي، وبالتالي فإنه كل يوم بعد العشاء أو بعد التراويح يتم إحضار معتقلين جددًا من الشباب، وكل يوم كان هناك دفعات كبيرة، وبدت أعداد عناصر الفرع السياسي القدماء قليلة جدًا، واستقدموا أعدادًا أكبر من عناصر الأمن، و كانوا عبارة عن وحش كاسر وأشخاص آخرين لا يشبهونك كسوري، وعنصر فرع الأمن السياسي تحديدًا في الشهر الثامن (آب/ أغسطس 2011) وما بعده كان إنسانًا آخر، وهو يعتبرك عدوًا بالمطلق، ولم يعد يتعامل معك كسوري، وأنه من الممكن أن تكون أخطأت أو تم شراؤك، بل أنت عدو، والقضية أصبحت قضية وجودية، وهذا ما تلاحظه من حجم التعذيب والضرب والشتم، وكان هذا الأمر يُطبق على الجميع، و لم نكن نستطيع النوم حتى بعد صلاة الفجر؛ لأنه حتى صلاة الفجر كان هناك تعذيب، وأنت تسمع صراخ الشباب الذين يتم أخذهم إلى التعذيب، ويوجد نساء وأطفال وصعق بالكهرباء، يعني شيء لا يتحمله العقل، وكان ذلك خلال فترة 60 يومًا من الاحتجاز؛ لأن النظام كان يريد أن يضمن عدم تحرك الأحياء الثانية، كان كفيلًا بشكل أو بآخر أن يحولنا إلى أشخاص آخرين.
كنا نأخذ المعلومات عما يحصل في الخارج من خلال المعتقلين الذين كان يتم إحضارهم إلى الفرع، فعندما يحضرون شخصًا جديدًا كنا نحب أن نسمع ماذا يحصل في الخارج، والشخص الجديد يحب أن يسمع منا ماذا سيحصل في الداخل الآن، وطبعًا مصدر المعلومة لجميع السجناء كنت أنا على اعتبار أنني أقدم شخص وأكثر شخص لديه خبرة.
ومن المشاهدات التي لا يمكن أن أنساها والتي حصلت معي أنه في إحدى المرات أحضروا شخصًا، وكان يسأل في المنفردات: ماذا سيحصل الآن؟ فقالوا له: تكلم مع السيجري. وطبعًا نحن لا نرى بعضنا، ونسمع بعضنا فقط، ومن منفردة إلى أخرى قالوا لي: جاء شخص جديد وعنده عدة أسئلة، وتحدثت معه، وسألته: من أين أنت؟ فقال: ماذا سيفعلون بي؟ فقلت له: ومتى أتيت؟ فقال: الآن. وسألته: هل حققوا معك؟ فقال: لا. فقلت له: خلال ساعة أو ساعتين يأخذونك إلى التحقيق، وإذا لم يكن عليك إثبات أو دليل فلا تعترف بشيء؛ ستتعرض للتعذيب، ولكن يجب عليك أن تصبر. وأنا كنت أتحدث بصوت منخفض، وهو يبعد عني 10 منفردات تقريبًا أو أكثر، وقلت له: اصبر، وسيأخذونك غدًا. وأيضًا سوف تتعرض للتعذيب، ولكن لا تعترف بشيء، ولديك 3 جلسات، وإذا تعرضت فيها للتعذيب ولم تعترف بشيء فسوف ينتهي الأمر، وكنت أحفظ هذا الروتين، وعندما قلت له: سينتهي الأمر. تفاجأت بأن أحد عناصر الأمن كان يقف عند الباب، ويسمع كلامنا، ولا يمكن أن أصف هذا اليوم، فتح [عنصر الأمن] باب المنفردة بكل وحشية وسحلني إلى الخارج، وقام بعصب عيني، وطبعًا كان يصرخ حتى يأتي عناصر الأمن، وعندما انتهى من عصب عيني جاء عناصر الأمن، وأخذوني باتجاه مكان التحقيق، وأدخلوني إلى غرفة، وأعتقد أنه كان هناك 10 عناصر، والغرفة فارغة، وكنت أصطدم بالجدران، وتعرضت لتعذيب غير طبيعي لدرجة وصلت فيها إلى مرحلة من ...، ولا يوجد شيء أمامك، ولا يوجد شيء يرهبك، بالإضافة إلى موضوع الشتائم: "سوف أفعل بأمك وأختك". يعني كان جنونًا، عندما دخلت إلى المعتقل كنت ملتحيًا قبل الثورة، وقاموا بنتف كل لحيتي بأيديهم بالإضافة إلى الصعق بالكهرباء، وهم كانوا مصابين بالجنون، وأنا وصلت إلى مرحلة لا أخاف فيها من شيء، ولا أهتم بشيء، حتى لو كان الموت، والموت لم يكن ضمن حساباتنا، واستمر الأمر بهذا الشكل حتى قالوا: يكفيه، لكنهم كانوا بكل لؤم...، و[كأنهم يقولون]: أنت ماذا تفعل؟ لقد اعتقلت عدة مرات، فما هو الحل لأمرك؟
وأخذوني، ولم يعيدوني إلى المنفردة، وإنما إلى غرفة جماعية فيها مجموعة من الشباب، وفي تلك اللحظة لم أفهم ما هو السبب أنهم لم يعيدوني إلى المنفردة، ولكن فيما بعد عرفت أنهم في هذه الفترة اضطروا للمنفردة، ووضعوا فيها شخصًا؛ وبالتالي لا توجد منفردة فارغة، فوضعوني في غرفة جماعية، وعندما ذهبت إلى الغرفة الجماعية، وطبعًا الغرفة فيها كاميرا مراقبة ويمكنهم رؤيتك، ولكنني لم أعد أخاف من شيء، وأول شيء فعلته هو أنني ذهبت إلى المغسلة، وتوضأت، وصليت ركعتين، وكنت مرهقًا، فشكرت الله سبحانه وتعالى، وأخذت أدعو عليهم بأعلى صوت، وكل المنفردات والجميع كان يسمع دعائي، ودعوت عليهم دعاء غير طبيعي: اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم عليك بالكافرين الفاجرين. وطبعًا كان في الغرفة 60 شخصًا تقريبًا، وعندما فتحوا الباب، ورموني على الأرض، كان الجميع يتجه بوجهه نحو الجدار، ولا أحد يستطيع أن يراني، والكاميرا موجودة، وهم يخافون جدًا، وهذا حقهم، وتوجهت نحو المغسلة، وتوضأت، وصليت، وبدأت أدعو، ولاتزال وجوه الشباب نحو الجدار، وعندما انتهيت من هذا الدعاء، ودموعي كانت تنزل، فتشجعوا قليلًا، وأصبحوا يأتون باتجاهي والكاميرا موجودة، وكانوا يتوقعون أنني عندما بدأت بالدعاء أن يأتي الأمن، ويأخذني، وكنت جاهزًا، ولا توجد عندي مشكلة حتى لو قتلني، ولكن لم يعد عناصر الأمن، وهم كانوا يسمعون كل شيء، والمنفردات كانت كلها تسمع، وبعدها أصبحنا نتذكر هذا اليوم وهذه اللحظات بعد أن نقلونا إلى السجن المدني، وكنا نضحك.
تجمع حولي الشباب، ونسيت كل الألم والتعب، وكان هناك فلان وفلان، كنا في المظاهرات مع بعضنا، وهنا تجد حجم الأخوة والمحبة، والأخ الحقيقي الذي رأيته في هذه الدنيا هو أخي في الثورة وليس الأخ في الدم، فقد عشنا أيامًا هنا في الجماعية، ثم أعادوني إلى المنفردة؛ لأنهم شعروا... [وكأنهم يقولون]: نحن ماذا فعلنا بأنفسنا؟ لقد وضعناه في الجماعية، والآن سوف يقوم باجتماعات داخل السجن. وهذا الأمر لم يكن مقبولًا، ولكنني فيما بعد فهمت أنهم استثمروا أول عدة أيام حتى يعرفوا، وكانوا يراقبونك بالكاميرات حتى يعرفوا ماذا تتصرف؛ لأن معظم الشباب الذين يتم استقدامهم إلى فرع الأمن فإنه بطبيعة الحال يقول الشاب: أنا ليس لي علاقة، وتم اعتقاله بالخطأ. فيحاول النجاة بنفسه، وهذا حقه الطبيعي ويخفف عن نفسه العذاب، وقلة قليلة جدًا هي التي كانت تعلن مواقفها داخل فرع الأمن، وحتى اليوم أشكر الله سبحانه وتعالى أنني كنت ممن أعلن موقفًا واضحًا؛ لأنه في النهاية لن يتبدل عليك شيء، وكنت أحترم نفسي، وأحترم ذاتي، ولا أقول لهم ليس لي علاقة، وتم اعتقالي بالخطأ، وأنا لست ضد، لا، كانت مواقفي واضحة وصريحة، وحتى عندما تم نقلنا باتجاه القضاء إلى القاضي، سمعنا بأن بشار الأسد ألغى قانون الطوارئ، فقد بدأت هذه الثورة تثمر، ويتغير الوضع، ونحن انتظرنا، فقد يمكننا حصاد ثمار هذه الثورة، وتم إلغاء قانون الطوارئ، وأن الوضع سيتغير الآن، ولكن حدث عكس ذلك، فإذا كان في الوضع السابق يخلي سبيلك من فرع الأمن فالآن لايخلي سبيلك من فرع الأمن، ولكن يتم تحويلك إلى القاضي، والقاضي بحكم ما وقعت عليه والمكتوب فسوف يوقفك، وخضنا تجربة جديدة.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2021/12/27
الموضوع الرئیس
الاعتقال خلال الثورةالحراك السلمي في اللاذقيةكود الشهادة
SMI/OH/61-24/
أجرى المقابلة
يوسف الموسى
مكان المقابلة
أنطاكيا
التصنيف
مدني
المجال الزمني
آب 2011
updatedAt
2024/08/14
المنطقة الجغرافية
محافظة اللاذقية-مدينة اللاذقيةمحافظة اللاذقية-الرمل الجنوبيشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
فرع الأمن السياسي في اللاذقية