الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

سيرة ذاتية وواقع محافظة إدلب قبل الثورة

صيغة الشهادة:

فيديو
صوتية
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:18:17:10

أحمد عاصي من مواليد إدلب، قرية سرجة التابعة لمنطقة أريحا، أحمل إجازةً في الإعلام من جامعة دمشق، وأحمل إجازةً من جامعة الأوزاعي في لبنان، وأعطيت شهادتي حول الأحداث التي شهدتها، ومطلع على تفاصيل الثورة السورية منذ بدايتها في محافظة إدلب حتى مرحلة متأخرة. 

أنا مواليد 1987، وفي بداية الثورة كان عمري 24 سنةً تقريبًا، منطقة أريحا ومحافظة إدلب تعتبر من المناطق النائية، وأطلقت تسمية قبل سنوات "المدن المنسية"، وأعتبر إدلب كلها تدخل في هذا السياق بالكامل، وهي محافظة منسية بالمعنى الحرفي، منسية تمامًا، وهذه سياسة يتبعها نظام الأسد في حالة قطع وعدم قبول لتلك المناطق، وإدلب في أحداث الثمانينات كان لها دور مقبول نوعًا ما، وجعل ذلك الأمر نظام الأسد ينقم على تلك المحافظة، وكانت تعيش على هامش الحياة، وهذا الأمر ينسحب على سورية، ولكن محافظة إدلب بحكم كونها ريفًا، وكان الاهتمام بها من كل النواحي ثقافيًّا واجتماعيًّا، وفكريًّا في أسوأ مراحله في عهد الأسد بالكامل.

 وطبعًا المنطقة بشكل عام عاشت ضمن هذا الجو، غياب شبه كامل، ولم يكن لدينا حياةً فكريةً، ولا ثقافيةً تعيشها المنطقة إلا بجهود فردية يقوم بها بعض لن أقول الناشطين، إنَّما المثقفين، ويتميز كل شخص في مجال اختصاصه، مثلًا: الأدباء والشعراء في هذا الفن، والكتاب، في تلك الفترة على قلتهم، وكان يقام في المحافظة بعض تلك الأنشطة، وفي مناطق متفرقة تتعلق وهي أقرب إلى الأمسيات الثقافية، والأمسيات الشعرية، وعمليًّا بإمكاننا القول الحياة السياسية في المحافظة كانت جامدةً إن لم نقل منقطعة لم يكن هناك حياة سياسية.

 والمشهد الذي مثله نظام الأسد في سورية كان في أوجه في إدلب، والناس ملزمة أن تعيش هذا الواقع، بحكم لا يمكن فعل شيء، وليس بمقدورك أن تبتدع أفكارًا أو حوارات، وهذا الموضوع ممنوع أن نناقش وتتكلم في السياسة، وخلال حكم آل الأسد لـ 40 سنة فاتت كان هناك تصحر سياسي بالكامل، والناس كانت تدرك أهمية الثورة على هذا النظام، وهذا تبين بعد حصول الانفتاح على الإعلام في الأعوام الأخيرة التي سبقت الثورة. 

 من أكبر العوائل عائلة عاصي، في قرانا أقل ما يمكن قرية سرجة وقرية بزابور وشنان، وأيضًا هناك عائلة الشيخ، وهما أكبر عائلتين في المنطقة، وفي أحداث الثمانينات كانت العائلتان منخرطتين بالكامل في [تنظيم] الإخوان [المسلمين]، وكان هناك أشخاص كثر منتسبين بشكل رسمي، ومنهم مقربون ومتعاونون مع التنظيم، وهذا حال كل الناس المنتسبة إلى الإخوان في سورية.

 المنطقة دفعت ثمنًا باهظًا، والعائلتان على الصعيد الشخصي دفعتا ثمنًا أكبر، إنما المنطقة بشكل عام وهذا سبب نقمة النظام على محافظة إدلب، وسابقًا على محافظة حماة، وعلى كل المحافظات التي تحرك الإخوان فيها تحركًا بارزًا، وعلى الأخص عائلتنا التي دفعت ثمنًا باهظًا، وكل الأفراد الذكور من عائلتنا إما معتقل أو استشهد، ومنهم من فر ولم يستطع العودة إلى سورية.

 وفي خضم هذا الواقع المرير، ونحن على صعيد العائلة هناك الكثير من حملة الشهادات الجامعية، ولكن لا يستطيعون أن يتوظفوا في أي قطاع من قطاعات الدولة؛ لأنّهم بحاجة لموافقة أمنية، ومجرد أن يكون اسمك [من عائلة] عاصي هذا كفيل بأن ترفض تلقائيًا. 

هناك قسم من العائلة بقي على سلوك آبائه وأجداده في موضوع الالتزام الديني، وهذه الظاهرة لم تكن لدينا، وإنما ظهرت في سورية بشكل عام، وجسدتها حالة الجهاد في العراق، والنظام كان له دور كبير في إظهار هؤلاء الأشخاص، أو الناس التي تفكر هذا التفكير، أو المندفعين الذين يمكن استجرارهم في هذا الاتجاه، وبغض النظر ما حصل في العراق لم يكن العمل منظمًا بالمعنى الصحيح للكلمة، وإنما كان بشكل عشوائي شباب مندفع متحمس رأى العراق تسقط بيد الاحتلال، وهذا واقع صعب، وكان هناك ردة فعل في الشارع العربي والإسلامي، ومنطقتنا تأثرت بشكل كبير؛ بحكم الخلفية عند الأشخاص، لديهم خلفية تتعلق بالجهاد وحمل قضية الأمة، والدفاع عن المنطقة وإلى ما هنالك.

 وكان في العائلة تحرك من هذا القبيل، وأذكر أشخاصًا قلة ذهبوا إلى العراق، وبعد هذا الجو حصل بعض الانفتاح بعض الشيء، والناس بدأت تصحو أنَّه يجب أن نفعل شيئًا، وهذا جعل تحركًا لبعض الجماعات الجهادية والإسلامية، لا أعتقد أن هذه توصيفات دقيقة وصحيحة وإنما ممكن أن تدرج في هذا الإطار.

 وفي 2004 اعتقل من عائلتنا 11 أو 12 شابًّا، من جملة الاعتقالات في سورية، والتي بلغت 4000، وفي البداية لم يكن أحد يعرف أنَّه قد اعتقلهم الأمن العسكري في إدلب، وبعد ذلك اتضح الملف من كثرة الاعتقالات في سورية التي وصلت إلى 5000 معتقل تقريبًا، وتم الزج بهم في [سجن] صيدنايا، وطويت هذه الصفحة، ولولا الثورة ربما لا أحد يعرف عنهم شيئًا. 

في 2006 سجلت إعلامًا في جامعة دمشق تعليمًا مفتوحًا، وفي 2007 عبر أصدقاء فقد ذكروا أمامي صحيفةً إلكترونيةً بدأت العمل، وتريد مراسلين في إدلب، وتواصلت مع الصحافة، وكانت مشروعًا جديدًا عن الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية، منبثقة عنها "إي سيريا" أو "مدونة وطن"، والهدف منها: نقل مشهد المحافظات السورية بشكل كامل، الحياة الاجتماعية والثقافية، والجوانب المعيشية بشكل كامل، وهي حكومية تابعة للحكومة الجمعية السورية للمعلوماتية. 

وبدأت العمل، وهنا أول خطوة عملية بدأت بها، والذي كان جميلًا فيها في "إي سيريا" أنَّها كانت منوعةً وتكتب بكل الاتجاهات التي تخطر ببالك، من الرياضة والأدب والفن والتقاليد والطقوس، والأماكن، وهذا الأمر ساعدني وجعلني أطلع على إدلب بشكل لم يسبق لي ذلك، وعلى مناطق أخرى في سورية، وهذا التواصل والتحرك باتجاه المناطق الأثرية والأعراس، والعادات التي تسود في المنطقة جعلني أتواصل مع شريحة واسعة من الناس، وأصبح هناك معارف كثر على امتداد محافظة إدلب، واطلاع على الثقافات بشكل عام، وبنفس الوقت كان يتم الحديث بسياق عام كيف يمشي البلد، وكنت تأخذ أفكارًا من الناس بشكل مباشر أو غير مباشر، وكان في تلك الفترة انتقاد الدولة أو النظام خط أحمر، وفي بعض المرات عبر المزاح ربما تفتح حديثًا في مجتمع معين، وترى الناس أحجمت مباشرة، والناس تعلم أنَّ موضوع الجهاز الأمني لنظام الأسد يضبط المنطقة بشكل كبير عبر المخبرين، وكان المشهد مريعًا حقيقة.

وكان أيضًا بحكم طبيعة العمل هناك تواصل مع مؤسسات الدولة على كافة الأصعدة، وبشكل كبير، وتفاجأت؛ لأنني أول مرة ألمس بشكل مباشر حجم الفساد الذي كانت تعيشه المنظومة الحاكمة، وكان هناك فساد هائل، وأنا شخصيًّا لم أتصور المشهد بهذا الشكل، ولكن تبين لي خلال تلك التجربة خلال 3 سنوات قبل الثورة أنَّ النظام السوري سيسقط؛ لأنَّه لا يمكن أن تستمر دولة في العالم قائمة على التقارير والرشوة والفساد والارتباط الأمني بشكل غريب، وليس لديك بنية تشبه الدول المتقدمة، أو الدول التي يمكن أن تستمر بالعمل، وكان هناك حالة تفكك بشكل كامل في مؤسسات الدولة، عرفت أشخاصًا وعرفت كيف تجري الأمور، وكان شيء ملفت للانتباه كيف كانت هذه المؤسسات قائمة؟ السرقة تتم بشكل مباشر وعلني.

[بالنسبة لمنع التصوير] لم أتعرض إلى شيء بشكل مباشر، إلا مرة كان هناك مرَّة في مهرجان طلائع البعث في محافظة إدلب، وكان هناك عدد من المسؤولين يريدون أن يلقوا كلمةً في محافظة إدلب، وكان يبدو أنَّ منهم أعضاء القيادة القطرية، وكنت أريد أن أصور ومنعوني؛ لأنَّهم لا يعرفون من أنا، وأبرزت البطاقة الصحفية توم السماح لي.

 ومرة أخرى في جمعية المحاربين القدماء، أتيت أنا لأصور، وشخص يلقي كلمة، ولا أعرفه، لأول مرة رأيت اثنان أخذوني من الوراء، وأغلقوا الكاميرا، وأشار لهم الشخص أن ترووا، وتبين أنَّه نوفل الحسين رئيس فرع الأمن العسكري، وقال لي: احذف الصورة بشكل مؤدب، وقلت له: أحذف الكاميرا وليس فقط الصورة.

كان موضوع أنَّك صحفي في تلك الفترة؛ على الرغم من أنَّ الوضع تعيس، ولكنْ هناك حيز جيد معين.

 أنَّك صحفي يعني أمورك سهلة، ولكن طالما أنَّك في إطار الرياضة والأطفال، أما غير ذلك لم يكن هناك شيء، ولم يكن هناك شيء اسمه صحافة، وكانت الصحافة تمر في احتكار آل الأسد في المطلق، واليوم لدينا صورة معاكسة، وأصبح هناك تطفل بشكل غريب، وقبل ذلك كانت احتكارًا. 

الثورة السورية لم تظهر عن عبث، وهذا له أهمية كبيرة للغاية، وأحيانًا أكون في إحدى القرى… حتى حصل معي موقف مضحك في إحدى الاجتماعات في إدلب، وكان هناك المحافظ، وكان بجانبي شخص يكتب وعرفت أنَّه عنصر أمن، وبعد اللقاء قال لي: زميل حضرتك؟ ورآني أصور، وفكر أنَّني أثقل منه كعنصر أمن، وكان أمرًا مضحكًا، وموقفًا مضحكًا، وقال مع من تعمل؟ وقلت: أعمل مع موقع كذا، وقال: اكتب لي ما هو، وكتبته بالإنكليزية، فقال: بالعربية لو سمحت، وكان هناك شخص بجانبي أصبح يضحك، وكان عميدًا متقاعدًا، وقال لي: هؤلاء (.....) لا يعرفون، ستكتبه بالعربية، وهذه كانت نكتةً أتكلمها بشكل دائم؛ لتوصيف شريحة المخابرات لدينا.

 وحين تذهب إلى أي قرية وتقول: إنَّك تعمل في "إي سيريا" في صحيفة إلكترونية، وكانوا للوهلة الأولى لا يعرفون ماذا يعني، وكنا نشرح للناس بأنَّ هناك إنترنت، وكان حكرًا، وكان الكومبيوتر والإنترنت على يد شريحة قليلة من طلاب الجامعات، أو بيد الناس الذين لديهم إمكانية مالية، وحتى الذي [كان] كذلك فليس في هذا الجو إلّا إذا كان قد سافر خارج سورية أو لديه تواصلت في الخارج وأصبح يواكب هذا الأمر ليتواصل مع الناس، ولكن حين سمعت الناس هذه الأمور، دفعت شريحة كبيرة من الناس لتعرف ما هذا، وفي 2010 [كان] الإنترنت قد درج (بات شائعًا) بشكل كبير، وخاصة في القرى، يوجد قرى لم يكن لديها تصور لهذا، إلا طلاب الجامعات في المدن، ولكن في 2010 أصبح عدد كبير من البيوت أصبح فيها إنترنت وكمبيوتر، وهذا كان دافع مهم جدًا، وتواكب هذا حين دخل "الستلايت"، ولم يبق الناس تشاهد التلفزيون السوري فقط فقد أصبحت الناس تشاهد أشياء أخرى وهذا كان دافع البعض للثورة بشكل حقيقي، باتت الناس تشاهد كيف تعيش البشر، وكيف الدول تصير (تُبنى)، وهذا الأمر كنا لا نراه، فحدث هذا الدافع، أصبحت الناس تفكر، بعيدًا عن الناس المتضررة بشكل مباشر من النظام، من خلال الانتهاكات المباشرة، ونحن نتكلم عن شريحة أخرى، وبعد أن أغلقت صفحة الإخوان المسلمين في سورية، وضبط النظام المشهد، فأصبح هناك شريحة من السوريين لم تر إجرام النظام، ولم تتضرر منه، لذلك في وهلة من الوهلات كانوا يرون أنَّه لا مشكلة معه، ولكن حين بدأت تطلع على الإنترنت وتشاهد أمور جديدة ورأت محطات التلفزيون أصبحت تتنبه على قصص وجرائم كانت غافلة عنها في فترة من الفترات.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2021/11/06

الموضوع الرئیس

أوضاع ما قبل الثورة

كود الشهادة

SMI/OH/40-01/

أجرى المقابلة

سامر الأحمد

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

قبل الثورة

updatedAt

2024/04/17

المنطقة الجغرافية

محافظة إدلب-محافظة إدلبمحافظة إدلب-سرجة

شخصيات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

كيانات وردت في الشهادة

سجن صيدنايا العسكري

سجن صيدنايا العسكري

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

فرع الأمن العسكري في إدلب 271

فرع الأمن العسكري في إدلب 271

مجلس محافظة إدلب - نظام

مجلس محافظة إدلب - نظام

الشهادات المرتبطة