كانت والدتي لا تزال على قيد الحياة، وكنت أذهب في الشهر زيارة واحدة في يوم الخميس والجمعة والسبت لأن زوجتي كانت مدرسة في ثانوية دوما، لأجل ذلك في وقت العطلة كنا نذهب من أجل تغيير الجو عند الوالدة، وإذا لم نذهب فإننا نذهب إلى الساحل، يعني بحسب الظرف والبرنامج.

الحقيقة شعب دوما هو شعب لطيف جدًا ومسالم واجتماعي ونخوجي (لديه نخوة)، وعندما يتعرفون عليك ويعرفون أنك كنت في الجيش وتركت فإنهم جدًا يحترمونك وليس مثل بعض الأماكن عندما تتسرح لا يبقى هناك مصلحة، وأنا خدمت الكثير من شباب دوما وأهل دوما عندما كنت في الجيش بحكم علاقاتي فكما نعلم أن مشاكل المدينة كبيرة وفيها مشاكل جنائية وسياسية، وكانت أحيانًا أتدخل بحسب إمكانياتي وعلاقاتي مع أصدقائي في الأمن الجنائي أو الأمن السياسي أو الشرطة أو في قطعات الجيش، يعني إذا كان هناك عسكري يخدم عند شخص صديقي أو ابن دورتي فكنت أتدخل وأحل أية مشكلة بحكم سمعتي القديمة، وأنني لست سمسارًا ولا آكل المال الحرام، وهذه الصفة لازمتني قبل الثورة واستمرت معي بعد الثورة.

طبيعة منطقة دمشق وريف دمشق هي منطقة تجارية ولا تهتم بمراكز السلطة بشكل عام لذلك تجد نسبة الضباط في دمشق وريفها قليلة جدًا بالنسبة للضباط من باقي مناطق القطر، والعقلية كانت تجارية، يعني دوما هي منطقة صناعية وتجارية وعقليتها تجارية بحتة وتعتمد على كسب المال وفيها نسبة مثقفين عالية جدًا، وفيها نسبة متعلمين وفيها نسبة نساء متعلمات ومثقفات بشكل كبير جدًا أكثر من أي منطقة أعرفها وخاصة النساء الجامعيات، وأقولها وبكل وضوح نسبة الإناث المسيسات في أحزاب المعارضة كانت كبيرة جدًا، وأنا طبعًا أعرف هذا الأمر من خلال زوجتي التي كانت في الاتحاد الاشتراكي وكانت قيادية في هذا التنظيم، فكانت علاقاتها واسعة جدًا مع صديقاتها وزميلاتها، وكنت أرى اجتماعاتهم والالتزام عندهم والمناقشات، ونتكلم ونتناقش وحتى في يوم من الأيام كنت أتناقش مع زوجتي حول موضوع القبيسيات وأنا في أحد دورات الأمن والمتابعة أعطونا أسماء الأحزاب المعادية والأحزاب الموالية للنظام، فقالوا إن القبيسيات من الأحزاب المعادية، فقالت زوجتي: إن هذا ليس صحيحًا وهن يؤيدن النظام، وفعلًا بعد الثورة ثبتت صحة كلامها، وهم فعلًا جماعة تم تشكيلها كرديف للمؤسسة الدينية وكمتنفس عن التسيب الذي يمكن أن يحدث نتيجة الثقل الأمني في مدينة دمشق.

نسبة جدًا كبيرة من سكان دوما هم ناصريون، يعني مثلًا عائلة الكحلوس وخبيّة والفليطاني وعائلة وهبة الدكتور عدنان وهبة وعائلة نزار صمادي، وتقريبًا يوجد عائلات بشكل شبه كامل منتسبين للأحزاب.

في الحقيقة كان يوجد عمل سري ولكنه متباعد، وأنا أعرف أن زوجتي كانت تنشر مناشير في مدينة دمشق بجانب السيدة رقية حول الجامع الأموي، وكنت أوصلها بالسيارة وهي تذهب وتوزع المناشير وتعود، وأنا كنت أنتظرها في السيارة، وأنا في تلك الأيام كنت لا أزال في الجيش، وكان يوجد اجتماعات سرية تحدث ولكن بطريقة عنكبوتية وطريقة معقدة جدًا.

أنا عندما خطبت زوجتي؛ وطبعًا نحن يجب أن نأخذ موافقة القيادة حتى نتزوج، وهذا الشيء اسمه "رخصة زواج"، وأنا رفعت رخصة زواج وأوراق وثائقية لزوجتي فرفضوا، ولكنني كتبت كتابي عليها (عقدت القران) بشكل خارجي (خارج المحكمة) وقمت بتثبيت الزواج بعدها، [وهم يعرفون أن زوجتي] من "عائلة حديد"، وأيضًا أخوها خالد عليه خط أحمر، وهو كان من سجناء الرأي في الثمانينات.

كان يوجد تيار سلفي ولكنه بسيط جدًا وغير محبوب وغير مرغوب في المدينة، والجميع يعرف أنه كان الشيخ عبد الله علوش هو أستاذ ديانة (تربية إسلامية) وهو في الحقيقة كان أستاذ زوجتي وأستاذ الكثير من شباب دوما، ولكن لم يكن له تأثير مباشر على شرائح واسعة من المجتمع في دوما، والمجتمع في دوما كان أغلبه معتدل إلى حد بعيد، والقسم الآخر هو يساري ومنفتح على المجتمع، حتى الشباب والصبايا، ويوجد غطاء ديني ولكن هذا الغطاء بشكل معتدل وليس متزمتًا مثل السلفية وخصوصًا السلفية الجهادية التي رسخها زهران علوش بعيدًا عن والده، والحقيقة كان والده يؤمن بفكر ولكن زهران علوش أتيحت له الفرصة بعد خروجه من السجن. 

الناس الذين التفوا حوله يوجد قسم منهم هو لا يعرفهم ولم يكن يوجد اجتماعات بينهم ولكن يوجد جذور لهذه العائلات، يعني مثلًا عائلة كعكة كان يوجد علاقة ولكنها ليست علاقة متينة، وكانوا على تناحر، وحتى إنه بعد أن خرج زهران من السجن وسألناه عن تخبيصات (أخطاء) كعكة (سمير كعكة) قال: لا يمكنني أن أتحدث لأنه لو خرج كعكة قبلي لكان هو قائد جيش الإسلام، وهذا الكلام قاله لي، فكان يوجد علاقة هادئة بين السلفية الموجودة وهي بعيدة عن الأضواء ولم يكن يوجد شيء ظاهر وحتى إن الكثير من الشباب عندما يذهبون إلى المساجد ويجدون نسبة من السلفية موجودين لأجل صلاة الجمعة فإنه يخرج من المسجد.

ويوجد لهم مزايا، مثلًا اللحية وحلق الشارب، ولم تكن دارجة في دوما هذه القصص، ودوما صغيرة والناس تعرف بعضها، يعني مثلًا عائلة علوش معروفة وعائلة كعكة معروفة وأيضًا عائلة البويضاني معروفة ولكن ليس كل عائلة البويضاني سلفية ونسبة كبيرة منهم ناصريون، ومنهم "كتيبة المثقفين" التي كانت تعمل إلكترونيًا في الغوطة وتم اقتحامها وقتل عناصرها، وهم كلهم جامعيون وكلهم ينتمون إلى التيار الناصري.

بعد أن جاءت قوات الردع من لبنان فرع الأمن الخارجي أصبح يوجد فرع للأمن العسكري في دوما، وهو بجانب المركز الثقافي وهذا المركز اقتحمه الشباب عندما بدأوا يطلقون علينا النار من الرشاشات.

أمن الدولة هو الذي كان يدير كل شيء، وأنا عندما جئت إلى دوما كان موجودًا ذلك العقيد، وبعده جاء أبو عرب، وهو من حماة وليس هو الذي ذهب إلى سوتشي (مؤتمر سوتشي)، والذي ذهب إلى سوتشي هو برتبة مقدم، وبعدها تم ترفيعه وهو من دير عطية، وهذا الشخص له قصة طويلة.

السطوة كانت لأمن الدولة ودوما هي قطاع تابع لأمن الدولة، وحرستا للأمن السياسي.

زهران اعتُقل في عام 2009 وكان معه شخصيات، ولكن كان معه شخصية في نفس الزنزانة، وهو حاليًا موجود في إسطنبول، وبعدها نقلوا زهران لوحده، يعني كان يوجد فقط شخصان معتقلان وهما الذين أعرفهم، وطبعًا أنا لم أكن أعرف سمير كعكة ولم أكن أعرف البويضاني (عصام البويضاني) وكنت أعرف أقرباءه في التيار اليساري الناصري.

أبو همام (عصام بويضاني) كان لديه في ساحة الغنم كان لديه دراجات نارية محل دراجات نارية، وهو يبيع الدراجات النارية الصغيرة وأيضًا يقوم بتصليح الغطاسات.