الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

بلدة الحفة وتاريخها مع الاستعمار الفرنسي

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:24:02:09

 أنا العقيد مالك كردي منشق من القوى البحرية في عام 2011، من مواليد اللاذقية، وأحاول أن أعطي شهادتي عن الثورة السورية لصالح مشروع تاريخ الثورة السورية الذي يقوم عليه المركز العربي للدراسات.

طبعًا العقيد مالك كردي من مواليد 4 آذار/ مارس 1963 من بلدة الحفة التي تبعد 25 كلم عن مدينة اللاذقية في عمق جبال الساحل السوري، منشق من القوى البحرية في تاريخ 26 آب/ أغسطس 2011.

أحب أن أعرف قليلًا عن بلدتي عن بلدة المنشأ وهي الحفة، والحفة بلدة مع سبع قرى والطبيعة الديموغرافية من السنة مع وجود ثلة من الإخوة المسيحيين في محيط بحر واسع من المحيط العلوي، وهذه المدينة وهذه المنطقة التي يطلق عليها "الصهيون"، و"صهيون" هذه نسبة إلى قلعة صهيون التي يتحدث عنها أكثر الرحالين العرب منهم ابن بطوطة وأبو الفداء الحموي وآخرون، وسميت صهيون، ويختلف الكثير بسبب تسميتها، ولكن أهم سبب في ذلك هو قلعة صهيون أنه ورد في التاريخ أنه كان قائد لها يسمى روبرت صهيون، ولعل هذه التسمية جاءت نسبة لهذا القائد، والبعض ذهب إلى أنها تحريف من كلمة سيجون بمعنى الحصن، ولكن أغلب الظن أنها كما وردت نسبة للقائد صهيون، وتُجمع كلمة صهيون وفق مفهوم أهل البلد بكلمة الصهاونة للتفريق ما بين صَهيون وصِهيون. 

طبعًا صلاح الدين معروف أنه بعد فتح القدس توجه إلى الساحل السوري، فتوجه إلى هذه المنطقة، وحرر هذه المنطقة من الصليبيين الذين كانوا قد أعادوا بناء هذه القلعة قلعة صهيون وعملوا فيها، وطبعًا هي على أنقاض قلعة صلاح الدين الأيوبي، وهي على أنقاض قلعة سابقة لحضارات البيزنطيين والرومان واليونانيين فهناك حضارات كثيرة كانت متعاقبة عليها، وكان تحرير هذه القلعة بقيادة صلاح الدين.

صلاح الدين بعد تحرير القلعة غادرها وترك فيها حامية، وأقيم في داخل القلعة بعض الأعمال التي تشهد على هذه الحقبة كالجامع والحمام، وهناك ما يزال مسجد في قرية اسمها شير القاع تطل على قلعة صلاح الدين، وبني هذا في عهد السلطان قلاوون، وما يزال هذا المسجد؛ مما يدل على عمق هذا التاريخ في هذه المنطقة.

أهل المنطقة يتميزون بالصلابة؛ حيث أكسبهم إياها طبيعة الجبال وطبيعة وجودهم في مجتمع دائمًا تحدث فيه.. يعني يحتاج بعضهم لفرض وجود فأكسبهم ذلك طبيعة معينة وسمعة، بالنسبة للآخرين كانت ربما تثير عند البعض الرهبة منهم بسبب هذا التاريخ.

طبعًا [بالنسبة] للوضع الاقتصادي للمنطقة، المنطقة تعتبر بشكل عام منطقة فقيرة، ولكنها بنفس الوقت هي منطقة لزراعة الأشجار تعتمد على زراعة الأشجار (الأشجار المثمرة)، وكانت حتى قبل عهد قريب عبارة عن واحة في منطقة واسعة من الجبال الجرداء، وقد وصفها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في زيارته لها عندما زار المدن السورية وقال عنها: "إيه دي الجنة" عن الحفة؛ لأنها كانت عبارة عن أشجار تحيط بها كلها في بحر كان واسعًا، وبعدها كانت مناطق جرداء.

 وتميزت الحفة عبر تاريخها بالزراعة بنوعية الزراعة ونوعية الثمار التي تنتجها مع قلة الإنتاج، ولكن دائمًا كانت توجد جودة وطعم مميز، يميز فاكهة الحفة التي اشتهرت بها، وربما كانت تميزها بعض الأشجار كزراعة شجر التفاح الصغير، ويطلق عليه في ذلك الوقت التفاح الصهيوني، وكان تفاحًا صغيرًا وحامضًا، وتوجد أنواع متعددة منه وزراعة العناب وزراعة الزعرور المميز لأن ثمار الزعرور كبيرة وما يزال هناك اهتمام مميز عند أي منطقة من مناطق القطر، فوصل سعر كيلو الزعرور قبل انطلاق الثورة إلى 1000 ليرة في بعض المواسم.

إضافة إلى زراعة الزيتون لأنه يوجد فيها مناطق تربة كلسية وهي التي تحصل فيها زراعة الزيتون أيضًا

في الزراعات الحديثة كانت هناك زراعة الليمون، ولكنها زراعة قليلة بشكل عام.

أهل منطقة الحفة في الحقيقة يعانون من وضع اقتصادي بشكل عام سيئ؛ حيث كانوا محرومين من معظم الوظائف، والوظائف قليلة التي يعملون بها، وحتى في الدوائر الموجودة في منطقة الحفة كان سابقًا -قبل السبعينات- معظمهم موظفين من أبناء البلد، ولكن فيما بعد السبعينات كلما أحيل موظف إلى التقاعد يحضرون موظفًا من خارج منطقة الحفة ولا يوظفونهم في أماكن أخرى، فتوجه الكثير من الشباب للعمل بالأعمال الحرة وخاصة بأعمال الفحم بسبب هذا الحصار عليهم، وحتى موضوع التعليم كانت مدارس الحفة سابقًا فيها تقدم علمي ومدارس مجهزة بمخابر، وبعد السبعينات بدأت تتراجع الحركة التعليمية في هذه المنطقة، وكلما كان هناك مدرس مميز كانوا يدفعونه إلى خارج المنطقة أو يرتبون له ترتيبًا معينًا، وأذكر أنه كان يوجد عندنا مدرس قدير جدًا يدرس الفلسفة، وهو الأستاذ أحمد حليمة، وأنا أحترم هذا الرجل جدًا نتيجة عطائه وقدراته يعني أبعدوه عن التعليم، وهذا طبعًا مثال، فكانت هناك محاولة  للوصول إلى جيل يكون شبه أمي، والحقيقة الشهادات العلمية تعتبر قليلة جدًا نسبيًا إذا ما قارناها بمناطق أخرى بسبب هذا الوضع الاقتصادي، والوضع الذي نحت له (اتجهت نحوه) أطراف أو جهات متنفذة في الدولة كانت تعمل على هذا الاتجاه وإن صح التعبير هي جهات متنفذة في النظام الحالي.

طبعًا السوريون أهل الحفة بشكل عام هم كانوا عبر تاريخ الإقطاع ملاكًا لأملاك قليلة، يعني كل شخص مكتف فلم يكونوا بشكل عام مزارعين عند الآخرين ومع وجود بعض الإقطاع، ولكن الإقطاع كان محدودًا يعني ملكياته محدودة، وكانت العلاقة ما بين الإقطاع والفلاح داخل هذا.. علاقة ودية، ولم تكن تلك العلاقة المتضادة؛ لأنه لا يوجد تلك الفوارق الطبقية الكبيرة داخل هذه المنطقة، ولكن كان المحيط البعيد -المحيط العلوي- محيطًا فقيرًا، وكان لا يمتلك الأرض لأن أرضه لا تعطي، فكان يعمل عند هذا الإقطاعي من الحفة أو الإقطاعي من اللاذقية، ورغم هذا كان الإقطاعي يدافع عن الفلاح بغض النظر عن انتمائه الطائفي، وسمعت قصصًا كثيرة من هذا القبيل، فبالرغم من.. يقف الإقطاعي مساندًا لهذا الفلاح ضد أخيه أو ابن عمه الذي يحاول أن يعتدي على هذا الفلاح لسبب معين أو يحاول أن يأكل حقه فكانت علاقة هذا الإقطاعي علاقة جيدة جدًا.

بعد احتلال الحلفاء للسواحل الفلسطينية توجهت القوات الفرنسية إلى مرسين، ومن مرسين بدؤوا التقدم برًا حتى وصلوا إلى سواحل اللاذقية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر  من العام 1918 من دون أي مقاومة في ذلك الوقت؛ لأنه كان الوضع لا يوجد هناك إعلام، والوضع المعاشي للناس والمستوى الثقافي فيه نوع من الجهل ومع أولى حط رحال القوات الفرنسية في اللاذقية كان قد وصل خبر إلى أهل الحفة، وأهل الحفة معروفون أنهم لا ينامون على ضيم، وجاءهم مستعمر حتى يحتل أرضهم يعني هذا الموضوع... وكانت خلال هذه الفترة تصلهم أعداد من المهاجرين من غزة، وأخبروهم ماذا يفعل هذا المستعمر في سواحل فلسطين في غزة، ومباشرة توجهت مجموعة من الشباب تقريبًا خمسة شباب، وأذكر أنه كان منهم علي عبد الله فهد ومصطفى سليم الفحصة وآخر من آل حسون وشباب آخرون توجهوا إلى.. وكانوا يحملون بنادق عادية "مكنزما" بطلقة واحدة، ونزلوا إلى [منطقة] وطى الطيارات حيث يتمركز الفرنسيون على مداخل مدينة اللاذقية، يعني في منطقة الجامعة حاليًا ودوار هارون في هذه المنطقة، والحقيقة هنا شعر الفرنسيون بتسلل مجموعة فتم إطلاق النار، ولكن الشباب لا يوجد معهم تلك الذخيرة الكافية فلاذوا بالفرار، وكانت هذه بداية نقطة المقاومة ضد المستعمر الفرنسي من هذه المنطقة، ثم عادوا إلى الحفة، والفرنسيون شعروا بأن هذه المنطقة وشعلة المقاومة سوف تبدأ عليهم منها؛ فجهزوا حملة لاحتلال الحفة.

وطبعًا في وقتها كان مركز المنطقة هو بلدة بابنا وكانت هي مركز منطقة الحفة أو ما يسمى قضاء صهيون، واجتمع وجهاء الحفة والوجهاء يمكننا أن نسميهم الإقطاعية في ذلك الوقت، وتناقشوا مع رجال الدين، وكان قد وصل إليهم الشيخ عز الدين القسام المعروف قائد ثورة عز الدين القسام ومعه أخوه الشيخ فخر الدين قسام والشيخ محمد حنفي، وهم من جبلة، وكان بعض الشباب الذين وصلوا إلى الحفة رأوا في هذه المنطقة أننا نستطيع أن نواجه فيها الاستعمار، وهو يستعد لاحتلال مدينة الحفة، ودعوا بعض رجال العلويين من وجهاء العلويين للتباحث في صد هذا المستعمر، وأنه يجب رحيله، والحقيقة وافق الجميع، واجتمعوا على أنه يجب أن نواجه المستعمر، وكانت المفاجأة كبيرة لأهل المنطقة عندما يرون الوجيه الأبرز فيهم علي بدور، وهو يتقدم صفوف الفرنسيين كدليل للمنطقة في حين بقية الوجهاء لم يساندوه، وبقي وجهاء بابنا والحفة والزنقوفة وبكاس وتفيل وشير القاق، وبقيت هذه القرى التي تسمى الطوق السني للحفة وحيدين في مواجهة الاستعمار، ولم تكن تلك الإمكانيات للمواجهة، والمستعمر أربض المدفعية في قرية شريفة العلوية، وبدأ الرمي على بابنا في حين كانت نساء قرية شريفة تزغرد للمدفعية.

هنا أصبح الموضوع.. وسجل في هذه النقطة نقطة فاصلة في المنطقة، وبدأ نوع من الطائفية، بدأت تظهر بشكل واضح، وتقدمت القوات الفرنسية واحتلت المنطقة، وكانت المقاومة ضعيفة، ولم يكن يوجد تكافؤ، وجاء القائد الفرنسي بموكب يحيط به العلويون والمسيحيون في المنطقة،  وإحدى السيدات كانت ترقص من قرية اشتبغو [وهي تقول]: "لاح المشمش عالتفاح دين محمد ولى وراح" وكانت أولى الصيحات التي نسمعها في عدة مدن وتكررت فيما بعد في هذا الموقف وأول مرة يتم الأمر، وهنا شعر أهل الحفة أن الاستعمار جاء برسالة صليبية، وطبعًا المستعمر حاول أن يوجه هذه الرسالة حتى يستثير المسيحيين ويقفون معه، وتقف معه الطوائف الأخرى، وهو دخل من هذا الباب.

استمرت فترة معينة وبقي الاستعمار أشهرًا، وهنا بدأ أهل المنطقة والوجهاء يحتاجون للسلاح، فاستعد وفد من أهل المنطقة من وجهاء المنطقة الذين هم في الحقيقة من الإقطاعية من المنطقة للتوجه إلى العاصمة التركية إلى إسطنبول، وكانت أمامهم طلائع أمام الوفد تمشي، ووصلوا إلى موقع اسمه رستين يعني لم يكن [يبعد] إلا بضع كيلو مترات عن الحفة، فيبدو أنه كان قد وصل للقوات الفرنسية خبر أن الشباب متوجهون إلى هناك، فقطعوا الطريق على الوفد، واصطدموا مع قوات الطلائع، وعاد الوفد، وهنا بدأ الغليان الشعبي بشكل قوي والفرنسيون أيضًا أصبحوا يستعدون للبطش بأهل المنطقة.

الفرنسيون ركزوا في منطقة بابنا في السراي ووضعوا حامية عسكرية لهم مع السراي، والسراي كان فيها 10 جنود فرنسيين و10 جنود علويين، ويتزعمهم القائد ماغران فيرنيره واستجمعوا ما عندهم من سلاح، ولكن جاءتهم النجدة من أنطاكيا... قائد ضابط متقاعد من الجيش العثماني انخرط في قوات الاحتياط التركية أثناء اجتياح الحلفاء، فجاء بنجدة محدودة إلى المنطقة، وبدأت المعركة مع الفرنسيين في الرابع من نيسان/أبريل 1919 واستمرت المعركة حتى 22 نيسان/ أبريل 1919، وحاصروا القوات الفرنسية، وأصيب الجنرال ماغران فيرنيرا بجروح، وتم ترحيله من قبل متعاون من أهل بابنا، وتمكن من ترحيله إلى خارج النقطة. 

خلال المعارك رموا على طائرة كانت قد بدأت القصف على قرية بابنا، فرماها الثوار بالبنادق العادية، والحقيقة هنا وصلت خلال هذه الأيام العشرين، وصل بعض المجاهدين من محافظة إدلب لمساعدتهم، والطائرة أصيبت، واعترف الفرنسيون..، ولكنهم قالوا: إنه عطل. وهذا ما ورد في كتاب الشرق الذهبي الذي يتحدث فيه عن دور القوات الفرنسية بلسان الفرنسيين في سورية أو الكتاب الذهبي، وكان يوجد هذا الاعتراف، والطائرة عادت إلى حيفا لأنها انطلقت من حيفا.

بعد هذه المدة بعد 18 يوم تقريبًا من الحصار أهل المنطقة لم يعودوا قادرين على المقاومة مع إعلان الضابط التركي الذي جاء لمساعدتهم أنه تلقى أوامر حتى ينسحب فورًا، ومع انسحابه، المجاهدون لم تبقَ لديهم ذخيرة، فاضطروا للانسحاب ومع هذا الانسحاب أصبحت عائلاتهم عرضة للفرنسيين الذين بدؤوا يتقدمون إلى القرى، وانسحب الأهالي إلى قرى علوية مجاورة. والحقيقة التاريخ يسجل لوجيه من وجهاء العلويين في قرية جبلايا من آل حميرة موقفًا نبيلًا، بينما وجهاء آخرون حاولوا الاعتداء على النساء، وهذا الموقف اضطر النساء أن يرسلن خبرًا للمجاهدين مباشرة [قائلات]: إننا في وضع حرج وسوف يعتدون علينا. فاضطروا لأخذ النساء، وبدأت عملية التهجير من منطقة الحفة، وهاجروا إلى منطقة جبل الأكراد وجسر الشغور، وأعادوا هذه التجربة نفسها التي يعيدها أحفادهم الآن.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2021/03/29

الموضوع الرئیس

سيرة ذاتيةتاريخ مدينة وواقعها

كود الشهادة

SMI/OH/29-01/

أجرى المقابلة

سامر الأحمد

مكان المقابلة

أنطاكيا

التصنيف

مدني

المجال الزمني

عام - 11/1918

updatedAt

2024/04/26

المنطقة الجغرافية

كتف صهيون -كتف صهيون محافظة اللاذقية-مدينة الحفة

شخصيات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

كيانات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

الشهادات المرتبطة