زيارة ساركوزي إلى دمشق واستعصاء سجن صيدنايا
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:25:58:14
في تلك الفترة كان النظام في أشد توتره مع الانسحاب من لبنان (26 نيسان/أبريل 2005) مع محاولات التقارب والتشبيك السوري اللبناني مثل إعلان دمشق بيروت، والاغتيالات التي تحدث في لبنان ومحاولته إمساك الساحة اللبنانية وتصفية كل الرموز الاستقلالية التي كانت موجودة، وكل هذه الأشياء كان انعكاساتها في سورية واضحة من اغتيال الحريري وتحديداً من 2005 و 2006 و2007 بسبب إعادة الحرارة مع الأوروبيين و الانعطافة التي حدثت في 2008 ساركوزي (نيكولا ساركوزي) وقدومه إلى سورية وتطبيع العلاقة مع النظام وإعادته إلى الحضن الدولي والذي كان مقصى عنه ومعزول بشكل أو بآخر
في الحقيقة انعكس على الجميع، وكانت بدأت مقولة سنعيّد مع رئيس جديد بدأت تفقد بريقها ووهمها بمعنى من المعاني، وبدأ واضح مع انعطافة ساركوزي وإعادة النظام إلى الوسط الدولي بشكل فاعل أصبح واضحًا أنَّ الحسابات التي بنيت في 2005 و 2006 لم تعد تصلح في المعنى السياسي في تلك الفترة، وأصبح هناك دول تأخذ مواقف مختلفة وكان هناك شبه قطيعة بالمعنى الخليجي بعد كلمة بشار الأسد أشباه الرجال وخطاب النصر الذي قام به، وكان هناك مجموعة من التحولات، والمعارضة أعادت قراءة الواقع الإقليمي والدولي مرة أخرى، وأعادت ضبط خطابها بناءً على هذا الواقع، وبالأساس مثل مشروع إعلان دمشق الذي كان هو عملية استقراء الوضع الخارجي والدولي وكان جزء من الحسابات الأساسية به هو الوضع الدولي، وبقراءة الوضع الدولي عدنا إلى سياسة إصلاح النظام وخطاب يتبنى الإصلاح التدريجي وكان يوجد هذا المصطلح الإصلاح التدريجي المتوازن بهذا الشكل، وكانت زيارة ساركوزي إلى دمشق كانت إعلان نهاية مرحلة إذا تكلمنا سياسيًا، والأخطر بها كانت أيضاً نهاية مرحلة وبداية مرحلة يُعترَف بها للنظام السوري بنفوذه هو وحلفاءه داخل لبنان في المنطقة، ولم تكن انعطافة ونهاية عزلة والسلام، ولكن الأخطر هو هذا القبول في الواقع الذي أفرزه اغتيال الحريري وانسحاب الجيش السوري، والذي استطاع أن يفرضه حزب الله وحركة أمل والنظام أيضاً من خلال الاغتيالات وإقصاء الخصوم بشكل عنفي، وأيضاً إعادة تشكيل الساحة اللبنانية مرة أخرى والذراع الأمني الذي كان النظام موجود داخل لبنان أخذت هذا الشكل حزب الله، ونذكر كيف حزب الله في 2008 (7 مايو/أيار) اجتاح لبنان، وهذه الرسائل كانت واضحة سياسياً ومقروءة جيداً، وقدوم ساركوزي كانت اعتراف بكل هذه المفاعيل..
بالنسبة لي كان من الأساس كان موضوع سنصيِّف بلا الأسد كان برأيي مجرد وهم وقراءة رغبوية للواقع السياسي كنا نُسقط رغباتنا على واقع ليس بهذه الصورة، وبالنسبة لي كان أكيد هذه الانعطافة إشكالية بالمعنى النفسي ومفهومة بالنسبة لي سياسياً، ولكن لو كنا في الأساس قراءتنا للواقع صحيحة وبنينا استراتيجية بشكل منطقي وواقعي كان ممكن ألا نحتاج أن ننعطف، وفي نفس الوقت إمكانية تحقيق مكاسب وخطوات من هذا الوضع الإقليمي والدولي، كان هناك إمكانية لها وحقيقةً من شخص مراقب خارجي وأنا لست جزء من الإعلان بالشكل المباشر أو التكتل السياسي أو حزبي مباشر، كمراقب خارجي الإشكال الأكثر أنَّنا لا نستطيع تطوير استراتيجيات، نكون فقط نتعامل مع ردود أفعال ويحدث حدث ما ونشكل ردة فعل تجاهه، ولكن برنامجنا نحن لم يكن موجود وهذا يخلق خلافات وهذا داخل إعلان دمشق هناك خلافات وانقسامات بالإضافة إلى الخلافات من اليوم الأول، كان هناك انقسامات بسبب الانعطافة وتغيير الخطاب، وسببه أنَّنا نتعامل مع السياسة بمنطق ردود الفعل لسنا فاعلين سياسيين لدينا استراتيجية وبرنامج سياسي نحن نستمر ونستفيد من الوضع الإقليمي والدولة ونلحظه أكيد ولكن يحصل حدث ما ونقوم بردة فعل على أساسه وهذه الإشكالية.
في هذا الوضع والأجواء ظهر استعصاء (سجن) صيدنايا (2008) كحالة ممكن تكون مفاجئة و منطقية ومتوقعة وفيها كل تلك التناقضات و متوقعة ومفاجئة بنفس الوقت حين نُفكر بها بمعنى التحليل، واستثمر بها النظام كالعادة بشكل كبير والرسائل التي أُرسِلت من خلال سجن صيدنايا و الاستعصاء والجوانب التي حصلت خلاله كانت مهمة جداً ومهولة …
سجن صيدنايا هو السجن العسكري الأول في دمشق وهو السجن الأكثر حراسةً والأكثر شهرةً حتى بعد سجن تدمر والأحدث، والذي أيضاً من نهاية الثمانينات بدأ ينقل مجموعة من سجناء سجن تدمر إلى صيدنايا وهو سجن عسكري ولكن تحوَّل إلى سجن سياسي، وتم نقل عليه ما تبقى على قيد الحياة من "الإخوان المسلمين" ومعتقلي المكتب السياسي وحزب العمل الشيوعي واليسار، وأيضاً من 2003 وما بعد أيضاً سجن صيدنايا تحوَّل إلى السجن الذي يستقبل العائدين من العراق، والناس التي كان يسهِّل النظام في 2003 ذهابها إلى العراق وبهدف تعقيد الوضع في العراق على الأمريكان، قسم كبير منها حين كان يعود لا يُستقبل بنفس الحرارة التي وُدِّع بها، وأجهزة الأمن كانت بانتظارهم وتأخذهم إلى سجن صيدنايا ومن خلال محاكمات معلَّبة مثل الوضع في سورية بشكل عام، ومع إطلاق سراح نسبة جيدة من المعتقلين القدامى ومعتقلي اليسار أصبحت الكتلة الأكبر به هي الإسلاميين، وقسم منهم هو مرتبط بالسلفية الجهادية وقسم منهم المعتقلين الذين كانت تتم محاكمتهم أمام محكمة أمن الدولة وليس بالضرورة، هناك مجموعة شباب عمر العبدلله ودياب سرية ومجموعة واسعة من الشباب هم ضحية أنَّنا سنصيِّف بلا الأسد، وهم اتهموا بالتواصل مع الخدام (عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية السابق) وكان أيضاً خدّام انشق وذهب إلى فرنسا وكان هناك معتقلين حتَّى من الأحزاب الكردية كان موجودًا به، ولكن الكتلة الأكبر كان الإسلاميين وكان أيضاً العساكر العاديين والأحكام المرتبطة بخدمة الجيش، فكان سجن صيدنايا بدأ يتحوَّل إلى مركز تجميع للجهاديين وتحديداً العائدين من العراق، وكان هناك هذه النمطية التي تتكرر في كل السجون والتي رأيناها في سورية والعراق وأماكن أخرى، وتحويل هذه السجون لبؤر ومراكز تصنيع الإرهاب والمقاتلين وهناك داخل السجن شخصيات غير خطيرة بمعنى التطرُّف، ولكن وضعهم في تلك البيئة وفي سجن مغلق ووضعهم مع أشخاص متطرفين حقيقيين ووضع الكل في تلك البيئة وظرف السجن وإشكالات النفسية التي يخلقها هو يتحوَّل لمدرسة لصنع المتطرفين، وأنا شخص مثلاً مؤمن لست متدينًا بالمعنى الديني، ولكن في كل مرة كنت في السجن تعود تلك حالة التدين وحالة التعلق بالأمل بالله قراءة القرآن وحفظه والصلاة، وحين يكون الإنسان في هذا الشق والظرف هو شيء طبيعي، فهذا العامل الإنساني ومع وجود هؤلاء الأشخاص ومزج الناس مع بعضها والسماح ليكون هؤلاء الناس يمتلكون منبر لمخاطبة أشخاص هم نفسياً مستعدين أنتج فعلاً مدرسة للتطرف ورأينا آثارها في 2011 وما بعد..
كان هناك أصدقاءنا الذين نعرفهم مثل المهندس نزار رستناوي -رحمه الله- كان زميلنا في لجان الدفاع عبر سنوات، وكانت مجموعة وأذكر قبلها في فترة مشكلة سرافيس من مصياف والقدموس وتحولت لجانب طائفي وكان مجموعة من المعتقلين نعرف قسم منهم، ولم يكن التواصل معدوم ومن خلال زيارات الأهل بشكل مباشر وحركة الدخول والخروج إلى سجن صيدنايا بشكل عام، حقيقي قبل الاستعصاء لم نكن نرى الوضع داخل السجن كما هو ولم نكن نعرف أنَّه يتحوَّل عليه وبين المعتقلين هذه التشكيلة والتركيبة وعلى الأقل أتكلم عن نفسي لم يكن تقدير للوضع، ولذلك حين حصل الاعتصام بشكل أو بآخر وتفجرت الأمور، وبعد ذلك أصبحت عملية استيلاء على السجن واقتحام وكل تلك التفاصيل كنا نُعايشها بشكل يومي بسبب قسم من السجن خرج عن السيطرة، وكان هناك عمليات تواصل بين المساجين وكنا نرى الأحداث من الداخل، وبدأنا نفهم ما الذي كان يحدث من 2003 وهم فعلاً مجرَّد خمس سنوات ولكن هناك تحولات عميقة حصلت في تلك الفترة واللعب في النار الذي حصل في 2003 في العراق سواء من أطراف عراقية أو النظام السوري أو غيره اليوم المنطقة كلها تُعاني منه والإدارة الأمريكية السيئة للأمور، ولا أريد أن أبرِّئ الاحتلال الأمريكي والطريقة التي تم إدارة بها الأمور وطريقة إدارة الأمور لبول بريمر (الحاكم المعيّن من الإدارة الأمريكية للعراق بعد الغزو 2003) هي التي سمحت للاعبين الأصغر أن يكون هذا الشيء..
الأسباب بشكل عام وبرأيي بالعمق وبعيداً عن الشرارة المباشرة التي حصلت أعتقد أنَّ الناس العائدين من العراق شعروا بالخيانة والغدر، أنتم النظام روَّجتم للذهاب وفتحتم منابر في أماكن كثيرة داخل سورية وتدفعوهم دفعًا، ورخصوا جمعيات لنصرة العراق ومقاومة الاحتلال الأمريكي والصهيوني، ودفعوا بكل ما يمكن لتجنيد الناس ليذهبوا إلى تلك المحرقة، وحين عادوا لم يتم استقبالهم بالورود والدفاع عن الأمة ولكن أنتم متطرفين وإرهابيين، وكان هذا الوضع يغلي ويتفاعل في الداخل، وكان داخل السجن هناك أشخاص لديهم ارتباطات في القاعدة بشكل أساسي حتى 2003 وأعتقد أنَّ هذا الجانب الأهم في أسباب الاستعصاء في الأحداث الداخلية كنا نرى الاستعصاء منظم ومجهَّز ومرتب له من وقت مسبق، وكان هناك تحضير أسلحة سابقة للحظة الاستعصاء، وكان هناك شكل من أشكال تصفية الحسابات، وكان نزار رستناوي رحمه الله كان يخوض حوارات ونقاشات مع أولئك الأشخاص، وحين حصل الاستعصاء قسم من السجن قرَّروا أن يُقيموا عليه الحد ويقتلوه، وهذه واحدة حقيقةً من أسوأ الرسائل التي وصلتنا من هذا الاستعصاء، حقيقةً النظام لم يكن لدينا شك ولا لبس في طبيعته وأي فعل يقوم به، ولكن حالات معينة حصلت أثناء الاستعصاء منها حالة نزار رستناوي فتحت على أنَّ هؤلاء الشباب الذين ذهبوا إلى العراق بمنطق وطني وحتى الذين ذهبوا بالمعنى الإسلامي، ولكن ذهبوا بمعنى النخوة وحين عادوا ودخلوا إلى مدرسة صيدنايا لم تعد الأمور بنفس الطريقة، وأصبحنا نشعر أنَّنا أمام إشكالية حقيقية مرتبطة بالتطرف في سورية، ولم يعد هذا التطرف في سورية هو عابر وسورية ليست فقط مكان عبور أصبح لدينا تطرف مقيم غير الالتزام ومختلف عن موضوع الالتزام والمدارس الإسلامية الموجودة والمتنوعة تاريخياً في سورية من السلفية أو الصوفية أو الأشعرية، بشكل أو بآخر لا أعلم إذا نستطيع أن نرى حالات محددة ونقول أنَّ هذه إشارة إلى أنَّ السلفية الجهادية موجودة، ولكن هذا ليس علمي لكن هذا الفكر لم يكن ولم يُولَد من 2003 أيضاً نحن بلد إسلامي تفاعل مع ما حصل في أفغانستان وتفاعل مع كثير من المدارس الجهادية التي كانت في مرحلة السبعينات ومرحلة الجهاد في أفغانستان، أما هل كان منظم؟ وهل كان حالة سورية وحالة ببرنامج سوري؟ لا أظن بنفس الطريقة التي وُلِدت بعد 2003.
هناك أكثر من مسألة، واحدة منها أنَّه على مدى أنَّنا كنا رافضين أن نصدق بالمعنى النفسي ونحن بيننا وبين حالنا نعيش حالة الإنكار وجزء منه أنَّ هناك مسؤولية على السلطات أن تُصدر الحقائق والوقائع وشهادة الوفاة وتتكلم ماذا حدث داخل السجن؟ ومسألة أخرى كانت مفاجأة ونحن دوماً ذهنيتنا موجهة باتجاه سلطة ونظام وأجهزة أمن نحن بمواجهتها، ومهما فعلت هذه السلطة نعرفها من مجازر حماة وتدمر ودومًا ذهنيتها كانت نحو أنَّ النظام هو هكذا وهو يفعل كل شيء ولأوَّل مرة كان لدينا لاعب آخر، فلا أعلم إلى أي مدى نُواجه أنفسنا في الحقائق أنَّ هناك اليوم وضع مختلف في سورية وهناك لاعبين جدد في سورية.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2021/02/23
الموضوع الرئیس
سجن صيدناياكود الشهادة
SMI/OH/90-13/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
باريس
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2003 - 2009
updatedAt
2024/04/18
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-صيدناياشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
تنظيم القاعدة
جماعة الإخوان المسلمين (سورية)
حزب الله اللبناني
سجن صيدنايا العسكري
إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي
لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية
حركة أمل