الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

تأسيس الهيئة والأمانة العامة للغوطة الشرقية ومماطلة القيادة العسكرية الموحدة

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:50:50

بدأنا بالعام 2015 أمام واقع جديد: وجود قيادة عسكرية موحدة، وكانت حلمًا ومطلبًا لنا جميعًا، ولم يكن مطلبنا فقط قيادة عسكرية موحدة، بل أن تتوحّد جميع الفصائل في جيش حرّ نظامي كحال النظام الذي لديه جيشه وقيادته وتراتبيته. وبدأنا العام 2015 بوجود مؤسستين مدنيتين ملحقتَين بالقيادة العسكرية الموحدة، وذلك بعد أن توافقوا على القضاء الموحد والمجلس القضائي (المجلس القضائي الموحّد – المحرر)، وطبعًا كان القائد العام للقيادة العسكرية الموحدة هو الشيخ زهران علوش من "جيش الإسلام"، بينما كان رئيس مجلس القضاء الموحد الشيخ أبو سليمان طفور (خالد طفور – المحرر)، وهو محسوب على التيار الآخر، التيار الإخواني، تلك كانت قراءتنا للموضوع. كما [بدأنا العام] أمام لجنة استشارية من 14 عضوًا، وفيها ناشطون مشهود لهم، ولكنهم الأشخاص المطمئنون الذي يعملون على هامش الفصائل، وتبين لنا بعد ذلك أن جزءًا منهم كانوا في مجالس شورى تابعة للفصائل، ونحن اعتبرنا ذلك خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح، وإنما غير كافية، فنحن لا نريد مسمى "لجنة استشارية"، بمعنى أن يؤخذ رأيها وبعد ذلك يُطبَّق أو لا يُطبَّق، بل كنا نسعى إلى [إنشاء] تنظيم وهيكلية واضحة المعالم، فيها المدني والعسكري والقرار المشترك، بحيث نمنع جموح العسكر، وفي الوقت نفسه لا يغرّد المدني في وادٍ ونحن في حالة حرب والعسكري في وادٍ، فنحن نؤمن بالتكاملية والشراكة المدنية العسكرية.

بعد "اجتماع الخمسين" تشكّلت اللجنة الثلاثية، وكنت أنا فيها وأبو رامز بسام البرزاوي والدكتور أبو كنان. وفي البداية، لم يكن لدينا شيء جاهز، ولكن هذه اللجنة يجب أن تعمل على التالي: أن نصنع كيانًا مدنيًا بالتوافق مع القيادة العسكرية الموحدة، ولم تكن الفكرة أبدًا أن يكون هناك تصادم، وإنما عبر الحوارات، واستثمرنا علاقاتنا الشخصية ومن نستطيع أن نمون عليهم، سواءٌ في الحيز المدني أو العسكري، بحيث نستطيع أن نبني التوافقات، ففكرة هيئة استشارية غير كافية. وقلنا نمضي بصنع كيان مدني يتمّم القيادة العسكرية الموحدة، ثم ننشئ سوية القيادة العامة للغوطة التي تكون مسؤولة عن قرارات الغوطة وإدارة أزمة الغوطة بدون إقصاء لأحد.

على هذا الصعيد بدأنا كلجنة سلسلة اجتماعات، وكانت المهمة الرئيسة القيادة العامة للغوطة وإنشاء الشراكة المدنية العسكرية، فقد كنا مستشعرين خطر الحصار والحرب والمعركة المصيرية مع النظام، وجميعنا ندرك حساسية الغوطة التي نعتبرها بوابة دمشق، فليس مسموحًا بالمطلق الخطأ في القرارات بخصوص الغوطة لأن سقوط الغوطة - كما كنا نراه - هو سقوط للثورة. كنا نعتبر الغوطة وداريا بوابات دمشق من المناطق المحررة، وسقوطهما أو سقوط إحداهما يعزز فرص النظام في البقاء، كما كنا نسعى إلى إنشاء النموذج البديل، فالغوطة تتميز عن داريا لأنها مجتمع كبير من 800-900  ألف نسمة، وكنا قادرين على أن نصنع فيها النموذج البديل، ولكن أعيننا في النهاية على إسقاط النظام، وليس على كانتون غوطة، وإنما كنا نعتبر أن  الغوطة المحاصرة التي ضُربت بالكيماوي (مجزرة الهجوم الكيميائي على الغوطة في 21 آب/ أغسطس 2013 – المحرر) منذ أقل من سنة، والحرب والقصف واستهداف المدنيين، والحرب على جبهات الغوطة مع النظام سجال: تقدّم وتراجع، أن الغوطة يجب ألا تسقط، بل يجب أن يبقى القرار مستقلًا وغير مُرتهَن لا لفصيل ولا لمن وراء الفصيل إذا أردنا أن نسقط الفصائل على الدول.

وهنا بدأنا سلسلة اجتماعات ولقاءات مع الفعاليات المدنية، و[كان النقاش عن] الطريقة التي ننتج من خلالها التمثيل المدني، وكانت لدينا عدة طروحات في ذلك الوقت، فهناك من كان يتحدث عن فكرة الانتخاب العام لقيادة مدنية تلتقي مع القيادة العسكرية، ولفكرة الانتخاب العام عدة نقاط في غير صالحها، وهي: بالدرجة الأولى حالة الحرب وحالة الهجرة الداخلية في الغوطة حسب سخونة وبرودة الجبهات، ثانيًا: صعوبة تنظيم الانتخابات لوجستيًا، ثالثًا: حتى لو تنظمت فهي غير آمنة، أي من الممكن أن تتمّ أو لا تتمّ، رابعًا: مخاوفنا بصراحة من صوت الناخب البسيط الذي يمكن أن تُستغَلّ حالة الجوع لديه ليصبّ صوته في اتجاه دون اتجاه. وبعد ذلك توصّلنا إلى نتيجة مفادها أننا في حالة ثورة، وفعاليات ومؤسسات الثورة قائمة صنعها الثوار، وبالتالي نشكّل هيئة عامة تضمّ كل هذه المؤسسات والفعاليات الثورية في المجال الطبي والإغاثي والتعليمي وعلى صعيد الإدارة المحلية، وجزء من تلك المؤسسات تقدم نفسها على أنها مدنية وتقدّم خدمتها للمجتمع المدني، ولكن كان متعارفًا عليه أن هذه المؤسسة تتبع إلى الفصيل الفلاني، فهناك ما يتبع لـ "جيش الإسلام" ومؤسسة الهدى تتبع لـ "الاتحاد الإسلامي" ("الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام") وعدالة (منظمة عدالة) تتبع لـ "جيش الإسلام" واتحاد الأطباء الأحرار [يتبع] لـ "حركة أحرار الشام"، وهكذا كانت بعض تلك المؤسسات واجهة وهي ولاؤها لتيار هذا الفصيل.

طبعًا نحن في النهاية أمام واقع فيه قيادة عسكرية موحدة ثلاثية، وهي زهران علوش وأبو محمد الفاتح (ياسر القادري – المحرر) وأبو النصر وهو الاسم الشائع لعبد الناصر شمير، وعلى التوازي نحن نريد أن نصنع هذا الكيان المدني. بدأنا بالدعوة إلى سلسلة اجتماعات، كنا ندعو إليها رؤساء المنظمات والمؤسسات الثورية القائمة، وكان يضمّ الاجتماع 20 أو 30 شخصية، [وكان أولها في دوما، في قاعة معهد تنمية، وقد بذل معنا مدير المركز الأستاذ محمد نعّال جهدًا كبيرًا لإنجاح الاجتماع – الشاهد]. تلك السلسلة من الاجتماعات كان فيها شكل من أشكال العصف الذهني حول الآلية والطريقة والتصور، وإدارة تلك الاجتماعات لم تكن سهلة، فنحن نجمع الطيف السياسي من أقصاه إلى أقصاه، وكذلك الطيف المناطقي من أقصاه إلى أقصاه، كما نجمع إذا أردنا أن نقسم [الحضور] على مستوى الوعي الثقافي أيضًا من أقصاه إلى أقصاه، ففي هذه الاجتماعات توجد بعض المؤسسات ذات الطابع الشعبي التي لا تحمل سوية ثقافية معينة، وبعض المؤسسات التي تحمل شهادات عليا، وهكذا كان جمع كل هذه المتناقضات وإدارة الحوار بينها أمرًا شاقًا.

علينا ألا ننسى في هذا الوقت كانت موجة ما بعد الكيماوي والحصار، أي صعود الخطاب المتطرف وصعود التصنيفات حتى في المجتمع المدني، وعلى سبيل المثال كان يكفي في الاجتماع أن نقول كلمة "الديمقراطية" لتستثير نصف الحضور، وهذا النصف الذي تستثيره كلمة الديمقراطية يتفرق فيما بينه بعد ذلك على المنهجية، أي ما بين هذا التيار وذاك التيار. كانت التجربة غنية لنا جميعًا، وإذا عدت خطوة إلى الوراء لقراءة هذا المشهد سأقول إنه تحت الحصار والحرب والتهديدات الداخلية والخارجية أن تكون لدينا قدرة إدارة حوار المتناقضات، هذه وحدها أعتبرها نجاحًا مبشرًا لسورية المستقبل، فلن يكون الشعب السوري على الرأي الواحد والحزب الواحد والقائد الواحد، بل هو كل هؤلاء. كانت مهمة شاقة جدًا، واستطعنا في سلسلة تلك الاجتماعات أن نذوّب الهواجس المناطقية، فبعض المناطق كانت تعتبر نفسها مهمّشة، ومناطق أخرى كانت ترى نفسها المؤهلة لقيادة أو تصدّر الحراك، كما استطعنا أن نذوّب النزعات التياراتية، بحيث نضع القواعد والمعايير التي سيكون التمثيل بموجبها، واستطعنا أن نذوّب فوارق المستوى الثقافي، وفي النهاية وضعنا قاعدة التمثيل وحجم المؤسسة ونوع العينة المستهدفة بها والتمثيل المناطقي والثقل السكاني، حيث عملنا خلال سلسلة تلك الاجتماعات على طريقة العبارة التي كانوا يرددونها، ومصطلح استعملته، وهو "تدوير الزوايا"، بحيث أننا عندما نختلف على قضية كنا نلتف عليها ونناور بها حتى نصل إلى التوافق. بناء أي مشروع بهذا الشكل كان يقتضي التوافق قولًا واحدًا، وبدونه أي طرف يشعر أنه مغبون في هذا المشروع سيعطّله، وبالتالي سينقص من مشروعية التمثيل، وإبقاء أي طرف أو مؤسسة ثورية خارج الموضوع سينقص من مشروعيته وسنكون خلقنا قوة تعطيل نجاح هذا المشروع.

وطبعًا بالتوازي مع تلك الاجتماعات المدنية كنا نلتقي مع القيادة العسكرية، فقد كان لدينا الحرص الأكيد حينها على أن يتمّ هذا المشروع بالتوافق معها، ولا نريد أن نصل إلى صيغة الصدام، بمعنى أن المدني أنجز قيادته والعسكري أنجز قيادته، وبعد ذلك نقول: "من [يقود الغوطة]؟".  كان لدينا الحرص على أن ننجز شيئًا، ونتمم به (...)، وكنا حريصين على ألا نستفز مشروع القيادة العسكرية الموحدة لنصل إلى سوية القيادة العامة المسؤولة عن القرار وإدارة الأزمة، وهي المسؤولة عن عبورنا لهذه المرحلة من الثورة.

بعد أن وصلنا إلى قواعد التمثيل ونسب التمثيل، وخاطبنا المؤسسات الرسمية والمجتمع الأهلي والمجلس المحلي، أصبح لدينا تصور عن بنية هذه الهيئة. والنقطة الهامة أثناء النقاشات على سبيل المثال تلك المؤسسة ذات الطابع المحلي أو ذات الطابع العام للغوطة، والمؤسسة التي صُنعت محلياً أو كانت فرعًا لشيء خارج الحدود، والمجلس المحلي للبلدة التي عدد سكانها كذا أو للبلدة التي عدد سكانها كذا، كل ذلك وجدنا له طريقة تمثيل وبالتوافق، ففي النهاية الجميع وافق.

في قاعدة التمثيل راعينا المؤسسة وحجمها وحجم عملها، فهناك مؤسسة خيرية خدمية ذات طابع محلي لبلدة، وهناك مؤسسة تضع فعاليتها في قطاع من الغوطة، وهناك مؤسسة أكبر تضع فعاليتها في كامل الغوطة، هذا أحد المعايير التي راعيناها. والأمر الثاني: هناك نسب للكثافة السكانية في المدن والبلدات على صعيد الإدارة المحلية. وضعنا المعايير، وكانت اجتماعات شاقة، وفي النهاية وصلنا إلى الصيغة التي أرضت الجميع، فمن كان لديه مظلومية تمثيل المنطقة وافق، ومن كان لديه مظلومية تمثيل المؤسسة وافق، ومن كان يرى نفسه عملاقًا وأكبر من الجميع أيضًا وافق على مضض، وبهذه الصيغة استطعنا أن نصل إلى تشكيل الهيئة. طبعًا الهيئة بحد ذاتها ليست الهدف، بل كنا في حواراتنا مع القيادة العسكرية [نقول] إننا نشكل هذه الهيئة وننتخب، وهم فهموا أننا "لن نرضى في الشق المدني بفكرة14 مدنيًا أنتم تسمونهم بصفة استشارية، [وذلك] يذكرنا بحافظ الأسد عندما يعين مستشاريه مثل نجاح العطار وغيرها، نحن لا [نقبل]، فالـ 14 استشاريًا هم طيفكم، ونحن ننتخب 14 آخرين". هكذا كان التوافق بيننا وبين القيادة العسكرية (القيادة العسكرية الموحدة)، والـ 14 [استشاريًا] إضافة إلى الـ14 [منتخبًا] تنتج "الأمانة العامة"(الأمانة العامة للغوطة الشرقية – المحرر). طبعًا على التوازي مع عملنا المدني كان العسكري عينه علينا، ونحن عيننا عليه، أي هم يرون ماذا نفعل ونحن أيضًا، وكلٌّ منا لديه طريقته في تفكير ولديه هواجسه اتجاه مكونه واتجاه المكون الآخر، فالأمر كان لعبة مكشوفة، ولم يكن هناك من يطبخ شيئًا سرًّا في الغوطة، وفي النهاية وصلنا إلى نقطة أنه لم يعد هناك أسرار في الغوطة، فالورق مكشوف، وكان علينا في ذلك الحين أن ننتج هذه الأمانة العامة ومدتها 3 شهور، ومهمتها وضع نظام داخلي لهذا الكيان المسمّى "الهيئة العامة للغوطة الشرقية"، والذي سيشكّل مع القيادة العسكرية الموحدة فكرة القيادة العامة.

 وفي هذا الإطار فعلاً تمّ أول اجتماع للهيئة العامة ودُعي الممثلون (عُقد الاجتماع في 29 كانون الثاني/ يناير 2015 وأُعلن فيه عن تشكيل الهيئة العامة للغوطة الشرقية – المحرر)، واعتبرنا ذلك نجاحًا لأننا استطعنا أن نثبت أمرًا مؤسساتيًا، وبرضا العسكري فهو نجاح ثانٍ، والشيء المؤسسي الذي وضعناه هو لإنتاج سوية مشتركة بين المكون المدني الذي انتدبه العسكري وبين مكوننا المدني الذي سننتخبه، فثبّتنا بذلك فكرة الانتخاب، وفي الحقيقة اعتبرناه نجاحًا مجرد عقد الهيئة العامة التي تُعتبر الخطوة التأسيسية، وكذلك انتخاب الـ14 لنضيفهم إلى الـ14 الاستشاريين الذين سمّتهم القيادة الموحدة، وصولًا لإنتاج أمانة عامة، تلك هي خطوة في بناء المأسسة والشراكة.

ربما العسكري لديه نظرة، أو يريد هدفًا من هذه (الهيئة الاستشارية)، ونحن كنا لدينا هدف، والمكون المدني والأطراف المتعددة فيه أيضًا لديها أهدافها، وكذلك كان المكون العسكري، فهي مصالح متلاقية ومتناقضة، ولكن أصبحت لدينا القدرة على قوننتها. فهذا السياج الكبير الذي أدخل الخيل البري، ليس فقط العسكري، وإنما العسكري والمدني، استطعنا بعده أن ندخل في إطار الحظيرة الكبيرة، والتي يمكن أن نبني منها شيئًا، ونصل في النهاية إلى التأهيل، فأنا أرفض كلمة الترويض. وهكذا مجرد انعقاد هذه الهيئة (الهيئة العامة)، وبرضا كل الأطراف، سواءٌ كان الرضا بحماس كبير أو على مضض، أنا أعتبره وكنا نعتبره في ذلك الوقت نجاحًا، وتمّ انتخاب الـ14، وتمّ إعلان الأمانة العامة وعمرها 3 شهور ووظيفتها وضع النظام الداخلي للهيئة العامة بهدف إنتاج سوية القيادة العامة بالشراكة مع العسكريين.

نحن تركنا الانتخاب، فقد كانت لعبة انتخابية وزحمة مرشحين وأصوات، وكنا سعيدين أننا استطعنا، طبعًا لسنا نحن الذين استطعنا، بل الغوطة استطاعت أن توصل الأشخاص الذين تتوسم فيهم القدرة على وضع النظام الداخلي. ونحن كمكتب إداري، اللجنة الثلاثية، كانت اجتماعات وضع النظام الداخلي بإدارتنا، وبذلك كنا داخل اللعبة، ولكننا أردنا أن نخلي المواقع [لغيرنا]، وطبعًا كان من شروطنا أن المكتب الإداري لا يترشح، "فأنت ابقَ في مهامك كمكتب إداري ولجنة إدارية تعمل وتهيكل هذا المشروع، ونفسح المجال للناس والمؤسسات التي دعوناها لتتمثّل، وليكن أعضاء الأمانة العامة من هؤلاء وفي [إطار] اللعبة الانتخابية الديمقراطية.

فعلًا تشكّلت الأمانة العامة من 28 عضوًا، واجتمعت واتفقنا في أول اجتماع على أن نبدأ ورشة عمل باجتماعات صباحية باكرة، وكنا نختار الأوقات التي لا تعطل الناس عن أعمالها، وفي الوقت نفسه نبتعد عن التوقيت الممكن للقصف، فكنا نختار وقتًا باكرًا في الصباح، وبدأنا سلسلة اجتماعات، وكنا ننهض في البرد، وكلٌّ منا يركب دراجته الهوائية ويذهب من مكان إلى مكان، وهو يحمل أوراقه ليحضر اجتماع صياغة النظام الداخلي. وكانت سلسلة اجتماعات ماراثونية شاقة جدًا، ففي النظام الداخلي علينا تحديد تعريف الجسم ومهامه وثوابته والمحددات والسويات في هيكليته التنظيمية، وهذا كله كان عملًا شاقًا لنفس الأسباب التي كانت تعترضنا أثناء التأسيس، ونضيف إليها أننا أصبحنا أمام أشخاص منتخبين ومسؤولين، وأمام خليط من الشخصيات والتيارات والعلاقات المتباينة مع مختلف الفصائل الكبرى، فكانت حتى مهمة وضع النظام الداخلي دقيقة جدًا، وأخذت منا سلسلة اجتماعات شاقة، وفي بعض الأحيان كان ينقضي الاجتماع على كلمة واحدة نعدّلها أو لا نعدلها، ونقبل بها أو لا نقبل بها.

بدأنا الاجتماعات الأولى، وكان لدينا في البداية: التعريف، وهناك من قال إنها الهيئة المرجعية الأساس، ففي التعريف أيضًا كان يوجد آراء متعددة ومتطرفة من طرف إلى طرف آخر، وهناك من كان يرى أن دورها يجب أن يكون استكمالًا للمهمة الاستشارية التابعة للقيادة العسكرية الموحدة، وأتى هذا الطرح من قبل أصحاب بعض الرؤى أو من لديهم ولاءات باتجاه الفصائل، وهناك من كان يؤمن بفكرة الشراكة، وهناك من يؤمن بفكرة إقصاء العسكري، وفي الحقيقة كانت مروحة آراء وخيارات، ثم مشينا بالشعار أو العبارة التي كنت أستخدمها كثيرًا حتى أصبحوا يقولون "هذه عبارة صخر (الاسم المستعار للشاهد – المحرر)"، وهي "تدوير الزوايا"، فلا يمكن أن نبقى على زوايا حادة وزوايا منفرجة ومواقف متشنجة، بل يجب أن "نسدّد ونقارب" وهي عبارة أبو رامز (بسام البرزاوي)، و"تدوير الزوايا" هي عبارتي، وأصبحوا يستخدموهما باسمنا، وأصبح للعبارتَين براءة اختراع أو ملكية.

وهكذا بدأنا أولًا بالتعريف، ووصلنا إلى أنه جسم تمثيلي رقابي، إلخ، وبالنسبة للثوابت والمحددات، نحن الآن أنتجنا جسمًا، ولكن له ثوابت ومحددات عمله، ولا يكفي التعريف، فالثوابت والمحددات هي المنطلقات النظرية لهذا الجسم، والتي تحكم عمله وآلية عمله. وكان هناك الكثير من القضايا الشائكة والخلافية حتى في الثوابت والمحددات، وعلى سبيل المثال كنا [نقول] في الاجتماعات "إن الغوطة هي جزء من الوطن السوري، وليست كيانًا نهائيًا أو كانتونًا أو إمارة"، وهذا ثابت من الثوابت، وعلينا أن نعمل كجزء من الوطن السوري الذي يتحرر، وكمنطقة محررة، ويكون المجال مفتوحًا للقاء مع المناطق المحررة الأخرى القريبة منا، مثل جنوب دمشق وداريا.

نحن كانت دائمًا فكرتنا أن نصنع النموذج البديل من جهة، وأن نصنع النموذج الذي يمكّننا من تجاوز أزمتنا الحالية، لذلك لم نكن نأتي بمشروع جاهز أو موجود أو معروف، وإنما كنا نصنع مشاريعنا بناءً على احتياجاتنا. وهكذا البند الأول الذي يقول إن "الغوطة جزء من الوطن السوري" تجاوزناه بعد أن أخذ بعض النقاش، ثم أتينا إلى البند الثاني [الذي يقول] إن "علم الاستقلال هو علم الثورة الجامع"، ومجرد أن قلنا هذه العبارة، وكنا جميعنا جالسين، وكل شخص لديه أوراقه ومسوداته ومقترحاته، بدأنا نسمع من يقول: "لا، أنا لا أؤمن بعلم الثورة"، والبعض قال: "راية "لا إله الا الله""، والآخر [قال إن] "علم الثورة هو راية عمية"، ولكن ما المقصود براية عمية؟ والثالث قال إن "الله لن ينصرنا إذا لم نقاتل تحت رايته"، والرابع [قال] إن "هذا العلم (علم الاستقلال) وضعته فرنسا، ولا يجوز التمسّك به"، وبدأنا نسمع طروحات (...)، وقلت في نفسي: "الله يكون في عوننا كيف سنعبر وسط هذه الآراء". والذين كانوا ضد فكرة علم الثورة كانوا مرتبطين صراحةً بفصائل كبرى.

العلم هو رمز سيادي، ورمز وحدة بلد، وفكرة علم الثورة أنه علم الاستقلال الذي تأسست به سورية حرة خلال الاستقلال الأول، وفي العرف الاجتماعي والوعي الثوري الجمعي وفي كل المناطق المحررة أن علم الثورة يمثلنا. ودخلنا حينها سلسلة [نقاشات قائلين:] "علم الثورة يمثلنا جميعنا، بينما علمك كفصيل أو حزب أو تيار من حقك أن تضع العلم الذي تريد، ولكن لا تفرضه علي، أما في مكتبك وفعالياتك ضعْ أعلامك الخاصة بك وأنت حر، فعلم الثورة يعتمده مشروع غوطة ومشروع ثوري ومشروع بديل هدفه إسقاط النظام، ولا يمكن أن نرفع غير علم الثورة". ثم بدأنا بعدها نفكك هذا الاعتراض، وقلت: "إذا أردت راية "لا إله إلا الله"، هل تريدها باللون الأبيض أم الأسود؟ فهناك من يؤمن بها باللون السوداء والآخر باللون البيضاء، وهل تريدها مكتوبة بالخط الفارسي أو بالخط الرقعي؟ وتلك التي عليها سيف أو التي عليها سنبلة؟ وهنا بدأنا نفكك هذه المقولة، بعد ذلك خرج لنا رأي يقول: "بما إنه موضوع خلافي فلنُسقط موضوع الراية نهائيًا"، ولكن كان هناك إصرار بعدم إسقاطه، فأنت في النهاية مشروع وطني ويجب أن تحدد العنوان الذي تعمل به، هل تعمل تحت عنوان حزب أو فصيل أو تيار فكري أم تحت عنوان وطني جامع؟ ونحن عندما نقول علم الثورة، فأنا لا ألغي "لا إله إلا الله" لأنها موجودة داخلي وفي قلبي، ولا يجب أن تختزل الصراع والفكرة، وتظن نفسك أنك أنت الإسلام ونحن كفار قريش، وهذه الصيغة نرفض طرحها من الأساس، وأن تقارب الموضوع بهذه العقلية هو أمر نرفضه جميعًا، ولا أحد يزاود على أحد. وأذكر بهذا الخصوص [أنني قلت لهم:] "نحن في الغوطة ألسنا جميعنا إسلام سنّة؟ إذن لا أحد يزاود بعد ذلك على أحد في موضوع الدين"، أي وصلت الأمور إلى هذه الدرجة، ورمينا الأقلام والأوراق، وكان [نقاش] هذا الموضوع صاخبًا في تلك الاجتماعات، وفي النهاية وبعد كل هذه النقاشات و"علّ القلب" استطعنا أن نثبت علم الثورة.

ومن مآخذنا حينها على إعلان القيادة العسكرية الموحدة، وقلناها للقادة العسكريين: "أنتم تشكّلون قيادة عسكرية موحدة ثم تضعون أعلام ثلاثة فصائل؟ هل أنتم جامعة الدول العربية؟ ضعوا علم الثورة وابقوا تحت شعار علم الثورة". وأنا قلت بعد ذلك وكأنه كان ممنوعًا عليهم في ذلك الوقت، فالدول التي كانت خلفهم لم تكن تؤمن حينها بعلم الثورة، وبعد ذلك، وبعد تلك النقاشات الحادة هؤلاء الذين واجهونا بفكرة رفض علم الثورة وجدناهم وقد وضعوه على أكتافهم، وذلك بعد[مؤتمر] الرياض1  (انعقد مؤتمر الرياض1 في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2015 – المحرر) و[مؤتمر] الرياض 2(انعقد مؤتمر الرياض2 في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 – المحرر).

أتينا إلى البند الثالث في الثوابت والمحددات: ضمان حرية التعبير، ونفس الطرف الذي كان يحتجّ على الراية العمية و[يريد] راية "لا إله إلا الله". وكأنه صُعق بالكهرباء من كلمة "ضمان حرية التعبير"، وبدأنا نتواجه. وأذكر قول أحد الأشخاص الذين أصبحوا بعد ذلك في مكاتب سياسية: "هل حرية التعبير هي الحرية الجنسية؟ أم هي حرية أن يظهر من يريد أن يسكر ويعربد؟"، في الوقت نفسه نحن نتكلم عن غوطة محاصرة في زمن ثورة وحرب وجهاد ضد النظام، وأنت تقول لي حرية جنسية ومثلية جنسية وعربدة وسُكْر، بينما في ظلّ [حكم] بشار الأسد لم يخرج من يصرّح بهذا الكلام ليأتي من يصرح به هنا في الغوطة المحاصرة الجريحة التي تخوض أقدس حرب ضد هذا النظام. نحن نتحدث عن حرية تعبير بمعنى أن الناس من حقها أن تقول رأيها، وليس أنت فقط يكون لديك الرأي وأنا لا، فما أمنحه لنفسي من حق التعبير يجب ألا أحرم الآخرين منه، وهذا أخذ أيضًا سلسلة نقاشات وجدالات لا تخلو من العصبية، وبدأ البعض ينحو باتجاه "يجوز ولا يجوز"، وفي النهاية على [أساس] مبدأ تدوير الزوايا والتسديد والمقاربة، وكنا قد قلنا إنه يهمنا موضوع حرية التعبير، فاستبدلنا "ضمان حرية التعبير" بـ "احترام حرية التعبير"، وقلنا: وليكن، وهو عندما يحترم حرية التعبير، فهو يقبل بها، ونحن كان يهمنا البند. أصبحت طروحاتنا مثل فرط التصحيح، وهناك شيء في الطب أنه إذا كان لديك انكماش في يدك، فعلاجها هو وضعية فرط التصحيح حتى تصل إلى الوضع الصحيح، وأصبحنا نلعب هذه اللعبة حيث نطرح أمرًا متشنجًا حتى نصل وإياه إلى الشيء المقبول، فأمام التشنج الذي نتوقّعه من الآخر أصبحنا نطرح طروحات فيها فرط تصحيح حتى نستطيع العودة عنها سويًا والوصول إلى "احترام حق حرية التعبير".

من الأمور التي أخذت نقاشات، وجود من يريد إدخال بند [يقول:] "وفق الشريعة الإسلامية"، وعندما نريد أن نوحي أننا كيان ديني، أو أن الغوطة هي كيان ديني، هذا الكلام خطأ، وأيضًا وصلنا في النهاية بطريقة تدوير الزوايا وضبط العبارات إلى صيغة: "وفق ضوابط الشريعة الإسلامية"، بينما كان هناك من يريد أن يسنّ "وفق القانون (المقصود وفق الشريعة الإسلامية)"، وكنا نرى مكاتب حسبة هنا وهناك، وهذا الكلام كنا نعتبره مقدمة لتقييد الحرية الشخصية، ونحن لا نريد أن نصل إلى تورا بورا، وإن كان من يدعو لهذه الأفكار يأتمر بأمر السعودية فالسعودية بدأت تتحلل منها، فأنت إلى أين تسوق بها؟ نحن مجتمع مسلم محافظ منضبط أساسًا بالفطرة والطبيعة، والثورة لن تنتصر بمكتب حسبة يلاحق [المرأة] على النقاب و[الرجل] على تقصير جلابيّته وإغلاق [المحلات] أثناء الأذان، وليس هذا مشروعنا، ونحن جميعنا مسلمون، وكنا نضطر دائمًا للقول لهم: "لا يجوز لأحد أن يزاود علينا، ولا أحد يقول: "أنا صلاتي مقبولة وصلاتك غير مقبولة، وإيماني مقبول وإيمانك غير مقبول"، جميعنا مسلمون وسنّة، فلا تقولوا أيضًا طوائف وأقليات. نحن مجتمع مسلم سنّي محاصر مأزوم، ونبحث عن طرق لنخرج من أزمتنا". فقد كان البعض يرى في نفسه أنه سيكرر تاريخ الدعوة الإسلامية، ويعتبرك مسبقًا من كفار قريش وهو من المسلمين القادمين الذين يطبقون عليك الإسلام، بينما نحن هذه الأمور تجاوزناها، وقضيتنا ليست هنا.

كلمة "الديمقراطية" كانت في الحقيقة بمثابة صعق الكهرباء للبعض، وكلمة "الديمقراطية" في الأساس وفي سنوات الثورة 2011 و2012 و2013 و2014، وبمجرد أن يتفوه الشخص بكلمة "الديمقراطية" (...)، فأنا علمت أنني "علماني" لأنني كنت أستخدم كلمة "الديمقراطية" و"تداول السلطة"، حيث كانت كلمة "الديمقراطية" غير مقبولة، وكنا نتحايل بصراحة على المصطلحات التي يمكن أن تكون إشكالية بالنسبة للبعض، وبدلًا من كلمة "الديمقراطية" [كنا نقول] "حرية التعبير والانتخاب"، وحتى كلمة "الانتخاب" حدث فيها نقاش طويل أنه "لا يجوز ويجوز، وبالشرع [نقول] توافق"، وبدأنا نسمع مصطلحات "مبايعة ذي الشوكة"، ولكن إذا أرادوا القول: "ذو الشوكة وذو القوة"، وبشار (بشار الأسد) ذو شوكة وذو قوة، فلماذا خرجنا أساسًا في الثورة ضده؟ وهكذا كلمة "حرية التعبير" أو "الديمقراطية"، حيث يوجد في النظام الداخلي ما هو انتخابي، و[البعض يقول:] "هذا الانتخاب شرعًا يجوز ولا يجوز، و[يجب اعتماد] التوافق"، وهنا بدأنا نبسّط الفكرة كي نستطيع تمريرها، [وقلنا:] "نحن هنا 10 أشخاص، وإذا توافقنا نحن الـ10 على رأي فهو نعمة، ولكن إذا اختلفنا على رأي، مثلًا 6 ضد 4، رأي من سيمشي؟" قالوا: "الـ6"، فقلنا لهم: "هذا هو الاقتراع والانتخاب". وأصبحنا نتجنب كلمة "الديمقراطية"، وكنا نتحدث عن نظام داخلي، ولكن مجرد طرح كلمة "الديمقراطية" كنا نتجنبه كونها إشكالية كمصطلح، وكانوا يقولون على الفور: "الديمقراطية هي حكم الأغلبية، بينما الحاكمية لله"، كان هذا منطقهم، بينما الحاكمية لله في المنهج، فإذا اختلف 10 علماء من فطاحل علماء الأمة في قضية ما، 6 ضد 4 منهم، ألن تقول في النهاية رأي الأغلبية، هذه هي الديمقراطية، وأنا لا أريد أن أقول لك "ديمقراطية"، فلننسها. فكرة الانتخاب، كان هناك من يُصعق من فكرة التصويت والاحتكام إلى رأي الأغلبية، لذلك كنا نقول في بعض الصياغات: "التوافق وإن تعذر فالانتخاب"، وفي طبيعة الحال كان يتعذر التوافق دائمًا، فكنا نذهب إلى الانتخاب، وهكذا حصلنا على القيمة دون أن نسميها بالمصطلح الاستفزازي. وكنت أرى بصراحة أن العديد من الشباب الذين كانوا يدخلون في صراعات، كنت أراها أزمة المصطلحات، بمعنى أنك إذا قلت "ديمقراطية" فأنت علماني، وإذا كنت علمانيًا فأنت كافر، وإذا قلت "مبايعة" فأنت إسلامي، ولكن عندما كنا ندخل في نقاشات فحوى الفكرة كنت أرى حتى من لديه حساسية من مصطلح "ديمقراطية"، ولكنه في النهاية، وبالمنطق كان يقبل بفكرة الانتخاب والقبول برأي الأغلبية. لذلك كنا نتجنب أحيانًا هذه المصطلحات المستفزة، فهناك مصطلح له تعريف في ذهنية الناس، أو هناك من عرّفه لهم بمنحى سلبي، وأنا عندما أستخدم هذا المصطلح أوحي لهم مباشرةً بهذا الشيء السلبي المغروس في ذهنهم، فلندع المصطلح لأن ما يهمني هو المضمون.

من بين الثوابت والمحددات هذه النقاط: عدم التعارض مع ضوابط الشريعة الإسلامية، وعلم الثورة، واحترام حرية التعبير، ووحدة الوطن السوري وأننا كغوطة جزء منه، وأن هدفنا النهائي هو إسقاط النظام وإقامة نظام حر، وكلمة "ديمقراطي" تركناها جانبًا، وتحقيق الحرية والكرامة وإلخ، فأنا تهمني القيمة والمعنى والمضمون. وفي النهاية هذه التجربة أضافت لي شيئًا استفدت وتعلّمت منه بعد كل هذا العمر، أن الحوار قد يكون أحيانًا حوار طرشان، في حين أن هؤلاء الطرشان متفقون ضمنًا على الفكرة، وإنما هم مختلفون فقط على المصطلح وما يوحي به المصطلح، لذلك أصبحنا نتجنب هذه المصطلحات الإشكالية في أدبياتنا، حيث تهمنا القيمة ولا تهمنا الكلمة أو المصطلح.

في المحصلة كان التوافق بيننا وبين القيادة العسكرية أن تجتمع الأمانة العامة وتصوغ النظام الداخلي، وطبعًا صيغَ في النظام الداخلي أن الهيئة العامة واللجان التي ستعمل مثلًا في المجال الاقتصادي والطبي والإدارة المحلية والطبية بحيث تكون عبارة عن تشبيك لكل ما هو قائم في الغوطة، تنتخب السوية التي بعدها، وحتى مسمى "السوية" قلنا إنه يمكن أن يُترك للتوافق. وفي النهاية نصل بالتوافق مع القيادة العسكرية إلى سوية القيادة العامة، وحتى كان هناك تفصيلة رقمية، وكانت صياغة مسودة النظام الداخلي [تعكس] ما كنا نراه، فبما أننا في حالة حرب، ليس لدينا مشكلة أن يكون قائد القيادة العسكرية هو على رأس القيادة العامة، والذي كان يهمنا هو نسب التمثيل ومبدأ الشراكة ومنع الجموح والاستفراد، وأن نستطيع فقط العبور لأن قضيتنا ليست قضية غوطة فقط، وإنما هي قضية ثورة تريد الانتصار، وكنا نشعر أن الغوطة تحمل عبء انتصار الثورة، وكان هذا وعيًا جماعيًا لدى غالبية من دخلوا في هذا المشروع رغم الخلافات فيما بيننا، ورغم أن هذه الخلافات كانت تأخذ أحيانًا الطابع الحاد والشخصي، ولكن في النهاية هكذا كانت نظرتنا.

أنجزت الأمانة العامة النظام الداخلي، وطبعًا هناك نسخ مكتوبة ومطبوعة منه، وكان الاتفاق حينها أنها مسودة نظام داخلي ستُعرض على أعضاء الهيئة العامة للنقاش والتعديل، وتُعرض على القيادة العسكرية أيضًا لإبداء الملاحظات، فقد كنا نؤمن بأن نجاح المشروع يقتضي التوافق، وكنا نبحث عن هوامش التوافق، ولم نكن في وارد الأقليات والأكثريات، أو أن [نقول]: هذا ما ارتأته الأمانة العامة أو هذا ما استطعنا فعله، ونقوم فقط بتعديلات شكلية، بل كانت الفكرة المهيمنة أننا نريد أن نصل إلى توافق. ورغم إنجاز مسودة النظام الداخلي، كنا نتوقّع أنه مازال هناك ما يعترضنا مثل قبول بند وإلغاء بند واقتراح بند إضافي، فالمشوار أمامنا طويل، ولكننا اعتبرنا أننا قد وضعنا حجر الأساس في مشروع الشراكة، وفرضنا أنفسنا كشركاء، وقادرين على أن نصنع التوافقات من خلال مبدأ الشراكة الذي اتفقنا عليه.

أُرسلت نسخة من مسودة [النظام الداخلي] إلى القيادة العسكرية الموحدة للاطلاع على تلك المسودة التي صاغتها الأمانة العامة، والأمانة نصفها هم من سموهم والنصف الآخر منتخب، وقلنا أننا، وبعد أن نأخذ ملاحظات القيادة العسكرية، نعقد هيئة عامة ونطرح المسودة مع الملاحظات، وفي نتيجة الاجتماعات نصل للنظام الداخلي بشكله النهائي، ويُقَرّ وننطلق في المشروع. في الحقيقة وصلت النسخة إلى القيادة العسكرية الموحدة، وقلنا فلننتظر أسبوعًا أو أسبوعين كي يتمعنوا فيها ويضعوا الملاحظات ونتناقش معهم، ومرّ الأسبوع الأول والثاني والثالث، وهنا [بدأنا نسألهم]: "ألم تطلعوا عليها؟ ما هي ملاحظاتهم؟ وبدأنا نشعر بنوع من المناورة، وكنا نسمع لفظًا: "بهذا الشكل غير مقبول، ونسب التمثيل نحن مغبونون بها"، وأصبح هناك عودة إلى المربع الأول، فبعد أن عقدنا الهيئة العامة وتوافقنا على نسب تشكيلها، هناك من يريد أن ينكفئ، ويقول: أنا حصتي أكبر، أو أقل، وأشعر بمظلومية، وأنا أعترض، وأنا لا أعترض".

 وبعد ذلك أتت مجموعة ملاحظات بعد إصرار ومماطلة طويلة، وملاحظات مبدئية وليس ردًّا، تقول إنهم يريدون أن يعتبروا الهيئة العامة هيئة ناخبة تنتخب لمرة واحدة وتحلّ نفسها، وها هي قد انتخبت الأمانة العامة وانتهت [مهمتها]، والقائد العام (...). وهنا بدأت القيادة العسكرية تُختزل بشخص القائد العام وختم القائد العام، وهو الذي يدعو إلى هيئة واجتماعات، وبدأنا نشعر أن نظرتهم كانت أن الهيئة العامة هيئة ناخبة، وبدأنا نعرف ملامح المناورة [وكأنهم يقولون لنا:] لقد استوعبناكم وانتخبتم الـ14، كفى و"يعطيكم العافية"، ونحن الآن أخذنا المشروعية المدنية، ونحن من سيعمل على هيكلة المدني". كنا نقرأ القصة بهذا الشكل، وقلنا لهم بعد ذلك: "أعطونا أجوبة رسمية، ولنجتمع ونتناقش". وكل ما أنجزناه في الهيئة كان مكتوبًا، بينما مع العسكري كانت ردودهم شفهية، وبدأنا نسمع كلمة: "(...) تحت قدمي، ونعترف ولا نعترف، ونحن قادرون على أن نجمع مثلكم". وبدأنا نشعر بصراحة بوجود مناورة، ورفض لفكرة الشراكة المدنية والعسكرية، وبأن الرؤية لديهم هي احتواء المدني تحت عباءتهم.

الأمر الثاني، عُقدت الهيئة العامة، وفي النظام الداخلي تُعقد الهيئة العامة كل شهر، والذي شعرنا به أنهم تمسكوا بحرفية أن "الأمانة العامة مدتها 3 شهور، ومهمتها وضع النظام الداخلي"، و[لسان حال القيادة العسكرية الموحدة يقول]: "بما أنكم قد وضعتم النظام الداخلي، "الله يعطيكم العافية"، اذهبوا إلى بيوتكم، لقد انتهت الأمانة العامة". وهنا أصبحت الأمانة العامة مطعونًا بشرعيتها، فقد مضت الشهور الثلاثة، ونحن اتفقنا على 3 شهور، ولكن دعونا نمضي في المشروع حتى نبني السوية الثانية، وهي الأمانة العامة القادمة المنتخبة وبرضاكم وبعد أن نتوافق مع بعضنا البعض على بعض الأمور الخلافية في النظام الداخلي.

بصراحة عشنا حينها جو [الأهزوجة القائلة:] "الحداد بده بيضة، والبيضة عند الدجاجة، والدجاجة بدها قمحة، والقمحة في الطاحونة"، وكلما سألنا عن النظام الداخلي، فيقولون إنه عند الشيخ، [ونسأل الشيخ]: "يا شيخ ماذا؟"، [ويكون الردّ أن] الشيخ مشغول الآن، [ونسأل:] "ألا يوجد من يكلفه؟"، فيجيبون إن المفتاح (...)، وبدأنا نشعر بنوع من اللعب على الوقت، ولم نأخذ ردودًا من باقي القادة [سوى مقولة:] "لنشوف"، وبدأنا نشعر بنوع من المماطلة والتعطيل بهدف وأد المشروع.

وفي إفطار رمضاني، وكان هناك اجتماع للهيئة العامة حينها، وكان موضوع النظام الداخلي وإقراره، وأمام مماطلة العسكر وُجدت أصوات في الهيئة العامة بأن نمضي دونهم (دون العسكر)، و"ندير ظهرنا ونكمل المشروع، وبما أنهم لا يروننا فنحن أيضًا لا نراهم". وهنا بدأنا ندخل بالفعل ورد الفعل، والائتلاف الواسع الذي شكلناه من خلال مشروع الهيئة العامة بدأت أيضًا تتباين داخله تيارات، وبما في ذلك التيار الموالي لـ "جيش الإسلام" الموجود في الهيئة العامة أيضًا بدأ ينحو باتجاه أنهم "مع القائد والقيادة والشرعية وذي الشوكة"، وبدأنا نشعر أن كل هذا المشروع سيذهب في مهبّ الريح. والأمر الذي ساعد بالطبع على تأخير البت في إنجاز السوية اللاحقة للهيئة العامة، أن القائد العام للقيادة العسكرية الموحدة (زهران علوش – المحرر) خرج من الغوطة في رحلته الشهيرة عام 2015، حيث ذهب خارج الغوطة وخارج سورية إلى تركيا (في نيسان/ أبريل 2015 – المحرر)، وكانت فترة غيابه طويلة، وأصبحت الحجة اللاحقة التي نسمعها من نائبه ومن المكونين الآخرين في القيادة، أن "الشيخ في الخارج، وفي موضوع بهذه الحيوية والأهمية علينا أن ننتظر عودة الشيخ، ولماذا أنتم مستعجلون؟"، وبدأنا نسمع هذه الأسطوانة، وبدأنا نشعر بالمناورة لإفشال المشروع.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/08/16

الموضوع الرئیس

واقع الغوطة الشرقية عام 2015حصار الغوطة الشرقية

كود الشهادة

SMI/OH/52-31/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

2015

updatedAt

2024/11/11

المنطقة الجغرافية

محافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقية

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

حركة أحرار الشام الإسلامية

حركة أحرار الشام الإسلامية

الأمانة العامة في الغوطة الشرقية

الأمانة العامة في الغوطة الشرقية

تنظيم القاعدة

تنظيم القاعدة

فيلق الرحمن

فيلق الرحمن

جيش الإسلام 

جيش الإسلام 

الهيئة العامة في الغوطة الشرقية

الهيئة العامة في الغوطة الشرقية

المجلس القضائي في الغوطة الشرقية

المجلس القضائي في الغوطة الشرقية

حزب التحرير الإسلامي

حزب التحرير الإسلامي

القيادة العسكرية الموحدة في الغوطة الشرقية

القيادة العسكرية الموحدة في الغوطة الشرقية

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

الشهادات المرتبطة