عودة زهران علوش من جولته واللقاءات الأخيرة، الهدنة وانتخاب الهيئة السياسية
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:33:31
من الأحداث التي تركت بصمتها في الغوطة عام 2015 خروج الشيخ زهران علوش في جولة خارج الغوطة (في نيسان/ أبريل 2015 – المحرر)، وهذا الموضوع ترك أثرًا على أكثر من مستوى، على المستوى الشعبي كان هناك استغراب كيف خرج ونحن في حصار، وكانت هناك بعض الطروحات [تتساءل:] "كيف خرج؟"، وهو سُئِلَ هذا السؤال في الكثير من الجلسات، وقال "إننا لدينا طرقنا ووسائلنا الخاصة الضيقة السرية التي لا نستطيع أن نتحدث عنها"، وكان يوحي بأن لديه مخرجًا يستطيع الهروب منه ولا يريد أن يكشفه. وعلى مستوى مشروعنا ومشروع الشراكة بين المدني والعسكري، وإنجاز مشروع قيادة عامة للغوطة، أيضًا تأثر مشروع النظام الداخلي حيث علقنا بالمماحكات مع من تبقى من القيادة العسكرية (القيادة العسكرية الموحدة في الغوطة الشرقية – المحرر)، [وكانوا يقولون:] "المشروع بقي لدى الشيخ (زهران علوش – المحرر)، وفي درج مكتبه، ولم يُتَح لنا (...)"، وبدأنا نغرق في التفاصيل، "ونقبل ولا نقبل (...)، ويجوز ولا يجوز".
خرج الشيخ زهران إلى هذه الجولة، وعاد منها (أعلن "جيش الإسلام" عودة زهران علوش إلى الغوطة الشرقية في 1 تموز/ يوليو 2015 – المحرر)، وبعد يومين من عودته دعانا إلى إفطار رمضاني، وهنّأناه بسلامته، وسألناه عن أجواء الجولة، وفي الحقيقة كان واضحًا عليه الإحباط، ولأول مرة نسمع منه كلمة "لا أحد معنا"، وكلمة "يجب أن نعتمد على أنفسنا"، ولأول مرة نشعر أنه بدأ يصبح أقرب إلينا، وقال لنا إنه قد تمت مواجهته في الخارج بسيناريوهات تقسيم سورية، وفي الدول الخارجية لا أحد همه أو قلبه على الشعب السوري. وما فهمناه أنه التقى مع مندوبي كل الدول الإقليمية والدولية، بدءًا من تركيا إلى السعودية وقطر وفرنسا والأردن ووو...، وقال إنه قد أُتيح له أن يقابل الجميع، ولا تحضرني الآن تفاصيل طرح كل جهة، ولكنه إثر خلاصة ما سمعه عاد متشائمًا، وكان من الواضح أنه محبط من هذه الجولة، وهذا كان انطباعنا وهو يعرض لنا زيارته، وقلنا إن هذا يؤكد أن نعتمد على الذات ونمضي في مشروعنا ونثبت الشراكة، وإن قوتنا[بوجودنا] معًا على الأرض. كانت أحاديثنا في هذا الإطار، وهو أيضًا كان يقول نفس الكلام: "ليس لنا إلا أن نعتمد على أنفسنا ونوحّد الصف".
بعد هذه الجولة بشهر أو شهرين، كانت الأمانة العامة (الأمانة العامة للغوطة الشرقية – المحرر) التي وضعت النظام الداخلي ومازالت تنتظر الجواب، كانت مجمّدة، ولم يكن فعّالًا في الهيئة العامة (الهيئة العامة في الغوطة الشرقية – المحرر) سوى مكتبها الإداري والأعضاء، وكنا نريد أن ندعو إلى انعقاد جلسة عامة، ولا نريد أن يكون اجتماعًا استفزازيًا قبل أن نأخذ ردود العسكر ونستطيع أن نصل إلى الحلول الوسط ما بيننا وبينهم، حتى ندخل إلى جلسة فيها خطوة إلى الأمام. وفجأة علمنا أن الشيخ سعيد درويش وهو من شرعيّي "جيش الإسلام"، يبحث عنا بالاسم في كل الغوطة، [ويسأل:] أين فلان وفلان والدكتور صخر (الاسم المستعار للشاهد – المحرر) وأبو رامز وأبو محمد؟، وقال: "هناك موضوع مهم، ويجب أن نجتمع اليوم بعد العصر في المكان الفلاني، وكذلك الشيخ زهران"، وقلنا: "ما هو الموضوع؟"، فأجاب: "ربما الموضوع يكون فيه خير للغوطة إن شاء الله، هدنة". وعندما نقول 2015 يعني أن الحصار في أوجه، والقصف والمجازر، والمعاناة الحقيقية في الغوطة كانت في تصاعد ومستمرة، ولم تتراجع إلا أن حدّتها قد خفّت قليلًا بسبب وجود الأنفاق حيث استطعنا أن نهرّب منها بعض المواد، ولكن كانت الأسعار [مرتفعة]، فوصول المواد إلى برزة غالٍ وكذلك النقل، وكانت الغوطة تعاني الأزمات الحقيقية.
حضرنا الاجتماع، وكان من يتحدث هو سعيد درويش وأبو عمار دلوان (ياسر دلوان – المحرر) رئيس المكتب السياسي في "جيش الإسلام"، فقال: "يا إخوان الشيخ سعيد حفظه الله، له صديق في مصر لديه علاقات مع الروس، وأخبره أنه من الممكن أن يعلنوا هدنة مع الغوطة دون أي شروط ودون سحب سلاح"، ففي هذا الوقت كانت قد راجت موضة الهدن في بعض المناطق وأول شروطها تسليم السلاح الثقيل، بينما [قال ياسر دلوان:] "الهدنة في الغوطة دون تسليم [سلاح]، وسيفتحون لنا المعابر، ويدخلون المواد، وهي بادرة فرج". هنا أصبح لدينا بعض التساؤلات، فهكذا خيار وقرار لا يُبنى على صديق يعرف الروس، بل يجب أن نعرف الجهة التي قدمت العرض وما هي الضمانات وما هي بنود العرض، ولماذا لا يُفتح التفاوض في الموضوع، وأين داريا وبقية المناطق من هذا الأمر؟ في البداية هكذا كان منحى تساؤلاتنا، وكنا كلما طرحنا تساؤلًا كهذا [يأتينا الجواب:] "يا أخي، ماذا تريدون من هذه التفاصيل؟ هل نحن في حاجة إلى هدنة أم لا؟"، وهنا [قلنا]: "إذا كان الأمر كذلك، نحن نعتبر هذا العرض عرضًا من مجهول، وبالتالي لا يُبنى ولا يُعوَّل عليه. وعندما توجد جهة ضامنة روسية فلتقدّم روسيا العرض، وحينها نقول: "نقبل أو لا نقبل"، وذلك حسب البنود، أما مجرد كلام وتريدون منا الموافقة، فهذا مرفوض".
علاوةً على ذلك، كنا نرى في ذلك الوقت كيف أن النظام عندما يهادن منطقة ينقل فائض القوة ليقضي على منطقة أخرى، فكان كلامنا وحديثنا بالمطلق، وبالرغم من كوننا تحت [وطأة] الجوع والحصار،" لن نقبل أي هدنة لا تشمل داريا"، حيث كنا نعتبر بوابتَي تحرير دمشق هما داريا والغوطة، وهذا كان تقريبًا بمثابة رأي عام لغالبية المدنيين. وهنا طال النقاش والجدال، وأذكر في النهاية أصبح [طرحهم] للأمر بطريقة: "لا أريد أن تقول لي شروط وغير شروط، فقط قلْ لي: نحن في حاجة إلى هدنة أم لا؟"، وأصبح شعورنا أنهم متفقون على الهدنة، ولكنهم يريدون القول إن الفعاليات المدنية ومعاناة الغوطة ضغطت علينا، وإلا لكنا على أبواب القصر الجمهوري، وفي النهاية توضع الهدنة وتبعاتها "على ظهر الناس" الذين لا يعرفون عنها شيئًا (تُلقى مسؤوليتها عليهم). وحينها كان جوابنا واضحًا وصريحًا، وقلت له: "في حال قلت لي: "هل نحن في حاجة إلى هدنة؟"، سأقول لك: "نعم"، وإذا قلت لي: "تعال لتوقع"، سأقول لك: "لن أوقّع دون داريا". وطبعًا نفس الفكرة ونفس الكلام قيل بصيغ متعددة من قبل غالبية الحضور، وقلنا لهم: "قرار الهدنة تأخذه مؤسسة، وأنتم قد جمّدتم مشروع الهيئة العامة وكذلك الأمانة العامة، فلندعُ إلى اجتماع الأمانة العامة التي جمّدتموها بسبب انتظارنا جوابكم، ودعونا نناقش الموضوع ضمن المؤسسة، والقرار الذي تصدره المؤسسة نلتزم به جميعًا".
وقد سبق وحضر هذا الاجتماع، وقبل أن يحضر زهران علوش وأبو النصر (عبد الناصر شمير، قائد "فيلق الرحمن" – المحرر)، حضر أبو محمد الفاتح (ياسر القادري – المحرر) قائد "الاتحاد الإسلامي" ("الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" – المحرر)، وطرحنا كل هذه التساؤلات قبل أن نتحدث عنها عندما انعقد الاجتماع مع زهران، وبالأحرى قلنا حينها إن الأصلح أن نجتمع مع القيادة العسكرية فرادى كي نعرف الرأي الحقيقي لكل قيادي منهم، لأننا لم نعد نعلم هل هو قرار شخص أم قرار قيادة؟ وسبق اجتماعنا مع زهران اجتماعنا مع أبو محمد الفاتح قائد الاتحاد الإسلامي، وقال بصريح العبارة: "لا أستطيع أن أتحدث باسم القيادة العسكرية الموحدة بسبب وجود شركاء لي فيها، بينما باسم فصيلي كاتحاد ألزم نفسي بالقرار الذي تتخذونه أنتم". وهذا الكلام لاقى ترحيبًا لدينا، واعتبرناها خطوة متقدمة من فصيل عسكري أن يحدث بهذه الطريقة.
وجاء بعده الشيخ زهران (زهران علوش – المحرر) وأبو النصر (عبد الناصر شمير – المحرر)، ودار النقاش بطريقة "[هل أنتم] في حاجة إلى [هدنة] أم لستم في حاجة إليها؟"، حتى إننا قلنا بعد ذلك إن الروس هم حلفاء النظام، وتلا هذا الاجتماع عدة اجتماعات هامشية [عُقد] بعضها في مقر القيادة الموحدة، وقال الشيخ زهران: "في حال عقدت اتفاقًا مع الروس، والروس دولة عظمى اعترفت بنا، هل هذا قليل؟ بل هذا أمر هام"، وكان ينظر إلى الموضوع من هذه الزاوية، الأمر الذي خلّف بالنسبة لنا ريبة أو خوفًا أو هاجسًا أن جماعتنا يضعون بيضهم في السلة الروسية، بينما كنا نعتبر أن الروسي والإيراني شركاء النظام وحلفاؤه، وهم أعداء ولا يمكننا الوثوق بهم، وكان هذا هو تقريبًا الرأي العام للمدنيين.
إثر مشروع الهدنة، ليّنت الردود التي تلقوها من المدنيين موقفهم، [وباتوا يقولون]: "ريثما نصيغ الردود والملاحظات على النظام الداخلي، لنعقد جلسة هيئة عامة وننتخب مكتبًا سياسيًا"، وكأنهم كانوا يعّولون على أن تُنتخَب المؤسسة المرجعية المدنية التي تأخذ قرار الهدنة، فتعاونوا على هذا الأساس، ونحن أيضًا وجدناها فرصة بالنسبة لنا أن نبني مستوى جديدًا في الهيئة العامة (الهيئة العامة في الغوطة الشرقية – المحرر) ونخرج من حالة التعطيل بسبب انتهاء صلاحية الأمانة العامة والفراغ، وفي الوقت نفسه وعلى جانبنا في الشق المدني كان يوجد سلسلة اجتماعات ولقاءات جانبية قبل هذه الجلسة، واتفقنا خلالها أن المستوى الذي سننتجه ليس أمانة عامة تأخذ قرارًا، فمادامت المهمات المناطة بها سياسية فلتكن هيئة سياسية.
في المجمل حصل توافق عام مدني عسكري على أن نعقد جلسة هيئة عامة وجلسة انتخابية لانتخاب المستوى الذي سيأخذ القرار، وهنا تمت الجلسة الشهيرة (عُقدت الجلسة في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 – المحرر)، ونحن كمكتب إداري قمنا بإدارة الجلسة، وطرحنا مشروع فتح باب الترشيح لانتخاب هيئة سياسية. استعجال العسكر في البداية جعلهم لا يقفون كثيرًا عند المسمى، إنما اعترضوا عليه لاحقًا، الأمر الذي سنتحدث عنه، وتمّ ترشيح جملة أسماء، وأنا كنت مع فكرة أن نبقى - نحن صانعي المؤسسة - كمكتب إداري وخارج الدائرة، وأن الهيئة السياسية يجب أن تتضمّن آخرين، ولكن كان هناك ضغوطات وتوافقات فيما بيننا أنه يجب ترشيح أشخاص يمتلكون القدرة على اتخاذ الموقف وتحليله، وكنت أعتبره (قولهم هذا - المحرر) شكلًا من أشكال المجاملات.
كان هناك مجموعة من المرشحين المحسوبين على كل التيارات، وتمّ انتخاب الهيئة السياسية الأولى، وكنت أنا الحائز على أعلى الأصوات في الغوطة، وكان رقمي 1. وفي الحقيقة عندما كانوا يفرزون الأصوات كنت أضع يدي على قلبي، فأنا لا أعتبر أن الموضوع نجاح ورسوب، إنما كنت أعتبر أن النجاح والرسوب هما معيار مصداقية، وكنت قلقًا وأدخن [سيجارة] بين الفينة والأخرى، وكانت عملية الفرز تتمّ أمام الجميع وبصوت مرتفع وكانوا يسجلون الأرقام على اللوح، ويقولون لي: "أنت المتقدم على الجميع"، وأنا لم أكن أسمع، وعندما يقرؤون اللوائح كنت أسمع كل الأسماء ولا أسمع اسمي، وصدقًا عشت شعور قلق في فترة من الفترات أنني لن أنجح، وجاءني أبو رامز (بسام البرزاوي – المحرر) وقلت له: "يدي على قلبي (أشعر بالقلق – المحرر)"، فقال لي: "ماذا تقول؟! أنت حتى الآن الأعلى [ترتيبًا] من الأصوات التي تصبّ لديك"، وقلت له: "أنا لا أرى ذلك". وفي النهاية تم الفرز، وهكذا كانت النتيجة. [وانتخبنا حينها رئيسًا للهيئة العامة المحامي محمد سليمان الدحلا، وكان في الوقت نفسه من الفائزين في انتخابات الهيئة السياسية، وأعتقد أن ترتيبه كان الثاني، كما أذكر من الفائزين في عضوية الهيئة السياسية المهندس أكرم طعمة ونزار صمادي وأبو علاء طالب وستة من المحسوبين على تيار "جيش الإسلام" وآخرين – الشاهد].
تلك الهيئة السياسية كل طرف كان يريد منها شيئًا، ونحن استطعنا أن نبني المستوى الثاني الذي يستطيع أن يضع يده في يد العسكريين لإنجاز القيادة العامة التشاركية، والعسكريون اعتبروا أنهم قد أنجزوا المستوى الذي سيمرر لهم مشروع الهدنة. في المكونات التياراتية كان هناك رشقة مرشحين، سقط البعض ونجح البعض الآخر، وفي المحصلة كانت الهيئة السياسية 15 عضوًا، 6 منهم من المحسوبين على "جيش الإسلام"، والباقي كان طيفًا واسعًا متعددًا، وأنا وجدت تشكيلة وتركيبة الهيئة السياسية منطقية ومطمئنة جدًا، وتجبر الجميع على التوافق، ولا أحد فيها لديه إمكانية تمرير شيء، وخصوصًا أن الهيئة السياسية منوط بها خيارات كبيرة، وليس هناك قدرة لطرف بمفرده على أن يضع الغوطة أمام خياراته، وتلك كنت أعتبرها نعمة من الله أن التركيبة كانت بهذا الشكل، حتى إن كان هناك خيارات فلا بدّ أن تمرّ بتوافق ورضا جميع الأطراف، ولا يستطيع طرف وحده التفرد.
بدأنا بعد ذلك نسمع داخل اجتماعات الهيئة السياسية (...)، وهنا عند هذا المستوى لم تتمّ الهدنة، وكان يوجد أطراف عسكرية أخرى، ووجود محدود لـ "جبهة النصرة" وهي طبعًا ضد الهدن وضد كل شيء، هي ضد الحرب وضد السلم، وضد المؤسسة وضد اللامؤسسة، فلم تتمّ هذه الهدنة، وكان الرأي العام الضاغط في [الشقّ] المدني أن أي هدنة لا تشمل داريا لن نوافق عليها. وهنا بدأنا نسمع من أعضاء الهيئة السياسية [المحسوبين على] "جيش الإسلام" أن اسم "هيئة" كبير، ويجب أن نختصره ونعود به ليصبح الاسم "مكتب"، وبدأنا نسمع ملاحظات العسكريين، وأخيرًا تصلنا ورقة فيها 4 أو 5 ملاحظات من القيادة العسكرية (القيادة العسكرية الموحدة – المحرر)، وخلاصة الملاحظات أنهم ألغوا المواد الجوهرية في النظام الداخلي، وأنهم يوافقون على هذا الأساس، واعتبروا أن الهيئة العامة هي هيئة ناخبة مهمتها أن تنتخب ثم تتنحّى جانبًا، ووسعوا صلاحيات القائد العام إلى درجة أنه هو الذي يدعو بعد ذلك إلى إنتاج هيئة جديدة وفق معايير يضعها، وهنا بدأنا [نقول] في نقاشاتنا مع القيادة العسكرية والشيخ زهران "إننا بدأنا نرى معالم مشروع جبهة وطنية تقدمية على طريقة حافظ الأسد".
تخلل هذه الأحداث (...)، وإثر حماسنا بكوننا قد أنجزنا الهيئة السياسية، بدأنا العمل على اعتبار أنه إذا كان العسكريون غير جاهزين الآن لإنجاز مشروع الشراكة، فنحن لدينا مسودة النظام الداخلي، وبالتالي دعونا إلى اجتماعات وعرضنا المسودة، وحصلت بعض الاعتراضات هنا وهناك، وقلنا بعد ذلك إننا سنرسل نسخة شخصية إلى كل عضو من أعضاء الهيئة العامة للتصويت على النظام الداخلي، وهنا لاحظنا الذبذبة لدى البعض من الذين كانوا يدفعون باتجاه مشروع الهيئة العامة وإقرار النظام الداخلي. قلنا إننا سنرسل نسخة شخصية وكل من لديه ملاحظات شخصية يمكن أن يكتبها، أو [يكتب:] "أقبلها جملةً" أو "أرفضها جملةً"، وهنا كانت الأغلبية مع الموافقة على النظام الداخلي، وعقدنا جلسة هيئة عامة، و[قلنا فيها:] إننا قد أقررنا نظامنا الداخلي، وسنسير الآن وحدنا، ولا نريد التصادم مع العسكر، ولكن بما أن السوية الثالثة وهي القيادة العامة المشتركة المدنية العسكرية، العسكريون ليسوا جاهزين لها، فنحن قد أنجزنا مشروع الهيئة العامة، وأنشأنا لجانها التخصصية، وأنشأنا شبكة لجنة التنسيق المركزية كما أسميناها، والتي تشبك بين المؤسسات والجهات الرسمية في المحافظة والمديريات والهيئة العامة والإدارة المحلية، حتى نستطيع أن نحافظ على وحدة وتماسك العمل المدني، وفي الوقت نفسه أنجزنا هيئتنا السياسية، ولم يعد لدينا الخوف أو مخاطر الفراغ، أو [التخوف من] أن المشروع قد أصابه الشلل و"انتهى بأرضه" (أي انتهى قبل أن يبدأ – المحرر).
بعد ذلك انسحب 40 عضوًا من أعضاء الهيئة العامة من المحسوبين على تيار "جيش الإسلام"، وانسحبوا بالاسم حقيقةً، وكانت الفكرة من وراء هذا الانسحاب أن الهيئة العامة قد مضت وتجاوزت المستوى السياسي وأنجزت لجانها ولم تنصع لملاحظات العسكريين والقائد العام للغوطة (زهران علوش – المحرر). وكنا [في البداية] نسمع القائد العام للقيادة العسكرية (القيادة العسكرية الموحدة – المحرر)، ثم بعد ذلك أصبحنا نرى ختم القائد العام، وعلى سبيل المثال أذكر في أحد الاجتماعات، وكنا في الهيئة السياسية، وكان زهران خارج الغوطة وأتى ليحضر الاجتماع، وكان في الأمانة العامة أبو محمد الفاتح (ياسر القادري – المحرر) قد أتى ليحضر الاجتماع، وصدر قرار تغيير التوقيت (تغيير التوقيت الصيفي والشتوي – المحرر) باسم القيادة العسكرية الموحدة، فقلنا لهم: "هذه ليست من مهماتكم"، فمن جهة هو أمر سخيف في حال كان هذا هو عملكم، ومن جهة أخرى أن هذا يعني أنكم تفرضون أنفسكم حاكمًا عرفيًا على الغوطة. وفي الوقت الذي ظهرت فيه القيادة العسكرية الموحدة [أصبحوا يعملون على أمور مثل] اختلاف التوقيت وأيام العطلة والأعياد، وهذا الأمر كان يقلقنا. وكنا نسمع في نقاشاتنا أن الشيخ زهران يقول: "أنا أعتمد على التكنوقراط، وأنا لم أكن أختلف معكم، وأنت اختلفت معك ولكننا في النهاية أخذنا رأي بعضنا البعض"، وكنا نلمس التغيرات في طريقة أداء وتعاطي زهران علوش مع المكون المدني، وكنا نقول: "ليست مشكلتنا مع التكنوقراط، وحافظ الأسد كان لديه تكنوقراط، إنما مشكلتنا كيف نصنع القيادة"، فأمر طبيعي أن يكون مدير المشفى طبيبًا، وهذه ليست منّة كي تقول لي: "أنا أؤمن بالتكنوقراط"، وأمر طبيعي في مشروع هندسي أن يكون على رأسه مهندس، والمحافظة تحتاج إلى مهندس، ولا أضع مكانه طبيبًا أو مهنيًا، لذلك كان بيننا هذا النوع من الجدليات والنقاشات، وكذلك جو الحرب الضاغط والحصار في الحقيقة جعلنا نغرق في أعمالنا التخصصية، إن كان أنا كطبيب، أو الآخر كمعلم، والثالث كعضو مجلس محلي، وكنا نوزع وقتنا ما بين كل هذا وذاك.
من الأحداث المهمة في العام 2015، وبعد عودة زهران وإنجاز هذه الهيئة السياسية، حدثت معركة الجبل في النصف الثاني من العام 2015 (معركة "الله غالب" أُعلنت في 12 أيلول/ سبتمبر 2015)، وهي المعركة التي اقتحم فيها "جيش الإسلام" باتجاه الجبل واحتل [هيئة] الأركان الاحتياطية. ومع بداية العام 2015 تحدثنا عن تصفية "جيش الأمة" لصالح "جيش الإسلام"، وتلك إحدى النقاط في بداية العام 2015، والنقطة الثانية: الضغط على الفصائل الأخرى الكبرى والصغرى حتى تندمج طوعًا أو كرهًا، وهنا بدأنا نرى، وعلى أرضية خلافات (خلافات حول السيطرة – المحرر)، بداية تصفية نقاط ومراكز "الاتحاد الإسلامي" ("الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" – المحرر) الموجودة في قطاع دوما وما حولها، بالأحرى في قطاع "جيش الإسلام". وكانت "حركة أحرار الشام" فصيلًا صغيرًا في الغوطة، واندمجت مع "فيلق الرحمن"، وفي العام نفسه خرجت من هذا الاندماج، ومن شروط هذا الاندماج أن الفصائل التي تندمج تدخل بشكل كامل، ولكن في حال الارتداد عن هذا الاندماج تخرج أفرادًا، ويصبح السلاح ملكًا للفصيل الكبير، الأمر الذي تسبّب بإشكال بعد ذلك بين الأحرار ("حركة أحرار الشام" – المحرر) و"فيلق الرحمن" بخصوص السلاح، ووصل إلى القضاء، وأخذ المجلس القضائي (المجلس القضائي الموحد – المحرر) قراره بهذا الخصوص وهو تنفيذ ما اتُفق عليه (وذلك في نيسان/ أبريل 2015)، وكان قد تعهد قائد الأحرار أبو أويس في أثناء الاندماج بأن تعود ملكية السلاح إلى الفصيل (...)، وأن الذي سيخرج من الاندماج يخرج بدون شيء، واعتبر الأحرار ("حركة أحرار الشام" – المحرر) حينها أنها مؤامرة ما بين "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" للقضاء على "أحرار الشام" بحكم أنهم كانوا يعتبرون أن القضاء الذي حكم هو قضاء القيادة الموحدة والسيطرة فيها لـ "جيش الإسلام"، وهكذا كان يُنظر للأمر في الخارطة الفصائلية.
وهنا بدأنا نرى أن مكونات القيادة العسكرية الموحدة لم تعد متآلفة وكتلة واحدة كما كانت في أثناء الإعلان منذ عام، ثم جاءت معركة الجبل (معركة "الله غالب" – المحرر) ووضعت إيقاعها على الغوطة كلها، وارتفعت آمالنا جميعًا، وكان هذا الحدث أكبر من كل الخلافات الأخرى، وكنا نتابع تطورات المعركة إن شاء الله باتجاه إسقاط النظام، فالأمور الخلافية المحلية دائمًا وعندما يكون هناك استحقاق كبير مع النظام، كانت في الحقيقة تنام، وذلك بفضل الوعي الجمعي في الغوطة، سواءٌ صراعات سياسية أو فصائلية، بينما كانت تنمو عندما تمرّ فترات تهدئة، فحينها كانت تبدأ تلك الخلافات المحلية بالظهور، سواءٌ سياسية أو مناطقية أو فصائلية، ولكن أمام المعارك الكبرى تجد أن كل تلك الخلافات قد ذابت وخفت إيقاعها.
كانت تلك المعركة في الحقيقة خرقًا استراتيجيًا. وبعد المعركة بأربعة أو خمسة أيام دعانا الشيخ زهران [كفعاليات مدنية – الشاهد] إلى اجتماع في مقر القيادة، وحدثنا عن تفاصيل المعركة: كيف تقدموا، وعن النفق والتسلل والاندفاع وحجم الغنائم التي حصلوا عليها، كما وصف لنا الأركان الاحتياطية من الداخل (مقرّ القيادة الاحتياطي لهيئة الأركان العامة التابعة للنظام السوري والتي سيطر عليها "جيش الإسلام" في 12 أيلول/ سبتمبر 2015 – المحرر) ومكتب القائد العام ومكتب نائب القائد العام، وكان يتحدث بثقة ومعنويات عالية ولّدت لدينا الكثير من الثقة ورفعت [منسوب] الأمل الكبير، وقال حينها: "نحن نعاني من [صعوبة] التنقل، ونحتاج منكم إذا استطعتم تأمين دراجات نارية جبلية، وأن تخبروا [من تعرفونهم] بهذا الخصوص، وأي شخص في أي منطقة من مختلف المناطق لديه منها يمكننا أن نأخذها منه ولو بالبيع والشراء، وذلك لأجل تنقلات المقاتلين والكوادر [فهم يخوضون] معركة في منطقة جبلية.
معركة الجبل قطعت الخط المحلق باتجاه دمشق، ومازلت أذكر إجابة [زهران علوش] على سؤالنا: "ما هي الخطوة التالية بعد ذلك؟"، حيث قال: "الحرب الحديثة هكذا وهكذا"، فأوحى لنا أنها [معركة] سيطرة على النقاط الاستراتيجية، وفعلًا معركة الجبل قال عنها الروس إنه لو استقرّ فيها الثوار واستطاعوا أن يطوروا شيئًا بعدها أو في قطاعات أخرى لهدّدت النظام بالفعل، وعلى إثر هذه المعركة تدخّل الطيران الروسي (بدأ قصف الطيران الروسي في 30 أيلول/ سبتمبر 2015 - المحرر)، وكان حجم القصف وكثافة النيران عالية، وللأسف لم تنجح المعركة في النهاية، وتمّ الانسحاب وسقط الكثير من الشهداء والجرحى والمصابين والمعاقين، وحتى إنه يُقال إن 70٪ من القوة التي كانت في المعركة انتهت ما بين شهيد وجريح وكانت الخسائر كبيرة، ولم يُكتب التوفيق للمعركة في النهاية.
وهنا تسارعت الأحداث، وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر (2015) وقع حادث اغتيال الشيخ زهران علوش (اغتيل زهران علوش في 25 كانون الأول/ ديسمبر 2015 - المحرر)، وفي الحقيقة كانت صدمة لنا جميعًا، وأنا من الأشخاص الذين كانوا يختلفون معه دائمًا ويشهرون اختلافهم معه في كل الاجتماعات، ولكنني اعتبرت حينها أن هذا الاغتيال خسارة، وكنت قد لاحظت مسيرته على مدار هذا العام، وربما هناك آخرون في العمل المدني لا يوافقونني الرأي، وهو أنني كنت ألمس تغييرات عند هذا الرجل باتجاه الانفتاح على المدني، وإنما ليس بالقدر الكافي، فهو يبقى أسير مدرسة ومنهجية لا يستطيع الانفكاك عنها، ومع ذلك على المستوى الشخصي ومستوى النقاشات كان هناك اجتماعات في آخر فترة تعلو فيها أصوات الناس عليه وأكثر من صوته العالي، أي كنا قد بدأنا ننتهي من فكرة "أنا الزعيم"، وهو نفسه بدأ يتقبل هذا الكلام. هي إرادة الله، ولكنني كنت أعتقد أنه بالإمكان وبمواظبة العمل بعقلانية وإصرار وحتى بطريقة فرط التصحيح في مجال الطب كي أحصل على الوضع السوي (...)، وكانت طروحاتنا في عملنا السياسي معهم يكون فيها أحيانًا فرط التصحيح حتى نحصل على السواء، ولم يكتب الله النجاح لهذه التجربة، واستُشهد الشيخ زهران، وفُتحت صفحة جديدة في الغوطة: ما بعد زهران علوش، وذلك على الصعيد السياسي والعسكري وعلى صعيد "جيش الإسلام" نفسه.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/08/16
الموضوع الرئیس
واقع الغوطة الشرقية عام 2015حصار الغوطة الشرقيةكود الشهادة
SMI/OH/52-33/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2015
updatedAt
2024/12/02
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقيةمحافظة ريف دمشق-مدينة دومامحافظة ريف دمشق-محافظة ريف دمشقشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
حركة أحرار الشام الإسلامية
جبهة النصرة
جيش الإسلام
الأمانة العامة في الغوطة الشرقية
فيلق الرحمن
هيئة الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة السورية
القيادة العامة للغوطة الشرقية
الهيئة السياسية في الغوطة الشرقية
الهيئة العامة في الغوطة الشرقية
المجلس القضائي في الغوطة الشرقية
القيادة العسكرية الموحدة في الغوطة الشرقية
الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام - قطاع الغوطة الشرقية