محاولة اغتيال طفور، اقتتال الفصائل، والحراك في مواجهة تقسيم الغوطة
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 01:23:31
في آذار/ مارس كان هناك محاولة اغتيال للقاضي السابق أبو سليمان طفور (تعرّض خالد طفور لمحاولة اغتيال في 28 آذار/ مارس 2016 – المحرر)، والذي كان أول رئيس مجلس قضاء (المجلس القضائي في الغوطة الشرقية – المحرر) توافقوا عليه في القيادة العسكرية الموحدة، وباءت المحاولة بالفشل، وطفور منذ بدايات الثورة كان أحد أقطاب العمل الثوري في دوما، وهو يمثل القطب التابع للتيار الإخواني، أو الذي كانوا يسمونه الصوفي الإخواني، والقطب الآخر كعكة (الشيخ سمير كعكة كان المسؤول الشرعي في "جيش الإسلام" – المحرر)، والمكافئ الثالث لهما هو اللون الشعبي الذي قُضي عليه عبر مشروع القضاء على "جيش الأمة"، لذلك كانت رمزية محاولة اغتيال طفور على اعتبارها ضربة لهذا التيار، وضربة لـ "فيلق الرحمن" إثر اندماج الاتحاد الإسلامي (الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام – المحرر) معه، فهي ضربة لأحد مكونات شورى "فيلق الرحمن"، كون طفور الأب الروحي للاتحاد الإسلامي، وكانت أصابع الاتهام تقول إنها واحدة من سلسلة الاغتيالات التي يقوم بها "جيش الإسلام" لتصفية خصومه (ينفي "جيش الإسلام" مسؤوليته عن عمليات الاغتيال في الغوطة – المحرر)، هكذا كان الرأي العام وبدون دليل، وإنما عبر التحليل، فقد سبقها التصعيد من خلال تصفية وابتلاع مقرات الاتحاد الإسلامي، والآن وصلت لمحاولة الاغتيال.
بعد محاولة الاغتيال تلك، قُبض على اثنين من عناصر "جيش الفسطاط"، أحدهما من حزة والآخر من زملكا، كانا قد ساهما في عملية الاغتيال، وبالتحقيق معهما أدليا بإفادات.
نحن على الشق المدني وكهيئة عامة، دعونا إلى عدم تمرير محاولة [الاغتيال] تلك، وكان الشيخ أبو سليمان قد نجا، واستُشهد مرافقه أو مرافقَاه، وأصبحت قضية رأي عام وقضية صدام، فبدأنا ندعو الأطراف إلى ضبط النفس، نحن كهيئة سياسية وهيئة عامة وفعاليات. وبدأنا نتوجس بسبب هذه القصة، وخصوصًا بعد أن انتشرت أنباء القبض على اثنين، وهما من "جيش الإسلام"، وهنا بدأنا نقول: إذن هذه القضية لن تمرّ على خير. وعُقد اجتماع لفعاليات الهيئة العامة، وشكلوا لجنة ثمانية وكنت أحد أعضائها، وكانت اللجنة كلها من المدنيين، وأذكر منهم قائد الشرطة أبو خالد/ جمال زغلول رحمه الله فقد استشهد في عفرين إثر التهجير (بتاريخ 3 أيار/ مايو 2018، وقد تبنت "وحدات حماية الشعب" اغتياله – المحرر)، وكذلك رئيس الهيئة الشرعية، والبعض من [مختلف] المناطق، وكانت الغاية من تشكيل تلك اللجنة في الغوطة سحب تداول القضية من الشارع ووضعها في إطار إيجاد الحل، فقد كان هناك مطالبات بتشكيل لجنة قضائية ولجنة حقوقية لإدانة (...)، الأمر الذي اعتبرناه شرارة لحملة لها بداية ولكننا لا نعرف نهاياتها التي قد تكون كارثية.
وفي هذه اللجنة بدأنا بمساعينا، وذهبنا إلى "جيش الإسلام"، و[قلنا لهم]: "طالما يقولون إنهم قبضوا على اثنين اعترفا بعلاقتهما بالمكتب الأمني [التابع لـ "جيش الإسلام"]، وبطريقة تنفيذ العملية، فلتكن هناك مرونة بحيث يتم التحقيق مع المتهمين بتدبير [عملية الاغتيال]"، و[كان جوابهم] في "جيش الإسلام": "نحن لا نعترف بكل تلك القصة، وهذان الشخصان لا يتبعان لنا".
اجتمعنا كلجنة ثمانية لمتابعة [قضية] الاغتيال، وسحب هذا الملف من الشارع، وإيجاد الحل له، وكانت محاولة الاغتيال في نهاية شهر آذار/ مارس، وتشكلت تلك اللجنة في بدايات نيسان/ أبريل، في 5 أو 6 أو 10 نيسان/ أبريل، وكان الاحتقان قد بدأ وكذلك المبادرات، بعضها تحريضي وبعضها الآخر واعٍ أو غير واعٍ، فأتى تشكيل هذه اللجنة الثمانية وسحب الملف من التداول والتراشق الإعلامي، ففي البداية طلبنا من الجميع، من الفصائل والإعلاميين [وقلنا لهم:] "فلتسحبوا هذا الموضوع من التداول، لا نريد التحريض ولا التراشق الإعلامي ولا تراشق البيانات، ولنسعَ لإيجاد الحل".
اجتمعنا الاجتماع الأول، وكان في اللجنة أكرم طعمة وكان حينها محافظًا، كنت أنا، وكان قائد الشرطة (جمال زغلول – المحرر)، وكان رئيس الهيئة الشرعية، ولم أعد أذكر بقية الأسماء بالضبط، اجتمعنا وناقشنا كيف سنجد الحل، وكان هناك آراء تشكيل لجنة قضائية مختصة، بما أن اللجنة الثمانية قد نالت تفويض الفعاليات، أي صيغة المحكمة الخاصة، وأنا كنت ضد هذا الرأي وطرحت فكرة واحدة وتمسّكت بها وتمكّنت من إقناع أعضاء اللجنة بها، واستغرقنا اجتماعَين ثلاثة إلى أن وافق الجميع عليها. الفكرة تقول إننا في حال عملنا بطريقة تشكيل اللجنة من قبلنا، ستكون تلك اللجنة فاقدة للشرعية، فهذه اللجنة ستقوم بالتحقيق، وهذا التحقيق بدايةً ولأن المتهمين المعتقلين هم من "جيش الإسلام"، يذهب باتجاه "جيش الإسلام"، وعندما أشكّل لجنة خاصة لا يكون لها مصداقية، ويستطيع "جيش الإسلام" القول "إنها لجنة طفور، وأنتم تريدون إلباسي التهمة".
قلت لهم إنني أقترح أن نضع المسألة [بين أيدي] المجلس القضائي، فقالوا: "ولكن رئيس المجلس القضائي القاضي العام زين العابدين (أبو عبد الرحمن زين العابدين – المحرر) يعطّل المجلس القضائي"، وبالفعل بسبب انتهاء ولايته شُلَّ وتعطّل المجلس القضائي، ولكن القاضي العام بقي ممسكًا به، وبالتالي هناك صيغة غير منطقية بتعطيله اجتماعات المجلس، فقلنا لهم: "هناك أمر هام: جيش الإسلام وفيلق الرحمن شكّلا المجلس القضائي وكانا يفاخران بإعلان تشكيل المجلس القضائي في القيادة الموحدة. فلنحرج جميع أطراف هذا الموضوع"، وحينها اعتُبرت القضية أنها مظلومية "فيلق الرحمن" ضد الإسلام"، وبالتالي [نقول لهم]: "ألم تشكّلوا مجلسًا قضائيًا، إذن سنضع القضية في عهدته"، وأجابوا أن القاضي العام لن يقبل ذلك.
قلنا حينها إننا سنوجّه كتابًا باسم اللجنة الثمانية يتضمّن دعوة إلى جميع أعضاء المجلس القضائي فردًا فردًا، ولا نوجهها إلى رئيس المجلس القضائي ليدعو إلى جلسة وهو لن يفعل ذلك، بل نحن كلجنة مفوضة من الغوطة نبلغه عبر نسخة خطية [قائلين]: "ندعوكم لأن تجتمعوا وتمسكوا ملف التحقيق"، فليس لدينا موقف مسبق. أصررت على هذا الكلام لأننا إذا أردنا الوصول إلى نتائج منطقية وسحب احتقان الشارع ومنع القضية من التجيير مع أو ضد، فلنحتكم لمؤسسة المجلس القضائي الذي أسسوه، ولا أحد يستطيع التملص منه. كان أعضاء المجلس القضائي حينها 7 أعضاء، وبالفعل دعوناهم لاجتماع مع اللجنة الثمانية، وحضر منهم 5، وكان هناك قاضيان ينكران كل شيء، وفي النهاية أبلغنا الجميع بالدعوة عبر نسخ مكتوبة، وأيضًا شكّلنا مجموعة وصفحة [على "فيسبوك"]، ووضعنا فيها البيان رقم واحد من لجنة متابعة الاغتيال، [والمتضمّن] مناشدة الجميع لسحب القضية من التداول، وكنا نخاف من [وقوع] صدام في الشارع، سواءٌ على الشق المدني، أو صدام فصائل على الشق العسكري، فتلك القضية كانت مفصلية نتيجة الشرخ الذي تسبّبت فيه، وفي الحقيقة أثبتت الأحداث بعد ذلك هذا الكلام.
[تضمّن البيان] سحب القضية من التداول، ومنع التراشق الإعلامي، لن نشكّل لجان تحقيق أو محاكم خاصة، بل سنلجأ إلى مرجعية القضاء حيث أطراف الخلاف نفسهم هم من وضعوها، وفي حال لم يرد رئيس المجلس القضائي على الدعوة، فنحن سندعو أعضاء المجلس القضائي للاجتماع. وفعلًا في البيان رقم 4 و5 دعوناهم وبلغناهم كتبًا للاجتماع واستلام التحقيق، وحينها اجتمع 5 منهم، وكلفوا القاضي أبو عدنان، وهنا أصبح هناك مشروعية للعمل، حيث وضعوا أبو عدنان رئيس محكمة عربين رئيسًا للجنة وكلفوه بتشكيلها للتحقيق. ونحن هنا نجحنا، وأنا كنت أصرّ كتيرًا على هذه الفكرة التي استغرقت منا اجتماعين أو 3، وكان هناك دعوات لأن نقوم نحن بالتشكيل، ومن يتعاون نعلن عنه، ومن لا يتعاون نعلن عنه، ونحن نحاكم، [فقلت لهم:] "لا، بهذه الطريقة نحن لا نحلّ المشكلة، وعلينا العودة إلى المؤسسة الأم وهي القضاء". وبالفعل نجحنا في هذا المسار والحمد لله، وتشكلت اللجنة برئاسة هذا القاضي.
نحن كلجنة ثمانية طلبنا مقابلة المعتقلين المتهمين، وتم ترتيب لقاء مع جماعة "جيش الفسطاط"، وطلبنا مقابلتهم بمفردهم دون وجود أحد، وجلسنا معهم قرابة الساعتين، وبدأنا نسألهم، أحدهم اسمه أبو أحمد حزة، ولا تحضرني بقية الأسماء، جلسنا مع هؤلاء المتهمين بشكل مباشر، وسمعنا منهم وسألناهم، وشككنا أنهم قد ضُغط عليهم، ثم خرجنا بانطباع أن هذا الموضوع يجب أن يوضع [بأيدي] اللجنة القضائية، وعندما نجحنا بعد ذلك في دعوة أعضاء المجلس القضائي، والأغلبية منهم، 4 أو 5 أعضاء، وشكلوا لجنتهم التي تحقق وتصدر النتائج. لتصبح تلك النتائج صادرة من الجهة القضائية التي يرتضيها الجميع، ومن المؤسسة الرسمية وليست من جهة خاصة أسسها أحدهم. في 25 و26 اجتمع رئيس اللجنة القضائية معنا كلجنة ثمانية، ووضعنا في صورة التحقيقات التي تشير إلى تورط كذا كذا والعلاقة بكذا كذا، وأنهم قد أصدروا بيانًا طلبوا فيه من "جيش الإسلام" تمكينهم من اللقاء بالمتهمين المخططين الموجودين لديهم، ولكن "جيش الإسلام" أغلق الباب.
في تلك المرحلة، وبالتوازي مع تلك اللجنة، اجتمعنا كلجنة ثمانية مع قيادة "جيش الإسلام" في دوما، وقلنا لهم "إننا من أجل وأد الموضوع نتمنى تعاونكم معنا"، فهاجمونا بدايةً، ثم قالوا: "نحن قد شكّلنا لجنة قضائية، فلتكن لجنتكم مع لجنتنا"، فوجدنا أنفسنا نغرق في التفاصيل، مثل من هنا 10 قضاة ومن هناك 10 قضاة، وهنا لجنة وهناك لجنة، ونقضي [وقتنا] في اجتماعات لغاية آخر العام. ومن السبعة [الأعضاء في اللجنة القضائية] لم يتجاوب رئيس المجلس القضائي مع اللجنة، بينما تجاوب 5 قضاة، أي أن المجلس القضائي بالأغلبية تجاوب، بينما رفض قضاة "جيش الإسلام". وكان لدي إصرار على فكرة تفعيل المجلس القضائي ولو لم يدعه رئيسه للاجتماع، فلنخاطبهم كأعضاء مجلس قضائي، ونجمعهم ونقول لهم: "تفضلوا، تلك القضية وضعناها بين أيديكم بشكل رسمي، وعليكم أنتم أن تتصرفوا"، وهذا ما حصل، وهذا هو الخيار الذي اتخذناه. بالطبع هم في نهاية التحقيقات قابلوا الشهود والمعتقلين، وحاولوا الذهاب إلى "جيش الإسلام" الذين أغلقوا [الباب] في وجههم [قائلين]: "نحن لا نعترف بكم".
وصدر حينها البيان رقم 6، وكنا قد اتفقنا على عدم إعطاء تصريح لأحد بالمطلق، وأن نتحدث فقط بلغة البيان، ولا يُصاغ أي بيان إلا من قبل لجنة الثمانية، ولا [يحق] لأحد زيادة أو إنقاص كلمة واحدة من خطابنا للناس، فكلمة واحدة بإمكانها أن تؤجج وأن تؤدي إلى كارثة وأن تضيع حقًا، وكنا فعلًا متفقين على هذا الموضوع. وفعلًا أنشأنا صفحة وأصدرنا فيها حصيلة عملنا والبيانات، البيان رقم 5 وهو قرار لجنة المجلس القضائي، والبيان رقم 6 حيث قدّمنا للرأي [العام] خلاصة رأي اللجنة القضائية.
وكانت اللجنة القضائية قد قالت في النهاية إن هناك طرفًا - وهو "جيش الإسلام" - لم يتجاوب معنا، بينما نحن في اللجنة الثمانية قلنا في بياننا رقم 6 إننا قد اجتمعنا مع رئيس لجنة التحقيق القاضي فلان وأطلعنا على تفاصيل عمله وبيّن لنا أن أحد الفصائل لم يتجاوب، وحتى أننا لم نسمّهم بالاسم، وكنا مصرّين على عدم التسمية كي نحافظ على حياديتنا وموضوعيتنا، فنحن لسنا منصة لمهاجمة "جيش الإسلام"، وهو كان دائمًا يقول: "أنتم كلكم ضدي"، بينما حتى في بياننا رقم 6 قلنا إننا ندعو الفصيل الذي لم يستجب للتجاوب مع اللجنة وأدًا للفتنة.
هذا بالمختصر كان عملنا منذ البداية وحتى النهاية، ونجحنا بوضع القضية برسم المجلس القضائي، ونجحنا أن نكون وسطيين، ولم نهاجم ولم نسمِّ حتى الفصيل المتهم. وكنا نسمع منهم إن "أبو علي وفلان ووو كانوا عندنا، ولكننا فصلناهم منذ زمن"، [وكان جوابنا:] "يا أخي، جيد أنكم فصلتموهم منذ زمن، ولكن دعوا لجنة التحقيق تجتمع معهم، وتجتمع مع القيادات التي يتهمونها بأنها وجّهتهم ودفعت لهم ورسمت لهم الخطة، حينها يمكن أن نصل إلى نتيجة، فبالنهاية تصفية الحقوق هناك جزء منها اسمه التسامح ووأد الفتنة". ونحن كنا مستعدين ولو كانت [التهمة] قد لبستهم (أي أنها مؤكدة – المحرر)، وبمجرد أن يتعاونوا بالموضوع، كنا نستطيع أن نحلّها بصيغة توافق بحيث نتفادى الصدام، ولكن [تعاملهم بمنطق] "اذهبوا، أنا لا أكترث بكم، وليس لي علاقة، وأنا لا أعترف بكم"، كان ذلك سلوكًا استفزازيًا.
انتهى عمل اللجنة الثمانية، فقد شكّلناها وأصدرت بيانها، وخاطبنا رأينا العام ومن فوّضنا بهذا العمل، وكان هناك تقرير وتحقيقات، وكذلك عدم تجاوب من طرف ندعوه إلى التجاوب، وتوقفنا. وكانت اللجنة القضائية قد وصلت لنتائج واضحة، ومن جملتها أن ذاك الذي يقول "إن أبو سفيان أو أبو قصي هو من وجّهني"، فلنقابل أبو قصي أو أبو سفيان. وبدون أي لجان.
الانطباع العام في الغوطة كان [يعتبر] أن قضايا الاغتيالات يقوم بها أحد طرفين: "جيش الإسلام" أو "جبهة النصرة"، ولن يتبرّع أحد ويصفّي خصوم "جيش الإسلام"، فقد كان له خصوم، وحتى في البيت الدوماني الداخلي كنا نسمع عن اغتيالات و[كانوا يقولون] "فلان، أولئك هم الذين اغتالوه"، هل كان هناك دليل أم لا؟ هكذا، كانت أصابع الاتهام تشير لهم.
نحن أردنا أن نمنع توجه الرأي العام الغريزي، والذي يمكن أن يؤدي إلى صدام شارع مقابل شارع، أو فصيل مقابل فصيل، ولذلك قلنا: "فلنضعها (أي القضية – المحرر) برسم المؤسسة القضائية"، وذلك على الرغم من أننا قابلنا شهودًا، ولدينا القناعة أنهم متورطون، ولكننا أردنا وضعها بصيغة قضائية، ودائمًا القضاء يقول: "البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر"، فبالقضاء هناك مخارج قضائية وقانونية كي لا تصبح هذه القضية قضية رأي عام، وبالتالي تؤدي إلى تشظي الغوطة إلى معسكرين.
وفي 28 نيسان/ أبريل [2016] استيقظنا صباحًا على خبر اعتقال جماعة "جيش الإسلام" [وتصفية] مقراتهم، وذلك من قبل "فيلق الرحمن" و"جيش الفسطاط"، ووجدنا الشباب مقنّعين ومنتشرين في الغوطة كلها، ولم يحصل يومها صدام مسلّح، بل كانت العملية عملية أمنية مباغتة، وكانوا شبابًا مقنّعين ينتشرون كل 100-200 متر، وأن هنا مقرات لـ "جيش الإسلام"، واعتقلوا القياديين، وتلك العملية تمت فجرًا، وقلنا لهم: "لم يعد لدينا هنا جيش الإسلام؟"، قالوا: "لم يعد موجودًا"، ونفس القصة استُنسخت في كل البلدات، فجماعة "الفيلق" في سقبا اعتقلوا جماعة "الجيش"، وهكذا، وصار [لسان حال] الغوطة [يقول:] "لقد انتهينا منه".
عندما وصلت إلى الساحة كان هناك كثافة وجود لهؤلاء الشباب [المقنعين]، سلّموا علي، فقلت لأحدهم: "من أنت، انزع قناعك لأراك"، وكان أحد شبابنا واستُشهد بعد ذلك رحمه الله، وسألته: "لماذا تتجمّعون هنا؟"، فقال: "هنا يوجد سعيد درويش"، وسعيد درويش هو شرعي تنقّل بولاءاته بين الفصائل، وكانت آخر محطاته لدى "جيش الإسلام"، وكانوا قد طوّقوا منزله ويريدون اعتقاله بوصفه قياديًا في مجلس الشورى في "جيش الإسلام"، وكانت هناك كثافة للمسلحين حول حارة منزل الشيخ سعيد درويش، وأخبروني أنه مستعصٍ في الداخل ولا يريد تسليم نفسه، وحدث إطلاق نار، وكانت هناك معرفة شخصية بيني وبين الشيخ سعيد درويش بحكم وجوده في الهيئة العامة [في الغوطة الشرقية] ولقاءاتنا، وهو فعلًا محسوب على جماعة "جيش الإسلام"، وقالوا: "نحن فقط نريد أن يسلّم نفسه بينما هو يقاوم ويطلق النار، فلتتحدث معه أنت".
وقلت لهم: " تعالوا لأقول لكم، أنا ليست عندي مشكلة أنا بإمكاني أن أدخل إليه، ولكنني إذا دخلت إليه وأقنعته فلن أقنعه أن يأتي ويسلّم نفسه، [ولن أقول له]: تعال استسلم وأنت من ذاك الطرف فاستسلم لهذا الطرف. أنا بإمكاني أن أقنعه أن ينزل وعندها تؤمّنون لي سيارة وأوصله إلى دوما وأعود، وإذا تعرض لشيء فمعنى ذلك أنني سأتعرض له معه، وأنا هذه الضمانة أريدها قبل أن أدخل"، وقال الشباب: "حسنًا، لتجرب". وكان معي صديق أيضًا يعرف سعيد درويش- ذكره الله بالخير- وهو أبو الفداء، قلت له: "ماذا؟"، فقال لي: "هيا لندخل معًا"، وكانت الحارة من أولها تمتلئ بمسلحين وهكذا، ومن الأعلى مسلحون وبواريد ممدودة هكذا وبواريد ممدودة هكذا؛ شعرنا أننا مثل الذي يدخل في موقف وربما طلقة طائشة تنهي حياتنا، ولكنني كنت مؤمنًا بأنه لا بد من أن أحاول، وأنا مؤمن أساسًا بأنه في كل موقف أحيانًا ربما مبادرة تئد (...)، وإذا لم يتواجد من يبادر فلا مشكلة عندي أن أكون أنا [المبادر].
دخلت، وقبل أن أصل إلى مدخل البناية [سمعت أحدهم يقول]: "قف "، مع طلقة تحذيرية في الهواء، [فقلت]: "أنا صخر (صخر الدمشقي: الاسم المستعار للشاهد – المحرر)"، [فقال]: "اصعد"، صعدت ووجدت المسلحين في الداخل، هو وأولاد أخيه وشباب من عناصره، وكلهم متمترسون. وأنا صعدت وسط البواريد إلى أن وصلت إليه، وفي الحقيقة هو أيضًا ماذا كان يفعل حينها؟ كان في الداخل قد وضع جملة منشورات، وكان ينشر بشكل حي [ويقول]: "إن شبيحة كذا حاولوا (...)، وأنا أقاوم"، وكان قد فتح الخط (يتحدث عبر الهاتف) طبعًا مع قيادته في دوما، فدخلنا وجلسنا وقلنا له: "دعنا نجلس ونتحدث في غرفة جانبية"، فأدخلنا وجلسنا معه، وقلنا له: "حسنًا، نحن لا نريد أن تُراق الدماء، لا نريد كذا"، وكان حينها يتحدث بشكل متوتر، ويقول: "فشروا هالكلاب (خسئوا) و[لا يدخلون إلا] على دمي، والآن تحدثت مع الإخوة في دوما، وهذا خير عظيم، فالآن ستأتي المؤازرة وستأتي دبابات جيش الإسلام، لقد تحركت وستأتي كي تحرر الغوطة".
هذا الكلام أيضًا أقلقني جدًا؛ فهو وكأنه يزفّ لي بشرى أن القصة صارت قصة دبابات واقتحام وكذا، وكأنهم كانوا يقولون له: "اصمد ولا تسلّم ولا تفعل (...)"، وأنا نكزت صاحبي بيني وبينه وقلت له: "هؤلاء - عذرًا منكم وبين قوسين – (...) يريدونه أن يُقتل هنا كي يستثمروا بقصته"، فشخص بيته بأكمله مطوق، وإذا ما حدث اشتباك فإنهم خلال 10 دقائق سيدخلون وسيُقتل، وبهذه الحالة لا يحدث اعتقال وإنما قتل، ونحن يهمنا ألا يتفجر الموقف. قلت له: "ألا تفكر مثلًا أن تخرج إلى دوما؟"، [فأجاب]: فشروا (خسئوا)، المؤازرة قادمة"، هممت بالخروج وذهبت، فأنا لم أذهب لأعرض عليه الاستسلام، ولكنني ذهبت كي أعرض عليه: "إذا أحببت فإنه بإمكاني أن أحاول (...)"، وأنا بصراحة كنت خائفًا من الدم ومن أن يصبح هناك قتل سواء من المهاجمين أو المدافعين.
نزلنا، طبعًا وحتى مساء ذلك اليوم كانت قد استؤصلت مقرات "جيش الإسلام" من الغوطة (المقصود القطاع الأوسط في الغوطة الشرقية الذي لا يشمل دوما – المحرر)، وكانت العملية بإمكاننا أن نصفها أنها عملية أمنية، فلم يكن هناك اشتباك وقتل وضرب، وإنما اعتُقلت كوادرهم ووُضعت اليد على مقراتهم ومحتوياتها.
طبعًا نحن في الغوطة كنا متوقعين أن هذا الكلام قادم لا محالة مع مسلسل التصعيد للقضاء على مقرات ومسلسل الدخول بعد ذلك بالاغتيال، وها هي لجنة الاغتيال ومحكمتها لم يكن تقريرها الأخير قد صدر وعمره 3 أو 4 أيام عندما تمت هذه العملية، وكان هناك حديث من قبل بعض الأوساط، أي أبناء المنطقة عندنا في "الفيلق" ("فيلق الرحمن" – المحرر) بأن "جيش الإسلام" يحضّر ويريد أن يهاجم "الفيلق" في الغوطة خلال أيام، ومن وجهة نظرهم كانت تلك القصة عبارة عن عملية استباقية، فمن يسبق يتغلب عليه الآخر، ولكن حسب تقييمنا وبناءً على تصاعد الأحداث ووصولًا للاغتيالات ومآلات التحقيق بالاغتيال والتورط، كنا نرى أننا مقدمون على صراع.
بالنسبة لسعيد درويش بعد ذلك ربما تكون قصته قد انتهت بخروجه إلى دوما، أي نفس الشيء الذي كنت أريد فعله في وقت مبكر، فقد تخفّى و(...)، وفي النهاية ذهب إلى دوما.
بعد ذلك صرنا أمام معادلة ومع مساء ذلك اليوم أن استؤصل وجود مقرات "جيش الإسلام" من [القطاع الأوسط في] الغوطة، وبدأ الاحتقان، ودخل "جيش الإسلام" إلى مسرابا، ورُفعت السواتر الترابية ما بين مسرابا وحمورية على مداخل بلدة مسرابا، وأصبحنا أمام واقع أن الغوطة قُسمت إلى قطاعين، ونحن بنظرنا أن هذه السواتر الترابية (...)، كما أصبحت هناك خطوط تماس بدءًا من مسرابا إلى الأشعري إلى كذا، وأن من هذه الجهة "فيلق الرحمن" ومن الجهة الأخرى "لواء فجر الأمة" و"جيش الفسطاط"، ومن الطرف الآخر "جيش الإسلام"، فاعتبرنا هذا مثل جدار برلين الذي قسم برلين إلى برلين الشرقية والغربية.
وطبعًا نزل الشارع، وكان الحراك الشعبي كله [ينادي]: "لا لتقسيم الغوطة"، فنحن يهمنا أن نئد المشكلة ونستوعب الخلاف ونستوعب الصراع، وأن نجد آلية لحل هذا الخلاف، ولكن ممنوع تقسيم الغوطة، وكان من الشعارات التي كتبناها، وحتى في المشفى عندنا (مشفى الكهف – المحرر) وقفنا في ساحة البلد وكتبنا:" لا لجدار برلين في الغوطة" و"لا لتقسيم الغوطة". وحتى على الطرف الآخر، الناشطون في دوما والذين لم يتلونوا بلون فصيل، كله كان يتحدث بنفس النفس، ولكن كان صوتهم أخفض بسبب القبضة الأمنية.
الحصار الذي استمر منذ العام 2013 لم يتراجع قيد أنملة هذا أولًا، ثانيًا: النظام على مختلف الجبهات (...)، البارحة كانت لا تزال بلدات تسقط في المرج، فهناك صراع، وهناك جبهة جوبر لم تسكت، فصيغة المواجهة هذه المستمرة بين نقاط [الجيش] الحر ونقاط النظام قائمة، وطبعًا يتخللها المجازر التي كانت تحدث سواءٌ من رشقات الصواريخ التي تُطلق من مدفعية "الفوزديكا" التي تضرب من قاسيون على الغوطة وعلى الساحات وعلى الأسواق، سواءٌ من غارات الطيران، هذا كان قائمًا، ولكن في تلك الفترة في 28 نيسان/ أبريل [2016] في هذا اليوم ولغاية المساء هكذا كان الوضع.
وفي اليوم الثاني بدأ حراك الفعاليات المدنية وحراك الشارع أنه "لا للاقتتال" و"لا لتقسيم الغوطة"، وبدأت الوفود تذهب وتأتي ما بين دوما والغوطة؛ كي نجد حلًا. وفي ذلك الوقت كان هناك إعلاميون مناصرون لـ "فيلق الرحمن" وإعلاميون مناصرون لـ "جيش الإسلام"، وهناك مدنيون مناصرون لهذا ومدنيون مناصرون لذاك، وهناك شارع مناصر لهذا وشارع مناصر لذاك، فكان الجو مرعبًا جدًا، وإذا تركنا الأمور تمشي هكذا بشكلها الغريزي فانتهى الأمر، والغوطة لن تذهب فقط إلى تقسيم، وإنما إلى تقسيم وبداية حرب داحس والغبراء؛ لذلك نحن كان عندنا خوف كبير، وكان هناك مسعى على صعيد الهيئة العامة [في الغوطة الشرقية] وعلى صعيد الفعاليات المدنية، سواءٌ كانت من الهيئة العامة أو من غيرها، وعلى صعيد وجهاء المناطق والمشايخ، كانت هناك مساعٍ حثيثة وعديدة في الاتجاهين ما بين دوما والغوطة للسيطرة على الموقف، وبدأت تُرفع السواتر الترابية، فبتنا أمام واقع تقسيم الغوطة.
ربما بعد أسبوع من هذه العملية اتفقنا نحن الناشطين والفعاليات المدنية في دوما وفي الغوطة على طرفي السواتر على أن نخرج، في أول شهر أيار/ مايو (بتاريخ 20 أيار/ مايو 2016 – المحرر)، أن نخرج في مظاهرات ونحضر معنا مواكب سيارات مع تركسات (جرافات) مع الدفاع المدني، ونزيل السواتر الترابية التي قسمت الغوطة، ونعتصم على خطوط التماس ونمنع الاشتباك. وأعلمنا الطرفين أننا سنخرج، والذين سيكونون منا في الموجة الأولى على السواتر الترابية سوف نخرج ونربط على ذراعنا الأيسر شريطة حمراء، ومعي صور تذكارية لذلك الاعتصام؛ كي لا يتعرض القناصة لنا (قناصة الطرفين - المحرر)، طبعًا نحن كنا ذاهبين باتجاه دوما، وأعلمنا "جيش الإسلام" وقلنا: "يا أخي، نحن قادمون من الغوطة، انطلاقنا من كذا، معنا مواكب، ونريد أن نحضر جرافات، ونريد أن نزيل السواتر، وسنلتقي مع مظاهرة ثانية من دوما، وقد ربطنا الشريطة الحمراء".
خرجنا إلى المنطقة، وفعلًا كان يومًا مشهودًا في الغوطة، وكنا نضع علم الثورة ونربط الشريطة الحمراء، وفعلًا أنا أقول إن المدني هو قوة ناعمة، ولكنها قوة ناعمة تأثيرها غير عكوس، أي تأثيرها ثابت على الأرض. خرجنا كلنا، ولم يعد هناك شيء اسمه أنت عضو هيئة أو أنت مدير صحة أو أنت محافظ، وإنما كلنا خرجنا مع الإعلاميين ومع الشباب ومع جماعة الحراك الشعبي، خرجنا موكبًا مهيبًا فظيعًا.
وصلنا إلى خط التماس، فوجدنا سواتر ترابية عالية، وبدأت الجرافات (...)، فنحن مصرون وقادمون والذي سيطلق النار علينا سيحمل مسؤولية دمنا وكلها تحت التغطية الإعلامية، وإعلاميو الغوطة كان لهم دور رائد في تغطية حراك الغوطة، سواءٌ الشعبي أو المدني، ناهيك عن حالة الحرب مع النظام، وهذه المعلومة أحب أن أثبتها، فإعلاميو الغوطة لم يكونوا فقط أصحاب كاميرا ويريدون أن يصوروا فقط غارة وقصفًا ومعركة، لا بل كانوا داخلين في صلب [الحدث]، وكانت تغطيتهم لهذا الحدث واسمة، وتركوا بصمة بالنسبة لنا.
أزلنا السواتر الترابية وتعفرنا بالتراب، والجرافات كانت تعمل، والموقف كان مبكيًا عندما التقت المظاهرتان معًا، يحضر الآن في ذهني [الموقف]، حقيقةً بكينا حينها، وكان على الطرف الثاني - ذكره الله بالخير - الأستاذ عزو (عزو فليطاني – المحرر) ومجموعة، وهؤلاء قادمون (...)، وأزلنا الكابوس الذي قسّم الغوطة. فعلًا كان موقفًا، وفي يومها قدرنا أن نمنع التقسيم ونزيل السواتر، في الحقيقة كان موقفًا مهيبًا جدًا، وركضنا نقبّل بعضنا مع أننا قبل أسبوع أو قبل 10 أيام كنا مجتمعين معًا فلم نشتق بعد لبعضنا، ولكن عندما ركضنا وقبّلنا بعضنا وعانقنا بعضنا كان بسبب فرحتنا لأننا كسرنا التقسيم، وكسرنا هذا الحاجز الذي من الممكن أن يمنعنا عن بعضنا كما منعنا عن باقي مناطق سورية في الحصار، وكنا تمامًا بهذه العقلية. وفعلًا أقمنا خيمة اعتصام في مسرابا، خيمة الاعتصام كانت خيمة كبيرة لا تخلو من الناس على مدى 24 ساعة ليلًا أو نهارًا، لماذا؟ نحن المدنيين كنا نضع أنفسنا درعًا بوجه من "سيبغي" على الآخر، وفي وقتها تلك كانت مصطلحات الثورة بالنسبة للفصائل المؤدلجة والقرف، فهم دائمًا خصمهم إما باغ أو بغاة أو مفسد أو خوارج، والثلاثة حكمها الشرعي القتل وشرعنة الدم.
أقمنا حينها خيمة اعتصام في مسرابا وخيمة اعتصام في الأشعري أيضًا في المناطق الشرقية، وتعمّدنا أن نكون نحن الذين يُنظر لنا على أننا لنقل رموز، أو لنقل الناس المؤثرون كناشطين في الهيئة (الهيئة العامة في الغوطة الشرقية – المحرر) والهيئة السياسية (الهيئة السياسية في الغوطة الشرقية – المحرر)، أن نكون موجودين هنا، وكنا نتناوب الحضور في الخيمتين. وهناك صور أعود لها أحيانًا، حيث وقفنا [وهتفنا]: "واحد واحد واحد الشعب السوري واحد والغوطة واحد"، واعتبرنا إزالة السواتر وخيام الاعتصام على خطوط التماس إنجازًا مدنيًا فرض على العسكريين إيقاعه.
وفعلًا كنا قد خرجنا تحت الخطر والشريطة الحمراء المربوطة، وأن احذروا أن يقترب أحد منكم ممن لم يربط الشريطة الحمراء، فمن الممكن أن يُنظر له على أنه عنصر أمني من هذا الطرف أو ذاك الطرف. وبقينا أيامًا.
وبعد ذلك فجأة اقتحم "جيش الإسلام" مسرابا وأزال خيمة الاعتصام خلال الليل، وعندها اقترب باتجاه حدود حرستا، وحدث حينها اقتتال دامٍ بينه وبين "جبهة النصرة" و"جيش الفسطاط"، وسقط شهداء، بينما العملية التي تمت في 28 نيسان/ أبريل وكانت بكل الغوطة لم يكن فيها ضحايا، وإنما عندما بدأ الاقتحام بدأ صراع الأيديولوجيا مقابل بعضها، "جيش الإسلام" و"جبهة النصرة"، وكان قتالًا داميًا.
أنا لا أؤمن بأنه صراع أيديولوجي، أنا أؤمن بأنه صراع أجندات، ولتكون الأجندة ناجحة فهي بحاجة الأيديولوجيا، وفي النهاية هي صراعات إقليمية، فعندما تعلم أن "جيش الإسلام" دعمه من قبل السعودية، بينما "جبهة النصرة" قطر و"فيلق الرحمن" قطر، وهكذا هو التصنيف، وواضح أن قطر مختصة في الثورة بالإخوان المسلمين و"القاعدة"، بينما "جيش الإسلام" مهتم بالسلفية الوهابية.
خلاصة الوضع أن الصراعات التي عشناها جزء منها هذا، مثلما كان في الثورة المصرية صراع الإخوان [المسلمين] وحزب النور، مثلما في ليبيا فيما بعد لاحقًا أخذ الطيف السعودي القطري، ففي الحقيقة هذا أرخى (...) وترك بصماته في صراعات الثورة والربيع العربي، ونحن في الغوطة بصراحة كانت عندنا هذه القراءة.
بعد أن نصبنا خيم الاعتصام صار هناك اقتتال دامٍ، وصل لدرجة أنه مثلًا (...)، وفي الوقت نفسه على خطوط تماس أصبح هناك نقاط لـ "جبهة النصرة" و"جيش الإسلام" مقابل بعضها في منطقة الأشعري. ومن القصص المؤلمة التي سمعناها أن هناك أخوين من أم واحدة وأب واحد، أحدهما كان مع "جيش الإسلام" والآخر مع "جبهة النصرة"، فقُتل أحدهما في هذا الصراع، ورفض الأخ الآخر أن يصلي على أخيه؛ لأنه يعتبر نفسه يأثم (...)، انظر إلى أين وصلت الأدلجة وغسيل الدماغ، حتى بشرعنة الدم أن أخًا رفض أن يصلي على أخيه صلاة الجنازة؛ لأنه يعتبر أخاه من البغاة والضالين، أي وصل الصراع إلى هذا الحد، فالصراع عندما يأخذ المنحى التكفيري فهذه تكون نتائجه.
بعد اقتحام مسرابا وهذا الاقتتال، كانت هناك حركة نشطة جدًا، وأذكر حينها أنهم وصلوا لشيء اسمه وثيقة تحييد مسرابا، بمعنى أن ينسحب المسلحون من مسرابا، وهنا كانت فعاليات محلية في مسرابا وفي دوما، وهذا الموضوع أنا لم أكن فيه، ولكن وصلنا من خلال تحييد مسرابا إلى أن يسحب "جيش الإسلام" عناصره منها، والآخرون أيضًا يسحبون عناصرهم منها، ولتبقَ مسرابا منطقة لقاء للطرفين، أي منطقة مفتوحة. وهذا الكلام تمّ بناء على اجتماعات، ووقّعها أبو همام (عصام بويضاني – المحرر)، وقّع على هذه الوثيقة، وهنا أعود وأؤكد أن أبو همام عندما أصبح ممكنًا الاستفراد به وإقناعه اقتنع ووقّع، ولكن في اليوم الثاني نكص عنها "جيش الإسلام" بعد أن رجع إليه، وكانت [الوثيقة] تقتضي انسحاب المسلحين، فلم ينسحبوا.
وحينها نحن كفعاليات ما الذي حصل؟ وما الذي قالوه لنا؟ قالوا إنه علينا أن نخرج ونشهد على تنفيذ وثيقة تحييد مسرابا، وأذكر أننا خرجنا يومها كهيئة (هيئة عامة للغوطة الشرقية – المحرر)، وكان هناك مكان اجتمعنا فيه، وبينما نحن ندخل كنا نشاهد المضادات [عيار] 23 و14.5 التابعة لـ "جيش الإسلام"، وكان أحد الشباب من جماعة "جيش الإسلام" الذين معنا، وقلت له: "أنا أرى أنهم لم ينسحبوا، وبالتالي لا نستطيع أن نضع شهادة بأنهم انسحبوا، فهذه المضادات التي رأيناها مخبأة في هذه الحارة وهذه الحارة لا تدل على أنهم انسحبوا"، فقال لي: "لا، هذه المضادات في حال خرج طيران النظام كي يصدوه"، قلت له: "لا يستطيعون أن يتصدوا له إلا في مسرابا في ظل هذا الصراع".
هذا أمر، والأمر الآخر: اتضح بعد ذلك أنه عندما التقت المظاهرتان في إزالة السواتر، تغلغلت عناصر أمنية في المظاهرات، حيث رُوي أن "جيش الإسلام" أرسل عناصر أمنية، وأن المظاهرة جاءت مثلًا بـ 500 شخص وعادت بـ300 ، وأن هناك 200 هم من أصبحوا أدوات الصراع ضمن مسرابا، وجهّزوا اقتحام "جيش الإسلام" لمسرابا.
بعد فشل هذا الاتفاق، ورغم أن هناك وثيقة موقعة من قبل قائد "جيش الإسلام"، بدأنا نقول: "يجب أن نبحث عن حل"، وهناك نقطة مهمة وهي أنه لا يكفي أن تكون في مؤسسة أو كيان حتى يكون لك دور، بل أحيانًا العلاقة الشخصية والتأثير الشخصي المباشر على قادة الفصائل من الممكن أن يلعب دورًا مؤثرًا، وفي الحقيقة كانت هناك أدوار محلية لعبها في دوما أطباء مثل: دكتور حسام حمدان وهو صاحب رأي، وكان له دور في التأثير على "جيش الإسلام"، ونحن في المقابل كنا على الطرف الثاني، وكان لنا دور مؤثر على قائد "فيلق الرحمن"، وحدثت لقاءات جانبية بين أبو راتب قشوع (مصطفى قشوع – المحرر) وحسام حمدان الذي كان يذهب ويأتي ويقول: "دعونا نعمل كذا، ونطلق مبادرة كي نحلّها"، وكنا نجتمع كلنا في مقر الهيئة السياسية.
ووسط هذا الموضوع كانت هناك زحمة مبادرات متدرجة في الوعي، كما كانت هناك بعض المبادرات للتأجيج، فكل 10 أشخاص من أي حيثية، سواء اجتماعية أو دينية أو مؤسسية أو (...)، كانوا يذهبون إلى هناك ويجتمعون هناك، ثم يأتون إلى هنا ويجتمعون هنا، وهناك يقول له: "نعم"، وهنا يقول له: "نعم" أو "لا"، وصارت هناك فوضى بينما نحن بحاجة إلى ضبط الموضوع وحلّه من جذوره.
استنفرنا تقريبًا في الهيئة السياسية، وكان خطنا مفتوحًا مع الناس الأخيار في دوما والذين كان لهم دور مؤثر، وبدأنا نمسك ورقة وقلمًا ونطلق مبادرات ونسجل نقاطًا، وكان معنا - ذكره الله بالخير - المحامي محمد سليمان الدحلا أبو صلاح، وكان له دور محوري جدًا في صياغة إعلان المبادئ الستة، والتي بقينا نذهب ونعود، وكذلك أبو راتب يذهب ويعود والدكتور حسام بين دوما وبيننا، كانوا يذهبون ويأتون ويقولون: "خذ هذه النقطة وأضف تلك النقطة"، وكنا نطبخها على هدوء الى أن تبلورت عندنا النقاط الست التي استمزجنا فيها قيادة "الجيش" وقيادة "الفيلق"، وكان لديهم قبول لها، وحينها قلنا: "إذن مسودة الحل بين الطرفين صارت من حيث المبدأ موافَقًا عليها، وهناك صياغات نهائية وهناك تفاصيل نحن لا نستطيع الدخول بها، ويجب أن نجمعهما"، وهنا بدأنا نقول: "يجب أن يحصل اجتماع فيزيائي بين قيادة جيش الإسلام وقيادة فيلق الرحمن، وأن نضع ورقة إعلان المبادئ والنقاط الست التي تشمل وقف إطلاق نار، والتأكيد على أن الغوطة وحدة جغرافية وبشرية واحدة لا يمكن تقسيمها، إطلاق سراح المعتقلين والتبادل بين الطرفين، إعادة الحقوق والممتلكات بين الطرفين، والنقاط الخلافية التي هي أساس الخلاف.
تم الاتفاق على تاريخ 24 أيار/ مايو، طبعًا ذهبنا عند العصر تقريبًا، والمكان كان في مسرابا وهو بناء عند زاوية بين مسرابا ومديرة (قرية في ناحية حرستا)، البناء له مدخلان؛ مدخل من طرف مسرابا حيث يسيطر "جيش الإسلام"، ومدخل من طرف مديرة حيث يسيطر "فيلق الرحمن"، وتشاهد مظاهر مسلحة على الطرفين.
التقينا في الداخل في مكان أرضي هو ورشة خياطة، المكان متواضع جدًا وفيه غرفة تتسع لنا وتوجد طراريح (فرش) على الأرض، وجئنا من الغوطة من قطاع سيطرة "الفيلق"، وجاء الباقون من دوما من قطاع سيطرة "الجيش"، ودخلنا مع الذين دخلوا، ودخل مسلحون مع الحرس، دخلنا وجلسنا، ودخلوا أيضًا بنفس الطريقة والشكل، المهم أننا اجتمعنا، وكان شكل الجلسة هكذا: على يميننا جلست جماعة "فيلق الرحمن"، وعلى يسارنا جلست جماعة "جيش الإسلام"، ونحن جلسنا في الوسط، وشكّلنا خط فصل بينهم، فهم جلسوا هكذا وجهًا لوجه.
طبعًا هذا الاجتماع استمر 6 ساعات، ومنذ بداية الاجتماع كان اجتماعًا عاصفًا بلحظة من لحظاته، ووضعنا يدنا على قلبنا (كنا قلقين - المحرر) وقلنا: "فشل الاجتماع وسوف نخرج من هنا"، والموجودون ضمن الاجتماع كانوا بسلاحهم الفردي، كلنا كنا نحمل سلاحنا الفردي، ولكن في الخارج [انتشار] الحرس والمرافقة، وحتى يسلك الشخص طريقه بين هؤلاء وهؤلاء كان شيئًا مخيفًا، وحتى المضحك أنك تشاهد في مدخل الغرفة التي جلسنا فيها حرس هذا الطرف وحرس الطرف الآخر يزورون (يتجهّمون) بعضهم، وعندما ترتفع الأصوات في الداخل يزورون (يتجهّمون) بعضهم أكثر، ولقد خرجت مرتين أو 3 لأدخن سيجارة [ولاحظت أنه] عندما تنفرج الأمور وتهدأ تجد حتى الذين في الخارج هادئين، ففي الحقيقة حصل انقسام فظيع بالغوطة.
بدأ جوّ الاجتماع أول الأمر بوتيرة صوت عالية اتهامية تهديدية، وأحيانًا كنا نشعر أن الاجتماع سوف يفشل، [وكنا نسمع هذه العبارات]: "أنتم كنتم أفضل منا، سبقتمونا (المقصود بالهجوم – المحرر)، لا سبقناكم، أمنك، أمني، اسأل نفسك، أسأل نفسي، هجمتم، لا أنتم قبل، لا نحن قبل، لا لحقنا بكم".
كان وجودنا هو الذي سيقدم الحل، فنحن أمامنا ورقة ووثيقة نريد أن نتحدث عنها بندًا بندًا، وبعد أول ساعتين حيث كانتا عاصفتين للغاية، ومن خلاصتهما استنتجت أن الطرفين كانا مترصدين بعضهما، هناك طرف سبق الآخر، وإنما الطرفان نواياهما تجاه بعضهما نفس الشيء، ولا أحد منهما قد سلّم بالنتائج النهائية بعد، وفي الحقيقة كان الموقف (...). وفي اللحظات التي كانوا يدخلون في تفصيلات حديثة وصراخ ووتيرة عالية، فعلًا كنت أقول في نفسي ربما الآن سينهار كل شيء وريثما نخرج فإن الذين في الخارج سيضربون بعضهم وليس الذين في الداخل فقط، ولكن الحمد لله كانت هناك قدرة في النهاية على الضبط والسيطرة على الموقف.
بدأنا ووضعنا مسودة إعلان المبادئ، وكان أول بند فيها هو: وقف إطلاق النار، وربما هذا لم نتجادل عليه كثيرًا؛ لأن كلهم يقولون: "أنا مع وقف إطلاق النار"، وربما الآن بوتين (فلاديمير بوتين – المحرر) يقول: "أنا مع وقف إطلاق النار"، المهم أن هذا البند مرّ. البند الثاني هو: منع تقسيم الغوطة والغوطة وحدة -هكذا أذكر في وقتها- جغرافية وبشرية، أي ليس منع تقسيمها جغرافيًا فقط، وإنما منع تقسيمها بشريًا، فنحن يهمنا أن تكون الغوطة موحدة، وهذا كان البند الثاني. وصلنا بعد ذلك إلى بند إطلاق سراح المعتقلين، [وبدؤوا يقولون]: "أنا عندي، لا ليس عندك"، هناك بنود أثناء الجلسة كان فيها تشكيل لجنة، مثلًا، [كان يقول أحد الأطراف:] "أنت اعتقلت من جماعتي 100 أو 200 شخص، وأنا اعتقلت من جماعتك 100 أو 200 شخص"، وهذه تحتاج إلى لجان مختصة تضع لوائح الأسماء، وتضع كذا.
كل بند كان يأخذ جدالًا ونقاشًا، وعندما ننتهي من البند الأول نأتي على الثاني، ننتهي من الثاني فنأتي على الثالث، في بند المعتقلين كان هناك [جدل واسع]، وفي بند الحقوق الذي يتضمن [قول أحد الأطراف:] "أنت داهمت منطقتي الفلانية، وأخدت عتادي الموجود فيها، كذلك المكاتب"، هناك حقوق لمؤسسات مدنية أيضًا أُخذت، ففي بند تصفية الحقوق، المطلوب أن نشكل لجنة [تسأل:] "أنت يا أخي في مقرك الفلاني لديك كذا، ماذا أخذ من عندك؟ وأنت ماذا أخذت من عنده؟"، وهكذا تحدث تصفية الحقوق، فهناك قصص كثيرة في الحقوق وكلها تتعلق بعتاد عسكري، ولذلك تُوضع لجنة مباشرة يسميها الطرفان. كذلك قصة المعتقلين وتبادل المعتقلين، [كانوا يقولون]: "أنت اعتقلت لي، وأنا اعتقلت لك، ولكن أنت اعتقلت لي قبل، وأنا اعتقلت لك بعد"، هذا كله أيضًا كان يجب أن نحله مباشرةً.
وفي بند المعتقلين أذكر أنه عندما بدأنا بصياغات الاتفاق، كان هناك طلب لـ "جيش الإسلام" [يقول:] "لدينا شخص وهو قائد كتيبة وقاضٍ من عندنا، ونحن نريده"، وحينها قائد "فيلق الرحمن" (عبد الناصر شمير – المحرر) قال لهم: "اذهبوا وأحضروه، وستأخذونه الآن معكم"، وتلك كانت من رسائل بناء الثقة، فإذا كانت القصة تتوقف على شخص فيا أخي اذهبوا وأحضروه، وهكذا قال لهم: "أحضروه"، وهنا بدأنا نشعر باطمئنان، فمن هنا رسالة ثقة، وبعد قليل نجد رسالة ثقة من هناك، فمعنى ذلك أن النقاط الست ستُنفذ.
النقطة الإشكالية الحقيقية التي كنا نعيها كلنا، هي في النهاية قصة الحقوق والدماء، فهنا سنعود من جديد إلى قضية الاغتيال والاغتيالات السابقة؛ لأن هذه القصة هي التي كانت الشرارة، فالشرارة الحقيقية هي محاولة اغتيال طفور (خالد طفور – المحرر)، وبالتالي سنعود إلى نفس الأمر الذي تجنبناه في اللجنة الثمانية، وحاولنا أن نتغلب عليه في المجلس القضائي ولجنته القضائية، سوف نعود ونطرقه بالذات، ولكن عندما يكون هناك اتفاق طرفين وبشكل مباشر، وهناك ضغط شعبي كان واضحًا في الغوطة لرفض الاقتتال وحل المشكلة، فمن الممكن أن يصل فيه للصيغة التوفيقية.
كما ثبّتنا بندًا من البنود، هذا فقط كي أذكر لكم كيف كنا نفكر، فهناك فكرة وقف إطلاق النار، الغوطة وحدة بشرية، بعد ذلك تحدثنا عن الحقوق التي بينهم، سواءٌ كانوا معتقلين أو مقرات أو دماء، و[ثبّتنا] البند الذي ينصّ على أن صيانة جبهات الغوطة مسؤولية الجميع، فنحن نحل مشكلة هنا، ولكن عيوننا على حربنا الحقيقية مع النظام، ولا نريد أن نحلّ فقط مشكلة بين طرفين، بل نريد أن يكون هناك شيء، وأن يكون هذا الاتفاق مقدمة لنعود ونوحّد البندقية في وجه النظام، وكان هذا واحدًا من البنود الستة.
بعد ذلك وأثناء النقاشات أذكر أن أبو همام (عصام يويضاني – المحرر) قال: "يا أخي أنا خصمي ليس أنت فقط، وإنما خصمي أيضًا جبهة النصرة"، فصاروا يريدون إدخال بند يعتبرون فيه "فيلق الرحمن" ضامنًا لـ "جبهة النصرة" في كل بنود الاتفاق، عندها تدخلت وقلت لهم: "هذا الاتفاق سيظهر للعلن، وعندما نذكر فيه (...)، من مصلحة من أن نذكر اسم جبهة النصرة، فلنترك الاتفاق بين الطرفين"، وبعد ذلك دخلت "جبهة النصرة" بمسمى جيشها، "جيش الفسطاط" الذي تضيع فيه كلمة "النصرة"، فنحن ليس من مصلحتنا في الغوطة أن نصدر كلمة بإجماع فصائل وفعاليات الغوطة ونقول: "نعم، تعالوا يا جبهة النصرة"، وبالتالي نشرعن الغوطة للطيران الروسي، فهنا كان لدي اعتراض على ذكرها، فلا يجوز أن نذكر "جبهة النصرة"، [وقال البعض]: "لماذا لا نذكرها؟"، [فقلت:] "يا أخي اصبر قليلًا، هل تكون سعيدًا إذا جئت وقلت: هناك جبهة نصرة في حرستا، وفي اليوم الثاني تأتي الطيارة وتفلح (تدمّر) حرستا، صحيح أنها لن تقصف عندك، ولكن هذا الذي تريد أن تصل له؟"، فوافقوا، وكان حينها الإصرار على [ذكر] "جبهة النصرة" من طرف "جيش الإسلام".
استأذنت وخرجت لأدخن سيجارة، خرجت ودخنت سيجارة في الخارج وعدت، وعلى أساس أن عملنا انتهى، وعندما دخلت وعدت سمعت من جديد كأنهم عادوا يتحدثون عن "جبهة النصرة"، وكانوا يقولون: "ويضمن كذا (...)"، وكانوا يريدون تمريرها في عبارة، ونحن كنا نثبّت كل ما نتجاوزه كي يُطبع ويُختم ويُوقع وينتهي الأمر، عندها قلت لهم: "انتظروا لحظة إذا سمحتم، الغوطة ليست ملكًا لك أو ملكًا له، أنا كابن غوطة لا أسمح لك أو له أن توقع على شيء اسمه جبهة النصرة في الغوطة، وحتى لو اتفقتم أنتم فنحن نرفض، فالاتفاق هو بين فيلق الرحمن وجيش الإسلام، وفيلق الرحمن إذا كان يضمن أن يضبط جماعة جيش الفسطاط بهذا المسمى فإننا نقبله، أما أن تعودوا من جديد إلى جبهة النصرة!"، وهكذا تحدثت حينها بعصبية وانفعال، وانفجرت بوجه الطرفين. المهم أنه حُذفت عبارة "جبهة النصرة"، و[نصّ الاتفاق على] أن "فيلق الرحمن" يضمن التزام "جيش الفسطاط" في أي قصة.
حينها بقي عليهم أن يسموا اللجنة التي ستتابع تنفيذ هذا الاتفاق؛ لأن هذا الاتفاق يقتضي الكثير من التفاصيل، ويقتضي المتابعة، ويقتضي في النهاية كلمة حق حول مدى التزام الأطراف، والمبادرة بالأساس كانت مبادرة مدنية، فتمت تسمية أعضاء اللجنة الستة، وطبعًا كانت هناك اعتراضات عندما يُطرح اسم هذا فيعترض ذاك، وهذا يقول له: "هذا من جماعتك".
في المحصلة اتُفق على الأسماء الستة التي هي: أكرم طعمة كان محافظًا، أنا كنت مدير شعبة الصحة، عدنان سليك كان مدير التربية، سليمان الدحلا كان رئيس الهيئة العامة، أبو راتب قشوع (مصطفى قشوع – المحرر) كان مدير المكتب المالي للقيادة الموحدة في "جيش الإسلام"، وكان الدكتور حسام (حسام حمدان – المحرر). لجنة الستة هذه هي التي تم التوافق عليها، وأرسلنا صيغة الاتفاق فورًا للطباعة وصححنا من جديد المطبوع.
في الحقيقة استغرق الاجتماع 6 أو 7 ساعات، وفي النهاية وصلنا للصيغة النهائية، وهنا قائد "جيش الإسلام" وهنا قائد "فيلق الرحمن"، حيث قلنا لهم: "هل أختامكم معكم؟"، فوقّعوا وختموا (تم توقيع الاتفاق في 24 أيار/ مايو 2016 – المحرر)، وعندها تنفسنا الصعداء، نظرنا هكذا وقلنا: "يا إلهي، لقد استغرقنا 7 ساعات في هذا الاجتماع".
قلنا لهم: "لا يكفي ذلك"، فنحن في الداخل والناس في الخارج، وهناك ناشطون وإعلاميون في الخارج على الطرفين، وكل الغوطة تعرف أن اليوم سيُعقد اجتماع، والجميع ينتظر شيئًا، فقلنا لهم: "الآن لا يكفي أن نعلن أننا اتفقنا، بل سنعلن الاتفاق، وسنقف ونتصور صورة واحدة ونصدرها لنطمئن الغوطة". وقفنا في تلك الصورة الشهيرة التي انتشرت حينها وفيها قائد "الجيش" مع قائد "الفيلق" ومعهم نحن أعضاء اللجنة السداسية، ولكن عندما وقفوا كي يتصوروا، قلنا لهم: "لا، هكذا يبدو أن كل شخص وكأنه ديك"، فوقفت هكذا وراءهما وقربتهما من بعضهما، ووضعت يدًا على كتف هذا ويدًا على كتف ذاك، وقربتهما من بعضهما والتُقطت الصورة.
بعد ذلك كان لهذه الصورة صدى، ولحقني البعض وقالوا لي: "يا أخي، أنت عراب القصة"، فقلت لهم: "لست عرابًا، ولكن في لحظة وصورة كهذه ينبغي عليك أن تقربهما من بعضهما". انتشرت الصورة وتصدرت كل [وسائل] الإعلام، وكانت هذه الصورة وإعلان هذا الأمر مطمئنًا جدًا، وفي اليوم الثاني الناس ارتاحوا كثيرًا واطمأنوا.
بالتوازي مع ذلك، وكنت أتحدث عن التفصيل الذي حدث في الداخل، وبالتوازي كانت لنا لقاءات "سكايب" مع رياض حجاب، حيث طرحنا عليه مشروع الوساطة الخاص بنا، وبارك لنا ذلك، وبعد إعلان الاتفاق أيضًا كان عندنا اجتماع "سكايب" مع رياض حجاب، وحينها قال لنا إن الإخوة في قطر تبرعوا أن يدفعوا ديات شهداء هذا الاقتتال كمساهمة منهم في حل هذا الإشكال وهذا الاقتتال.
مباشرةً بدأنا بأن أول أمر يمكن أن يكون من رسائل حسن النية هو إطلاق سراح المعتقلين؛ فذهبنا إلى قيادة "فيلق الرحمن"، وكان هناك من يعمل على قيادة "جيش الإسلام"، وأنه الآن سوف يخرج باص(حافلة) من هنا وباص من هناك، وهذا يرسل 50 وهذا يرسل 50، فقلنا: "لا، يا جماعة لأنه بهذه الطريقة سوف تكون عملية معقدة جدًا، والغوطة مأزومة وحصار"، ولا أدري من طرح فكرة [تقول]: "أنت تملأ المازوت في الباص الذي سترسل به، وأنا أملأ المازوت في الباص الذي سأرسل به"، فعندها نظرنا وقلنا لهم: "ما هذا؟"، قال أبو النصر (عبد الناصر شمير – المحرر) - هذه كنت قد سجلتها له -: "يا أخي، كل المعتقلين عندنا أخرجوهم الآن دفعة واحدة وأرسلوهم لهم"، هذه أيضًا كانت بادرة حسن نية دون حساب الأرقام.
بعد هذا الكلام كانت عندنا اجتماعات شاقة، ففي اللجان الفرعية كان [أحدهم] يقول فيها: "أنا في المقر الفلاني كان عندي 100 قطعة كذا"، والآخر يقول له: "لا، أنا أخذت 50"، وأصبح هناك فرق 50، فيعود ويقول له: "في المقر الفلاني الذي داهمته أنت قبل ذلك كان لي كذا"، ويجيب الآخر: "لا، أنا وجدت (...)، فكانت هناك قصة الحقوق، والحقوق المادية كلها بعد ذلك كنا نجد لها مخارج، ولكن الذي يهمنا كان حقوق الدماء والقضايا الإشكالية، ثم نعود لنعيد تجميعهم على توحيد البندقية؛ لأنها هاجس بالنسبة لنا.
في ما يتعلق بالمعتقلين، [قلنا]: "أنا لا أريده أن يقول لي مَن لديه من المعتقلين، ولكن أنت قل لي من عندك من المعتقلين، ومن اعتقلت من عند فلان، أي من الطرف الآخر؟"، فجاءتنا لوائح من هنا ولوائح من هناك، قلنا: "هذا جيد، أخرجوهم".
الحقيقة ما يتعلق بأداء اللجنة وتقريرها النهائي كان هناك نوع من التعطيل من قبل "جيش الإسلام"، مثلًا: عندما قدّم لوائح وفي النهاية وجئت أنت في اليوم الثاني وقلت له: "هذا جيد، هؤلاء معتقلونا عندك وأنا أريدهم، وهذه لوائحي"، فيعود ويتحفظ على بعض الأسماء منهم، [ويقول]: "هؤلاء بالخطأ كتبناهم، هؤلاء كانوا منتسبين في جيش الإسلام وعليهم قضايا كما يسمونها: السلوكية".
في النهاية إشكالات المعتقلين كانت في بعض معتقلي "النصرة" ("جبهة النصرة") الموجودين عند "الجيش"، وبعض معتقلي "الجيش" الموجودين عند "النصرة"، وفي النهاية كان هذا هو الإشكال، وكان هناك إقرار [وكانوا يقولون:] "إن هؤلاء عندي"، [ويقول له:] "خذ هؤلاء وأعطني هؤلاء"، [فيقول له:] "لا، لا أعطيك هؤلاء، وهذا قبل أن يكون عندك كان عندي".
وعندها بدأنا نرى أن هناك تعطيلًا للوصول إلى حل، وبنفس الطريقة قصة أنه كان هناك معمل تصنيع هاون، عبوات هاون وقذائف "آر بي جي"، فأحدهم غنمها وكانت في حوزة "جيش الفسطاط"، والأخرى كانت في حوزة "فيلق الرحمن"، "فيلق الرحمن" سلّم ما عنده، ولكن "جيش الفسطاط" حاول أن يستخدمه ويتمسك به مقابل أن يُحل شيء في موضوع المعتقلين.
بالتوازي مع هذا كله، كان هناك سقوط بعض المناطق في المرج، وصاروا [يعتبرون أن] السقوط قد حصل بسبب سلاح المجاهدين، و[صاروا يقولون]: "أعيدوا سلاح المجاهدين لنمنع السقوط"، فإذا بموجة تصعيد إعلامي تعود، وفي الحقيقة في كل لحظة من لحظات الحل، كنا نضع من جديد يدنا على قلبنا (نخاف).
وفي قضايا شهداء الاقتتال، كان مجمل شهداء الاقتتال الحقيقي لا يتجاوز (...)، وهو محدود، ولكننا أخذنا لوائح من الطرفين حوالي مئة اسم، ويبدو أنها كانت تحمل أيضًا بعض شهداء المعارك التي كانت تحدث في ذلك الوقت، وكأن هناك تفاهم ضمني بينهم، هكذا كان شعورنا، وذلك طمعًا بالتعويض (التعويض الذي ستقدمه قطر – المحرر)، فقلنا: "وليكن ذلك، ليست لدينا مشكلة"، ولكن كان مجمل العدد بحدود 80 أو 90، وكانت لدينا إشكالية في أمر واحد وهو أن حقوق الشهداء يجب أن تصل لذويهم؛ فالذي تسلم المبلغ في ذلك الوقت هو أكرم طعمة، ونحن كان قرارنا في اللجنة أن تُوضع آلية بأن يستلمه ذوو الشهيد ولا تُسلّم للفصيل؛ لأنك إذا سلمت الفصيل فمن الممكن ألا يصل الحق لأصحابه، ومن الممكن أن الفصيل يعطي تعويضًا، فكان حينها قرارنا هذا في اللجنة.
تلك كانت المعوقات، وفي النهاية بدأنا نسمع تسجيلات لـ [سمير] كعكة وغيره يهاجم اللجنة السداسية، [ويقول]: "لا نثق بدينهم، ولا نثق إلا بأخ منهم"، ولم نعرف من هو هذا الأخ الذي يثقون به. حينها كانوا قد جاؤوا إلى اجتماع اللجنة السداسية طبعًا بعد حصيلة عمل شاق استمر 4 أو 5 أشهر بكل ما فيه من أخذ ورد وعقد وتعطيل، وهذا يقول: "أقبل هذا"، والآخر يقول: "هذا عندي، وهذا ليس عندي، وهذا أعترف به، وهذا لا أعترف به، وهذا لك، وهذا لي"، وذلك بخصوص المعتقلين وبخصوص الأمور الأخرى، وفي النهاية وصلنا لتسهيلات.
وفي الحقيقة التقينا مع جماعة "جيش الفسطاط"، وقالوا: "يا أخي، ليأخذ كل شيء، أعطوه وسلموه كل شي، ولكنني أريد المعتقلين فقط"، ووصلوا إلى درجة أن سمعنا منهم: "إذا كان لا يريد أن يسلمهم لي، فليسلمهم لجهة قضائية، ويعلمنا فقط بمصيرهم، فإذا كانوا ميتين نخبر زوجة الميت حتى تعتدّ لوفاته"، ووصلت الأمور لهذه الدرجة، أن "فقط أخبرونا كي ننهي الملف".
فالحقيقة أنه كان هناك عدم تعاون وتعطيل وكان واضحًا، وبعد ذلك وصل [الأمر] إلى حملة على اللجنة السداسية وأداء اللجنة السداسية، مع العلم أن اللجنة السداسية بأعضائها فيها أشخاص من "جيش الإسلام" ومن المكتب المالي له، ولا أريد أن أدخل بتصنيفات الأشخاص، فهناك الكثير من الأشخاص القريبين جدًا جدًا ومن المؤثرين في "جيش الإسلام"، ولكن بدأوا بمهاجمة اللجنة.
ونحن حينها أخدنا قرارنا أننا سنجتمع، ونجهز تقرير عملنا النهائي، وكانت لدينا الوثائق التي تثبت كل بند ذكرناه فيه، وأن ننهي عملنا، وهذا الكلام كان في شهر تشرين الأول/ أكتوبر أو تشرين الثاني/ نوفمبر (أعلنت اللجنة إنهاء مهامها في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2016 – المحرر)، وتقرير اللجنة السداسية النهائي موجود لدي ولدي نسخة منه. اجتمعنا لأنه بدأت تظهر تسجيلات وصاروا يهاجموننا و[يقولون]: "اللجنة السداسية لا نثق بدينهم"، فالذي حصل أننا وصلنا إلى طريق بأن الذي علينا فعلناه، وأنجزنا الاتفاق، جمعناهم، لاحقنا القضايا كلها حتى النهاية، ولكن هناك عقد، وهناك طرف معطل ولم نسمّه بالاسم حتى في تقرير السداسية، ولكن قلنا إن هناك طرفًا لم يتجاوب، وأنهينا عملنا.
وبعد ذلك هناك أحداث أخرى بدأت تفرض إيقاعها على الساحة، ونحن كنا قد منعنا التقسيم، وحللنا أزمة غالبية (...)، فـ 95% من قصة المعتقلين حُلت، و70 أو 80% من قصة الممتلكات حُلت، تلك كلها مساهمات، وتقريرنا النهائي فصّلناه بندًا بندًا، ماذا أنجزنا؟ وأين كانت المعوقات؟، وذلك في كل بند، فكان لدينا تقرير تفصيلي، وطبعًا اللجنة ليست بلون واحد، فكانت عباراتنا منتقاة جدًا بحيث إنها تُظهر حياديتنا، ولكن كان هناك نقاط تعطيل لا بد من ذكرها، ولا يمكن أن نغفلها.
أنهينا عملنا، وربما كان عمر اللجنة 5 أو 6 أشهر من العمل الشاق، أنجزنا الذي قدرنا على إنجازه، وبعد ذلك انتهى عملنا؛ لأنه لم يعد وجودنا ذا جدوى، ففي اليوم الذي يشكك فيه أحد الأطراف بأمانتك ونزاهتك ودينك حينها أنت لم يعد لك دور، فأنت دورك يكون قائمًا عندما يكون الطرفان قد ارتضياك، وبعد ذلك وفي لحظة معينة حتى الطرف الذي ارتضاك بدأ يشكك بك، فعندها قلنا: "لا، يجب أن نتوقف ونضع تقريرنا"، ونحن وجدنا أن الذي أنجزناه تم وانتهى، واستطعنا أن نوقف الاقتتال، واستطعنا أن نمنع التقسيم، وعندها انتهى هذا الفصل.
بالتوازي مع هذا الموضوع وهذا الصراع وعمل اللجنة السداسية، هناك نقطة مهمة وهي أنه تم إعلانه (إعلان المبادئ السداسية)، وكل كلمة في إعلان المبادئ السداسية صغناها وكنا نصوغ ونحذف ونكتب عنها في الغوطة، ولكن تم إعلان الاتفاق أيضًا في الدوحة كما أذكر، حيث أخذوا اتفاقنا نفسه وكأنهم أعلنوه رسميًا في الخارج أيضًا عدا عن إعلانه في الداخل، واعتبرنا أنه ليست لدينا مشكلة، حتى إنهم يستطيعون أن يعلنوه في المكان الذي يريدونه، المهم أننا استطعنا أن نوقف الفتنة ونمنعها من التزايد وحللنا الموضوع.
الشيء المؤلم أن نتيجة الاقتتال كانت هناك نتائج سلبية دفعناها بشكل مباشر، فبعد هذا الاقتتال، وبالتوازي مع عملنا على استيعاب الخلاف وحلّه، سقط القطاع الجنوبي؛ لأن الشغل الشاغل للفصائل أصبح أن تقعد مواجهة بعضها البعض في الداخل بالعمق. والذي حدث في القطاع الجنوبي (...)، القطاع الجنوبي منطقة كان يرابط فيها "جيش الإسلام"، ولكنه اضطر لأن يسحب قوته باتجاه دوما بعد أن قُضي على معاقله في الغوطة، كما كان على مداخل القطاع الجنوبي يرابط أيضًا "فيلق الرحمن" و"الفسطاط" ("جيش الفسطاط" – المحرر)، وبدأنا نسمع رواية: "هم حاصرونا، لا بل نحن حاصرناهم، وأدخلوا لنا إمدادًا، أو لم يُدخلوا لنا إمدادًا"، وبدأت هذه القصص.
والقطاع الجنوبي هو منطقة من الغوطة متاخمة لمنطقة المرج الشرقية ومتاخمة لطريق المطار، وتقع في الوقت نفسه شرقي منطقة المليحة، هذا هو القطاع الجنوبي من الغوطة، هو قطاع حيوي في الحقيقة، هو سلة زراعية كبيرة، وهو كعمق استراتيجي يمتد باتجاه طريق المطار؛ فنحن عندما يسقط القطاع الجنوبي معنى ذلك أننا ابتعدنا عن طريق المطار، وابتعدنا عن الرمز السيادي الذي من الممكن في يوم ما أن يُسيطر عليه، وعندما تسقط مناطق المرج تلك التي بدأ سقوطها مع بدايات عام 2016 في فترة ما قبل الاقتتال، وبعد ذلك تتسارع هكذا بعض الانهيارات، هذا الكلام أيضًا أبعدنا عن الرمز السيادي للبلد الذي هو المطار، حيث كانت الفكرة أنه في يوم ما من الممكن أن نهدد به شيئًا أو نطور وضعنا الميداني باتجاهه.
النتائج المباشرة ميدانيًا كانت خسارة القطاع الجنوبي، ومشينا بمسعانا في السداسية (اللجنة السداسية)، وأنهينا عملنا، وأصدرنا تقريرنا، ومع فترة إنهاء عملنا في السداسية بدأنا نفكر أننا يجب أن نجد حلًا، فهذه القصص الإشكالية مثلًا: "أنا لي عندك 100 وأنت اعترفت ب 50 أو 70 أو 90"، فهناك 10 ضائعون أيًا يكن، سواءٌ هذا الرقم في العتاد أو في الممتلكات أو في المواد أو في الأفراد أو أي شيء آخر، دائمًا هناك نسبة اختلاف بين ما أدعي أنه لي عندك وبين ما تدعي أنه لك عندي، وهذه القصة لا تنتهي، وبدأنا نفكر أنه علينا أن نجد طريقة أو آلية أخرى لنئد بها بذرة هذا الصراع حتى نهايته.
طبعًا في 2016 انتُخبت الهيئة السياسية الثانية [في الغوطة الشرقية] وكنت عضوًاً فيها أيضًا، وكان ترتيبي فيها الثاني، وكان الأول أكرم (أكرم طعمة – المحرر).
خرجنا بفكرة مبادرة "جيش الإنقاذ الوطني"، وهي عبارة عن وضع آلية لنئد كل هذه المشاكل، ونوحّد البندقية من جديد، وإذا اعتبرنا 40 % "جيش [الإسلام]" و40 % "فيلق [الرحمن]" و20 % الآخرون، فلنوحّد البندقية بـ "جيش الإنقاذ الوطني"، هكذا أسمينا هذه المبادرة، ولها بنود تفصيلية تدور حول الأركان والشورى، و[اعتبرنا] أن هذه [المبادرة] ستنهي إلى الأبد كل بذور الاختلاف، فحينها ستعود ممتلكات الكل إلى كيان واحد، ونتخلص من بذور الخلاف الذي يدور حول ما هو لي وما هو لك.
وكان هناك تحشيد شعبي كبير وراءها وحملة بيانات، وخرجت مظاهرات في أكثر من يوم جمعة تأييدًا لفكرة "جيش الإنقاذ الوطني". طبعًا هي كمبادرة مكتوبة، ونحن تحدثنا عنها بشكل شفهي في البداية من خلال الدردشات مع قادة الفصائل، وقدمنا بعد ذلك شيئًا مكتوبًا، وحتى أننا قدمنا شيئًا مكتوبًا وكنا نطلب منهم ردًا عليه مكتوبًا، [وكنا نقول:] "نحن هذه مبادرتنا، فهل أنت مع المبادرة ومستعد أن تدخل فيها أم لا؟".
وهنا مروحة الردود كانت تعطي مؤشرًا في الحقيقة عن عقلية كل فصيل، مثلًا: انطلقنا فيها في البداية باتجاه "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" و"حركة أحرار الشام"، هؤلاء الذين كنا نراهم قابلين لأن يدخلوا في الجيش الوطني، وكذلك "[لواء] فجر الأمة"، فـ "جيش الإسلام" كان باللفظ يقول: نعم، ولكنه لم يقدم جوابًا، [وكان يقول]: "ليس لدي مانع، وفي الأصل نحن منذ زمن مع الوحدة، ولو أنهم لم يبغوا علينا وبغينا (...)"، وكنا ندخل بهذه الاسطوانة، و"فيلق الرحمن" قال: "نعم، أنا ليس لدي مانع، ولكن بشرط أن يدخل فيها الجميع"، وبالتالي هنا يوجد ثغرة، و"حركة أحرار الشام" يقولون: "نحن موافقون، ولكن بشرط أن يدخل فيها الجميع، ومعهم برزة والقابون"، انظر كيف يصبح هنا تصعيد الشروط.
وفي النهاية الذي توصلنا إليه أنه لا أحد جاهز ليتقبل هذه الفكرة، فكان أخف الردود وأكثر الردود قابلية ليُبنى عليه هو رد "فيلق الرحمن" بأنه "ليست عندي مشكلة في الدخول، ولكننا نريد أن يدخل الجميع في الغوطة"، والمقصود "جيش" و"فيلق" و"أحرار" و"فجر"، ونحن هذا ما كنا نعمل عليه، لكن وكأنه برده هذا كان يعول على رفض "جيش الإسلام".
وفي الحقيقة أن رفض "جيش الإسلام" كان واضحًا، والشرط التعجيزي لـ "حركة أحرار الشام" كان واضحًا، وكانت طريقة إفراغ المبادرة من مضمونها عبر طريقة "نعم، ولكن"؛ بمعنى أننا "كلنا مع الوحدة العربية"، ولكن كل شخص اتضح أن له معاييره وشروطه لإتمام هذا الموضوع، رغم أنه كان هناك تحشيد شعبي، وحراك شارع، وخرجت مظاهرات، وشاركنا فيها كلنا، وهذا كله لدعم الموضوع، فهو من جهة يحلّ الخلاف، ومن جهة أخرى يوحّد البندقية؛ لأن هذا المطلب كان بالتوازي مع أحداث خطيرة خارج الغوطة، وهي سقوط داريا وسقوط حلب الشرقية، والذي كنا نعتبره ناقوس خطر كبير.
وكنا نعتقد أن الغوطة يجب أن تتعالى على كل خلافاتها المحلية لتحافظ على نفسها وتقول كلمتها في الثورة، فسقوط هذه المناطق كان له دلالاته الكبيرة مع انحراف المسار التفاوضي و"أستانة" (مسار أستانة الذي بدأ في كانون الثاني/ يناير 2017 – المحرر) وغيرها، وفي الحقيقة كنا نقرأ الكثير من نواقيس الخطر التي كانت تدق في 2016، وكانت مرعبة، وكانت تفرض نفسها علينا، وكنا نشعر أن علينا مسؤولية تاريخية، فنحن لا نحمل فقط مسؤولية الغوطة، وإنما نحن نحمل مسؤولية ثورة، ومثلًا سقوط منطقة بعيدة، مثل سقوط أحياء حمص، ليس مؤثرًا مثل سقوط الغوطة لا سمح الله، فعند سقوط الغوطة ارتاح النظام، وبقيت قضية الثورة هي قضية سلطة مركزية ومنطقة نائية متمردة عليها، وحينها تتحول الصيغة لصيغة تشبه دارفور، فمثلًا في السودان هذا الصراع الذي استمر 20 أو 30 سنة لأن المنطقة بعيدة ونائية ومتمردة، بينما عندما يكون معقل الثورة في العاصمة، وأحد أحياء العاصمة معها وهو حي جوبر، وهناك بؤرة أخرى وهي داريا، المعادلة تختلف كثيرًا.
هذا الكلام كنا نقرؤه، وكان يخلق لدينا المخاوف، ويخلق لدينا أيضًا دافعًا بأنه يجب علينا أن نفعل شيئًا، فكنا نمتص، وكنا نصطدم مع قادة الفصائل، وكنا أحيانًا نحضر اجتماعات تكون صاخبة كثيرًا، ولكننا في النهاية كنا نمتص طريقة تفكيرهم ونحاول أن نستوعبهم، ولم نكن نيأس، ولم نكن نقطع بشكل أن هذا فقدنا الأمل منه، فلا بد من أن يظل هناك أمل، بمعنى على طريقة نقطة الماء التي تظل تعلّق وفي النهاية تحفر حفرة في الصخر، لست أنا صخر (صخر الدمشقي الاسم المستعار للشاهد – المحرر)، وكنا نؤمن بأن قوة التأثير الناعمة للمدني صحيح أنها بسيطة، ولكنها مؤثرة في النهاية وغير معكوسة، فالتأثير الذي تحصل عليه لا يمكن أن تعود وتخسره.
كان هذا على صعيد خارطة الغوطة العامة والخارطة الفصائلية.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/08/23
الموضوع الرئیس
واقع الغوطة الشرقية عام 2016حصار الغوطة الشرقيةكود الشهادة
SMI/OH/52-36/
رقم المقطع
36
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2016
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقيةمحافظة ريف دمشق-مدينة دومامحافظة ريف دمشق-مسرابامحافظة ريف دمشق-حوش الأشعريشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
جبهة النصرة
جيش الإسلام
تنظيم القاعدة
فيلق الرحمن
لواء فجر الأمة - حرستا
جماعة الإخوان المسلمين (سورية)
الهيئة السياسية في الغوطة الشرقية
الهيئة العامة في الغوطة الشرقية
الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام - قطاع الغوطة الشرقية
المجلس القضائي في الغوطة الشرقية
القيادة العسكرية الموحدة في الغوطة الشرقية
حركة أحرار الشام الإسلامية - قطاع الغوطة الشرقية
جيش الأمة
جيش الفسطاط