تأسيس المجلس المدني بعد مجزرة داريا الكبرى
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:13:49:10
نحن نتكلم عن الأيام التي تلت المجزرة مباشرة، والناس غير مستوعبين الصدمة بعد، وهناك نسبة جيدة من المفقودين، هناك أشخاص قتلوا وجثثهم موجودة، ويوجد أشخاص اختفوا، منهم من يقول: إنهم موجودون بالقرب من التربة أو في ساحة الشهداء، ولكن لا يوجد شيء مؤكد، وحتى الآن يوجد أشخاص مفقودون غير معروف هل اعتقلوا أم أنهم قتلوا؟ حتى الجثث [الموجودة] كان هناك الكثير منها جثث مجهولة الهوية، يعني لا أحد يستطيع تمييزه، فكانوا يصورونه، ويسجلون ماذا يلبس والعمر التقديري، ولا يستطيعون أن يعرفوا من هو. بعد المجزرة بيومين الجيش لم يعد يدخل إلى داريا، ومرت فترة حوالي الشهر، وحتى الرتل الذي كان مكونًا من عناصر مخابرات وأمن لم يعد يدخل، فصار نوع من التلاوم، كان هناك أشخاص يلومون الجيش الحر، والكتيبة الفلانية تلوم الأخرى، والمجموعة تلوم الأخرى، ومواقف الناس كانت مختلفة، البعض منهم كانت بالنسبة لهم صدمة، وهناك أشخاص على العكس رأوا أنهم كانوا متعاطفين مع الثورة، ولكنهم لم يشاركوا، ولكن عندما حصلت المجزرة لم يفرق الجيش بين شخص وآخر، وأصبح لديهم دافع أكثر، وأذكر أنه كان هناك مناخ كل شخص فيه يلوم الآخر، وكل واحد ينفي التهمة عن نفسه، التقيت مع أبي تيسير (حسن زيادة) بعد يومين أو ثلاثة من المجزرة، في وقت قريب بنفس الأسبوع، هو كان يتكلم بطريقة أن الجميع أخطأ والجميع مقصر، وأنه يجب أن تكون مرحلة جديدة، ويجب أن نتعلم، قبل ذلك كان بعض الناس يلومونه[قائلين]: أنت وعدت بذخيرة ولم تؤمنها، وأنت أرسلت مجموعات بدون أن تقدم لها الذخيرة، وبصراحة هناك الكثير من الكلام على أبي تيسير، ولكنني لا أستطيع أن أحكم على مدى دقته؛ لأن موقفي من أبي تيسير تغيّر تدريجيًا فيما بعد، حتى وقتها كنت أعتبر الموضوع مثل الكثير من شباب الثورة، أشخاص استلموا مهامًا أكبر منهم، والأمر ليس سوء نية، أو يوجد سوء قصد، و لكن في العمل السلمي قد يحصل خلاف على صفحة أو خلاف على مقطع، يعني في النهاية القصة محلولة، ولكن عندما يكون موضوع سلاح وسوء إدارة أو قلة خبرة يمكن أن تكون النتيجة إزهاق أرواح، وللأمانة في وقتها لم أكن أشعر أن أبا تيسير كشخص بالذات مسؤول، أو هذه مسؤوليته، أو هو المسؤول الوحيد أو الأساسي في الموضوع، والمشهد كله نتج عنه هذا الشيء. يعني موضوع الجيش الحر هو الدفاع عن المدينة، ووجود كتيبتين متنافستين، يعني كل هذه الأمور موجودة، وبنفس الوقت يوجد شعور بأن المجرم هو النظام، فقد يكون رد فعل الجيش الحر زاد الكلفة البشرية، ولكنني لم أكن أتعامل مع أبي تيسير في تلك اللحظة على أنه هو السبب الرئيسي، وبالنسبة لي سلوكه فيما بعد هو الذي غير التعامل أكثر. فهو كان يتكلم بهذا النفس: يجب أن نتعلم، ونبدأ مرحلة جديدة. وكان في وقتها معي على ما أذكر الدكتور حسام وآخرون، وكان أبو تيسير موجودًا، وكان يقول: يجب أن يكون هناك قيادة جديدة والقيادات السابقة يجب أن تُحاسب، وأنا أول شخص.
وبصراحة وجدت أنها فرصة حتى يكون هناك إدارة جديدة، وحتى أبو تيسير نفسه قال: يجب أن تكون هناك قيادة جديدة. وتكلمت مع الدكتور حسام بأنها فرصة، ففي وقتها كان الجيش الحر في أضعف أحواله، والناس لديها نقمة شديدة منه، وهذا الوهم انكسر، بأن الجيش الحر سوف يدخل إلى دمشق، والآن لا يستطيع الدفاع عن المدينة. وأشخاص يقولون: لماذا أنتم تقولون سوف ندافع إذا كنتم في النهاية سوف تتركونا؟! وطبعًا هناك شريحة ليست فقط ضد الجيش الحر، وإنما صارت ضد الثورة كلها، يعني إلى هنا وصلنا، ولم تستطيعوا أن تفعلوا شيئًا، فصحيح أنه قد يكون موضوع السلاح في الواجهة، ولكن أي شخص... توجد فترة (أقل من شهر) استمر الموضوع إلى أسابيع بدون خروج مظاهرة، ثم خرجت مظاهرة، وهذه المظاهرة لم يتكلم أحد فيها، وعندما بدؤوا يهتفون: الله محيي الجيش الحر. يوجد نساء بدأن يشتمنهم، خاصة من كان لديها شهيد أو مغيّب.
كنت أتكلم مع الدكتور حسام بأنها فرصة لتكون هناك قيادة مدنية،في الأشهر السابقة كانت هناك شريحة لا بأس بها، هم أساتذة في مساجد أو أشخاص محسوبون على العمل الخيري في داريا، كانت لديهم رغبة في أن تكون هناك إدارة أفضل للجيش الحر، ولكن ليس لديهم الإرادة أن يتقدموا بأنفسهم، و يوجد عدد من المشايخ وبعض الوجهاء متعاونون من بعيد، فأنا وجدتها فرصة كي يقتربوا، كنت أنا والدكتور حسام ننسق بشكل أساسي بأننا سوف ندعو أبا تيسير و أبا مالك الذي هو قائد الكتيبة الأخرى وعميد من بيت السقا- رحمه الله- اعتقل فيما بعد و استشهد، كان له دور أساسي أيضًا، وطلبنا أن نجتمع مع هؤلاء الأشخاص الثلاثة، ودعونا عددًا من خطباء المساجد، وبصراحة، لم يكن الأمر سهلًا، أغلبهم لم يقبل القدوم، حتى إن أحدهم دعوه بطريقة فيها نوع من الاحتيال، وقالوا له: نريدك أن تأتي لحل مشكلة أو صلح، وعادة يدعون المشايخ، قد يكون هناك خلاف زوجي أو خلاف تجاري، وقالوا له: دعوناك لحل خلاف. وهو يظن الأمر بهذا الشكل، وعندما جاء وجد الخلاف بين قادة الكتائب، و كان معتقلًا، وعندما جاء كان يريد الخروج من الجلسة فقط، كانت الفكرة أننا نريد أن نختار مجلسًا أو لجنة تكون للإدارة المدنية، وأنتم يجب أن تتعاونوا معها، و تساعدونها، و تسلمونها كل شيء. و أبو تيسير كان يتكلم بصوت مرتفع، و كان أبو تيسير-وهذا التحليل- من مصلحته أن يظهر أنه متعاون، وليست لديه مشكلة؛ حتى يخفف النقمة، والأشخاص الآخرون كانوا أقل تعاونًا، ولكنهم تحت ضغط الموضوع لم يستطيعوا الرفض، فوافقوا في النهاية وعلى مضض، لكننا كنا بحاجة لأن نسمع موافقتهم قبل أن نذهب، ونتكلم مع عدد أكبر، فاستنفرنا في الأيام التالية، وكل هذا الكلام خلال أيام، ودعونا عددًا كبيرًا منهم وجهاء ومشايخ ومثقفون، ومنهم أساتذة المساجد، اجتمع في وقتها بحدود 45 شخصًا، لا أذكر العدد بدقة، وتكلمنا، وكانت الفكرة : إن أحد أسباب الذي حدث هو وجود خلاف، وعدم وجود عمل مشترك، وكانت هناك قيادة بدون كفاءة لإدارة العمل، وأن الجيش الحر هم أبناؤنا والعمل المسلح جزء من الثورة، ولكن يجب أن يكون منضبطًا، وهذه فرصة حتى نختار مجلسًا أو إدارة، و هي التي تتولى الإدارة بما فيها إدارة الجيش الحر، ويجب على القادة العسكريين سواء كانوا مدنيين أو منشقين أو ضباطًا أن يرضخوا لهذه الإدارة، الضباط لم يكونوا موجودين، وأبو تيسير لم يكن موجودًا، ولكن الأشخاص الذين تكلمنا معهم كانوا مستعدين، وقسم منهم كان يشكك، وقسم منهم كان موافقًا، وقسم جاء إلى الاجتماع مع تحفظ، فحصل نقاش وأخذ ورد، كانت جلسة طويلة في المساء، وفي النهاية اتفقنا على ثمانية أشخاص، أولًا: من يرغب أن يكون في هذا الاجتماع؟ وأنا متأكد في وقتها أنه على الأقل 25 من أصل 45 كانوا يتكلمون طوال الوقت بأنه يجب ألا يكون الأمر بهذا الشكل، وأنه يجب أن تكون هناك إدارة أفضل، والبعض منهم من منطلق ديني [يرى] أنه يجب أن تكون قيادة الجيش الحر ملتزمة دينيًا؛ لأنه يوجد بعض الأشخاص غير الملتزمين، وتكلم معي جزء جيد، أو أعرف أنهم تكلموا بهذا النفس، وتفاجأت في هذه الجلسة أنه لا أحد... يعني[يقولون]: نعم. ولكن لا أحد يتفاعل، لاأحد مستعد أن يقترب خطوة، وبعد أقل من أسبوع حصلت جلسة مع جزء منهم، وأنا عاتبتهم، واحتد [الكلام بيننا]، وقلت لهم: منذ أشهر وأنتم تقولون:يجب أن يكون غير ذلك، وهذه الفرصة جاءتكم، كان الأمر محبطًا بالنسبة لي، شعرت أن هناك أشخاصًا يقولون نعم بالكلام، ويريدون تحسين الأمور، ولكنهم ليسوا مستعدين للعمل بأنفسهم. وفي نهاية الجلسة تم اختيار ثمانية أشخاص، وأنا كنت من بينهم والدكتور حسام وأشخاص كان لهم دور واضح سابقًا وأشخاص لهم دور أقل، وللأمانة يوجد شخصان كانوا من هذه الفئة التي أقول إنهم من أساتذة المساجد، كانوا داعمين للثورة ولكنهم لم يكونوا منخرطين بشكل مباشر، وتطوعوا ليكونوا.... فصار هناك ثمانية أشخاص مختلفين، لنقل أنا وحسام محسوبان على النشاط المدني والحراك الثوري بشكل مباشر، ويوجد شخص كان[اسمه] أبو علي شعيب- رحمه الله- استشهد لاحقًا، كان قد خرج من المعتقل حديثًا، وكانت له رمزية بين شباب الجيش الحر، هو كان يعمل حلاق، هو شخصية عفوية وبسيطة وبنفس الوقت شهم ونشمي (شجاع)، وقبل أن يعتقل، كانت بدايات تأسيس مجموعات الجيش الحر فالجميع يعرفه، فله رمزية ووزن، ويوجد أكثر من شخص آخر، فاجتمع هؤلاء الثمانية من أجل أن يكون هناك إدارة تتولى توجيه شؤون الجيش الحر وتوحيده ضمن كتيبة واحدة، واجتمعنا مع أبي تيسير الذي كان سيجمع قادة كتائبه، ويخبرهم بوجود هذا المجلس، وأننا نأتمر بأمره.
لم تكن الجلسة سهلة لأنه لم يذهب جميع الأشخاص الثمانية، وإنما قسم منهم، وبنفس النفس [كان الحديث]: أين كان هؤلاء الأشخاص عندما نحن بدأنا؟! وأنا حتى تلك الفترة أذكر تلك العبارة التي لم أكن أرد عليها، وأعتبر نفسي بدأت قبلهم، وبعضهم لا يعرف، والدكتور حسام كان يرد عليهم ويوبخهم ويسكتهم[قائلًا]: أين كنتم أثناء المجزرة؟! كنتم تحلقون ذقونكم ومختبئين، وكان هناك أخذ ورد على أساس أنهم مع أبي تيسير.
اجتمعنا مع الكتيبة الثانية "الفيحاء"، وكان التعاون أقل، ولم نستطع أن نأخذ تصريحًا رسميًا من قائدها أمام البقية، ولاحقًا مع مرور الوقت اكتشفنا أنه حتى الشخص الثاني لم يكن القائد الفعلي، وهو كان كبيرًا في العمر، يعني مثل الأب الروحي، ولكن القيادة الفعلية عند أكثر من شخص في الكتيبة، كنا نجتمع بشكل شبه يومي، كنا نجمع قادة المجموعات، ويتفقون على قائد واحد هم يختارونه، ولكن يجب أن يكون هناك قائد واحد، وتكون هناك هيكلية قيادية واضحة. وكنا نتكلم ونقول: نحن لسنا ضد وجود الجيش الحر، ولكن استمراره في الطريقة التي كان فيها سوف تخرج منه مصائب أخرى.
نسيت أمرًا وهو أننا اتفقنا على أن تكون مدة المجلس 45 يومًا، وأنه مسؤول أمام هذه الدائرة [المكونة] من 45 شخصًا كانوا موجودين، يعني نحن سوف نعمل لمدة 45 يومًا، ثم نقدم لكم ما فعلناه، وبعدها سوف نرى ماهي الخطوة التي بعدها. وكانت الفكرة أنه مجلس مؤقت، حتى يملأ هذا الفراغ الذي حصل فقط، وكانت بالنسبة لي فرصة؛ حتى تكون هناك إدارة مدنية أو قيادة مدنية. وعمليًا التنسيقية والجزء الأكبر من الشباب لم يكن لهم مشاركة من خلالي، فكان هذا جهدًا موازيًا لتشجيع الوجهاء والأهالي الذين هم في الأصل مؤمنون بالعمل المسلح؛ ليقتربوا خطوة ويأخذوا دورهم فيه.
بعد أيام قليلة أو أسبوعين من التأسيس، اتصلوا بنا وطلبوا اجتماع الشباب الذين أسسوا مجلس قيادة الثورة في داريا قبيل العيد، واجتمعنا ونحن نعرف أغلبهم أو نعرفهم جميعًا، ولكن ليست معرفه قوية، فذهبنا أكثر من شخص إلى المجلس واجتمعنا في أحد البيوت، وهم كانوا يعتبون علينا، و[يقولون]: أنتم أنشأتم مجلسًا، وكأننا لسنا موجودين، ونحن أسسنا مجلسًا من قبل. والمفارقة أنه يوجد أحد الأشخاص الذين كانوا يعاتبون، وهو عضو مجلس قديم، كان موجودًا ضمن الأشخاص الـ 45 وشارك في الانتخاب، وقلت له: ألم تكن موجودًا في الاجتماع؟! لماذا لم تتكلم أن هناك مجلسًا، ونحن مستعدون حتى نتحمل المسؤولية؟! وقال: أنا لم أكن أعرف القصة، وجئت حتى أرى، وتهرّب من الموضوع. فرجعنا وقلنا لهم: ماذا فعل المجلس قبل مجزرة وأثناء المجزرة وبعد المجزرة؟! لم نرَ أن المجلس الذي تأسس له أي دور. فأخذوا يتهربون من الموضوع و[يقولون]: لا يمكن ذلك ونحن أسسنا، فقال لهم أحد الشباب: نحن دورنا محدد[خلال] 45 يومًا وينتهي، وأنتم لديكم مكتب إغاثي ومكتب إعلامي فاعملوا، ونحن موضوعنا مؤقت للمساهمة في اختيار قيادة جديدة للجيش الحر، وتكون قيادة مدنية، وعندما تُنجز هذه المهمة لا يوجد شيء آخر نفعله، وإذا أحببتهم فإننا سوف ننسق مع المكتب العسكري الموجود لديكم، يعني كان بصراحة من باب لا نريد أن يحصل خلاف ومواجهة، ولكن الاجتماع لم يكن مرضيًا جدًا.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2021/08/28
الموضوع الرئیس
مجزرة داريا الكبرىكود الشهادة
SMI/OH/34-31/
أجرى المقابلة
إبراهيم الفوال
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
أيلول 2012
updatedAt
2024/03/16
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-مدينة دارياشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
كتيبة الفيحاء في داريا
المجلس المحلي لمدينة داريا