هذه القصة بشكل أو بآخر تعبر عن كيفية تعاطي الحاضن الشعبي في الأحياء مع المتظاهرين والثورة بشكل عام، تكلمنا كيف كان الأهالي يمدون خراطيم المياه للمتظاهرين من أجل أن يغسلوا وجوههم من آثار الغازات المسيلة للدموع، وحين تتأخر المواجهات إلى ما بعد العصر يُخرجون طعاماً و حلويات ومعجنات ليعطوها للمتظاهرين، وكلها كانت بشكل أو بأخر تشعرنا بالأمان أكثر في هذا الحي، وتشعرنا بالتعاطف، وتشعرنا بدورنا "الطليعي"، وأننا نحن طليعة هؤلاء الناس المقهورين والذين ينظرون إلى التغيير، فكانوا في تلك الفترة يفتحون الأبواب ويجعلون أبواب الأبنية والبيوت مفتوحة، فإذا هجم الأمن على الثوار والمتظاهرين فإنهم عندما يهربون يدخلون ويختبئون في البيوت.

وحدثت قصة في حي الحميدية حكاها لي شخص عن شخص آخر حصلت معه: في إحدى المرات، ضغط عناصر الأمن على الشباب المتظاهرين، ركض وراءهم، ودخل هذا إلى أحد الأحياء، وهو ليس من حي الحميدية، ولا يعرف كثيراً في حي الحميدية، هو من أحياء أخرى، رأى باباً مفتوحاً اختبأ به كي لا يعتقل، فأهل البيت صاحوا به: ادخل إلى الداخل، اختبئ، وأغلق الباب. ودخل، واستطاع الهروب من الأمن، ولم يسمح أصحاب البيت له بالخروج قبل أن يغادر الأمن الحي تماماً، فبقي عندهم، وقالوا له: ابقَ إلى أن يزول خطر الاعتقال نتيجة انتشار الأمن في الشوارع. ووضعوا له طعاماً، واحتفوا به، [وقدموا له]: الشاي والغداء، وكان بعد صلاة الجمعة، حتماً، لم يكن أحد قد تناول طعام الغداء، ولم يكن هناك رجل في البيت، فأعجبته إحدى البنات الموجودات في البيت من أصحاب البيت، بعد أن ذهب الأمن من الحارة، خرج إلى بيته، ذهب إلى أمه مباشرة، وكان في سن الزواج، وقال: رأيت بنتاً أعجبتني، وحفظت مكان البيت، وأخذ أمه في اليوم التالي إلى نفس البيت، وقال: هذا هو. ودخلت، وقالت لهم: إنَّ ابني حين كان هنا أعجبته إحدى البنات. وتعرفوا على بعضهم، وتمت الخطبة والزواج، وهذه إحدى الطرائف التي كانت تحصل معنا في ذلك الوقت.