وصلنا إلى جمعة "أطفال الحرية"، في بداية اليوم صباحاً، كان كل شيء طبيعياً، لم يكن هناك شيء يشير إلى أنَّ هناك شيئاً محضراً أو مجزرة ستحصل، حتى تحركات الأمن لم تكن مريبة، كانت تحركات الأمن طبيعية في ذلك الوقت، ولم نشعر أنَّه سيحصل شيء هناك، وكالعادة كانت قد دخلت مجموعة على الخط خلال هذا الأسبوع أو رتل متظاهرين على الخط، بالإضافة إلى أنها كما قلنا: بدأت في التجمع والانطلاق إلى ساحة العاصي، وأتكلَّم هذا لأنه ضروري لنفهم أكثر المحاور التي حصل فيها إطلاق نار لاحقاً. والمجموعات التي كانت تتوجه من شارع سعيد العاص، وهي النواة الأولى والبداية للثورة، كانت المظاهرات تخرج من هناك، ولاحقاً رأينا أنه من [مظاهرة] "الجمعة العظيمة" فما بعد صارت المجموعة تنزل، وتتشكل نواتها الأولى من الجراجمة وباب قبلي، وتخرج من الأحياء الغربية لمدينة حماة، وتنزل من نزلة الجزدان إلى ساحة 8 آذار ثم المرابط وصولًا إلى ساحة العاصي، كان ذلك هو خط السير، ومجموعة أخرى من الأحياء الجنوبية انضمت جديداً، وصارت تتجمع، وهؤلاء أغلبهم يذهبون فرادى، ويتجمعون في الحاضر، وينزلون، فصاروا يتجمعوا في مناطقهم، وينزلون ليرفدوا ساحة العاصي؛ لأن الاشتباكات في ذلك الوقت لم تعد تحصل في الحاضر ويمنعوننا عن ساحة العاصي، أصبحت الساحة هي المركز، والأحياء الجنوبية التي هي الصابونية و جنوب الملعب والضاحية و عين اللوزة، وحيي الفراية والعليليات ملاصقين لساحة العاصي، ولكنهم جميعاً ينزلون من جهة شارع العلمين، وهو من الجهة الجنوبية لساحة العاصي.

في يوم الجمعة صباحاً، نحن كشباب كنا لا نخرج؛ لأنَّ الدوريات تكون كثيرة، إنما الأكبر سناً كانوا يخرجون بسيارة، ويتجولون على أغلب أحياء حماة والشوارع الرئيسية ليروا طبيعة تحركات الأمن وذلك في الجمع السابقة. ربما في هذه الجمعة كانت هناك ثقة أكبر في النفس، ربما لم يتم الانتباه كثيراً لتحركات الأمن، إنما كان شكلهم طبيعياً، وكانوا مبيتين هذا الأمر بشكل سري وهذا القرار، فلم يكن هناك أي شيء غير طبيعي، وكانوا متوقعين أنَّ التظاهر سيكون بشكل سلمي مثل الجمع السابقة بدون أن يتدخل الأمن في ضرب الرصاص، وهذا ربما زاد أكثر المأساة والمفاجأة بما حصل، فكان هناك انبهار بالذي حصل وهذه المجزرة التي حصلت، وكلها عوامل تساعد على...، وأحياناً، المأساة تسبقها دائماً أسباب مختلفة عن غيرها، وكل جمعة نأخذ حذرنا، ونستقصي أكثر عن وضع الأمن ودوريات الأمن، وفي هذه الجمعة، كنا مرتاحين أكثر نظراً إلى الجمع السابقة وما حصل خلال الأسبوع من تظاهر يومي في ساحة العاصي دون أن يتعرض لنا الأمن. فخرجنا، بالنسبة لي وأغلب شباب المجموعة التي معنا بقينا نذهب ونتوجه إلى منطقة الحاضر مع أنَّ المنطقة القريبة من أحيائنا، وأحياؤنا هي باب قبلي والحورانة والجراجمة والشيخ عنبر وهذه المنطقة صارت تخرج مظاهرة من جهتها، وتنزل، ولكن لأنها كانت أحياءنا أو حيي أنا بشكل خاص كنت أتجنب الظهور هناك، أظهر في أحياء أخرى ابتعاداً عن أعين المخبرين، وهم عادة يكونون من أهالي الحي، فربما يعرفونني هناك، وأذهب إلى منطقة الحاضر، وأقول: المخبرون في الأحياء الأخرى لا يعرفونني. يعني احتياطات أمنية، وذهبنا كالعادة، وتجمعنا بعد صلاة الجمعة في جامع المناخ والمساجد التي حوله، تجمعنا، وحافظنا على التقليدية قليلاً بأن نتوجه أولاً إلى الحميدية، نتجمع هناك وبعد ذلك نخرج، توجهنا إلى الحميدية، وتجمعنا هناك، وتوجد لافتة أذكرها ربما كانت استباقية وإحساس داخلي بأنَّ هناك شيئاً سيحصل أو هناك أطفال ستموت، وكانت هناك لافتة مكتوب عليها اقتباس من أحد أبيات نزار قباني "كل ليمونة ستنجب طفلاً ومحالٌ أن ينتهي الليمون" وإحدى المجموعات كانت قد نظمت تمثيلية محاكمة لبشار وإعدامه شنقاً، فكانوا مجهزين الخشبة التي يُعلّق عليها حبل المشنقة، وأحضروا صورة له، وقاموا بتركيبها على مجسم آوهيكل قاموا بحشوه بالصوف والورق، ففي ساحة الحميدية تم إعدامه بشكل رمزي وتعليقه على حبل المشنقة، وحملنا المشنقة كلها، ونزل الناس بها إلى ساحة العاصي لتكون موجودة في ساحة العاصي، وتوجهنا على خط المسير من حي الحميدية باتجاه منطقة الصحة وحي المناخ باتجاه شارع سعيد العاص إلى ساحة العاصي، كان الملاحظ وجود الأطفال بكثرة نظراً لأنَّ الجمع السابقة كانت آمنة، فالكثير من الناس أخرجوا أولادهم معهم، وثانياً- كان اسمها "جمعة أطفال الحرية"، وفي 3 حزيران/يونيو، كان أغلب الأطفال قد أنهوا المدارس، وكانوا يلحّون على أهاليهم، وكانت المظاهرة حدثاً احتفالياً في حماة، وبعد أن تجاوزت قليلاً بعد جمعة آزادي الاشتباكات والدموية التي حصلت على مدار 15 يوماً، كان الوضع جيداً في التظاهر، فكان لها هذا الشكل الاحتفالي الكرنفالي، وكان الأطفال لديهم تشوق أن ينزلوا ليتظاهروا، لا يعرفون شيئاً عن المظاهرات، وحتى نحن كشباب لا نعرف عن المظاهرات في "سورية الأسد" ، لا نعرف ما هي المظاهرات، فكان هناك حضور كثيف للأطفال، فكانت اسماً على مسمى: "جمعة أطفال الحرية"، كان فيها الكثير من الأطفال، وحصلت فيها هذه المجزرة، خرجنا، وتوجهنا، وكنا نتواصل على الهواتف مع باقي الأصدقاء في الأماكن الأخرى التي ستخرج في باب قبلي بالذات بأنها خرجت ونحن متشوقون، وكانت أعداداً ضخمة، وكانت ستتجاوز 100 ألف [متظاهر] لو وصلت كل تلك المجموعات إلى ساحة العاصي، نقطة المسير الأولى التي كانت تخرج من أحياء الحاضر، وأحياء الحاضر أمام جامع المناخ، فيصلي الناس ويخرجون، وتخرج تلك المجموعة باتجاه الحميدية، وتتجمع هناك، وتتوقف في الحميدية ريثما نخرج اللافتات، ونجهز المظاهرة بكل شيء من لافتات وغيرها، وننتظر لأنَّ الجوامع تختلف في وقت صلاة الجمعة فيها، وتتجمع من الأحياء الأخرى، وتأتي الأحياء البعيدة، مثلاً: من طريق حلب، من القصور، من الأربعين كلها تتجمع هنا، أو تكون على الطريق، فقد تلتحم في مراحل متقدمة، مثلاً: في شارع ذي قار تلتحم معنا أو عند دوار الملح عادة تأتي من طريق حلب، وهذه المنطقة شمالية شرقية، فتتجمع هنا، ونخرج من حي الحميدية باتجاه الصحة وشارع ذي قار، وكانت في شارع ذي قار عادة تصل أفواج المتظاهرين من حي الأربعين والقصور والحسنيات وهذه المناطق، تتجمع، وتنزل، وفي دوار الملح، نقف قليلاً، ونهتف قليلاً، يكونون قد تجمعوا، ووصلوا (جماعة طريق حلب)، وهنا تكون قد اكتملت المجموعات التي ستلتحق بالمظاهرة من كل أحياء الحاضر، تنطلق باتجاه شارع سعيد العاص من الشمال باتجاه الجنوب (ساحة العاصي) بالنسبة لأحياء الحاضر.

كما تعرف فإن حماة مقسومة إلى حاضر وسوق، منطقة السوق التي كانت نقطة البداية، كانت ولادتها عند جامع السرجاوي وحوله، تنتهي الصلاة في جامع السرجاوي فتكون المجموعات موجودة فتخرج، و جامع السرجاوي هو نقطة الالتقاء بين الجراجمة وباب قبلي، يخرج الناس من تلك الأحياء إلى نقطة تجمع أولى أو ثانية تعتبر في هذا الحي وهو دوار المحطة أو دوار قيطاز، يتجمعون، ويقفون أيضاً، يهتفون، ينتظرون، في منطقة السوق وحيي الجراجمة وباب قبلي، كان أيمن لبنية على رأسهم، وكانت هناك سيارة "سوزوكي" فيها مكبرات صوت وأجهزة صوت ومضخمات من أجل أن يهتف هو على الميكروفون" ليصل الصوت، وهو أحد أبناء حي الجراجمة، يتجمعون عند دوار المحطة، وهو دوار واسع يهتفون، ويقفون قليلاً هناك، تكون جماعة حي البعث الذي أسميناه في ذلك الوقت حي الكرامة .. ، حي الكرامة وجنوب الثكنة والبرناوي وطريق مصياف والتعاونية والبياض والجلاء والشيخ عنبر وحي الحوارنة لأنَّه أمامهم على الطريق، كلهم تجمعوا هنا في تلك المنطقة، وتنزل المظاهرة من نزلة الجزدان عند مفرق شارع 8 آذار، يدخلون بشارع 8 آذار، ومبانيه متشابهة وكلها بناء واحد موحد بارتفاع واحد، وكان حين تحصل هنا يخرج صدى كبير جداً للهتاف، فكانت جميلة جداً ، يخرجون، ويتوجهون إلى شارع المرابط ومن شارع المرابط إلى مدخل ساحة العاصي الجهة الغربية لساحة العاصي، وهنا يصلون إلى ساحة العاصي، والمسيرة الثالثة التي كانت مستجدة نوعاً ما من الأحياء الجنوبية لحماة، وكانوا يتجمعون في حي الصابونية تقريباً، في جامع الإيمان والنور- قد تكون أسماؤهم هكذا- هناك يتجمعون، شارع الزاغة هكذا يسمونه، وهو الشارع الرئيسي في الحي، هناك محلات وهو مزدحم دائماً، و يعتبر مركز الحي تقريباً، فيتجمع الناس هناك في شارع الزاغة، ويخرجون، ويقفون قليلاً فتكون قد وصلت الأحياء الأبعد عنهم من الصابونية والتي هي في جنوب الملعب والضاحية التي بعد جنوب الملعب، يتجمعون، ويخرجون باتجاه دوار عين اللوزة، وتكون قد التحمت معهم المظاهرات والمجموعات التي تخرج من عين اللوزة وغرب المشتل (هذه الأحياء)، وينزلون من شارع العلمين من اتجاه جنوب إلى شمال؛ لأن ساحة العاصي تكون إلى شمالهم، ينزلون، ويلتحم معهم على الطريق الحيان اللذان على طرفي شارع العلمين، يوجد في الطرف الغربي حي الفراية وفي الطرف الشرقي حي العليليات، يلتحمون معهم وينزلون إلى ساحة العاصي، وهذه المحاور الثلاثة التي كانت تدخل إلى ساحة العاصي بمجموعات كبيرة