انطلاق المظاهرات في كفرنبل وتشييع أول شهيد
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:09:51:11
أول مظاهرة خرجت كانت في الشهر 3 ( آذار/ مارس) 2011، وفي هذا الوقت كنت أؤدي العمرة في السعودية، وكنت أدخل إلى قاعة الفندق، وكان يوجد فيها شاشة تلفاز كبيرة، تبث أخبار "العربية" أو "الجزيرة" في أغلب الأحيان، وعند دخولي نظرت إلى الشاشة، فكان يوجد على الشاشة "بلدوزر" (جرافة) يقوم بإخراج الناس (الجثث) من داخل الأرض، وهناك دم، وأشخاص مقتولون، وصراخ. كان شيئًا رهيبًا. للوهلة الأولى سألت نفسي: أين يحدث هذا؟ و المذيع أو المذيعة تقول: في درعا. يعني أن ذلك يحصل في سورية. وكنت قد ذهبت إلى السعودية منذ عشرة أيام، وفي هذه الفترة، كان ذلك هو ما يحصل في سوريا، واتصلت بالضيعة مباشرة، وسألت: ماذا يوجد في سورية؟ أنا سمعت كذا وكذا. فقالت لي ابنتي رهف: إن خالد خرج البارحة في مظاهرة، في ضيعتنا، وكانت مظاهرة كبيرة جدًا، وجاء، واستحم، وقام بتبديل ملابسه، وتعطر، وخرج في مظاهرة مع الشباب. فقلت لها: كيف خرج في مظاهرة؟ ولماذا يخرج في مظاهرة؟ بمعنى أنه ماذا يحصل؟ أخبروني فقط. وجاء خالد، وتكلمت معه، فقلت له: يجب ألا تخرج في المظاهرات. فقال لي: بل سأخرج. فقلت له: لا تخرج؛ لأن الوضع لم يعد يحتمل ذلك، وكيف تخرج في مظاهرة بدون أن نعرف الصحيح من الغلط، وقناة الدنيا تقول: إن هؤلاء إرهابيون ومسلحون ومندسون، و"العربية" و"الجزيرة" تقولان: كذا وكذا، انتظر لنرى ما سيحصل. فقال لي: يا أمي، إنني أتواصل مع رفاقي في حمص، وهم يقولون: إنه حصل كذا وكذا بهم. فهل من المعقول أن يحصل بأهل حمص هكذا، ونحن لا نخرج ولا نساندهم؟ ولا نقول: إننا معهم. أريد أن أخرج. وعندها توقفت عن الحديث، وقلت في نفسي: يجب أن أنتظر حتى أعود إلى القرية، وأفسر كل الموضوع؛ لأنه فعلًا خلال ساعة كنت تتلقى عدة أخبار، تخالف بعضها، وهي بلدك في النهاية، وأولادك موجودون فيها وناسك (أهلك) موجودون أيضًا، فأنت تحتاج إلى فترة حتى تفكر أين الصحيح؟ وأين الغلط؟
وعندما عدت إلى القرية بدأت المظاهرات الكبيرة، وكان الناس يخرجون فيها، ويريدون أن يصرخوا فقط، ففي الجلسات النسائية نقول: من خرج؟ [فيجيبون]:خرج فلان وفلان، وهم معروفون في الضيعة، ومعروف أنهم أشخاص كبار جدًا، خرجوا في واجهة المظاهرات.
خرج الجميع تقريبًا، ولا أستطيع أن أذكرهم؛ لأن ثلاثة أرباع أهل الضيعة تقريبًا خرجوا في المظاهرات، وكان المخبرون يخرجون مع المتظاهرين من أجل أن يصوروا الوجوه، فلم نعد نعرف من خرج في مظاهرة، ومن خرج كمخبر، لقد وصلنا إلى هذه الدرجة. وكانت الأعداد كبيرة جدًا. طبعًا، أنا في ذلك الوقت لم أخرج في المظاهرات، ولكنني كنت أشاهد من بعيد، ولم أشارك بها، رغم أنه يوجد نساء كن يشاركن في المقدمة، وكان يوجد عدد من الرجال يأخذون بناتهم ونساءهم معهم، وكان هناك نساء أخريات يأتين من أماكن أخرى، أو من قرى مجاورة؛ حتى يتظاهرن عندنا. ولكنني كنت أتأمل الوضع، وأقول: ماذا يحصل؟ إلى أن استشهد أول شهيد في كفرنبل. طبعًا، أنا شاركت في التشييع، وكنت أشارك تقريبًا في كل تشييع للشهداء.
لا أذكر جيدًا كيف استشهد، ولكن ما أعرفه أنه عندما كانوا عندما يخرجون في المظاهرات كانوا (الأمن) يطلقون الرصاص عليهم.
فأنا لم أشارك في المظاهرات في البداية (في المظاهرة الأولى والثانية)، ولكنني كنت أشاهد الناس فقط، وأتأمل الناس، وأسمع الهتافات التي تقال، ولكنني لم أشارك مشاركة مباشرة، وليس خوفًا، وإنما كنت أحلل كثيرًا من الأمور في ذهني، وأوازنها، كنت أوازن طفولتي مع دراستي ومع العادات والتقاليد التي تربينا عليها، ومع الحقوق التي يجب أن نأخذها في مدارسنا وطفولتنا التي انحرمنا منها بسبب النظام. وكان النظام همه الوحيد السيطرة والهيمنة، وكيف يجمد عقول شعبه؛ حتى يرضى الشعب بسلطته. وكنت أفكر في كل هذه الأمور، وبأنه فعلًا، نحن ينقصنا مساحة من الحرية، وينقصنا أن نسمع هذا الصوت.
وفي النهاية، كان والدي في أغلب الأحيان يخبرني أمورًا عن الفرس، وأنا أقول له: يا والدي، أنا خرجت إلى منطقة، ووجدت أن هناك علمًاّ أصفر مرفوعًا، كان علمًا لحزب الله فوق أحد المنازل، ونحن في سورية؛ فلماذا حتى يرفع هذا العلم؟ فقال لي والدي: هناك أمر ما، وهو أننا نحن كشعب سوري [نتقبل] أن تحتلنا إسرائيل، ولكن [لا نتقبل] أن يأتي الفرس (إيران) ويحتلوننا. وهذه الكلمة فكرت بها كثيرًا ومطولًا، وقلت في نفسي: هل والدي مجنون؟! ماذا تفعل إيران عندنا؟ وما هو عملهم عندنا؟ بمعنى أن هذا الفكر السياسي لم يكن موجودًا لدينا في الأساس، ولم نكن نتابع إلا أخبار النظام السوري الذي يريد أن يوعينا (يحشرنا) في جهة سياسية واحدة. هل من المعقول أن تأتي إيران إلى هنا؟ فقلت لوالدي: لماذا؟ فقال إسرائيل لا تحلل قتلنا في دينها، ولكن الفرس يحللون قتلنا، وإذا جاؤوا إلينا سيقتلوننا، وسيحولونها إلى إسلامية ودينية، ويتحججون بهذه الأمور، ويبثون سمهم، وتتحول المنطقة كلها إلى كتلة نار.
كنت أفكر، وأقول: هل هناك فرق بين السني، والعلوي، والشيعي، والدرزي، والكردي وكل الأديان الأخرى؟ فكلنا في صف واحد، ونعيش في بلد واحد، ولكن كانت فكرة أبي: أن إيران وروسيا ستأتيان، وتحولان هذه الأصوات - إذا كان هناك أصوات - إلى أمور أخرى. فيوجد دول تمسك بهذا النظام، وتحميه، وهو كان يعرف مصدر الحماية منذ الثمانينيات، وكيف فرط (فكك) كل الأحزاب الأخرى بحجة أن هذا حزب إسلامي إرهابي، ولكن كانت غايته فرط الأحزاب الأخرى.
عندها أحببت أن أشارك في التشييع، لماذا؟ لأنني رأيت أن من يصرخ يُقتل، وهذا النظام لا يحبنا، وهذا النظام يقتل شعبه، وقتل أهل درعا، وقتل أهل حمص، وهو على استعداد أن يقتل كل الناس الموجودين في المدن الأخرى إذا عارضوه. ونحن نعارض، فنحن المحكومون، ونحن من يأكل كل الصفعات، وأي شيء يحصل في البلد نحن من يدفع ثمنه. نحن في وضع وهم في وضع آخر. وهنا بدأت [تتشكل] لديّ الأفكار بأن الثورة لازمة، والمظاهرات لازمة، ويجب أن نساعد بعضنا كمدن، وأن نصيح: "يا حمص، كفرنبل معك للموت. أو يا درعا، إدلب معك للموت". أو نرى صدى ثانيًا يخرج من بانياس، أو صدى ثالثًا يخرج من الرقة، أو صدى خامسًا يخرج من حلب. كل هذه الأصوات كنا نسمعها، وكانت تقوينا، فنحن نساعد بعضنا، بمعنى أننا نوعًا ما نحمل راية واحدة، ونحمل صوتًا واحدًا وشعارًا واحدًا، وهو: "الشعب يريد إسقاط النظام".
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/10/29
الموضوع الرئیس
النشاط النسوي في كفرنبلالمظاهرات الأولىكود الشهادة
SMI/OH/114-03/
أجرى المقابلة
إبراهيم الفوال
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
نيسان 2011
updatedAt
2024/04/07
المنطقة الجغرافية
محافظة إدلب-كفر نبلشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
حزب الله اللبناني
قناة الجزيرة
قناة الدنيا الفضائية
قناة العربية