الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

وضع نساء مدينة كفرنبل قبل الثورة: التعليم والعمل والحياة

صيغة الشهادة:

فيديو
صوتية
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:14:12:09

في الثمانينيات، كان عمري تقريبًا خمس أو ست سنوات، وكنت في الطبقة في تلك الأثناء، ولكن والدي- رحمه الله- كانت تمر علي أحداث الثمانيات من الأخبار والرجال الذين كانوا يجتمعون معه في مكان معين، و كنت دائمًا أجلس بجانب والدي، وأسمع تلك الأخبار، ويبقى في ذهني الكثير من الأخبار، مثلًا: هل رأيتم كيف فجروا المؤسسة، ووضعوا مجلات إباحية ومشروب خمر أو غيره، وفجروا المؤسسة، وقالوا: هذه لحزب آخر مثل حزب الإخوان (المسلمين) أو الحزب الشيوعي، وكان أكثر حزب متهم في تلك الفترة -أعتقد- هو حزب الإخوان، هذه الأحداث كانت تمر أمامي، ولأنني طفلة صغيرة لم أكن أستوعبها كثيرًا. حتى أنني في إحدى المرات فتحت كتابًا اسمه الحضارة الإسلامية، وكان من الكتب التي يخفيها الإخوان، وأنا كنت صغيرة، ولا أفهم ما هو مضمون الكتاب. وفي ذلك الوقت، كنت قد تعلمت فك الحروف تقريبًا، فكنت أقرأ بعض الكلمات، لأنني تعلمت الحروف باكرًا، ولكنني لا أفهم المعنى، وكنت أرى كيف يخبئون الكتب، وأرى الناس كيف يهربون من مكان إلى مكان، أو يختبئون عند بعضهم، أو تحصل بعض الاجتماعات السرية خوفًا من نظام الأسد في تلك الفترة، وكان يوجد مداهمات كثيرة، والذي سمعته أنهم قتلوا عدة أشخاص كانوا ضد النظام في كفرنبل، واعتقلوا أشخاصًا، وأخذوا نساءً، وهجّروا عائلات، وحصل إنزال للطيران. 

طبعًا، كان يوجد [أشخاص] من آل ديمور، هؤلاء الذين أذكرهم، وكانت هناك عائلات كثيرة من كفرنبل، ويوجد [أشخاص] من آل عيسى، وهم الذين تم قتلهم في ذلك الوقت، وكان يوجد [أشخاص] من عدة طوائف، ولكن الذي أتذكره أن أكثر العائلات التي تشرد فيها النساء والأطفال والرجال كانت من آل الديمور. وأساسًا، الشخص الذي كان متهمًا باغتيال حافظ الأسد في تلك الفترة كان من آل الديمور. 

طبعًا، من ضمن أمنياتي التي كنت أتمنى أن أحققها أن أكون مصممة أزياء، ومنذ طفولتي، كنت أحب هذا المهنة، ولكن مع الأسف لم يكن لدي وقت؛ لذلك تعلمت تزيين الشعر الذي كان قريبًا نوعًا ما فنيًا من المهنة الأخرى، وكوني في مدينة كفرنبل، والتي تبعد عن مدينة المعرة ربع ساعة بالسيارة، وكان في مدينة المعرة يوجد تزيين شعر وحمامات نسائية، وكانت فيها أمور متطورة جدًا؛ لأنها مدينة قديمة، ولكن كفرنبل الريف لم يكن فيها هذه التطورات الملموسة، مثل أن تلف العروس شعرها، أو أن تلبس ثوب الزفاف. فقد كان يتم تفصيل ثوب الزفاف، وكانت رفيقات العروس يأتين، ويقمن بتزيينها، وبعد أن حصل بعض التطور، تعلمت المهنة، وكان يوجد نساء غيري تعلمن المهنة أيضًا، وأصبح لدينا تزيين شعر للعرائس، وأصبحت العروس تذهب إلى "الكوافيرة" (مزينة شعر النساء)، وأصبح يوجد صالونات، وأصبح يوجد لمات نسائية أو تجمعات، بمعنى أن التجمعات النسائية تفيدني بأن أعرف أكثر عن نساء هذه الضيعة التي ربيت فيها، والأحاديث النسائية المطولة والهموم والمشاكل والعثرات التي تمر بها، والعلاقات الاجتماعية فيما بينهم. وعندها اكتشفت المدينة أكثر من النساء الأخريات. 

نساء كفرنبل لا يختلفن عن باقي النساء في سوريا، فهن أولًا محرومات من الحقوق الاجتماعية، والدستورية، ومن أن تمارس [المرأة] أي عمل تحبه. فمثلها مثل أي امرأة أخرى في سورية؛ كانت تهاجم إذا تمردت على أي شيء، وإذا أحبت أن تطور نفسها قليلًا بعيدًا عن قوانين الضيعة نفسها. وكل شيء له قانون ودستور، سواء كان قانون ودستور دولة، أو قانون ودستور عادات وتقاليد وأعراف لدينا؛ لذلك كانت المرأة في كفرنبل تحاول أن تطور نفسها تعليميًا، فالأمور المهنية كانت صعبة عليها؛ لأنها في الريف، والمهنة تتطلب أن تذهب، وتتعلمها في غير منطقة أو مدينة، حتى تحترفها، بعيدًا عن مجال الخياطة، يوجد نساء خياطات عددهن يعد على أصابع [ اليد الواحدة]، ولكن نسبة التعليم كانت جيدة عند النساء؛ لأنه الأمر الوحيد التي توفر لهن، وابتعدت النساء عنه في الثمانينات، لأن حافظ الأسد أو رفعت الأسد في ذلك الوقت أذكر أنه أمر بخلع حجاب البنات اللاتي يدرسن؛ لذلك، تأخرت مدينة كفرنبل في ذلك الوقت قليلًا بالنسبة [لتعليم] النساء، أو تراجعت نسبة النساء المتعلمات في تلك الفترة؛ لأنها منطقة سنية، وجميع النساء محجبات، وعندما أصدر هذا التشريع فان معظم البنات تركن المدارس، أو بالأحرى منعهن أهاليهن من الذهاب إلى المدارس، ثم شيئًا فشيئًا عادت البنات إلى الدراسة، وكان يوجد غض نظر عن الموضوع على اعتبار أن نسبة كبيرة من البنات ابتعدن عن التعليم في المدرسة، وعادت نسبة التعليم عالية عند النساء، وكن في عدة مجالات، مثل [العمل في] التمريض، وكن معلمات في المدارس، وكن طبيبات. ولكن احتُكِرت مثل كل النساء السوريات في مكان واحد، فالمعلمة تعمل بالتعليم، ونجد أن المعلمة في دول أخرى لها كامل الحرية بأن تعمل بكل النشاطات التي تريدها، تعمل في منظمات، أو تعمل مع جمعيات، أو تسافر، وترى مدنًا أخرى، ويتشكل اتحاد نسائي. وطبعًا، هذا السلخ عن الاتحاد النسائي كان يعتبره النظام شيئًا رهيبًا، وصار الاتحاد النسائي قَرَم (شيء ظاهر ووحيد)، هذا القَرَم لم نعرف غيره، فلم يكن يوجد لدينا خيارات أخرى، أو تكتلات نسائية ثانية؛ لنتعلم منها، أو نتواصل مع النساء في الخارج؛ حتى نطور أنفسنا كنساء في الداخل، ونتعلم شيئًا جديدًا. 

لم يكن يوجد تواصل مع النساء الأخريات أبدأ؛ لأن النظام احتكر هذا الشيء له ولحزب البعث، وحزب البعث أدخل فيه الاتحاد النسائي؛ لذلك لم يكن يوجد تطورات أخرى، فإذا كانت المرأة التي تعمل مهندسة زراعية فإنها تكون في مكتب، سواء عملت أم لم تعمل، والمهم أن تأخذ راتبها في نهاية الشهر. 

كلنا نعلم بأننا كنا نظن بأن سوريا مختلفة، والشعب راقٍ وواعِ، ومستحيل أن يقتل بعضه. وهو شعب بعيد كل البعد العنف والإجرام. فكنا نظن أنفسنا شعبًا مميزًا جدًا، ومستحيل أن نصل إلى هذا النقطة التي وصلنا إليها، ومستحيل أن يقتلنا جيشنا أو أفراد منا وفينا، وأن يشهروا علينا سلاحًا، ويقتلوننا، حتى لو كنا مخطئين. في الأساس سواء كان هناك خطأ أم لا فمستحيل أن يقتل الأخ أخاه من أجل نظام فاسد أو شخص أو من أجل طائفة أو عائلة. وأساسًا، نظام الأسد جعل سورية مثل مزرعة له، ونحن لم يتركنا نفكر، وإنما كان يفكر عنا، ولم يتركنا نتصرف، وإنما هو من يتصرف عنا. 

في بدايات الثورة، صاح الناس فقط، لأن الصوت كان مكبوتًا؛ فخرج الصوت، وفي بداية خروج الصوت تحررت كل الأحاسيس الأخرى منها السمع، والنظر، والفكر، واللمس. كلها تحررت مع أول صيحة صوت حرية، وعندما خرج الناس، وصاحوا، كنت أسمع أصواتهم، وأقول: ماذا يريدون؟ بمعنى نحن ماذا نريد؟ وكنت أعمل في الصالون عشر ساعات، وكان المردود المالي ليس سهلًا عليّ [قليلًا]، فقد كان جيدًا بالنسبة لعائلتي، ولكن ليس لدي مردود سوى عمل يدي، وأبو خالد كان موظفًا في الزراعة، وكان الراتب قليلًا جدًا، وكان يعمل بعد الوظيفة، ورغم كل هذا العمل الذي كنا نعمله كان بالكاد يكفي طعام الغداء للأولاد، والملبس، والمونة، والدراسة، وإعمار حائط في المنزل مرة واحدة في كل سنة، أو القيام بإصلاحات في المنزل، أو شراء أدوات كهربائية. كان هذا همنا، كان همنا أن نعيش فقط، وكان همنا أن نأكل ونشرب، ونقول في الصباح: كيف يمكننا أن نؤمن قوت أولادنا أو دراستهم؟ لم يتركنا نفكر بشيء آخر؛ لأن الفقر والسرقة والأمور التي كانوا يأخذونها منا، وحالة الفقر التي وضعونا فيها كشعب، أوقفت عقولنا، وكان همنا الأخير هم أولادنا، ومعيشتنا الأساسية. وعندما صاح أول صوت تحرر، وقلنا: نحن ماذا نريد؟ نحن نعمل، ونأكل، ونشرب فقط لا غير، يجب أن نفكر، ويجب أن نرى أنفسنا كدول متطورة أكثر، ولماذا حتى الآن لا نعرف ماذا بعد الحافة (خارج سورية)؟ نحن نعرف فقط ما يوجد داخل الحافة، يجب أن ننظر إلى الخارج، ونريد أن نتنفس، ونريد أن نرى الناس كيف يعيشون، ونريد أن نطور ذاتنا وبلدنا، ونحن في وجود هذا النظام عبارة عن مزرعة [تجمع] بني البشر، وهو من يحركنا مثل الدمى، ونحن لا حول لنا ولا قوة. ولكن عندما نريد أن نقول: ماذا نريد؟ عبر المنتديات النسائية التي تقام عندي في الصالون، كان كل رأي مختلف عن الآخر، كان رأي بعض النساء، مثلًا: نحن جربنا الثمانينات، وهذا النظام مستحيل أن يسقط. والرأي الآخر: كان نحن ماذا ينقصنا؟ وهل من الضروري أن يحصل لنا كما [حصل] لهذه الدولة وهذه الدولة؟ دعونا جالسين ومستورين. والرأي الثالث: كان يجب أن يقوم الناس؛ لأن هذا النظام لم يعطينا حقوقنا، وكان لدى النساء نظرة الانفتاح، فلم تكن جميع النساء مثل القطط المغمضة عيونها، ولا يعرفن ماذا يردن، وإنما نحن نعرف، وكان يلزمنا حقوق وحماية ومساحة أوسع للتعبير. وأساسًا، عندما تأتي قوة التعبير من مكان ما تجد أن الازدهار قد بدأ تدريجيًا، وكبت التعبير هو بداية لكبت الحضارات، ونحن كشعب بدأنا نعبر، ونعرف ماذا نريد. ومن خلال هذه المنتديات كنت أنا من ضمن الناس الذين كانوا يقولون: لنرى، هل هذا النظام سيقتلنا إذا صرخنا؟ أكيد لن يقتلنا؛ فنحن الشعب المدلل، ونحن الشعب المحبوب من قبل النظام، ونحن الشعب الذي هو رئيس علينا، وكنا قد قبلنا به كل هذه الفترة، لنرى، وسأنتظر قليلًا.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/10/29

الموضوع الرئیس

النشاط النسوي في كفرنبل

كود الشهادة

SMI/OH/114-02/

أجرى المقابلة

إبراهيم الفوال

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

قبل الثورة حتى 2011

updatedAt

2024/04/07

المنطقة الجغرافية

محافظة إدلب-كفر نبل

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

حزب البعث العربي الاشتراكي

حزب البعث العربي الاشتراكي

الحزب الشيوعي السوري

الحزب الشيوعي السوري

الاتحاد النسائي العام

الاتحاد النسائي العام

الشهادات المرتبطة