الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

المظاهرة الأولى في 15 آذار 2011 في سوق الحميدية بدمشق

صيغة الشهادة:

فيديو
صوتية
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:15:18:07

مع الساعات الأولى من ليل 14 آذار/ مارس، كنا نتوقع أننا استكملنا التحضيرات تقريباً؛ للخروج في مظاهرة يوم 15 آذار/ مارس، في دمشق. وجاءت أخبار عن اعتقال مجموعة من الناشطين، وأعتقد أن محمد حاج بكري (ناشط من اللاذقية) هو الذي أبلغني في ذلك الوقت أنه تم اعتقال مجموعة من الناشطين في حلب. وخلال وقت قصير، عرفت أنه جرى اعتقال محمد علوش وشخصين آخرين في مدينة حمص، وهو كان مسؤول المجموعة، وبدأت الناس تتردد في المشاركة، واعتقدوا جميعاً أو مجموعة كبيرة من الشباب أن الأخبار تسربت، وأصبح لدى قوات الأمن معلومات، وأنه سيعتقل الجميع فعلاً. وصارت مجموعة كبيرة من الشباب من أنصار أن يتخفوا (يرغبون بالتخفي عن عيون الأمن). كانت حالة الرعب موجودة لدى مجموعة كبيرة من الناشطين مثل الصدمة الحقيقة؛ لأن النشاط في الأصل كان علنياً، والدعوة في مكان علني، ومحددة التاريخ والمكان، وكل الناس تعرف أننا سننطلق في مظاهرة من دمشق، بعد صلاة الظهر، يوم الثلاثاء 15 آذار/ مارس.

بكل الأحوال، كان هناك إصرار من مجموعة من الناشطين بأن هذا اليوم أصبح أمره محسوماً، وسنخرج فيه حتى لوكنا بأعداد قليلة جداً. وفي الصباح، حاولنا -بعد أن تم اعتقال محمد علوش في مقهى "إنترنت" في حمص- أن نبتعد فعلاً عن الأماكن المعروف تواجدنا فيها بشكل دائم؛ حتى لا نُعتقل مجاناً بسرعة، قبل أن يكون لنا أي نشاط. ووزعنا أنفسنا بشكل لا نكون فيه نائمين في بيوتنا. ورجعت إلى البيت فجراً، بعد أن اطمأننت بأنه لا يوجد أي متابعة أمنية لنا، وجهزت معظم الأشياء التي لها علاقة بخصوصياتي الرسمية (وثائقيات وثبوتيات)، وجميعها سلمتها لأهل البيت (لعائلتي)، وجهزت نفسي من حيث حذف الملفات التي كانت موجودة على "كمبيوتري"، والمعلومات الخاصة نقلتها جميعها على "فلاش ميموري" خاص، وخبأته في مكان آمن، وجهزت نفسي حتى أنطلق، وفي الساعة 5 [صباحاً] تقريباً، كنت مستعداً حتى أخرج، وودعت ابني نوار؛ لأنه كان لدي يقين أنني لن أرجع. كان شيئاً مختلفاً عن كل المرات الماضية، فهذه مظاهرة في الشارع، وليس منشوراً كنا نوزعه في أيام المعارضة السرية، أو مقالاً ننشره على موقع لا أحد يقرؤه إلا نحن المعارضون، أو لقاء ثقافي معارض، فهذا خروج مظاهرة في الشارع. لقد كانت توقعاتنا لحجم ردة فعل النظام علينا أن تكون على الأقل اعتقالاً طويلاً، وودعت ابني، وكأنني لن أراه بعد ذلك.

كان الناشط عبد الكريم الصبح في انتظاري عند الباب مباشرة، وذهبنا معاً إلى كراجات البولمان (مكان تجمع الحافلات) حمص لحافلات النقل، وهناك التقينا مع بدوي المغربل (أبو جعفر)، واتفقنا ألا نكون بجانب بعضنا إلى حد ما؛ حتى لا نثير الانتباه، وكان ينتظرنا في دمشق عمر سليمان وشخصان آخران، يعرفهما عبد الكريم الصبح. كان قد اتفق معهما، وكنا ننتظر أن يلتحق بنا أشخاص آخرون أيضاً. وكان من المفترض أن يلتحق بنا من حمص عدد أكبر، ولكن اعتقال محمد علوش قبل ليلة، واعتقال الشباب في حلب سبب تردداً عند بعض الأشخاص في أن يلتحقوا بالمظاهرة. خرجنا تقريباً في الساعة 7 [صباحا] من حمص باتجاه دمشق، وكانت واحدة من الرحلات المميزة؛ لأنني للمرة الأولى أكون منتبهاً على كل تفاصيل الطريق، وكان لدي يقين أنني لن أرجع. وفعلاً، كنت أحاول أن أحفظ في ذاكرتي كل شيء، وكل التفاصيل، وكل المشاهدات التي على الطريق، ووجوه الناس الذين كنت أراهم.

وصلنا إلى دمشق، واتجهنا إلى السوق العتيق فوراً، كان يوجد موعد بيننا وبين عمر سليمان والشاعر محمد ديبو، كان من المفترض أن نرى محمد ديبو مباشرة، وتأخر قليلاً، والتقينا به لاحقاً، وكان يجب أن يكون هناك مجموعة من الشباب الذين كنا متفقين معهم (الناشطين الكرد) لننطلق من هناك باتجاه تمثال صلاح الدين. ومع الأسف، لم يأت أحد منهم، فلم تأت المجموعة التي كنا نتوقعها، ووصلتنا أخبار أنهم ربما يجتمعون عند ساحة الأمويين، وذهبنا إلى ساحة الأمويين، وتأكدنا أنه لا يوجد أحد أبداً، ولا يوجد أي تواصل على الهاتف أبداً. كنا متفقين على عدم التواصل على الهاتف بعد ذلك، وعندما لم نر أي أحد في ساحة الأمويين عدنا باتجاه الجامع الأموي. وفي الجامع، كان قد بدأ موعد صلاة الظهر، واتفقنا أن ننتظر فربما يلتحقون بهذا المكان، وهذا المكان هو أحد الأماكن الاحتياطية التي كنا نتكلم عنها، وانتظرنا كثيراً، وخرجنا من صلاة الظهر، ولم يكن هناك أي أحد، لم يأت أي أحد إضافي. كان موجوداً معنا في الساحة عشرات من عناصر الأمن الذين كانوا مكشوفين جداً، فعلى غير عادتهم لم يتخفوا أبداً، وكانوا وقحين جداً في تعاملهم مع الناس، بسؤال الناس: إلى أين أنت داخل؟ ولماذا أنت ذاهب؟

كان موعدنا عند التمثال، ولأنه لم يأت أي أحد من المجموعات ذهبنا إلى المكان البديل (الاحتياطي) الذي كنا نتكلم عنه، [ونقول]: إذا لم يحدث هنا فإنه سيحدث هناك. وبقينا حتى الساعة 1:30 ننتظر، وبعد صلاة الظهر بوقت طويل، ولم يلتحق أي أحد بنا، بصراحة، بدأ ينفذ صبرنا، وكان لدينا شيء من الإحباط والتحدي في نفس الوقت؛ فإذا لم نخرج هذه المرة ستذهب كل الفرص. وبدأ عبد الكريم الصبح ينرفز، ويقول: لن نرجع، حتى لو.. وأنا أقول لهم مرات، وأناقشهم بأنه ربما الظرف غير مناسب. وإذا خرجنا لا نستطيع أن نترك الأثر الذي كنا نتوقعه. ونحن عددنا قليل جداً، ولا يوجد إمكانية أصلاً أن نراوغ قوات الأمن بعددنا القليل هذا، وكنا تسعة أشخاص، والذين أعرفهم كانوا سبعة أشخاص، وشخصين آخرين لا أعرفهم، جاؤوا مع عبد الكريم، ونحن هكذا كنا متفقين ألا نطّلع جميعنا على أسماء الكل؛ من أجل الحماية الأمنية، والشابان الآخران كانا جريئين جداً لدرجة أنهما قالا: نحن جاهزان. والجميع -الحمد لله- كان لديه إصرار، وأنه يجب علينا ألا نرجع حتى نخرج بمظاهرة، وكما يقولون: المكتوب (المقدر) على عشرة هو مكتوب على عشرين. وإذا كانت قوات الأمن ستعتقل 10 [أشخاص] فلن تغلب على (تجد صعوبة) اعتقال 20. فهكذا كانت النقاشات في وقتها.

وفي لحظة ما صاح الصوت الخالد، على ما أظن عبد الكريم الصبح: "الله سوريا حرية وبس" كانت أول كلمة حرية، وكأنها شيء مثل "فلاش" (ضوء ساطع) على ظلام هائل، لمعة برق على دنيا معتمة تماماً. وهذه اللحظة لا يوجد شيء مثلها، فأنا لم أعش أجمل منها على الإطلاق، حتى حين جاء أولادي إلى الدنيا. وهذه اللحظة لا يوجد أجمل منها أبداً، ولا يوجد سعادة غامرة تشبهها على الإطلاق، في كل الأمور التي عشتها في حياتي، لا قبلها ولا بعدها، ولا يوجد شيء جعلني أحسّ بأن الدنيا كبيرة جداً، وبهذا الانطلاق الهائل، وكل شيء بداخلك يخرج في هذه اللحظة بالتحديد. ومهما شرحت عن هذه اللحظة تحديداً، وبعدها خرجت في مظاهرات كثيرة، وربما سابقاً كان لي مواجهات كثيرة مع الأمن، ومع هذا الاستحقاق الذي اسمه حرية، ولكن مثل هذه اللحظة لا يوجد أبداً، ولم أعش، ولا يمكن أن أعيش مثلها. كان الصوت يخرج بنفسه من غير أن تجهد نفسك، وحالة من الانطلاق من داخلك، لا أستطيع أن أصفها بصراحة، وأنا شاعر، ولا أستطيع أن أصف هذه اللحظة، ولا أحس أن هناك لغة تعبر عن سعادتها وجمالها، وكانت آسرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

وبعد لحظات من الهتاف، وأنا أحد الأشخاص الذين بدؤوا بالبكاء، ولا أعرف لماذا، وكنت سعيداً جداً، وأشعر بالبرد كثيراً، ومتعرقاً كثيراً. يبدو أن الحرية كل شيء فعلاً. وهذه اللحظة كانت أكثر لحظة في حياتي أحسست بها، فقبل قرارنا أن نخرج بالمظاهرة، ونهتف، كان يوجد لدينا خوف كبير، فأنا معتقل، ومعذب، وهارب، ومتخف، وأعيش كل هذه التجربة أو العلاقة بين لعبة القط والفأر بين النظام والمعارضة، ولكن الخوف الذي كان قبل هذه اللحظة، قبل أن نخرج في المظاهرة الأولى في 15 آذار/ مارس لم يكن هناك خوف مثله أبداً، ولم يكن هناك سعادة مثل السعادة التي بعدها. وكل شيء هو حد أقصى، حد أقصى من الخوف، وحد أقصى من الرعب، وحد أقصى من الارتجاف، وحد أقصى من الشعور بالفرح، وحد أقصى من الشعور بامتلاك الحرية.

ومشينا عشرات الأمتار إلى أن خرجنا من باب جامع الأموي الغربي، باتجاه مدخل سوق الحميدية، وهنا يوجد بسطات كتب (باعة الرصيف)، وعندما وصلنا إلى هنا كان الأمن قد استوعب الحالة، استوعبوا أنه يوجد مظاهرة؛ فبدؤوا يحاصرونها، وبدؤوا يمشون معها، ونحن وصلنا على أول مدخل المسكية (سوق المسكية) الذي يقع على اليمين بعد أن تمشي من باب الجامع، وبدأ عناصر الأمن بالهتاف "بالروح بالدم نفديك يا بشار" "الله سوريا بشار وبس" وبدأ صوتهم يصبح أعلى من صوتنا؛ لأنهم كثيرون، وبدؤوا يحيطون بنا، ولا يريدون إثارة جلبة أمام الناس و[القيام] بالاعتقال والضرب، فبدؤوا يدفعوننا، ويحاصرونا، وكأننا بداخل ممر، ودفعونا باتجاه سوق المسكية، وبدأنا نرفع أصواتنا أكثر، وكأنها حالة تحدّ، فإما نحن أو أنتم، صوتنا أو صوتكم، ورغم عددنا القليل، كان الناس يتفرجون، وأكثر أمر كنت حريصاً على مشاهدته هو وجوه الناس، وكيف يرانا الناس: كان الناس مشدوهين، وهناك أشخاص فرحون يقومون بالدعاء لنا من دون أن تتكلم (تجهر بذلك)، فتحس أن طاقة هائلة بدأت تكتسبها، وكأن صوتنا فعلاً صار أعلى من صوتهم، وبدأ عناصر الأمن يدفعوننا باتجاه سوق المسكية، وأدخلونا باتجاه المحلات إلى الداخل، وأصبحنا بعيدين عن السوق الرئيسي. وكان هدفنا أن نمشي في السوق الشعبي الرئيسي، في شارع الحميدية، ولم نستطع؛ لأنهم فعلاً حولوا مسارنا فيزيائياً فلم يعد هناك مجال [لذلك]. وهنا بدؤوا بضربنا، ومن يستطع منا أن يهرب قام بالهروب، وظلوا يدفعون بنا باتجاه الشارع الذي خلف القلعة مباشرة (نهاية سوق المسكية خلف القلعة) ورأيت هنا منظراً لم أره في الأساس [لم أكن أستطيع استيعابه]: عشرات السيارات ومئات من العناصر، جميعهم كانوا مستعدين، من كتيبة حفظ الأمن والنظام، ولم يكونوا في الشوارع الداخلية، ونحن كنا نرى في شارع الحميدية الأمن، وكنا نرى في الحريقة الأمن، ويوجد عند تمثال صلاح الدين أمن أيضاً، ولكن هؤلاء يبدو أنهم شيء احتياطي(قوات احتياطية)، كانوا قد جهزوا له، فمئات العناصر من كتيبة حفظ الأمن والنظام، جميعهم يرتدون الخوذ والدروع والعصي السوداء الطويلة.

وعندما وصلنا عند هذا الشارع تقريباً بدأنا نسمع صوت هتاف في مكان ثان، وبدأ عناصر الأمن يتكلمون على جهاز[الاتصال] اللاسلكي مع بعضهم، [ويقولون]: باتجاه الحريقة. ويبدو أنهم لم يكن لديهم الرغبة في أن يعتقلونا، هذا ما استنتجته، فأثناء مشينا كانوا قد أخذوا منا هوياتنا وهواتفنا.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/07/29

الموضوع الرئیس

الحراك السلمي في دمشق

كود الشهادة

SMI/OH/4-06/

أجرى المقابلة

سامر الأحمد

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

آذار 2011

updatedAt

2024/08/14

المنطقة الجغرافية

محافظة دمشق-مدينة دمشقمحافظة دمشق-ساحة الأمويينمحافظة دمشق-الجامع الأمويمحافظة دمشق-الحميديةمحافظة حمص-محافظة حمص

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

الشهادات المرتبطة