تفاصيل اعتصام ساحة الساعة في 18 نيسان 2011 بمدينة حمص
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:09:32:13
مع زيادة الجموع الشعبية التي دخلت على ساحة الاعتصام أصبح يوجد متطلبات يقتضيها تنظيم هذا الحشد الكبير، وبدأ -كما أشرت سابقاً- أولاً: تنظيم الدخول إلى الساحة، وأنا لا أعرف من كلف الشباب بصراحة، فأنا لا أذكر الآن من الذي كلف الشباب بإقامة حواجز، يبدو أن التجربة المصرية، ومن خلال اطلاعهم على التجربة المصرية كيف كانوا يؤمنون ميدان التحرير، أمّن الشباب ساحة الاعتصام في مدينة حمص بحواجز، فأي شيء بإمكانهم أن يضعوه لقطع الطريق، ويكون المدخل ضيقاً؛ لتفتيش الناس الداخلين والخارجين، وتولى الشباب هذه المسألة. كما أشرت سابقاً، تولى صديقنا سليمان علوش (أبو ياسين) أحد المداخل، وأنا كنت أراقبه، وأرى كيف يفتشون الناس، ويأخذون منهم حتى الأدوات الحادة البسيطة، بالإضافة لصديقنا الإعلامي زكي الدروبي، كان قد تولى أحد المداخل من شارع عبد الحميد الدروبي، والحقيقة أن الناس بدؤوا يتوافدون لتأمين متطلبات ساحة الاعتصام من حيث الأكل والشراب، وكان يوجد أخوان تاجران في حمص، أعرفهم بشكل جيد، وهما: خالد مطلق، وفياض مطلق. هما من تدمر، ولكن من سكان مدينة حمص، ولديهما محلات تجارية في حمص. ذهبا، وأمّنا تقريباً ساحة الاعتصام بأشياء كثيرة: طعام، وشراب، وما شابه. والكلمات التي كانت تلقى على المنبر -طبعاً، لا يوجد منبر، ولكن وقفة على مجسم لساعة- كان يلقيها أشخاص منهم: الأستاذ نجاتي طيارة، والصديق علي الملحم، والصديقة ميديا داغستاني، والشيخ أنس سويد، والشيخ محمود دالاتي، ومشايخ، وخطباء، ومتحدثون، ومثقفون كثيرون.
والميزة التي كنا حريصين عليها: أن يصعد على المنبر مسيحي، ومسلم، وشيعي، وعلوي. وأن يصعد على المنبر علماني، وإسلامي، وقومي، ويساري. وفي الحقيقة، كنا حريصين جداً على هذه النقطة، وكان هناك تشاور ونقاش بشكل دائم بين هذه الأسماء التي ذكرتها، بالإضافة إلى ناشطين لا نعرفهم، فهناك أسماء لا نعرفها. في الحقيقة، كانوا يعملون بجد وتفان بشكل لا تتخيله، كانوا خلية نحل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وبقي الاعتصام بنفس السوية، والعمل المنسق، ومحاولات قوات الأمن تهديدنا بين كل وقت وآخر [قائلين]: سنقتحم ساحة الاعتصام. ونحن نقول لهم: الساحة مفتوحة لكم تفضلوا، شاركوا.
جرت محاولات للتفاوض معي ومع الشيخ محمود دالاتي، حيث تكلموا معه بشكل مباشر، ومع الشيخ أنس سويد.
اتصل بي رئيس قسم التحقيق في فرع المخابرات الجوية بشكل مباشر على الهاتف، وكان رقمي لديهم؛ لأنهم اعتقلوني منذ فترة، اتصل بي، وقال: يوجد اقتراح بأن تخلوا الساحة في الساعة الثانية عشرة، وتأتوا غداً بعد الدوام الرسمي، وتبقوا حتى المساء، وهكذا [كل يوم] معكم كل النهار (لديكم النهار بأكمله)، تعالوا من نهاية الدوام الرسمي وحتى المساء (منتصف الليل) الساعة 12.00، وبهذا الشكل يبدأ النهار، ويذهب الناس إلى أشغالهم والموظفون لا يرون شيئاً، ولايرون الساحة. فقلت له: لا يوجد لدينا مانع، إذا كنت تضمن أن نأتي غداً في هذا الوقت، فالناس ليس لديها مانع. واتفقنا أن يعود، ويتصل بي؛ ليحدثني عن الاتفاق معهم. وعاد، واتصل بي، وتراجع عن طرحه، وقال لي: إن رئيس الفرع يقول لك: اعتبروا أنفسكم أمواتاً إذا لم تغادروا الساحة بشكل نهائي. والطرح الذي عرض لاحقاً على الشيخ محمود دالاتي والشيخ أنس سويد: أن ينتقلوا إلى جامع خالد بن الوليد، في ساحة جامع خالد بن الوليد، وأن يعتصموا هناك، ونحن رفضنا بصراحة، وقلنا: إن هذا الاعتصام الذي توجهوننا إليه سيتحول إلى طابع ديني، ويمنع أطيافاً ثانية من المجتمع المشاركة معنا في الاعتصام، والالتحاق بنا. ونحن لا نريد أن نعطي للاعتصام طابعاً دينياً؛ لأنه ذو طابع وطني، وحرصنا على عدم تغيير مكان الاعتصام، وهذا الشكل، وهذه الساحة. وبقي الاعتصام بهذا الشكل متوازناً، وكانت تأتي تهديدات منهم، ويحاولون فعلاً كل فترة أن يعيدوا انتشارهم بطريقة ما، ويأخذوا وضعيات قتال على أمل أن يهرب الناس. ونحن في النهاية، عندما شعرنا بوجود مخاطر حقيقية أصبحنا نقول للناس: الذي يحب أن يذهب فليذهب. كانت الساعة تقريباً الثانية عشرة والنصف، بدأنا نقول للناس: من يريد الذهاب فليذهب؛ لأن المنطقة سيتم اقتحامها.
كنت قد قدمت مداخلات لمعظم وسائل الإعلام العالمية والعربية وأنا في ساحة الاعتصام.
في الساعة 1 [فجراً] تقريباً، قررت أن أذهب إلى البيت لأستريح ساعة، وأرجع، ووصلت للبيت، وارتحت قليلاً، وجهزت بعض الطعام لآخذه؛ لأن إخوتي موجودون في الساحة، إخوتي الشباب موجودون ونائمون في الساحة، وأنا أحضر لهم الطعام. اتصل بي أخي، وقال لي: يوجد قوات إضافية، سدت كل المنافذ علينا، وهم أخذوا وضعيات قتالية، وأخي خدم في الجيش (أدى الخدمة العسكرية الإلزامية)؛ ويعرف، وقال لي: هذا وضع قتالي لاقتحام، وليس وضع حصار. بمعنى أنه ليس وضع أشخاص سيتركوننا، بل سيقتلوننا. كانت الساعة حوالي 1:30 فجراً تقريباً، في يوم 19 من نيسان/ أبريل صباحاً، وأنا فوراً طلبت الصديقة الصحفية إيلاف ياسين الموجودة في الجزيرة، وقلت لها: أريد مداخلة على الجزيرة فوراً؛ لأننا أمام حالة طارئة، ونريد التحذير منها على الأقل؛ حتى لا تحدث مجزرة في ساحة الاعتصام. وفعلاً، قالت لي خلال 5 - 10 دقائق سأضعك على الهواء، وفي الساعة 1:50دقيقة تماماً، اتصلت بي إيلاف، وقالت لي: أنت على الهواء، [هل] بإمكانك أن تقوم بمداخلة الآن؟، وبإمكانك [أن تتكلم] بعد دقيقتين أو ثلاث عندما ينتهي المذيع، وكان لدي خط هاتف "سيريتل"(الشركة الرئيسية المزودة لخدمات الهاتف المحمول في سورية)، خليوي عادي. وأثناء [تحدثي] معها على المباشر، وقبل أن أبدأ المداخلة على الهواء مباشرة، بدأ إطلاق الرصاص. كانت الساعة (1:51) الثانية إلا تسع دقائق، بدأ إطلاق الرصاص على الناس، وكان الصوت مرعباً، المدينة كلها نائمة تقريباً، وكان الوقت فجراً، ونحن في الأحياء الشرقية، فوصل إلينا صدى الصوت. كان وضعاً مرعباً جداً، وفوراً قطع الاتصال عن ساحة الاعتصام، ولم نعد نستطيع التواصل مع أي أحد، فكانت الحالة مرعبة. وأثناء سماعي لأصوات إطلاق الرصاص، قمت بمداخلة على "الجزيرة"، وقلت: الآن يجري قتل المعتصمين السلميين الموجودين في مدينة حمص بشكل همجي. وقلت: إنني لست في ساحة الاعتصام، ولكن الأصوات التي أسمعها مرعبة، وهي أصوات حرب على أشخاص سلميين. وبعدها فوراً، أجريت مداخلة على"BBC" أيضاً، شرحت الذي حدث، وخرجت إلى الشارع مع الناس؛ لأنه كان هناك رد فعل مرعب من الناس، وكان الناس يتنادون لحمل السلاح في وقتها، وكان واجبنا أن نوقف هذه الحركة، وكان يوجد جوامع تنادي للجهاد، وأنا سمعتها، كانوا مؤذنين في الجوامع ومن عوام الناس الذين آلمهم المصاب. ويقال: إنه يوجد عناصر مخابرات حرضوا على هذا الكلام، والحقيقة أنني أعرف أشخاصاً ليسوا مخابرات كانوا يصيحون في الجوامع؛ فكان يوجد رد فعل عاطفي غاضب من الناس، لأن المصاب جلل، فمن يرى ساحة الاعتصام: الناس الجالسة، والناس النائمة من المدنيين، ويسمع إطلاق الرصاص هذا، ويسمع هذه المجازر، وصراخ الناس، واستغاثتها.
ونزلت إلى الشارع لأرى هذا الرعب في وجوه الناس، والحقد في وجوههم، والغضب في وجوههم على الجريمة، ونزلنا نجمع الناس الجرحى في ساحة الاعتصام، وأنا بنفسي رأيت عشرات الجرحى من الإصابات، وأحصينا شهداء فيما بعد، أعتقد أن عدد الشهداء بالعشرات، وليس كما يقال: إنهم مئات، وليس كما يقال: إنه لا يوجد شهداء، أحصيت بنفسي 14 اسماً، وغيري أحصاهم؛ فكان وقع المجزرة أكبر من عدد القتلى فيها، والجرحى والمعتقلون فيها كانت أعدادهم بالمئات، ومع الأسف خسرنا هذا الاعتصام السلمي الذي كان فضه بهذه الطريقة الإجرامية قد حول مسيرة الثورة إلى اتجاه التفكير بحمل السلاح.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/07/29
الموضوع الرئیس
الحراك السلمي في حمصكود الشهادة
SMI/OH/4-17/
أجرى المقابلة
سامر الأحمد
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
نيسان 2011
updatedAt
2024/08/14
المنطقة الجغرافية
محافظة حمص-مدينة حمصمحافظة حمص-ساحة الساعة الجديدةمحافظة حمص-جامع خالد بن الوليدشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
قناة الجزيرة
قناة ال BBC