في غمرة هذه الأحداث -وبالطبع أتكلّم عن تسلسل هذه الملفات السيادية التي عملنا عليها- بالتوازي كان يوجد مساع لتوحيد البندقية، وبناء أركان مشتركة للفصائل الثلاثة الكبرى المتبقية، وضرورة تغيير المعادلة، يعني تكون المبادرة من عندنا، ولا ننتظر قدرنا من النظام.

وبالتوازي مع هذا الكلام كان يوجد مساع نشطة مع أصدقائنا وزملائنا في دُوما من المؤثّرين على جيش الإسلام، أنه ينبغي علينا أن نجمع قيادة فيلق الرحمن وجيش الإسلام، يعني أنتم لديكم قيادة موحدة، ونحن لدينا قيادة ثورية، إذن تعالوا نتفاهم، ونحن ما يهمنا هو وحدة البندقية، بغض النظر عن الشقّ المدني؛ لأننا مقدمون على خيارات عسكرية، لا يحلّها إلا الحرب، سواء كسر حصار، أو نتلقى ضربة قاصمة، أو يجب علينا أن نبادر، لأن الأفق صار مسدوداً.

مثلاً: ضمن اتفاقات خفض التصعيد كان هناك ورقة جبهة النصرة، وبدأ جيش الإسلام حتى بحملاته الإعلامية يقول: "جبهة النصرة موجودة في الغوطة"!! يعني تريد من الطيران الروسي أن يقصفنا! وكانت هذه التصريحات من محمد علوش وغيره من الموجودين في الخارج؛ يعني هذا كلام غير مسؤول. وحتى على إحدى المجموعات [مجموعات التواصل الاجتماعي] رددنا عليه وقلنا: هل يرضيك عندما تصرّح حضرتك: أن جبهة النصرة في الغوطة.. هل يرضيك أن ترى أسراب الطيران الروسي [تغير على الغوطة]؟ يعني أعطيتها الذريعة!

من بين الحلول [المطروحة]: دعونا ننهي ملف "جبهة النصرة"، نُخرج "الغرباء" و"المهاجرين"، وكلهم 20 شخصاً تقريباً، نضعهم في حافلة، ونأخذ ضمانات، ونرسلهم إلى إدلب. أليست تلك هي الضمانات التي تقدمونها؟ ونصفهم معتقلون لدى جيش الإسلام، وجيش الإسلام يقول: أنا لا أخرجهم من معبر من جهة الغوطة؛ بمعنى أنه لا يريد أن يمنحك تنفيذ بند المعبر [الوارد ضمن الاتفاق].

وصلنا في لحظة معينة إلى استئصال جبهة النصرة عسكرياً، وبدأت العملية صباحاً، وفي العصر مساءً لم يبق شيء إلا بعض الجيوب. كانت عملية أمنية: مداهمة مقرات، واعتقال، ونصب حواجز. وكان التعميم على أجهزة الاتصال اللاسلكية: "النصرة عدو"؛ يعني إما أن يسلّم نفسه أو تشتبك معه.

وفجأة فُتِحت جبهة الأشعري، جيش الإسلام الذي يتهم فيلق الرحمن والغوطة بأنها تؤوي جبهة النصرة قام بفتح الجبهة الشرقية معنا، أعني مع الغوطة، عندما أقول: معنا، فمعناه قطاعنا، قطاع الغوطة، وحدثت مناوشات بين الأحرار [فصيل أحرار الشام] والفيلق [فيلق الرحمن]، وفتحوا (الأحرار) جبهة للتخفيف عن النصرة أيضاً، والنظام بدأ يصعِّد في جوبر!! وأنا لا أفهمها إلا على أن جبهة النصرة حليف للثلاثة، بمعنى الثلاثة متفاهمون، ويوجد شيء خفي بينهم. أنا لا أفهم أنه في يوم واحد تُفتح 3 جبهات، وتتوقف عملية استئصال النصرة.

وفي وقتها ذهبنا إلى أركان فيلق الرحمن وتحدثنا بعصبية مع أبي النصر [قائد فيلق الرحمن]: يا أخي، اعتقلهم وانته منهم حتى نطوي هذه الصفحة. وبدأ يتكلم (يشرح) كيف جيش الإسلام فتح معهم معركة من الأشعري ومن عربين، وأنا حسبتها (قيمت الموقف)؛ فأنا تركت الفرصة لأحرار الشام كي يدخلوا من عربين وأخذوا لي نقاطاً، وجيش الإسلام لم أقاومه، وتركته يأخذ لي نقاطاً في الأشعري مقابل التصعيد في جوبر؛ وأنا إذا خسرت سنتيمتر في جوبر لا أستطيع أن أستردّه بسهولة، بينما هنا لا يوجد مشكلة بيننا حول من يسيطر على الأرض.

وأنا هنا أرجع وأقول نقطة مهمة جداً: حتى صراعات الغوطة الحقيقية لم تكن من صنع الغوطة، وهي كانت على ما يبدو لعبة كبار، لعبة دول، وفي النهاية، توقّفت هذه العملية.

بالتوازي مع هذا، وأنا هنا لا أتكلم عن تسلسل زمني، وإنما أتكلم عن أحداث متزاحمة تأتي مع بعضها، يعني تكلمت على الصعيد السياسي والفصائلي، ورجعنا إلى همنا الأساسي في الغوطة ودُوما، كل الناس لديها قناعة أنه لو وضع جيش الإسلام وفيلق الرحمن بنادقهم معاً فهما قادران على صنع المعجزات.