دخول القافلة الأممية الأخيرة إلى الغوطة الشرقية عام 2017
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:12:59:00
دخلت قافلة أممية في شهر كانون الأول، وكانت هذه آخر قافلة أممية تدخل إلى الغوطة، إلى منطقة كفربطنا، واستقبلنا الوفد المرافق لها في مقر القيادة الثورية، وكنت مكلَّفًا بأن أقدّم لهم العرض الإنساني (الوضع الإنساني) -ما يزال لدي الفيديو الخاص به- وتكلّمت معهم حول عدد السكان واحتياجاتهم الغذائية، [وقلت لهم]: أنتم أدخلتم 40 طنًا، وقلت لهم أثناء العرض: إنني سأتكلم بالأرقام وليس بالسياسة؛ لأنكم تهربون دائمًا، فنحن لدينا في الغوطة 80 ألف عائلة، وإذا كانت كل عائلة تحتاج إلى كيلو خبز واحد في اليوم، فأنا أحتاج أن أخبز في اليوم 80 طنًا، وأنتم أدخلتم 40 طنًا، وإذا أردت توزيع 40 طنًا على الغوطة فهذا يعني نصف احتياجات الغوطة ليوم واحد! وأنتم تقولون إن هذه المواد مخصصة لهذه المنطقة، وهل يُعقل أن أبناء منطقة كفربطنا يأخذون 40 طنًا من القمح / الطحين، وأبناء منطقة عربين المجاورة وغيرها لا يجدون الخبز؟! ونحن اتخذنا قرارًا أن ما يدخل إلى الغوطة يُوزع على الجميع؛ وهنا كان يوجد حركة غوغاء في الشارع التي كانت تعتبر معارِضة لسلطة المجلس المحلي، أو لسلطة القيادة الثورية القائمة، وكانت تسعى لتثبيت قصة أنه لا يجب أن نعطي ولا يجب أن نوزع لأحد. ونحن مثلاً: في المجلس نقول: نوزع للجميع مقيمًا ووافدًا؛ فجميعهم مواطنون. فنحن بهذه الروح نريد أن نعمل، ورغم ذلك كان هناك حركة شارع فوضوية، وهذه الحركة الفوضوية فيما بعد كانت هي العمود الفقري "للضفادع" الذين ظهروا عند انهيار الغوطة.. هذه الحركة التي كانت ضد توزيع الطحين للجميع، وأن الطحين أتى لاسم (لصالح) هذه البلدة فالطحين فقط لهذه البلدة. فتصوروا أن هناك كان من يحرّض ويتكلّم بهذا المنطق، وهؤلاء لا يمثّلون شارعًا ولا رأيًا وإنما كانوا قوة فوضى.
نحن في مع اجتماعنا مع هذا الوفد الأممي شرحنا لهم أن احتياجاتنا الغذائية على صعيد الطحين بهذا الشكل، وأنا لأخبز هذه الكمية أحتاج، على ما أذكر، مثلًا: إلى 1500 لتر من "الديزل"، ونحن ليس لدينا محروقات، وبدأنا نتكلم عن الاحتياجات وأنا لدي شهريًا 1100-1200 حالة ولادة، ما هي احتياجات الأمهات والأطفال من سيرومات (محلول ملحي يُعطى للمرضى عبر الوريد) ومواد غذائية. ولدي مثلًا -بالأرقام- الأطفال دون عمر السنتين يحتاجون إلى لقاحات ولكن لا يوجد لدينا. وأبدوا الكثير من الاهتمام، واستمعوا، وسجلوا كل هذه الملاحظات، وتجهيزاتي الطبية التي أعمل بها انتهت فعاليتها كلها، وأجهزتي الطبية أشغلها على المولدات -وهذا الكلام مسجل في فيديو- وأنا محاصَر منذ 5 سنوات حصار، ولست بحاجة فقط للمواد الطبية، بل أنا بحاجة لتجهيزات طبية جديدة أيضًا، وأعمل على المولدات (مولدات الكهرباء). وأخذناهم بجولة على عدة مشافٍ وعدة نقاط طبية، وشاهدوا حالات نقص التغذية بمشفى الكهف، وحالات الولادة بمركز التوليد في زملكا، وأخذتهم على مركز الوقاية من الأمراض الإنتانية، وأخذتهم إلى العناية المشددة، وشاهدوا عملًا طبيًا متكاملًا، وتجوّلت معهم بنفسي من مكان إلى مكان، وقد أبدوا شكرهم لنا، وقالوا: أنتم في هذه الظروف الصعبة تعملون بهذه الجودة! ولاحظوا صلات المودة عندما ندخل على مركز ما، والترحيب عند وصولنا، والمزاح معنا، ولاحظوا أن هناك نوعًا من العلاقات الإنسانية التي لم يكونوا يتخيلون أن يشاهدوها، وقد يكون لديهم فكرة نمطية مختلفة، وشاهدوا مركز التوليد، والأطفال في الحواضن، وأحاطوا بشكل "بانورامي" (شامل)، تقريبًا بالواقع الطبي والاحتياجات. وقدّمنا لهم هذا العرض. وأذكر في تلك الزيارة، في مشفى الكهف، كان الإعلاميون مجتمعين، وكنا قد نسّقنا مسبقًا مع الدكتورة [أماني بلور]، [وقلنا لها]: إذا جاء الوفد فأنت هنا لديك مركز، يعني أنت أحد مراكز علاج نقص التغذية، وهي كانت قد جمّعت الحالات، وشاهدوا الحالات، وحدثت ضجة إعلامية كبيرة.
من الحوادث التي حدثت على المستوى الشخصي: أنهم كانوا متعاطفين جدًا لدرجة أن شخصًا من "اليونيسف" (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) كان يقول لي: إنه في فترةٍ ما كان في الصومال، ولكن لم يتوقع أن يرى مثل ما رآه هنا، وقلت له: أريد أن أخرج لأدخن سيجارة، وهو كان يريد أن يدخن أيضًا فخرجنا، ووقفنا في الخارج، وكنت في ذلك الوقت أخرج من الصباح وأمرّ على بسطة (بائع على قارعة الطريق) في أول الحارة، وأقول: له كيف "البورصة" اليوم؟ فيقول لي: كذا، فكنت أشتري منه سيجارتين أو ثلاث، وثمن السيجارة الواحدة 200 ليرة أو 300 ليرة، وأحفظهم في علبة، وأضعها في جيبي، والآن أريد أن أدخن سيجارة. وعندما خرجت أخرج علبة السجائر وضيفني سيجارة، والشباب والأولاد واقفون يشاهدوننا، وبدأت أترجم له، وهو يسألهم ويجيبونه، وبدأ يلمس (يتأثر بـ) إجاباتهم، ويقول: أنت ماذا تتمنى؟ فيقول أحدهم: أتمنى أن آكل، وتتوقف الطائرة (عن القصف). وسمع من الأولاد [عندما يسأل]: هل تحب الذهاب إلى الشام؟ يكون الرد: لا. وعندما ضيفني السيجارة، طلب مني أحد الشباب سيجارة، ونظرت إليه، وقال لي: حسنًا، فضيفته سيجارة؛ فامتدت 20 يدًا [لأخذها]، وقال لي: وزّع علبة السجائر، فوزعتها عليهم، وبقيت معي العلبة فارغة، وأرجعتها له؛ فبكى.. أنه يوجد عند الناس جوع بشكل جماعي لكل شيء، حتى السيجارة لم تتحرّج الناس من طلبها عندما رأوها، ورأوا علبة السجائر.
وقدّموا للأطفال بعض البسكويت والشوكولاتة، كان أحدهم قد أحضرها، وكأن الولد [حينئذ] قد ملك الدنيا، كان هناك جوع حقيقي، جوع مطلق، وليس جوعًا نسبيًا، يعني العوز المطلق، يعني لا يوجد شيء آكله، وليس مسألة أنني أشتهي أن آكل أو لا... ليس لدي خيارات أصلًا.
وعندما عاينوا المرضى بمقياس يطبق على الذراع، شاهدوا معايير مرعبة لنقص التغذية عند الأطفال، والكثيرون منهم على المستوى الشخصي كانوا متعاطفين وبكوا، ولكن في النهاية يقولون لنا: الشيء الذي نستطيع أن نقدمه أو نؤمّنه هو الذي يتم الاتفاق عليه، ويوجد سلطة لا نستطيع [تجاوزها]. ومن جملة ما قلنا لهم: نحن نحتاج إلى سيرومات، ولا تربطوا أمر الاحتياجات الجراحية بالحرب، بمعنى إذا كانت هناك طيارة تقصف أشخاصًا فهل يعني ذلك أنني لا أعالجهم؟ وإذا أرادت امرأة القيام بعملية قيصرية، أو احتاج شخص إلى عملية استئصال الزائدة الدودية، ألا يحتاج ذلك إلى سيروم ومواد تخدير؟
لم تدخل مواد جراحية، لا يوجد مواد تخدير، لا يوجد سيرومات، ولكن مثلًا: دخلت مراهم وحبوب التهاب ومسكنات ومواد (لمعالجة) نقص التغذية؛ على اعتبار أنه في ذلك الوقت كان هناك ضجة عالمية حول معدلات وفيات نقص التغذية، وأدخلوا زبدة الفستق والبسكويت. وكالمعتاد دخلت أدوية القمل، والجرب، وعبوات مياه فارغة، والخيام. وهذه المواد غير المفيدة التي كانت تأخذ حاويات ذات حجم كبير، بمعنى: "أسمع جعجعة ولا أرى طحينًا".
دخلت القافلة، وأفرغت حمولتها، وأوصلنا الرسالة التي يجب أن تصلهم، وسلّمناهم ملف الاحتياجات الموحد الذي توافقت عليه كل الفعاليات الطبية في الغوطة، والذي تكلمت عنه في المرة الماضية، والاحتياجات الحقيقية، بدءًا من حبوب "البندول" (دواء مسكن) ونهايةً بمواد التخدير والعمليات، وتكلمنا قليلًا عن الحالات النوعية التي تحتاج عناية طبية خاصة ولا يمكن نقلها... يوجد الكثير من القضايا.
وفي النهاية، وفود المنظمات ليست أكثر من ناقل للرسالة، وليست صاحبة قرار، وسمعنا منهم أن هذه القافلة التي أدخلوها اليوم كانت محمّلة منذ 20 يومًا، وينتظرون الإذن فقط ما بين اليوم وغدًا ليسمحوا لهم بالدخول، أي نوع من الإعاقات والعرقلة وعقاب للمنطقة، لأنها منطقة ثائرة على النظام.
قال الوفد الأممي لي -عندما أخبرتهم عن الاحتياجات الجراحية-: في هذه القافلة التي مضت كان هناك خيوط جراحية وسيرومات ومواد تخدير، ولكن حواجز النظام سحبتها من القافلة. لذلك كانوا قبل دخول القافلة، يرسلون لنا رسالة عبر البريد الإلكتروني تتضمن لوائحَ بالمواد، وبعد دخول القافلة يوجد لوائح يتم التوقيع على استلامها من المجالس المحلية، وبعدها يطلبون منا أن نوافيهم بالإحصاء، وكنا نحصيها، بمعنى: هل هي مطابقة للوائح أم لا؟ ولكنهم كانوا يعرفون مسبقًا أن النظام أخذ كذا وكذا، وهذا الأمر كان يتم تحت أنظارهم، ولا حول ولا قوة لهم.
الآن انتهينا من عام 2017 على الصعيد الطبي والإنساني والسياسي والفصائلي بهذا الحال، وكانت معركة جوبر تتصاعد وصولًا إلى الحملة الهمجية الأخيرة من جهة، ومن جهةٍ أخرى كانت معركة الإدارة -إدارة المركبات- وتطوراتها أيضًا كانت تأخذ منحى آخر.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/09/06
الموضوع الرئیس
واقع الغوطة الشرقية عام 2017كود الشهادة
SMI/OH/52-56/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2017
updatedAt
2024/08/03
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-زملكامحافظة ريف دمشق-كفر بطنامحافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقيةشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
الأمم المتحدة
القيادة الثورية في دمشق وريفها
منظمة الأمم المتحدة للطفولة / اليونيسف - الأمم المتحدة