المشاركة في أول مظاهرة نسائية والانضمام لتنسيقية دوما
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:12:01:17
أطلقوا سراحهم بعد 3 أيام، وفي اليوم الرابع، سمعنا أن المفاوضات بدأت تحل في المدينة، حينها كان هناك إمكانية للخروج من المنزل، فخرجت مباشرة -أو في اليوم الخامس- ذهبت إلى الجامعة في الأول من (نيسان/ ابريل)، وكان عندي محاضرة للدكتورة سهام دانون، وكنت مع صديقتي في المحاضرة، كلانا ندرس معًا، وهي من دوما أيضًا، وكنا قد هربنا من المنزل حتى لا يمنعنا أهلنا. وفي وقتها كذبت على أهلي، وقلت لهم: لدي محاضرة عمليّة، وإذا لم أذهب فإن علاماتي ستنقص؛ فسمح لي أهلي بالذهاب. وذهبت إلى الجامعة؛ لأنني سمعت كلامًا عن خروج تشييع الشهداء، فأنا خرجت حتى أعود، وأحضر التشييع. فدخلت إلى الجامعة، وجاءت الدكتورة سهام دانون، وهي متطرفة باتجاه النظام، وبدأت تقول: هل رأيتم الذين خرجوا في دوما مظاهرة، هؤلاء كذابون. ولم يكن هناك مظاهرة في دوما، وبدأت تسخر منا كثيرًا، ومن أهالي دوما حصرًا، وأن أهل دوما هؤلاء الذين طوال عمرهم لا يخرجون من المنزل، هل أصبحوا الآن يريدون الخروج بالمظاهرات؟ ونساؤهم اللاتي يختبئن، وكانت تتكلم كثيرًا. فقلت لها: عفوًا يا دكتورة، أنا من دوما، وأنت تتكلمين علينا. فقلت لها: أنا دومانيّة، وكان هناك مظاهرة، وخرج الناس، وتجمعوا في ساحة البلدية، وجاء إليهم النظام، وأطلق عليهم النار. فقالت لي: لا، أنتِ مخطئة. ومع أنها كانت "دكتورتي"(مدرستي) في الفصل الأول والثاني، وكانت تناقشني، وتقول لي: يا بيان: أنتِ لا تعرفين. وهي تتكلم معي على اعتبار أنه كان يوجد نوع من المودة بيني وبينها. فقلت لها: يا دكتورة، أنتِ لا تعرفين! وأنتِ التي لا تعرفين، وكيف تتكلمين علينا؟ وهذا كان أول نقاش أمام الجميع. وفي وقتها، أذكر أن رفيقاتي-كنت أناقش، وأنا جالسة في مقعدي- كانوا يقولون لي: اسكتي. لأنه يوجد من يكتب التقارير بين الطلاب، وأنا لا أنسى موقف الدكتورة سهام دانون، كيف كانت تكذب على الطلاب، وتقول لهم: لا يوجد مظاهرات. وكيف وصفتنا بالمتخلفين الذين لا تخرج نساؤهم خارج البيت، وأنا كنت بنت دوما، وطالبة عندها في الجامعة.
انتهت المحاضرة في الساعة العاشرة، وكنت قد قلت لأهلي: لدي دوام في الجامعة طوال النهار، فعدت إلى دوما، وعندما عدت كانت المدينة قد بدأت تغلق، وتتوقف الباصات (عن الحركة)، ومشينا إلى ما قبل مدينة دوما بقليل، ودخلنا أنا وصديقتي إلى مدينة دوما، لا يوجد أي حركة، كان هناك عناصر الأمن في الخارج فقط، على مداخل المدينة. ودخلنا إلى داخل المدينة، وكانت المدينة تشبه مدينة الأشباح. كنت للمرة الأولى أرى دوما كمدينة أشباح، وقلت لصديقتي: إذا كان هناك مظاهرة فلابد أنها ستخرج من ساحة البلدية، ولكن من أي مسجد سيكون التشييع؟ لا نعرف. فقلت لها: يجب أن نبحث عن منزل شخص نعرفه، يكون قريبًا من ساحة البلدية. فقالت: يوجد منزل صديقتي عند ساحة البلدية، في الطابق السادس. هل تذهبين إلى هناك؟ قلت لها: نعم، أذهب. فذهبنا إلى منزل صديقتنا، وأنا لا أعرفها، صعدنا إلى الطابق السادس، وكنا عندها ننتظر، وفي وقتها كانت الساعة الحادية عشرة ونصف أو الثانية عشرة ظهرًا، وكنا بين الفترة والأخرى ننظر من النافذة، ونرجع. وكانت الاتصالات منقطعة في المدينة، والحالة كانت مخيفة، والانتظار يشبه فلم رعب، وإذا بنا نسمع صوت صدى، فاقتربنا إلى الشرفة، فإذا بالمظاهرة تقترب، كان المنظر رائعًا، والجموع هائلة من أهل دوما، والشباب الشهداء محمولون، وكانت المظاهرة تقترب، ونحن ننظر، وكان المشهد تراجيديًا جدًا، و" تلفزيونيًا" جدًا. وأصبحنا نطلق الزغاريد، عندما رأيت الشهداء لم أعرف ما كان يدور في بالي، ولكن قد يكون هذا هو الشيء المتعارف عليه في المدينة أن نطلق الزغاريد عندما نرى الشهيد، فأصبحنا نزغرد، مع أنني فاشلة في الزغاريد، ولكن كان يجب أن أشارك بشيء، فقلت لصديقتي: إذا كان هناك نساء فبإمكاننا أن ننزل، وإذا لم يكن هناك نساء فإنه لا يمكننا النزول؛ لأن الشارع كان ممتلئًا والمنصف أيضًا، وكان الرجال يقتربون، فرأينا في آخر المظاهرة مجموعة من الشباب يحيطون بمجموعة من النساء، فقلت لها: هناك نساء في الأسفل. فركضنا معًا إلى هناك، وكنت قد رأيت أحد طلابي، وقلت له: هل يوجد نساء؟ فأشار إلى الوراء، فنظرت للوراء، فوجدت أن هناك نساءً، فنزلت أنا وصديقتي، وبحركة رائعة دخلنا إلى قلب المظاهرة، وبدأنا نقول: "الله سوريا حرية وبس" وبدأنا نبكي أنا وصديقتي، كنا نمسك بأيدي بعضنا البعض، ونصرخ، كانت حالة جنونية.
لم يكن يهمني في تلك الفترة بشار الأسد أو أي أحد أو" القبيسيات"، حتى أن بيان لم تكن تهمني، وإنما كان يهمني الإحساس الذي كنت أعيشه فقط. كان عمري قد أصبح ثلاثًا وعشرين سنة، فكنت أحس أنني أعيش عالمًا من التناقضات، وأريد ان أرتاح منها، وأريد أن أخرجها كلها دفعة واحدة، كنت أريد أن أقول: لا، للغني وللفقير ولكل الدنيا التي كانت تسكتنا عن كل خطأ كنا نراه. وبدأنا نصرخ أنا وصديقتي، ونبكي. اقتربنا من مقبرة دوما، وعند المقبرة بدؤوا يقولون: إن أي شخص يقول: "الشعب يريد إسقاط النظام" فيجب أن يخفي صوته، حتى لا يكون هذا توجهًا ضد الدولة؛ لأنه كان يجب تشييع الشهداء فقط.
وأذكر أنني سمعت شخصًا ما يقول: "الشعب يريد إسقاط النظام" وبدأ الشباب، يصرخون عليه. وكان يحيط بنا شباب من دوما، وأعرف أغلبهم، كانوا طلابًا لدي في المدرسة، أو في مركز التعلم المجتمعي، كانوا يربطون أشرطة على أكتافهم على أنهم لجان شعبية، كان شيئًا رهيبًا جدًا، وأحسست بالعزة والنخوة والرفعة وهذه الدكتورة (دكتورة الجامعة) التي تقول: إننا لا نخرج. انظروا، فإن شبابنا هم من يحمون المظاهرة، وكنت أتباهى لأنني من دوما، وأفتخر بشباب البلد. فقالت لي صديقتي: لقد وصلنا إلى هنا، وبدأ الناس يتفرقون، فابتعدنا عن بعضنا، وتركت صديقتي لتذهب، وأنا ذهبت أيضًا.
وأنا منذ ذلك اليوم (من أول صرخة حرية) كسرت كل الحواجز التي كانت معروفة في المدينة والغير معروفة، حتى الحواجز الشخصية التي لدي تجاه العمل.
في هذه الفترة، حصل تغيّر رهيب في شخصيتي، وعندما خرجت في المظاهرة والتشييع خرجت كاشفة عن وجهي بدون خمار، وهذا الشيء جعل أغلب شباب البلد يتعرفون عليّ، وخاصة أنني كنت في الثانوية الشرعية؛ فكنت وجهًا معروفًا، بالإضافة إلى عملي في الجمعية الخيرية.
النساء اللاتي أعرفهن في المظاهرة أغلبهن أمهات الشهداء، وعائلاتهم فقط لا غير، فأنا لم أرَ أحدًا جاء ليشارك في المظاهرة من النساء إلا وكان من عائلات الشهداء، وأذكر أهل الشهيد عز الدين، وفاتن رجب أخت شهيد من آل رجب. فعائلات الشهداء هي من حضرت فقط، وحتى أنهن لم يهتفن، أنا وصديقتي من كنا نهتف من بين النساء فقط، وبقية الأوجه كانت مغطاة، كنت الوحيدة التي كشفت عن وجهها، ولا أذكر إذا كانت صديقتي تضع خمارًا أم لا؛ لذلك أصبحت معروفة أكثر ضمن المجتمع.
بعد التشييع الأول، أصبحنا نبحث: أين يمكننا أن نشارك؟ ومن سينظم مظاهرة؟ فسمعنا أن مظاهرة نسائية طيارة (سريعة وبدون تنظيم ظاهر) خرجت لمدة عشر دقائق، وتوقفت، ثم ذهبت، وكانت المظاهرة صامتة. وأصبحت أسأل كوني معلمة في الثانوية، فعرفت أن فاتن رجب هي وصديقاتها خرجن في أول مظاهرة نسائية في المدينة.
لم أكن في أول مظاهرة، فقلت: كيف يمكنني ان أتواصل مع فاتن رجب؟ فقالوا لي: إنها أخت الشهيد فلان، وكانت رفيقاتي في الثانوية يذهبن لتعزية أهالي الشهداء، وأنا لم أحس بأنني يجب أن أذهب، وأعزيهم؛ لأنه كان لدي ردة فعل عكسية، بمعنى أنه: لماذا حتى نعزي؟ بل على العكس فهو فخر لهم، وهؤلاء شهداء، وكان التشييع رائعًا، ولم أذهب إلى التعزية، ووجدت صعوبة في التواصل مع فاتن، ولا أعرف ما الطريقة للوصول إليها، وما حصل أنني بلغت رفيقاتي: عندما تعلمون بأي مظاهرة أخبروني حتى أخرج.
في المظاهرة الثانية، إحدى صديقاتي تكلمت معي، وهي صديقتي، ولديها صالون حلاقة، وتجتمع عندها كل قصص النساء. فقالت لي: ستخرج مظاهرة في هذه الساعة عصرًا، فهل تذهبين؟ وبدأنا نستخدم الشيفرة عبر الهاتف، فنقول: الذهاب إلى العرس بدل المظاهرة. فقلت لها: نعم، سأذهب. فقالت لي: يجب إخفاء الوجه. كان شرط هذه المظاهرة هو إخفاء الوجه. فقلت في نفسي: خلال شهر أو شهرين سيسقط النظام، لا داعي لإخفاء الوجه. وفعلًا، ذهبت، وفي الطريق وضعت المنديل، كان منظري مضحكًا، وأخفيت وجهي، ووصلت إلى المظاهرة، وهذه كانت بالنسبة لي أول مظاهرة أشارك بها، فقد شاركت في المظاهرة الثانية النسائية في المدينة، وكانت بعد عدة أيام من التشييع الأول، وبعدها خرجت مظاهرة شباب أيضًا، وسقط فيها شهداء، ثم خرجنا في التشييع الثاني.
وفي هذه الفترة، كان دورنا كنساء هو الخروج بالتشييع فقط، ونجمع المال منا ومن رفاقنا لجلب مساعدات لأهالي المعتقلين والشهداء، ونخبّئ الشباب، ونهربهم. والشيء الأهم أنني كنت من أوائل البنات اللواتي انضممن إلى تنسيقة مدينة دوما عن طريق صديقي إلياس بكار هيثم بكار؛ لأنه كان يعرفني عن طريق زوجته، فأخذ هيثم حسابي على" الفيسبوك" الذي هو إشراقة أمل، وهو كان أول حساب" فيسبوك" لي، وضمني لمراسلي مدينة دوما، وبدأ -عن طريق تنسيقة مدينة دوما- يتغير نوع النشاط الذي أقوم به. وما كان يميز 2011 هو أننا كنا نأخذ الطابع السلمي المدني. وفعليًا، في هذه الفترة لم يكن هناك تنظيم، كانت عبارة عن جهود فردية لا غير، ومظاهرات كردة فعل على [ارتقاء] الشهداء، مثلًا: يكون في مظاهرة الجمعة، ويشارك بها الرجال فقط، ثم تخرج النساء الكبيرات في العمر؛ حتى يأخذن الشباب من الباصات إذا تم اعتقالهم، ويقولون: هؤلاء أبناؤنا، ولن أذكر الأسماء بسبب الأوضاع الأمنية، ولكن أنا كبيان لم أجد نفسي في هذا المكان أبدًا، وإنما انضممت إلى تنسيقية مدينة دوما، وبدأت بالعمل المنظم أكثر، أو أنه كان يجب أن نبحث عن شيء خاص أكثر حتى نخرج أفكارنا. فصحيح أن الجميع خرج في الثورة السورية، ولكن كل شخص لديه أجندة خاصة به، والميزة الأساسية في الثورة السورية، في هذه السنة بالنسبة لي هي: أنني لأول مرة أرفع كل موادي في الجامعة، وترفعت إلى السنة الرابعة، مع أنني كنت جدًا منضغطة (مشغولة) بالمظاهرات، ولكن كان لدي حافز هو: أنني إذا تخرجت فإنه يمكنني أن أفعل شيئًا للبلد، هذا كان أهم شيء بالنسبة لي.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/09/12
الموضوع الرئیس
المظاهرات الأولىكود الشهادة
SMI/OH/101-07/
أجرى المقابلة
إبراهيم الفوال
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
نيسان 2011
updatedAt
2024/03/22
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-مدينة دوماشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
تنسيقية مدينة دوما
ثانوية أحمد الشامي الشرعية في دوما