قوات الأمن تنصب كمينا للصحفيين الأجانب في مدينة دوما
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:14:29:17
لغاية 17 (كانون الثاني/ يناير) 2012، تكلم معي أبو مصعب سريول، وقال لي: كيف هو مستواك في اللغة الإنجليزية؟ فقلت له: جيدة. فقال: يوجد صحفيون من نيوزلندا أو كندا يريدون أن يأتوا، ويقومون بتغطية مظاهرات يوم الجمعة، فهل أنت جاهزة؟ فقلت له: نعم، أنا جاهزة. فقال: سنذهب أنا وأنت لنأخذهم يوم الجمعة، بالقرب من وكالة "شيري"، على طريق "أوتوستراد" دمشق حمص الدولي، ونأخذهم إلى منزل شخص ما، وسنبقى معهم حتى تبدأ المظاهرة، فنخرج حتى نصور. فقلت له: حسنًا. هنا يوجد أمر مهم، وهو أن أبا مصعب سريول ربط بيني وبين مدام بلو أو رزان زيتونة، حيث عرّف رزان عليّ، وقال لها: إنني من دوما، وكانت علاقته جيدة برزان، وبدأت رزان تكلمني في هذه الفترة. وهنا بدأت أكون اختصاصية أكثر في الثورة، وأكون من العناصر المحرّكة وليست المتحركة. وفعلًا، جهّزنا أنفسنا في يوم الجمعة، وخرجت في الصباح الباكر مع أبي مصعب، وذهبنا إلى" الأوتوستراد" العام. ولبست عباءة عريضة فوق المعطف الشتوي؛ لأن الطقس كان باردًا، فوجدنا الصحفيين، نزلوا من سيارة أجرة، أخذناهم، ودخلنا إلى دوما، فذهبنا إلى بيت بجانب ساحة البلدية، وعرفت فيما بعد أنه بيت فادي كحلوس، فدخلنا. طبعًا، كنا قد أحضرنا طعام الفطور قبل أن نأتي؛ حتى نفطر مع الصحفيين، وجلسنا، وبدأت الصحفية تكلمني، فنحن اتفقنا على أن نقدم لها أسماء وهمية، وليست حقيقية؛ لأننا لا نعرف توجهات الصحفية، وكيف ستقوم بالتغطية، وقبل ذلك بيوم واحد فقط، كانت قد استشهدت الصحفية الفرنسية (ماري كولفين) في حمص.
فتكلمت مع الصحفية، وأعطيتها اسمًا حركيًا، ولم أعطها اسمي الحقيقي، وناقشتنا كثيرًا. وفي آخر الحديث، قالت لي: هل تعرفين أن جميع دول العالم مع بشار الأسد؟ قلت لها: نعم. قالت: هل تعرفين أن الجميع لا يريدكم أن تستلموا الحكم؟ فقلت لها: نعم. وقالت لي: هل تعرفين أنكم فقط تموتون؟ فقلت لها: نعم. فقالت: وهل لا زلت مصرة على الثورة؟ فقلت لها: نعم. فقلت لها: سنموت، أين المشكلة؟ إما أن نعيش بكرامة أو نموت، هل تظنين أننا كسوريين نعيش بشكل جيد؟ وقلت لها: الموت أفضل من هذه الحياة. فقالت لي: لا يمكنني إلا أن أقول لك أمرين وهما: أنت بنت مؤمنة ومجنونة. وكان عمر الصحفية خمسين سنة، فقالت: أنت في أول عمرك. بمعنى أنك لم تعيشي الحياة بتفاصيلها. فقلت لها: أنا لست مستعدة أن أعيش الحياة الخطأ التي نعيشها هنا في سوريا.
جاءت الصحفية، وعندما أنهت حديثها قالت: أتمنى لكم أن تعيشوا بشكل صحيح، وأتمنى أن تحصل معجزة ويقف الجميع معكم، ولكن أنا أقول: لن يقف أحد معكم. وكان هذا الحوار في بداية 2012، وأنا لم أتوقع هذه النهاية التي وصلت لها الآن، فقلت لها: أنا غير مستعدة أن أسافر إلى أوربا. فأذّن الظهر، وقلت لها: استعدي، بدأ الأذان سيتجمعون الآن، والصلاة لن تطول، وكنا ننظر إلى الشارع؛ لأن المنزل قريب من ساحة البلدية، فشاهدت الأمن قد بدأ بالانتشار، فتكلمت مع أبي مصعب، قلت له: يا أبا مصعب، هناك أمن. طبعًا، نحن كنا نفتح الإنترنت بطرق عجيبة جدًا، كان المنزل في الطابق الخامس، وكنا نضع "مودمًا" (جهاز يتلقى إشارة) عاليًا، و"المودم" يلتقط إشارة من برج ضاحية الأسد، وهي المنطقة المؤيدة القريبة من دوما؛ لذلك كنا نحاول التقاط إشارة الإنترنت، فاستقبل الرسالة، وقال لي: حسنًا. وفعلًا، جاءت السيارة في ذلك اليوم، ونزلنا إلى الأسفل، وخرجت المظاهرة، خرجنا في المظاهرة، كانت المظاهرة في المسجد الكبير، وقام الصحفي بتصوير المظاهرة، وبدأ إطلاق الرصاص؛ فركض الصحفي، وذهب باتجاه النظام، فقد كنا عند ساحة المسجد الكبير، وهو ذهب باتجاه مشفى دوما، وبدأنا نصرخ، ونناديه حتى يعود؛ ونقول له: هل أنت غبي؟! لأنهم سيطلقون عليك النار، حتى لو كنت صحفيًا أجنبيًا، وعندما بدأ إطلاق الرصاص بشكل مباشر عليه انسحب بمفرده؛ لأنه لم يكن يسمعنا في البداية، فعاد إلى الوراء، وركبنا في السيارة، فوصَلَنا خبر من المظاهرة بأن هناك ثلاثة أصيبوا، واستشهد شخص. فذهبنا، وكانت سيارات الإسعاف تذهب باتجاه مشفى حمدان، فقال لي أبو مصعب: لنأخذ الصحفيين إلى مستشفى حمدان. فركبنا السيارة، وانطلقت السيارة مسرعة، وقمنا بالالتفاف في الحارة الخلفية لمشفى حمدان، ودخلنا إلى مشفى حمدان، وصوّرنا الجرحى والشهيد، وكل ذلك خلال دقائق معدودة، بدأ الشباب يهرِّبون الجرحى؛ لأن الأمن بدأ يتقدم، اقترب الشباب لإلهاء النظام ريثما يتم تهريب الجرحى من المشفى، وبقي الشهيد، فهربنا، وركبنا السيارة بسرعة هائلة.
ومن يعرف مدينة دوما فإنه يعرف أن فيها منازلًا مبنية من اللّبِن خلف مشفى حمدان، وكان هناك مشاف ميدانية يتم تهريب الجرحى إليها، فدخلنا إليهم، وكنا نركض، وكادت الصحفية تفقد عقلها؛ لأنها أحست أن الأمر غير طبيعي، وأصبحنا نهرب من منزل إلى آخر، وأينما دخلنا نجد جرحى، وأهل المنزل كانوا يساعدوننا على الهرب، ويقولون لنا: اهربوا من هنا. ويقومون بتوجيهنا، فأنا ابنة المدينة لا أعرف هذه المنازل بشكل جيد، فهربنا، وأصبحنا في الطرف الثاني باتجاه شارع خورشيد، فركبنا السيارة، وذهبنا باتجاه ساحة "الغنم"، وهناك قالوا لنا: انتبهوا، يوجد أمن منتشر على "الأوتوستراد". وكان معروفًا أن الأمن ينتشر على شارع المكاسر، في الشوارع الرسمية في المدينة، ولا يجرؤ الأمن على الدخول إلى الأحياء الفرعية؛ لأنه كان يخاف من أهل المدينة. فذهبنا من نفس الطريق الذي أتينا منه، وهو الطريق الذي يهرب منه الشباب و المخالفون، وفي الطريق، وجدنا حاجزًا طيارًا، وهنا أدركنا أنه تمت الوشاية بنا، طبعًا، كان في السيارة أبو مصعب سريول فقط، هو من كان يقود السيارة، وأنا بجانبه، وخلفي الصحفية والصحفي. وعندما كنا في طريقنا إلى وكالة "شيري" أوقفتنا دورية أمن، فقال لي أبو مصعب: انتهى الأمر. فقلت له: لا أنا أعرفك ولا أنت تعرفني. وقام أبو مصعب بحركة جدًا خفيفة، وأعطاني هاتفين له، يوجد في هذين الهاتفين خطان مضروبان وهو خط باسم شخص لا على التعيين أو شخص مجهول أو متوفّى، ونتكلم بواسطته عن تحركاتنا. فأعطاني أبو مصعب الهاتفين، فأخذتهما، واستغرق الأمر ثوانٍ؟ فأوقفنا الأمن، وعندما شاهد معنا الصحفيين الأجانب لم يقم بشيء سيء، فطلب من أبي مصعب النزول، وفتح صندوق السيارة، وعندما نزل أبو مصعب كنت أحمل الهاتفين، فوضعتهم تحت ملابسي (تحت العباءة) التي كنت أرتديها، وقمت بفك الهاتف، وإزالة الخطوط، بالنسبة لهاتفي الشخصي كنت قد قمت بمسح كل ما فيه حديثًا، وقمت بتنزيل أغنية واحدة تسخر من بشار الأسد، وكانت معي فلاشة (وحدة تخزين متنقلة)، فأخرجتها من حقيبتي بحركة خفيفة جدًا وبدون أن ينتبه العسكري رميتها في الطريق.
نزل أبو مصعب لفتح صندوق السيارة، ثم قام بالهرب باتجاه المدينة، وفي هذه الأثناء، قمت بفك هاتف واحد فقط، وأما الهاتف الثاني الذي في داخله الخط المضروب لم أكن قد قمت بفكه بعد؛ لأنه كان صعبًا، كان من نوع دمعة، وكان فكّه صعبًا جدًا، فأنا قمت بفك الهاتف الأول الذي هو الأخطر، وبينما كنت أفك الهاتف الثاني هرب أبو مصعب فأصبحوا يطلقون النار عليه، وأنا مباشرة أدرت وجهي إلى الصحفية، وقلت لها باللغة الإنكليزية: نحن الآن تم إلقاء القبض علينا، تواصلي مع سفارتك؛ لأن السفارة إذا لم تنقذك فإنهم سيقتلوننا جميعًا، كما قتلوا الصحفية الفرنسة البارحة، وسيقولون: إن العصابات المسلحة هي من قتلتك. ففزعت الصحفية جدًا، وقلت لها: اسمي ليس أسيل وإنما بيان ريحان، وأتمنى منك إذا متّ أن تبلغي أمي سلامي، وأنا لعبت على الوتر العاطفي؛ فأصبحت تبكي، وقلت لها: أنت ستخرجين، وأنا سيقتلونني، وسيقولون: إن العصابات الإرهابية هي من قتلتك. وعندها تواصلت مباشرة مع سفارتها. وفي هذه الأثناء- أنا أحاول تذكر قصص صعبة حصلت منذ سبع سنوات- جاء العسكري، وهم لا يجيدون التحدث باللغة الإنكليزية، فطلب مني أن أقوم بتهدئة الصحفية؛ عندما بدأتْ بالبكاء، وفزعتْ، وأن أقول لها: لا يوجد شيء. وكنت ألتفت إليها، وأقول لها باللغة الإنكليزية: إنهم سيقتلوننا، وهو الآن يهدنني. وهي أصبحت تخاف أكثر، وسألني العسكري: ماذا تقولين لها؟ فقلت له: تكلم أنت، وأنا أسكت، ولا أتكلم معها.
و ألقوا القبض على أبي مصعب، وبدؤوا يضربونه ضربًا مبرحًا، ثم سحبوه إلى الأمام، وفي تلك الأثناء، جاءت دورية المخفر أو فرع الأمن (فرع أمن دوما)، لا أعرف من هم، وجاء العقيد، وركب السيارة، وجلس مكان أبي مصعب، وقال لي: هل أنت بيان؟ قلت له: نعم. كانوا يتركونهم ليتكلموا معي كلمة، ثم ينزلون، فجاء الضابط الأقل رتبة، وقال لي: أعطني هاتفك، من المؤكد أن معك هاتف. فقلت له: ليس معي هاتف. فقال: بل معك. فقلت له: خذه. وكنت أظن أن هاتفي لا يوجد فيه شيء، وتمسّكت بالصحفية، وقلت لها: اللحظة التي تتركيني فيها هي اللحظة التي سيقتلونني فيها. فأخذ هاتفي، فوجد هذه الأغنية، وقال: هل تشتمين رئيسك؟ فقلت له: هو رئيسك، وليس رئيسي. وأنا لا أعرف كيف قلت له هذه الكلمة، فأخذ هاتفي، وتقدم للأمام، وكانا يتكلمان معًا، وفي هذه الأثناء، جاءت اتصالات على هاتف أبي مصعب الذي لم أستطع فكّه؛ ففتحت الهاتف، وقلت لهم: أنا بيان، تم الإمساك بنا أنا وأبو مصعب على طريق وكالة "شيري". وكنت أقول وأكرر: يا جماعة، تم الإمساك بنا. ثم وضعت الهاتف جانبًا، فجاء العقيد، وبدأ يكلمني بهدوء، وقال لي: نحن لن نفعل بك شيئًا، أنت طالبة جامعية، والحياة أمامك، وعرض عليّ أن أتخرج من جامعة دمشق، وأن يقدموا لي منحة خارج البلد وراتبًا شهريًا مقابل أن أخرج كل يوم جمعة في المظاهرات، وأبلّغ عن أسماء الشباب الذين يخرجون في المظاهرات، وقال: سنلتقي معك في دمشق، ونقدم لك راتبًا شهريًا. فقلت له: هل تريدني أن أكون عوينية (واشية للنظام)؟ وهذا كان جوابي الأول، فقال لي: هؤلاء قاموا بتخريب البلد. وعندها قلت له: أنا لا أفعل ذلك. ثم قلت له: إن أهلي سيقتلونني. وهنا بدأت الأمور تختلف، وطلب مني أن أصور، وكان تلفزيون "الدنيا" سيأتي مع نزار الفرا، وسأصور معهم كيف أنقذوا الصحفية التي معي من الإرهابيين، فقلت له: ليس لدي مشكلة سأصور، وأشتم هؤلاء الهمج الذين خرجوا في مظاهرات، وأنا خرجت مع الصحفية فقط من أجل المال. وفعلًا، جاء نزار الفرا، وجاء تلفزيون "الدنيا"، وفي هذه اللحظة، كنت أقول: يا رب، ليتني أموت، ولا أخرج على قناة "الدنيا". فجاء العقيد، واكتفى بسرقة هاتفي، وقال لي: اذهبي. على ما يبدو أنهم تأكدوا أنه لا شيء عليّ، وعندما هممت بالخروج أوقفتني الصحفية، وقالت لي: هل معك مال حتى تعودي؟ وكان هذا موقفًا حقيرًا عشته، أن تعطيني الصحفية الأجنبية المال، بينما سرق عقيد الأمن هاتفي، بعد أن عانيت كثيرًا حتى حصلت على هذا الهاتف. وبالصدفة جاءت سيارة تكسي، وكان سائق التكسي يقول لي: ماذا تريدون من المظاهرات؟ أنا من حماة، لقد فعلوا في حماة كذا، أنت لا تحتاجين إلى كل هذه الثورة، فعرفت مباشرة أن هذا عنصر أمن، فأوصلني إلى جانب سجن عدرا، وركبت بالقرب من سجن عدرا باصًا أخذني إلى دوما، وذهبت إلى المنزل الذي كنا نجتمع فيه، ونضع فيه أغراض المظاهرات، وقلت لهم: أفرغوا المنزل بسرعة، وتكلمت مع رفاقي والتنسيقية، وأخبرتهم أن أبا مصعب سريول تم اعتقاله.
هذا الأمر حصل في شهر (كانون الثاني/ يناير) وفي هذه الفترة، تمّ تعميم اسمي في المدينة، والجميع أصبح يعرف أنني كنت أعمل مترجمة مع الصحفية، وانتشر اسمي أكثر، وهنا أصبح الأمر خطيرًا جدًا، واضطررت أن أخرج من المدينة لمدة أسبوع كامل، وبدأت امتحاناتي في الجامعة، ولم أستطع تقديم إحدى المواد؛ لأنني خرجت من الاعتقال، فريثما هربت إلى منطقة أخرى، واستطعت أن أعود إلى الجامعة، لم أستطع تقديم أول مادة في الامتحان.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/09/12
الموضوع الرئیس
الحراك في دوماكود الشهادة
SMI/OH/101-10/
أجرى المقابلة
إبراهيم الفوال
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
كانون الثاني 2012
updatedAt
2024/03/22
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-مدينة دوماشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
القبيسيات
قناة الدنيا الفضائية