الخروج من سورية وتهريب وثائق خلية الأزمة
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:11:18:24
بعد خروجي من دمشق، وصلت إلى حلب في منتصف الليل تقريبًا، ذهبت إلى بيتي في منطقة حلب الجديدة، كانت والدتي موجودة في البيت وابن أخي، ومعظم أهلي في السعودية وفي ألمانيا منذ زمن، فلم يكن هناك تخوّف كبير على أهلي، وكنت أخطط أثناء خروجي بأن تخرج معي والدتي باتجاه السعودية، أو أن تبقى معي في تركيا.
فعندما وصلت إلى حلب كنت في أوضاع صعبة جدًا، وصلت في منتصف الليل، ولا أستطيع التحرك، حاولت التواصل مع كل الشباب والناشطين الذين أتكلم معهم في حلب، في القرية، في مدينة مارع، في حلب المدينة؛ لأني أريد مخرجًا، ولأني تورطت، وصرت في حلب. وصباحًا، سوف يعرفون في القيادة وفي خلية الأزمة بأن هذا الشيء قد حصل، ولو بقيت أيامًا إضافيّة في دمشق فكنت سوف أعتقل، فكان خروجي في فترة حّساسة، فإما أن يثبتوا تورّطي في هذا الموضوع، أو أن أخرج من دمشق. فكان يوجد اقتراحات من أصدقائي بأن نخرج تهريبًا إلى تركيا، وكان الوضع صعبًا جدًا، لأن النظام كان مسيطرًا على كل المناطق، لم يكن يوجد أي مناطق محررة، حتى في ريفنا الشمالي كان الأمن والجيش مازالا موجودين، وكان كل شيء على ما هو عليه، فعندما أذهب إلى أي أحد، وأقول له: هل يوجد مسالك ؟يقول لي: هذا صعب جدًا، ما رأيك أن تخرج باتجاه لبنان، فكان صعبًا أن أنزل باتجاه الجنوب بشكل كامل، بمعنى أن أخرج من حلب باتجاه حمص أو حماة أو كذا، فهذا مستحيل.
وكان الوضع قد بدأ يضيق جدًا، والفترة الزمنية المتبقية لدي ساعات، يجب أن أغادر سوري$. في هذه اللحظة، أذكر أنه كان لديّ صديق في تنسيقيات حلب اسمه أبو جميل، كان من بداية المنسقين في حلب، قال لي: عمي يشتغل على "تاكسي " خط حلب أنطاكيا، في السادسة صباحًا نذهب إلى بيته. فالشباب كلهم بقوا معي، كانوا ثلاثة أو أربعة في البيت تقريبًا، وكنا نخطط: كيف أستطيع أن أخرج؟
رتبت أغراضي وكل شيء، اتفقنا أن نخرج في السادسة صباحًا إلى عم صديقي، اسمه جميل، مازال موجودًا الآن في تركيا، اسمه أبو محمد المصري، من حريتان، فقال لي: سنخرج إلى عمي أبو محمد، ونرى ما هو الوضع. فذهبت باتجاه الكراج في منتصف حلب، هو كراج تركيا الذي يذهب من حلب لأنطاكيا، كانت المنطقة مزدحمة؛ فدخلنا فورًا إلى عمه أبو محمد، وقلت له: إني أريد أن أخرج. ففوجئ، وقال: ما الذي جاء بك إلى هنا. سيكون وضعك هنا سيئًا جدًا. ركبنا " التاكسي "وذهبنا خارجًا، فأخذني إلى بيت صديقي (صديق آخر لي) اسمه حاتم، قال لي: لا يوجد غير حل واحد، هو أن أخرجك من المعبر بشكل رسمي؛ لأنهم بعد ساعتين أو ثلاث سوف يبعثون برقيات إلى حلب بأنك ربما تكون موجودًا هنا، سوف يعرفون أنك خرجت من الكراج من خلال قائمة الأسماء. فقال لي: حسنًا. قلت له: أنا لا أعرف، تصرف كما شئت، إذا بقيت هنا لعدة ساعات فربما أُعتقل.
في البيت، قال لي: حسنًا، انتظر نصف ساعة، أنا سأذهب وأعود. طبعًا، أنت قد تكون متخوفًا من هذا الشخص، فأنت لا تعرفه من قبل، هل من المعقول أن يذهب ويَشِي بي؟ فصرنا نتخوف، صرت أشك بكل الناس الذين حولي، فذهب معه صديقي، فإذا به يذهب إلى الصيدلية، وأحضر شاشًا ولاصقًا طبيًا، ففوجئت، وقلت له: ماذا تريد أن تفعل بالشاش واللاصق الطبي؟ فقال لي: اخلع ثيابك؛ لأخبرك ما أريد أن أفعل. فأنا أريد أي حل يخرجني من سورية؛ فقمت بنزع كل ملابسي، وبدأ يمسك الأوراق، ويلصقها على جسمي، ويلفّها بالشاش، ويلفّها باللاصق الطبي. طبعًا، هو أحضر اللاصق الطبي؛ لأنه على ما يبدو كان يعرف بأنه سوف يكون هناك تفتيش جسدي، فاللاصق الطبي لا يصدر صوت أوراق، ويضبطها بشكل مناسب، وكانت الفصل شتاء، وكان الجو باردًا جدًا، وكان هناك ثلوج على الحدود، فقال لي: الآن سوف ألصق كل الوثائق على جسمك ورجليك وبطنك وضهرك، سوف ألفهن، انزل، واشترِ معطفًا كبيرًا. فذهب رفيقي فورًا، وأحضر لي معطفًا [قياس] "XL"، لبسته فوق ثيابي، وقفنا، وقمنا بترتيب الوضع، قال: حسنًا، ستركب معي في "التكسي"، في الخلف كزبون عادي، وأنا ذاهب باتجاه معبر باب الهوى. قلت له: حسنًا. فأنا أخبرت أصدقائي، قلت لهم: ابقوا في السيارة ورائي، ما زلت متخوّفًا. فوصلنا إلى المعبر، لم يكن هناك أي مسافرين، كان هناك دبابات ومخابرات جوية ومخابرات عسكرية وأمن وغير ذلك، دخلت مباشرة مع أبي محمد، كأني شخص لا أعرفه أو زبون، وهو دخل إلى قسم الجوازات، ختم جوازه، ومشى، وصلت إلى قسم الجوازات، فتح جوازي هكذا، فأنا مسافر لأول مرة، والجواز صدر منذ أسبوع، من حلب، وقد استخرجته من دمشق، ولا توجد مهنة؛ فصار يسألني أسئلة: ماذا كنت تعمل؟ قلت له: والله، أنا أدرس في دمشق علومًا سياسية (ماجستير) وهكذا، [وسألني]: إلى أين أنت ذاهب؟ قلت له: ذاهب إلى تركيا، [سألني]: لماذا؟ قلت له: ذاهب كي أكمل دراستي وهكذا. ثم قال لي: نعم. ختم الجواز وأعطاني إياه. يوجد عندك مسافة من مبنى المعبر في الطرف السوري إلى الطرف التركي، هناك مسافة سوف تمشيها على الأقدام كانت 500 أو 600 متر تقريبًا، في هذه المنطقة كان هناك حاجز مخابرات جوية داخل المعبر، بين المعبر التركي والسوري، كان هناك خمسة أو ستة عناصر، هؤلاء يفتشون أي شخص خرج أو أي شخص دخل. فأنا طلبت من أبي محمد المصري أن يمشي بعيدًا عني حتى إذا ما تمّ الإمساك بي فلا يتضرر، فكان يمشي، ويلتفت إليّ، وأنا متخوّف، فقد بدأت أشعر بأنّ هذه اللحظة هي الفاصلة، فإما أخرج أو أعتقل، وأرجع. مررت من أمام الحاجز فناداني أحد العناصر، قال لي: تعال. فجئت إلى الحاجز، وقال لي: إلى أين أنت ذاهب؟ أرني جوازك، فشاهد جوازي مختومًا، [ثم قال]: ماذا ستفعل في تركيا؟ قلت له خرجت كي أكمل دراستي وهكذا. فقال لي: أنت مجنون! هل الآن وقت السفر؟! نحن الآن في مؤامرة، ويجب أن تكون معنا، يجب ألا نترك الشباب يخرجوا، نحن مقبلون على حرب ومن هذا الكلام. قلت له: نرجع لا مشكلة، [وسألني]: هل أديت الخدمة العسكرية؟ قلت له: لا، أنا لم أؤد الخدمة العسكرية. فصار يتكلم معي بطريقة فيها تهكم وفيها استفزاز، وبعد ذلك طلب مني أفتح الحقائب ففتحت الحقائب، وصار "بالكلاشينكوف" يحرّك الثياب هكذا وهكذا، قال لي: أغلق. فأغلقت الحقائب، لم أضع شيئًا في الحقائب أبدًا، كان بداخلها ثيابي فقط. بعد ذلك، قال لي: أنت خريج ماذا؟ فقلت له: علوم سياسية. فصار يسأل أسئلة تهكمية: عرّف لي الأمة العربية، وعرّف كذا. هكذا كان أسلوبه، فأنا بدأت أرتاح قليلًا عندما رأيته يسأل ويجيب، بدأت أشعر بأنه يراقب شكلي فيما لو توترت. فبعد ذلك، قال لي: هيّا، قم، امشِ، فأنا هممت بالمشي، فقال لي أحدهم: انتظر لحظة، اجعل يديك هكذا (ارفع يديك) ففعلت ذلك، فصار يفتشني، وأنا كنت قد لبست ثيابًا كثيرة، كان الفصل شتاءً، وهو يشعر بالبرد، كان عنصرًا مسكينًا، يقف في الثلج، لدرجة أنه لا يقوى على تفتيشي، ففتشني بشكل سريع، لم يشعر بشيء، لم يشعر بالأوراق، قال لي: هيا، امشِ. فأنا في اللحظة هذه، عندما قال لي: امشِ. ربما كانت تعتبر هذه اللحظة هي الأهم في حياتي؛ لأني لم أعد أستطيع المشي، فعلًا، ما عدت أستطيع المشي، وكان أبو محمد المصري في الطرف التركي ينتظرني، ينظر إليّ، ينتظر اللحظة التي يقولون فيها: امشِ. أو اللحظة التي يعتقلونني بها، فعندما ما وصلت إليه لم أستطع المشي، وقعت فحملني، كنت قد صرت في الطرف التركي، [وذلك في 8 شباط/ فبراير 2012].
وبعد ذلك، وصلت إلى تركيا، ولا أعرف شيئًا، لا أعرف إلى أين أذهب، لم أنسق مع أحد في تركيا أبدًا، فقال لي أبو محمد المصري: أنا ذاهب إلى أنطاكيا، سوف أكمل عملي، الحمد لله على سلامتك. فقلت له: هلّا تأخذني معك إلى أنطاكيا، وأنا أقوم بتدبير أموري بعد ذلك. فأخذني إلى أنطاكيا أيضًا.
لا أعرف أحدًا في أنطاكيا، ولم أنسق مع أي أحد من المعارضة، وكان خروجي سرّيًا، لأنني كنت خائفًا من أن يحصل أي تسريب للمعلومات، فقال لي: أنا ذاهب إلى أزمير. قلت له: خدني إلى أزمير، قال لي: أنا أعمل بالتجارة وذاهب إلى أزمير. هل تذهب معي؟ قلت له: أذهب. لكن الأوراق بدأت تزعجني كثيرًا، بدأت لا أحتمل ذلك، صارت الحرارة شديدة، والأوراق ملصقة على جسمي- سنشاهد أن بعض الوثائق مازال عليها آثار اللصاق الطبي- حتى أنني لم أستطع أن أدخل إلى الحمام، اضطررت أن أشقّ بعض الأوراق؛ حتى أستطيع الدخول إلى الحمام، وكنت أريد أحدًا ليقوم بفكّها، وكنّا نمشي في البر، فمن المعبر لأنطاكية ساعتين، وجلسنا في أنطاكيا ساعتين، بعدها استغرق الذهاب إلى أزمير معنا من سبع عشرة ساعة إلى ثماني عشرة ساعة تقريبًا. كان هناك مطر، ومازالت الأوراق على جسمي، حتى إنه في اليوم الثاني قال لي: أنا سوف أعود إلى سوريا فأنت تدبر أمرك. قلت له: تكلمت مع أخي في ألمانيا (أخي أحمد)، هو طبيب في ألمانيا، وقال لي: إنه سوف يأتي إليّ، إلى إسطنبول، كي أراه، ويساعدني في ترتيب أموري.
فأخي وصل قبلي إلى إسطنبول، ووصل قبلي بيوم، وعندما وصلت إلى إسطنبول استقبلني، وذهبت معه إلى فندق صغير، جلسنا، وفكّ لي الوثائق، وبقيت آثار الوثائق على جسمي لفترة أسبوع تقريبًا، وفي هذه الحالة لم يكن أحد في إسطنبول يعرف بوصولي لا المعارضة ولا الإعلام ولا أي جهة. طبعًا، في هذه اللحظة كانت الأمور في دمشق قد وصلت الى أقصى درجات الاستنفار، وأدركوا تمامًا أنني صرت في إسطنبول.
بعد فترة، بدأت أتواصل مع ناشطين في إسطنبول، بعد أن عرفوا بوجودي، كانت هناك الهيئة العليا للإغاثة التي كان يديرها الأستاذ أحمد الصابوني، كانت هي الهيئة الوحيدة المؤسسة في تركيا، لم يكن هناك أي تجمعات للسوريين أو منظمات أو هيئات، جلست في الهيئة العليا للإغاثة السورية مدة أسبوع أو خمسة عشر يومًا تقريبًا، بعد ذلك عرفت الأجهزة التركية بأني موجود فقاموا بطلب لقاء معي مباشرة، نقلوني إلى فندق على البوسفور بعيدًا، طلبوا مني عدم مغادرة الغرفة لمدة ثلاثة أيام، وفي هذه الفترة التقيت بهم لمدة نصف ساعة تقريبًا، قلت لهم: إنّ والدتي داخل سوريا، ويجب أن تخرج؛ لأنّ النظام حتمًا عرف أين صرت أنا، فخلال أربع وعشرين ساعة كانت والدتي في إسطنبول، فأجلسوها في فندق قريب مني، وبدأنا في مرحلة أخرى من النشاط، وبدأت بالتواصل مع الإعلام، و كان الأتراك في هذه اللحظة قد أعطونا حريتنا بشكل عام، لنتصرف كما نريد.
طبعًا، في ذلك الوقت التقيت مع مسؤولين أتراك مباشرة، وكنت بالنسبة لهم، شخصًا غريبًا، وشابًا صغيرًا وصل إلى إسطنبول، و معه كمّ هائل من الوثائق، ولا يوجد تنسيق سابق، ولا يوجد معرفة، فكانوا يهتمون بي، وكان لديهم فضول ليعرفوا من هذا الشخص، فالتقيت أشخاصًا كثيرين من العاملين في الأجهزة التركية و من السياسيين الأتراك، وتحدثت عن موضوع الوثائق، وبعد ذلك كان هناك استقرار نوعًا ما في إسطنبول.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2020/06/15
الموضوع الرئیس
خلية إدارة الأزمة (خلية الأزمة)كود الشهادة
SMI/OH/13-07/
أجرى المقابلة
سامر الأحمد
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
سياسي
المجال الزمني
شباط/ فبراير 2012 - 2012
updatedAt
2024/07/18
المنطقة الجغرافية
محافظة إدلب-باب الهوىمحافظة حلب-مدينة حلبمحافظة حلب-حلب الجديدةشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
خلية إدارة الأزمة (خلية الأزمة)