الخلاف مع برهان غليون حول علم الثورة وبند التدخل الدولي الإنساني
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:18:22:24
حتى ذلك التاريخ، لا أعرف إذا تم وضع علم في المؤتمر الصحفي، ولكن كان لا يزال العلم السوري النظامي (علم النظام) موجوداً. في تلك المرحلة كان علم الثورة السورية طاغياً، وبدأت مباشرة نقاشات حول وجوب رفع علم الثورة السورية، كان الدكتور برهان غليون لديه تحفظات على موضوع العلم بعد إعلان المجلس الوطني السوري. العلم السوري بالنسبة له ليس علم البعث، إنما هو علم الوحدة العربية وعلم الجمهورية العربية المتحدة، بينما لديه نظرة فيها القليل من الاستخفاف-كان ذلك سابقاً- من علم الثورة؛ لأنه يمثل المرحلة الرجعية.
بالنسبة لي كنت أتناقش معه، ووضعت علم الثورة السورية في مكتبي منذ عام 2005 ، عندما أعلنت مع مجموعة من الأصدقاء عن إنشاء تحالف الوطنيين الأحرار، تبنيت هذا العلم على الصعيد الشخصي؛ لأنه يرمز إلى مرحلة الاستقلال، و عملياً، و قياساً على ما جرى لاحقاً في مرحلة البعث فإنني منحاز إلى مرحلة الاستقلال، إلى المرحلة الليبرالية التي شهدت أواخر مراحلها في عام 1962 ، ورأيت كيف كانت سورية، حيث كانت في سورية تعددية سياسية، وانتخابات، وأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، و فيها حرية إعلام، وفيها طبقة متوسطة وفاعلة و ناهضة تمثل ستين أو سبعين بالمائة من مجتمع الشعب السوري، كانوا طبقة متوسطة، ليسوا أغنياء، وليسوا فقراء. كانت نسبة الأغنياء والفقراء لا تتعدى الخمسة عشر أو العشرين بالمائة من عدد السكان، والباقي جميعهم طبقات متوسطة، والمواطن السوري في ذلك الوقت يعيش في حرية وكرامة، ودخل الموظف كان- لا أريد أن أدخل في تفاصيل تلك المرحلة لأنني منحاز لها- يؤمن له العيش في كرامة، ويؤسس مستقبله، هذا هو حال الموظف صاحب أي شهادة جامعية. وأنا عاصرت تلك المرحلة ورأيتها، بالإضافة إلى أنه كان هناك اقتصاد ناهض في كل المجالات الاقتصادية في سورية، وخاصة على المستوى الصناعي، فقد خرجت سورية من الحرب العالمية الثانية، وكان السوريون في المدن الكبرى وبشكل خاص في مدينة حلب، كانت البرجوازية الصناعية مثل النمر المتوثب الذي لا يعرف في أي اتجاه يجب أن يمشي، ويريد أسواقاً فقط. فكان الاقتصاد جيداً جداً، بالإضافة إلى أنه-هناك قطاع واسع يشاركني الرأي- وُضع في تلك المرحلة دستور عام 1950 الذي وافق عليه مجلس النواب السوري، وربما كان رئيس الدولة في مرحلة انتقالية -رحمه الله- والشخصية الوطنية الكبيرة هاشم بيك الأتاسي. الذاكرة الوطنية السورية تعرفه، ثم جاء البعث، وهذه النقطة يجب أن يعرفها السوريون: إن محاولة طمس الذاكرة الوطنية السورية لهذه الشخصيات التي أنجزت الاستقلال تعدّ قضية مهمة، ليس حافظ الأسد هو باني سورية الحديثة، وإنما قادة الاستقلال هم من أسسوا سورية الحديثة، ولكن مع الأسف يجري طمس تلك المرحلة بحيث لا يعرفون من هو سعد الله الجابري، ومن هو فارس الخوري، ومن هو سعيد الغزي، أو من هو شكري القوتلي. شخصيات عديدة يجب ذكرها، ولكن النظام السوري خلال حكم حافظ الأسد تحديداً، وخلال خمسين سنة حاول أن يمحو هذه الذاكرة عند الأجيال الجديدة، وغيّر مناهج التعليم المدرسية كلها، وكما كنت أسمع، كان فيها مقتطفات، ولكن إنجازات حافظ الأسد كانت تحتاج إلى كتب كثيرة من أجل شرح ما فعل حافظ الأسد في سورية.
هذا كان نوعاً من إعادة تركيب سورية عند السوريين، وبناء الذاكرة على أسس غير حقيقية نهائياً، تطمس جهود الأشخاص الحقيقيين والوطنيين، وتعلي من شأن حافظ الأسد الذي هو -مع الأسف- المسؤول الأول عن تدمير سوريا على كل الصعد: تدمير المجتمع، وتهتك النسيج الوطني، وإعادة السوريين إلى مرحلة ما دون الوطنية، وأصبح العلوي يفكر بأنه علوي، والسني يفكر بأنه سني، والمسيحي يفكر بأنه مسيحي، والعربي يفكر بأنه عربي، والكردي يفكر بأنه كردي. هذه المكونات موجودة في سورية، ولكن لم يكن هذا تفكيرها في الخمسينات، وآباء الاستقلال لم يكن تفكيرهم هكذا، وإنما تفكيرهم في سورية.
وجهة نظر الدكتور برهان، وبحسب معرفتي له فإنه ينحاز إلى فكر يساري قومي، وهو يعتقد أنها مجموعة عائلات، حيث كانت تحكم سورية عائلات إقطاعية رجعية خلّفها الاستعمار وراءه؛ لأن قضايا الديمقراطية والليبرالية بالشكل الذي كانت تعرفه سورية لم يكن مترسخاً أو متجذراً عند الدكتور برهان غليون، وأنا لا أضيف أمراً جديداً، فالدكتور برهان مع كل التقدير والاحترام له هو أقرب إلى هيئة التنسيق الوطنية بطريقة تفكيرها ونظرتها إلى الأمور وإلى تاريخ سورية. إذا ناقشت أحداً من الاتحاد الاشتراكي أو من بعض قوى اليسار الماركسي يمكن أن تكون لديه هذه النظرة بأنه كانت هناك عائلات إقطاعية وملاك أراضٍ، وكانوا مسيطرين على سورية، ولكن الحقيقة ليست كذلك.
جرت حادثة، ربما تكون غيّرت المجرى السياسي والنظرة ومواقف الدول، فالجميع يعرف أنه في كل يوم جمعة، نشطاء الحراك الثوري في كل أنحاء سورية لهم آلية معينة يسمون من خلالها اسم الجمعة القادمة، يتم إجراء استفتاء وتصويت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأعلن المؤتمر الصحفي عن قيام المجلس الوطني السوري بالأشخاص الذين ظهروا وبالأسماء التي ظهرت وبالمكونات السياسية التي ظهرت، وهذا الأمر كان في يوم الأحد. في يوم الجمعة كانت كل مظاهرات سورية وبزخم شديد وربما غير مألوف تحت عنوان: "المجلس الوطني السوري يمثلني". هذه العبارة أعطت شرعية ومصداقية لهذا المجلس الوطني السوري، فقد أسسه -وهذه حقيقة- مواطنون سوريون أحرار بإرادة وطنية سورية بعيداً عن أي وصاية إقليمية أو دولية، وكان البعض يحاول أن يوحي بأن تركيا أو قطر هي وراء تأسيسه، وهذا الكلام ليس دقيقاً أبداً؛ لأنه لم يكن في الاجتماعات أو في الوصاية أي حضور تركي أو قطري أو أي شيء آخر. ولكن ربما يكون المنتقدون محقين؛ لأن المجلس الوطني كان فيه حضور إسلامي كثيف، ومن هنا يقولون: بما أن هذا الحضور الإسلامي الكثيف موجود في المجلس الوطني السوري فربما أوحى لهم ذلك بأن المحور الإقليمي القطري التركي هو وراء تشكيل المجلس الوطني السوري، وهذا الكلام غير دقيق في الواقع.
يمكنني أن أقول: إن النقاش لم يجرِ بشكل يعتبر أن ما سيجري في سورية سوف يكون مشابهاً لما جرى في ليبيا، ولكن بصراحة كانت المحاكاة في أذهاننا من دون أن نصرّح بها. وأنا بالذات أذكر أنه استضافني برنامج أخبار سياسية بعد تأسيس المجلس الوطني السوري على موضوع بند قناة الجزيرة وعلى موضوع بند التدخل الدولي الإنساني الذي نص عليه بيان تشكيل المجلس الوطني السوري، وسألتني قناة الجزيرة: هل تقصد التدخل العسكري؟ قلت لهم: نعم. وقلت لهم، وأذكر ذلك تماماً: إننا نريد محاكاة وضع مدينة بنغازي عندما وجّه معمر القذافي قوات عسكرية هائلة باتجاه مدينة بنغازي على شكل أرتال، وقال للثوار والمعارضين السلميين في ذلك الوقت:" جئتكم دار دار زنقة زنقة". وهذا الرتل العسكري وصل إلى حدود مدينة بنغازي- وتوجهت في خطابي إلى المذيع- علينا أن نتصور ماذا يمكن أن يكون المشهد في مدينة بنغازي التي يوجد فيها سبع مائة ألف أو ثماني مائة ألف إنسان في ذلك الوقت، وقوات معمر القذافي تريد أن تقتحم المدينة، ومعها جميع صنوف الأسلحة. الذي منع وقوع المذابح أو المجازر التي لا يمكن لأحد أن يتصورها هو أن الطيران الغربي ودول التحالف الغربية والأمريكية أرسلت الطائرات، وقصفت القوات البرية والأرتال العسكرية التي أرسلها معمر القذافي، ومنعوا قيام مذبحة. وأنا اليوم أريد أن أسقط- كان هذا الحديث عبر الإعلام- هذه الحادثة إذا جرى ما يشابهها في سوريا، وحتى الآن كل سياق الثورة السورية يوحي بأن وتيرة المجازر والمذابح التي يرتكبها النظام السوري ترتفع، فإلى متى يمكن للسوريين والثوار وقوى المعارضة أن تتحمل ذلك وسط صمت المجتمع الدولي؟ هذا السؤال برسم المجتمع الدولي. هذا الرأي الذي قدمته يختلف معي الدكتور برهان غليون فيه، ويصبح موضوع نقاشات جانبية بيننا دائماً في موضوع التدخل العسكري وفي موضوع العلم.
من هنا عندما نأتي إلى الثورة، ونرى مواقف الدكتور برهان غليون. هنا نحن مختلفين بكل وضوح دائمًا موقف الدكتور برهان وتمامًا كما هي "هيئة التنسيق الوطنية". وأنا اعتقد في تلك المرحلة أنا الدكتور برهان غليون كان في تفكيره السياسي وهو أقرب إلى "هيئة التنسيق" لا أعرف الخلفية التي جاء بها أنه حضر المؤتمر، ودعاه "الإخوان المسلمون"، وكان ربما يفكر أن "هيئة التنسيق" كانت موجودة في النقاشات، وعندما انسحبت أعتقد أنه شعر بفقدان سند أو حليف له في خطابه. عندما انسحب حازم النهار في اليوم الثالث، ولكن لا ننسى أنه بنفس الوقت سيصبح رئيس، يعني في التداولات لم يقترح أنه هل يمكن لسمير نشار أن يرشح نفسه المجلس الوطني، هو في تلك المرحلة كان تحديدًا. على كلام الزميل موفق نيربية، أنه أثناء اجتماعات المجلس وهو مقرب وصديق لبرهان غليون كان برهان غليون يوميًا يتصل مع موفق نيربية ويسأله عن موقف "إعلان دمشق" من برهان غليون أنه هل يوافق أن يصبح رئيسًا؟ وموفق نيربية في كلامه وكلامه هذا وثقه في مقال إن "إعلان دمشق" لم يفكر ولم يناقش في موضوع الرئيس ولا في أي مرشح يدعمه، وبالتالي يجب أن يكون بالك مرتاح يا برهان من حيث "إعلان دمشق" إذا أردت أن تصبح رئيس للمجلس الوطني السوري "إعلان دمشق" ليس لديه تحفظ و لا يريد طرح مرشح.
هذا الخطاب الذي هو الخطاب السياسي للدكتور برهان هو أقرب نحن نعتقد في "إعلان دمشق" وربما في المجلس الوطني أن برهان غليون بسبب إقامته في فرنسا، كان يعتمد على بعض الزملاء من الشباب الذين كانوا يؤيدونه من لجان التنسيق المحلية المتواجدين في أوروبا، منهم عماد حصري ومنهم شاب اسمه هوزان ابراهيم وشاب آخر لا أعرفه، ولكن سمعت اسمه أسامه المنجد. هؤلاء من الناس المقربين بالإضافة إلى المنشقين الذين يخرجون من سورية إلى باريس وربما الأستاذ ميشيل كيلو كان في تلك المرحلة أو لاحقًا بعد تأسيس المجلس الوطني بفتره بسيطة غادر إلى باريس والأستاذ ميشيل طبعا كان من أركان "هيئة التنسيق" وهو قريب جدا من برهان غليون في المواقف السياسية وطريقة التفكير في تلك المرحلة.
بشكل عام لا يوجد خطاب متفق عليه بين أعضاء المكتب التنفيذي الذين يريدون الظهور به على الإعلام، ولكن يوجد عناوين رئيسية التي على أساسها شُكّل المجلس الوطني السوري وهو اسقاط النظام.
الالتباس دائمًا يحصل والأسئلة وحتى من وسائل الإعلام، وهو في تفسير التدخل الدولي الإنساني. وعندما يتم سؤال عن هذا الأمر أنا أقول إذا كان هناك يوجد ضرورة لحماية المدنيين يجب أن يحصل تدخل عسكري خارجي، بينما إذا تم سؤال برهان غليون نفس السؤال فإنه يقول كلا نحن لا نطالب بالتدخل العسكري وإنما التدخل الدولي فقط لأجل معونات إنسانية ومساعدات إغاثيه إلى اللاجئين أو النازحين أو الناس الذين يتعرضون إلى القتل. هذا الخطاب أيضا ينسجم مع موقف "هيئة التنسيق الوطنية".
كان يحصل بيننا نقاشات جانبية، ولكن لا يتم طرحها إلى النقاش، ولكن كان واضحًا من السياق أنه يحصل بيننا خلافات في تفسير هذا الموضوع حول التدخل العسكري. ولكن الأمور لا تصل إلى النهايات أو خلاف جذري، لأن التدخل العسكري ليس بناء على رغبتنا مثلًا لا يمكن أن نطلب من أمريكا، أصلًا لا يوجد أي دولة اعترفت بالمجلس الوطني السوري.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2020/11/02
الموضوع الرئیس
تشكيل المجلس الوطني السوريكود الشهادة
SMI/OH/86-34/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
سياسي
المجال الزمني
أيلول 2011
updatedAt
2024/04/07
شخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
المجلس الوطني السوري