الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

معالجة الفساد في دوائر الدولة في اللاذقية ومواجهة تمرّد السجن

صيغة الشهادة:

فيديو
صوتية
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:16:05:17

في يوم الأحد صباحاً، ذهبت إلى عملي في المحافظة، ووجدت أعداداً كبيرة جداً من المواطنين هناك، وعددهم بالآلاف، وبدون مبالغة العدد يتجاوز ال 10 آلاف حول [مبنى] المحافظة. وظننت أنها مظاهرة، ووصلت إلى المحافظة، بعد جهد جهيد دخلنا؛ بسبب كثافة الناس الموجودين، وسألت من هؤلاء؟ فقالوا لي: إن هؤلاء أتوا ليقدموا طلبات توظيف، وكنت قد وعدت في اللقاء في حي الصليبة بأن يقدموا طلبات ( 500 طلب) فسمع أبناء المحافظة، ونزلوا من الريف ومن كل مكان، وحتى أبناء الطائفة العلوية وغيرهم، بمعنى أن الجميع أتوا ليقدموا طلبات توظيف، والحقيقة أنني كنت صادقاً معهم، وتواصلت مع الوزراء والمديرين العامّين، واستطعت خلال فترة وجيزة (أقل من 10 أيام) القيام بتعيين حوالي 4 آلاف و200 مواطن بعقود مؤقتة، ولكن كان لها صدى إيجابي، فالناس هم بحاجة للعمل؛ حيث كان الحديث في الحكومة في ذلك التاريخ بأن الدولة يجب أن تتخلى عن الدور الأبوي؛ وبالتالي كان الحصول على وظيفة بالنسبة للمواطن حلماً. وبما أنني قبلت، ووافقت على طلبات، والأشخاص تمّ تعيينهم، وهذا الأمر أعطى انطباعاً إيجابياً بشكل كبير جداً، واستمرّ هذا الموضوع في تقديم الطلبات وتجمّع الناس لأيام عدة في مدينة اللاذقية وأمام المحافظة. وشُكّلت لجان لتنظّم هذا الموضوع، وكانت تدرس الطلبات، وتعطي حسب الأولويات، ونوزّعها حتى يستفيد منها أغلب المواطنين، وتشمل الأغلبية.

وفيما بعد، وخلال الفترة التي تلت هذا الموضوع، أصبح في اللاذقية حالة هدوء، وعادت دوائر الدولة إلى عملها، وعادت الحياة إلى طبيعتها، وكان في مدينة جبلة اعتصام مستمرّ بأعداد قليلة، وصمّمت على أن أذهب إلى مدينة جبلة، وأدخل إلى حي الصليبة القديم الذي يوجد فيه الاعتصام، وكانت النصيحة من المسؤولين، وخاصة الأمنيين منهم: ألا أذهب إلى هناك خوفاً على حياتي. وصمّمت على الذهاب واللقاء بالناس ضمن هذا الحيّ، وفيما بعد سأقوم بلقاء مع الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية في جبلة.

وبالفعل ذهبت إلى هناك، وحدث الشيء نفسه، حيث تلقّيت الشكاوى من المواطنين، والتي تتعلق بالجانب الخدمي، وتتعلق بالإهمال وعدم المتابعة. وعلى أرض الواقع اتخذت قرارات تجاه مجلس المدينة، وعلى سبيل المثال: اشتكى الكثير بأنه منذ أكثر من 10 سنوات يمنع أي شخص من القيام بصيانة بيته لأن جميع البيوت أثرية. وكنت موجوداً بينهم، وقلت لهم: يجب أن تباشروا إعادة ترميم منازلكم ومن دون موافقة وزارة الثقافة والإدارة المحلية، ومن دون أن تأتي هذه الموافقات. ووافقت على أن يتمّ ترميم المنازل على نفقة المحافظة، وكان عدد المنازل 25 منزلاً لأسر الأيتام خاصة، وحتى البيت الذي زرته وافقت على أن يُرمَّم على نفقة المحافظة.

وفيما بعد انتقلنا [إلى شيء آخر]، حيث كان هناك شكاوى حول موضوع المرفأ الذي بقي سنوات من دون تأهيل مع الجرف الصخري. وللأسف الشديد، المرفأ لم يكن جاهزاً، وأماكن الصيادين لم تكن جاهزة نتيجة الإهمال، وأعطيت توجيهات مباشرة للإسراع بالعمل وإنجازه خلال فترة زمنية محددة، حتى إنني حدّدت مدة شهر لمؤسسة الإسكان العسكري من أجل إنجاز هذا الموضوع مع الإنشاءات العسكرية. وهذا الكلام أيضاً لاقى انطباعاً طيباً، وطلبوا مني أن يكون هناك تأمين فرص عمل، ووافقت مباشرة على تأمين فرص عمل، وتكلمت مع وزير الإدارة المحلية الذي هو ابن المنطقة وابن هذا الحي، وتحدث معهم عبر الهاتف، وانتهت الجولة من خلال لقاء مع الفعاليات في المركز الثقافي، وجمعنا كلّ الفعاليات، وكان لقاءً طيباً مع الجميع، ووجدت هناك تفهّماً أو تعاوناً من قبل الجميع، ولكن بعد أن أنهيت لقائي فوجئت بصدور مرسوم بتعييني وزيراً للزراعة.

وأذكر أنه خلال الفترة القصيرة التي قضيتها في اللاذقية - للأسف- كان يوجد ممارسات غير طبيعية، فكان يوجد مديرو دوائر لا أحد يستطيع أن يُعفيهم من مناصبهم، رغم الفساد الذي يقومون به في المحافظة، والشكاوى التي كنت أسمعها من أبناء الطائفة العلوية كانت أكثر من بقية الطوائف الأخرى، وغالبية ذوي المناصب في المحافظة هم من أبناء الطائفة العلوية، والقليل من أبناء بقية الطوائف، مما أحدث ردّ فعل عند الآخرين. حتى في موضوع التعيين في وظائف الدولة وغيرها؛ لذلك اتخذت قراراً بالاتصال مع الحكومة من أجل إعفاء عدد من مديري الدوائر، فمثلاً: جاء إليّ مدير الأوقاف يطلب مني قائلاً: يا سيادة المحافظ، أريد أن أخرج إلى خطبة يوم الجمعة، ولكنني بحاجة إلى مرافقة ليكونوا قريبين مني (من المنبر) خوفاً من تعدّي المواطنين عليّ، وقلت له: إذا كنت مدير أوقاف وغير قادر على أن تصعد المنبر أمام الناس فأنت لا تصلح لأن تكون مدير أوقاف. وبالفعل أرسلت مذكّرة لوزير الأوقاف، وتم إعفاؤه، وأعفيت عدداً من مديري الدوائر، والمديرون الذين طلبت إعفاءهم 6 من ضمنهم مدير الزراعة، ولم يتم إعفاؤه من المركز(من الوزارة أو القيادة)، الرجل كان دعمه كبيراً؛ وبالتالي لم يكن أحد قادراً على أن يعفيه، وهو من الطائفة العلوية (من بيت بدّور)؛ لذلك أول عمل قمت به عند دخولي إلى مكتبي كوزير للزراعة هو إعفاؤه من مهمته، كان أول قرار أخذته خلال الساعة الأولى من دوامي (عملي) في وزارة الزراعة، وأعفيته من مهمته، وقرار الإعفاء لاقى قبولاً شديداً وكبيراً عند كل أبناء اللاذقية، وعند الطائفة العلوية قبل الطوائف الأخرى.

وحصل خلال هذه الفترة أيضاً إشكالية في موضوع السجن، وصار هناك تمرّد في السجن، وكسّر السجناء الأبواب، وخرجوا إلى ساحة السجن، وكانوا يرفضون مغادرة الساحة، وكان السجن في وسط مدينة اللاذقية، وقريباً من المحكمة، وكانت أعداد السجناء كبيرة (أكثر من 1000 سجين). وكنت أتابع هذا الموضوع مع قائد الشرطة حتى وقت متأخر من الليل (في الساعة الواحدة ليلاً تقريباً)، وأخبرني بأنهم لا يستطيعون السيطرة على الوضع؛ فاضطررت أن أذهب بنفسي إلى هناك، وكان وزير الداخلية على تواصل دائم معي عبر الهاتف، وأرسلنا النائب العام (المحامي العام في المحافظة) وقاضي التحقيق إلى هناك، وعندما ذهبت إلى هناك طلبنا لجنة من السجناء، ليشكّلوا مجموعة، ونقابلهم. وفعلاً، قابلتهم، وسمعت شكاوى كثيرة جداً، كانت -مع الأسف- جميعها تتعلق بفساد الشرطة، فكل شيء كان للبيع من السرير حتى الهاتف الخليوي أو من يريد التحدث عبر الهاتف وكذلك الخبز، وحتى من يريد أن يلبس برجله حذاء يجب عليه أن يدفع نقوداً. وبعد مقابلتنا لهذه المجموعة طلبنا منهم أن يتحدثوا مع زملائهم، وأن يدخلوا إلى مهاجعهم؛ وبالتالي نحن أيضاً أتينا بأشخاص مختصين حتى يعيدوا تأهيل الأبواب التي تكسّرت من جديد، ويتمّ ضبط السجن، وللأسف لم يستجب السجناء، واضطررت إلى النزول بنفسي إلى الساحة التي فيها سجناء طلقاء، وكان الموقف في غاية الخطورة، وترجّاني كثيراً كلٌ من قائد الشرطة والنائب العام ألا أنزل إلى السجناء، ولكنني نزلت، والتقيت بهم، وتحدثت معهم، ونتيجة الحديث مع الموجودين بلغة طيبة استطعت أن أقنعهم، وأن يعودوا إلى مهاجعهم. وبالفعل، خلال ساعة عاد كل السجناء إلى مهاجعهم، والورشات التي كانت موجودة أعادت تأهيل أبواب المهاجع، وعاد الوضع إلى طبيعته. وبعد عدة أيام، وصلني بريد إلكتروني من وزارة الداخلية بأن هناك عدداً من السجناء الذين كانوا رأس الحربة في التمرّد الذي حصل يجب أن يتمّ نقلهم إلى سجون أخرى في مدن أخرى.

للأسف، بسبب الفساد الموجود في السجن، ومثله كمثل باقي الإدارات في وزارة الداخلية، وصل هذا الموضوع إلى الأشخاص الذين طُلب ترحيلهم، البعض منهم أغلق باب المهجع بواسطة الأسرّة، وحرقت بطانيات، ونتيجة حرق البطانيات انبعث الدخان، ونتج عن ذلك حوالي 9 وفيات، والحقيقة أن الأمر كان سيئاً جداً بالنسبة لي، وكان أمراً محزناً حصول هذا الشيء؛ لذلك صممت، وتحدثت مع وزير الداخلية، وطلبت منه أن يُعفيَ قائد الشرطة ومدير السجن مباشرة، ويقوم بمحاسبة الضباط الموجودين في السجن. وتلكّأ وزير الداخلية في ذلك الموضوع في البداية، وقلت له: إذا لم تقم بهذا الأمر فسأتواصل مع القصر الجمهوري ومع الرئيس. وبعد أن رآني مصمماً استجاب، وتمّ إعفاء قائد الشرطة لمواقف عديدة، فقد كنت أتكلم مع قائد الشرطة عن شخص، مثل: غسان سلواية الذي تمّ إلقاء القبض عليه فيما بعد، وحتى أنه تمّ إجراء مقابلة معه على التلفاز، وأكّد الكثيرون لي على أنهم رأوه وهو يطلق النار، وكنت أسأل قائد الشرطة عن غسان سلواية، وكان ينكر أنه موجود. وبسبب الحادثة التي حصلت في السجن وغيرها طلبت إعفاءه من مهمته. وفعلاً تم إعفاؤه هو ومدير السجن والضباط الموجودون في السجن نتيجة الخلل الذي حصل.

فيما بعد، وفي تاريخ 14 نيسان جرى تكليفي وزيراً للزراعة، والحقيقة أنه لا يمكنني أن أنسى فترة خدمتي في اللاذقية، مع أنها كانت فترة قصيرة، وآملُ أن يكون أبناء المحافظة قد أخذوا انطباعاً طيّباً عني، أو أن يذكروني بالخير خلال فترة خدمتي؛ حيث كان همّي الوحيد هو ألا يكون هناك دماء، وألا تسيل دماء في المظاهرات أو في محافظة اللاذقية ككل في ذلك التاريخ.

اللاذقية لها وضع حساس في ظلّ التركيبة الطائفيّة الموجودة فيها؛ لذلك كنت أعمل ليلاً نهاراً، وأغلب الفترة التي عشتها في اللاذقية والتي وقعت فيها الأحداث، كنت أقضي وقتي كله في مكتبي، وحتى أنني كنت أنام في المكتب، لا أذكر أنني نمت في يوم من الأيام قبل الساعة 3 صباحاً، وكان همّي الوحيد أن نقدّم خدمات ترضي أبناء المحافظة، وعلى سبيل المثال: أتيت إلى مبنى المحافظة وكان هناك شكوى بأن المعاملات تستمرّ لأشهر حتى تخرج من المحافظة، وسألت أمانة السر في المحافظة: لماذا تتأخر معاملات المواطنين؟ وقالوا لي: إن المحافظ الذي قبلي لا يوقّع أي ورقة حتى يعرضها على المكتب القانوني في المحافظة. وفوجئت؛ لأنه في المحافظة يوجد مكتب تنفيذي، ويوجد نائب محافظ، والمفروض أن كل شخص يأخذ صلاحياته، وأقصى حدّ لأي معاملة لأي مواطن لا تتجاوز يومين أو ثلاثة أيام إلا إذا كانت تتطلب قرار مكتب تنفيذي، وكل أسبوع يوجد اجتماع مكتب تنفيذي للمحافظة. وذهبت بنفسي إلى المكتب القانوني، ولم أستطع الدخول إلى المكتب بسبب كثرة المعاملات الموجودة على الطاولات وحتى على الأرض، واستدعيت مدير المكتب القانوني، وسألت عنه، فقالوا لي: إنه شخص جيد. واستدعيته إلى مكتبي، وسألته: لماذا هذه المعاملات مكدّسة بهذا الشكل. وقال لي إنه لا يستطيع إنجاز المعاملات لأن جميع المعاملات تتحوّل إليه، وهناك معاملات تحتاج إلى تحويل فقط، بمعنى أن المحافظ يحوّلها مثلاً: إلى مجلس المدينة، أو الخدمات الفنية، أو للزراعة، أو لموافقة أمنية، أو غيرها. وقال لي: لديّ هذا الكم الهائل من المعاملات؛ وبالتالي ليس لديّ القدرة، وأصبح لديّ تراكم، ولديّ معاملات منذ 7 أو 8 شهور، ومعاملات موجودة منذ سنة؛ لأنها يومياً تزيد، وتتراكم فوق بعضها. فقلت له: أريد خلال فترة زمنيّة محدودة -خلال 20 يوماً- ألا تبقى أيّ معاملة موجودة على الإطلاق. وقلت له: ماذا تريد؟ فقال لي: أريد أن يساعدني أحد ما. واستدعيت قانونيين من بقية دوائر الدولة، واستنفروا للعمل صباحاً ومساءً، وكان العبء الأكبر يقع عليّ كمحافظ؛ لأنني يجب أن أوقّع كل هذه المعاملات؛ وبالتالي كنت يومياً أوقع لساعات طويلة (أوقع البريد) حتى أنجز [العمل]. وبالفعل في أقل من 20 يوماً لم تبقَ أيّ معاملة موجودة في المحافظة، ووزّعنا الصلاحيات على المعنيين لدينا في المحافظة. والحقيقة أن هذا الموضوع أراح الكثير من أبناء المحافظة.

معلومات الشهادة

الموضوع الرئیس

محافظة اللاذقية

كود الشهادة

SMI/OH/128-03/

أجرى المقابلة

عبد الرحمن الحاج ، منهل باريش

مكان المقابلة

الدوحة

التصنيف

سياسي

المجال الزمني

نيسان 2011

updatedAt

2024/07/30

المنطقة الجغرافية

محافظة اللاذقية-الصليبةمحافظة اللاذقية-مدينة جبلةمحافظة اللاذقية-مدينة اللاذقية

شخصيات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

كيانات وردت في الشهادة

وزارة الثقافة السورية

وزارة الثقافة السورية

وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي - النظام

وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي - النظام

مجلس محافظة اللاذقية - النظام

مجلس محافظة اللاذقية - النظام

مؤسسة الإسكان العسكرية

مؤسسة الإسكان العسكرية

سجن اللاذقية المركزي

سجن اللاذقية المركزي

معلومات الشاهد

الموضوعات المرتبطة

الكلمات المفتاحية

الشهادات المرتبطة