بدايات وعيي السياسي في الحياة الجامعية
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:07:07:33
عندما ذهبت إلى الجامعة تذكرت قصة عبيدة زغلول، هذا الشخص الذي كتب: حيادي. وفيما بعد، كنت أجلس في المكتبة في كلية الطب، فجاء صديقي من خلفي بينما كنت أجلس في المكتبة، وبصراحة، أنا لا أحب الدراسة في المكتبات، وجاء من خلفي وهمس في أذني بدون أية مقدمات، وقال: ما رأيك أن نشكل حزباً؟ فنظرت إليه، وقلت: حزب ماذا؟ فقال لي: نريد أن ننشئ حزباً سريّاً. فقلت له: اتركني وشأني. لأنه انتابني شيء من الخوف، فنحن أبناء الريف عندما نخرج باتجاه الشام كانت الأم تضع لنا المكدوس واللبنة في الحقيبة وصرّة من الوصايا هي: إن الجدران لها آذان، واحذر من أصدقائك، لا تتكلم مع أحد، ولا تفعل كذا وكذا...... وهذه الوصايا تثقل خاطرك، والحقيقة أن الوصايا كانت [عادة] من الأمهات فقط، بإمكاني أن أقول: لقد كان هناك جيل جديد قد ظهر، هؤلاء المتعلمون الجدد من الريف ، إخوتي جميعاً درسوا في الجامعة، أتذكر أن أخي مصطفى وأحمد درسا في الجامعة، في الفترة التي كان فيها تدقيق على طول اللحية، حتى لو كانت طويلة قليلاً، وهم كانوا يقولون: كنا نضطر أن نحلق اللحية يومياً؛ لأن أي شخص يكتب فيك تقريراً فأنت ستختفي. ولكن لم يوصني أحد منهم قائلاً: لا تتكلم، ولا تفعل. ولكن المهم أن أمي كانت توصيني دائماً، فكانت وصايا أمي هي السبب الذي جعلني أقول لصديقي: اتركني وشأني. ولكن بقي سؤال في بالي هو: ماذا يعني تشكيل حزب؟
مرت الأيام في جامعة دمشق، وكانت الحياة الجامعية بالنسبة لأي طالب هي: تعارف، وصبايا، وكنا نذهب، ونأتي... فقررنا أن نقوم بأمسية أنا وصديقي عامر حورية (زميلي في الجامعة)، وذهبنا حتى نقدّم على طلب الموافقة في اتحاد الطلبة، فوافقوا على ذلك، ولكنهم قالوا لنا: اذكروا شعراً عن السيد الرئيس، اكتبوا قصيدة عنه. فنحن نفّذنا ما طُلب منا، وذهبنا، وأقمنا أمسية، وأول قصيدة ألقيتها كانت عن بشار، كانت عبارة عن شطرين، وكنت قد كتبتها على عجل للضرورة، ولكن لا تتخيل حجم العار الذي أحسست به أثناء إلقائها، فقد شعرت بأنني قد تورطت، فنحن كنا نريد الموافقة، وفي النهاية، كانت سخيفة، كانت كلماتها سخيفة جداً، ليست بالأمر المهم، ولكنني أثناء إلقائها شعرت بأنني قد تورطت، وخُدعت، وكانت هذه سبباً لاحقاً لأمر سأتكلم عنه فيما بعد. هذه كانت مفترقات طرق، ولكنها غير واضحة لديّ، بمعنى: هل يجب أن أكون هكذا أم هكذا؟ كان كل ذلك أمراً عادياً.
العامل الآخر الذي حصل في الجامعة أنني في بداية دخولي إلى الجامعة صادقت شاباً كردياً، فكانت هذه بداية علاقتي القوية مع الأكراد، ولا أعرف أين هو الآن، و كان اسمه سلار نجار، كان من دُفعتي، وتعرّفنا على بعضنا، وكنا في السكن الجامعي، وأصبحنا أصدقاء جداً، وكنا دائماً معاً، وكنت أدخل إلى غرفهم، وكانت عند الأكراد رائحة أحبها، أظن أنها رائحة بهارات أو نوع من الصابون يستخدمونه، فكنت أكنّ له الودّ، وكنت أحب أن أدرس معه، وهذا فتح باب العلاقة، وازدادت العلاقة مع الأكراد، وأصبح لديّ الكثير من الصداقات مع الأكراد، وأصبحت أحسّ بمظلوميتهم، فقد أصبحوا يتكلمون عن ذلك. وفي يوم من الأيام، ذهبنا أنا وسلار، وجلسنا في "كافيتريا"، فجاء صديق سلار، كان يجهّز لنا "النرجيلة"، وتفاجأت أن مجموع درجاته في البكلوريا (الثالث الثانوي) 230 درجة تقريباً، ولكنه من الأشخاص الذين لا يوجد لديهم أوراق، ويُسمح لهم بالدراسة حتى البكلوريا (الثالث الثانوي) فقط. فهناك جزء من الأكراد بهذا الشكل، فكان الأمر بالنسبة لي صادماً، فهذه الدولة التي تربيت فيها أو هذا الحزب الذي كان يسمينا منذ الصف الأول: "طلائع البعث"، وقاموا بتعليمك وتلقينك هذا النشيد في يوم من الأيام، فعندما كنا نقف في تحية العلم كنا نقف فعلاً مثل المسامير، ونشعر بحالة من الاعتزاز، وفجأة تبدأ هذه الشعارات تتعرّى أمامك، وترى مظلوميات الناس من أصدقائك، وأظن أنهم لو لم يكونوا أصدقائي ربما لم أكن أحسّ بالظلم الواقع عليهم، ولكن لأنهم كانوا قريبين مني فأحسست بأن هذا ظلم.
الأمر الآخر: عند بداية دخولي إلى السكن الجامعي اضطررت للسكن -لأن القدماء في السكن كانوا يطردونك من الغرفة، وتذهب إلى غرفة أخرى- مع شاب من حماة، كان في السنة الثالثة، في كلية الطب، اسمه منهل السكعة، ولا أعرف أين هو الآن أيضاً؛ لأنه أنهى دراسته قبلي، وسجّل في الدراسات العليا تخصص طبّ أطفال، ولا أعرف إذا كان داخل سورية أم خارجها الآن، وعندما سكنت مع منهل كان منهل أشقراً ووسيماً وملتزماً جداً، ويحبّ الجلوس في البيت أو بالأحرى في الغرفة حيث لم يكن هناك بيت، واطلعت على قصته، وكنت أعرف أنه من حماة فقط، و اطّلعت على قصته عندما اضطررنا لشراء براد للغرفة، واضطررنا أن نذهب إلى عمته التي كانت في قدسيا؛ حتى نأخذ منها براداً، وعندما ذهبنا لجلب البراد استقبلته استقبالاً حميمياً، وعدنا، فقال لي منهل: إنهم في الثمانينات وفي أحداث حماة (في المجزرة) مات جميع أقاربه، وهو الوحيد الذي بقي على قيد الحياة؛ لأن والدته ووالده كانا يعيشان في السعودية، كانا يعملان هناك، فجميع من بقي من العائلة قُتل، فتغيّرت نظرتي إلى منهل.
جيراننا الذين كانوا في الغرفة الأخرى -كان رقم غرفتنا 739 -كان رقم غرفتهم 741، كانوا من طرطوس، وفي ذلك الوقت، كانت قد انتشرت حديثاً أغنية: "سمرا وين الحاصودة". فكنت أنتبه إلى حالة منهل عندما يستمعون إلى الأغنية، فقد كانوا يرفعون الصوت كثيراً أثناء سماعها، فكنت ألاحظ أن منهل ينزعج كثيراً ويصاب بالحَنَق، وكان يبرر ذلك بأنه يريد أن يدرس. ولكنني كنت أشعر بأن لديه انزعاجاً داخلياً، وأكبر من ذلك بكثير. وكانوا جيراننا، وكانت الشرفة مشتركة فيما بيننا، في سكن الطب، في الوحدة الأولى، كل غرفتين لهما شرفة مشتركة، وحتى عندما جلبنا البراد وضعه منهل في المنتصف، بمعنى أننا فصلنا الشرفة، وأصبحت قسمين. وهذه مواقف حصلت معي في الجامعة.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/10/14
الموضوع الرئیس
مرحلة ما قبل الثورةكود الشهادة
SMI/OH/53-02/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
بعد العام 2000
updatedAt
2024/05/06
المنطقة الجغرافية
محافظة دمشق-مدينة دمشقشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
الاتحاد الوطني لطلبة سورية
منظمة طلائع البعث