الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

مظاهرة جمعة العزة في دوما

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:12:31:14

كان عدنان حمدان هو الأكثر كلاماً، وكنا نسهر دائماً، ثم أذهب لأنام عند عدنان، أو يأتي عدنان لينام عندي، كان يقوم بمؤازرتي دائماً، وكنت أريد أن أحسّ بأمرين: أنني أثق برأيه وكلامه؛ فهو متوازن جداً، والأمر الآخر هو عامل الثقة لأنه علوي، لا أعرف السبب، ربما هو [كنت أعتبر أنه] يقدّم الحماية لي، رغم أن وضعه أسوأ من وضعي، ولكن لا أعرف ما هو الشيء الذي كان يفعله، فعندما أكون في منزله، أو يكون في منزلي كنت أطمئن كثيراً، وأرتاح. وفي يوم الثلاثاء الذي كان بعد الجمعة الأولى، بعد اليوم 18 من الشهر، في يوم الثلاثاء أو الأربعاء، فتح لي مطبوعاً مؤلفاً من 11 ملف، كان عنده، وقال لي: إن كونداليزا رايس عندما جاءت أخبرتهم بأن هناك دخولاً إلى سورية، ثم تراجعوا عنه. قال: إنهم وضعوا 11 "سيناريو"، وهذه هي "السيناريوهات". وقال: إنني حصلت عليها، وبإمكانك أن تقرأها. كنت مع عدنان في المنزل، فأخرجها لي، كان قد طبعها، وهي موجودة لديه.

أريد أن أعرّف بعدنان؛ لأنه توفي في لبنان، كان عدنان قد قام بدورة أمن معلوماتي في مصر مرتين قبل الثورة، ولكن من هي الجهة؟ ولماذا؟ لا أعرف. فأخرج لي 11 ملفاً، وكان واضحاً أنها غير مطبوعة حديثاً، وقال لي: عندما بدأ غزو العراق كانت هناك نية لدخول سورية، وهذه "السيناريوهات" الإحدى عشر التي وضعتها كونداليزا رايس للتدخّل في سورية. وقال لي: اقرأهم. ووضعهم أمامي حتى أقرأهم، فقلت: لن أقرأ. فقال لي: أنا أتوقّع التاسع. فقلت له: ما هو التاسع؟ فقال لي: تدخّل إيران وروسيا. فقلت له: أنت تتكلم عن كونداليزا رايس وتدخّل إيران وروسيا. قال لي: في النهاية، الحلّ هو دويلات. وكان هذا الحوار يوم الثلاثاء أو الأربعاء الذي جاء بعد يوم 18 من الشهر، قد يكون التاريخ هو 20 أو 22، وقال لي: إن الحلّ دويلات. وانتهى الكلام، ولم أقرأهم.

كان عدنان من أصحاب نظرية: إن التدخّل الغربي هو إنقاذ للتخلّف السوري ولتخلّف الشرق وليس التخلّف السوري فقط؛ لأننا في النهاية سنبقى في منظومة نكون فيها منزوعي الثقافة، فينبغي أن نذهب إلى الدول الحضارية، ونأخذ التجربة منها. فقد كان مع التدخّل.

وكنت ألتقي مع نوال شاهين أيضاً، وكانت نوال شاهين في تلك الفترة زوجة صديقي سامر خروبي، وكنت أزورهم كثيراً في منزلهم، وهم يزورونني، وكانوا أصدقائي، وعلاقتي بهم قوية جداً. كانت نوال نازحة، وزوجها فلسطيني، فكانت تدخل بحالة تحريض، [كانت تقول]: المظاهرة في الجمعة القادمة، ونريد أن نخرج، نريد أن نذهب، ونريد كذا وكذا... فكانت نوال تحاول تعبئتي من الداخل، [وكنت أقول]: حسناً حسناً. وجاء الشباب في يوم الأربعاء مساءً، وقال لي وائل: أخبرني عبود بأن مجموعة "17 نيسان" دعوا إلى مظاهرة في جامع المنجك في "الجزماتية" يوم الجمعة، ونحن نريد أن نخرج معاً. فقلت له: حسناً، سأرى من سيخرج معنا من الشباب، وينامون عندي (في بيتي في المخيم)، ونخرج معاً. وفعلاً، أخبرنا عدنان حمدان وأحمد عزام ووائل، وناموا في منزلي يوم الخميس مساءً، وبقينا حتى الجمعة صباحاً، واستيقظنا صباحاً، وشربنا القهوة، وقلنا: هيا، لنذهب إلى المظاهرة. كان عدنان علوياً، فذهب ليتوضأ، وجميعنا نظرنا، واستغربنا مما فعله عدنان، وقلنا له: لماذا فعلت ذلك؟ فقال: احتراماً لكم. وذهبنا، وتوجّهنا إلى مسجد المنجك، ولكن كانت أشكالنا الخارجية تدلّ على أننا لسنا من رواد المساجد (شعر طويل ولحى وقبعات)، فكان واضحاً أننا نحن الأربعة كذلك، فقد كان لدينا نفس المظهر، ربما كانت لحيتا أحمد عزام وعدنان أقصر قليلاً، ولكننا جميعاً بنفس المظهر.

دخلنا إلى المسجد، وجلسنا، جلس وائل وعدنان بجانبنا، وأنا وأحمد استندنا إلى الحائط، وبدأ الخطيب خطبته، ثم انتهت الخطبة، ولم يحدث شيء، وصلّوا ركعتين، ودعا لبشار الأسد، ولم يحصل شيء، وكان أحمد بين اللحظة والأخرى ينظر إليّ، يقول لي: ماذا نفعل؟ هل نهتف أم لا؟ ولكننا لم نهتف، وخرجنا باتجاه الباب، وعندما خرجنا باتجاه الباب كانوا قد وضعوا سيارتين من نوع "سوزوكي"، كانوا يبيعون عليهما "إكسسوارات" للهاتف، وكانوا قد فتحوا الباب قليلاً، ويوجد صفان من الأمن، كان علينا المرور بين صفين من الأمن، وما يدلّ على أنهم أمن هو وقوفهم المنتظم بشكل كبير، وكان علينا أن نمرّ من بينهم.

وعلى اعتبار أننا لم نكن نجلس بجانب بعضنا، فخرج كل شخصين معاً، فقد نجونا، واستمررنا في المشي، وكنا نريد أن نصل إلى دوار باب مصلى؛ حتى نأخذ سيارة أجرة، فنحن نريد الذهاب، وذهبنا، وكانت نوال هي أول شخص اتصلتُ به، فقلت لها: أين أنتِ؟ لأنها كانت تريد أن تخرج في المظاهرة، فقلت لها: لا، لأن المظاهرة ستخرج من الجامع، لا يمكنك أن تخرجي فهي كاشفة عن رأسها. قلت لها: أين أنتِ؟ فأخبرتني أنها في مقهى الروضة مع نعمى حديد وفادي جومر، وأخذنا سيارة أجرة، وذهبنا إلى مقهى الروضة، ودخلنا، وكأننا ناجون من مكيدة، فربما كان وضعنا سيصبح سيئاً كثيراً. وجلسنا في الزاوية، وكانت نعمى حديد تحمل جهاز "تابلت" وكانت قد فتحته، وأخذت تتصفح، وكنا جالسين، ولا نعرف ماذا نقول، يأتي النادل فننظر إليه، وكان يوم جمعة، وهو يوم الجمعة الأول، وأنت تغلي، ولا تستطيع أن تتوقع ماذا يمكن أن يحدث في الشام أو ما هي ردود الأفعال. وكانت هذه الأحداث في 25 آذار 2011. بعد قليل، قالت نعمى: مظاهرة في دوما! وأخذت نوال "التابلت" منها: وقالت: في أي مكان في دوما؟ حسناً، من سيذهب؟ وكانت نوال منذ أسبوع تكلمني كثيراً بذلك؛ فحتماً يجب عليّ أن أقوم معها، قلت لها: سنذهب معاً. وذهبنا إلى دوما، وأخذنا سيارة أجرة، ودخلنا من حرستا، ذهبنا أنا ونوال فقط، لم يخرج معنا أحد؛ لأن الشباب كانوا قد خرجوا من مأزق، و"الأدرينالين" لم ينزل بعد ومررنا من جانب طريق "الكورنيش"، وذهبنا من طريق حلب، ونزلنا عند جامع "أبو بكر"، وأكملنا طريقنا مشياً، وكنا نستدلّ على طريقنا من الناس، فكنا نمشي مع الناس حيث يذهبون، والناس في تلك الشوارع بالنسبة لنا غير معروفين، بمعنى أنك لا تعرف إذا كان هذا أمن أو كان ابن دوما، ويريد الذهاب إلى المظاهرة، ولكن يجب أن تمشي بشكل حيادي.

وجهتنا الشوارع إلى حيّ حيث يوجد الجامع الكبير، واضطررنا للمشي بنفس الاتجاه، خرجنا إلى الشارع الرئيسي عند الجامع الكبير، ومشينا باتجاه التجمع، وكنا نرى التجمع من الخلف، وكان هناك أشخاص يتوافدون، وكان هذا الشريط (الخط المهلهل) الذي يكون بعد كل تجمع في الشارع، كان هناك أشخاص يقفون على الأرصفة، وأشخاص يدخنون السجائر، وأشخاص يأتون، وأشخاص يذهبون، وبقينا نمشي حتى وصلنا إلى الزاوية مقابل البلدية، وكان خلفنا سور حديقة، فتوقفنا، وكانت الساحة ممتلئة بالناس.

في مظاهرة دوما، لا أعلم سعة الساحة، ولكن الساحة ممتلئة، ولا أعرف إذا كان العدد 1000 أو 2000، ولكن يوجد الكثير، بالإضافة إلى ذلك كان هناك أشخاص ينظّمون، وأشخاص يوزعون الماء، وأشخاص يوزعون "السندويشات"، وأشخاص ينظفون، حيث كانوا يلتقطون قنّينات الماء الفارغة والأوراق التي في الشارع، يدخلون بين المتظاهرين، ويلتقطونها. دخلت معي نوال، وكانت لا ترتدي الحجاب، وجاء الناس باتجاهنا [وهم يقولون]: "هذه هي مراسلة "البي بي سي"، وجاءت لتغطية الأحداث".

في المظاهرة، عندما تقترب فأنت ترى ظهور الناس؛ لأن المظاهرة في الساحة، فيكون التجمع دائرياً باتجاه مركز، فأنت أمامهم، ويأتي الناس من خلفك، وأذكر عدة وجوه، فمن كان يريد أن يمشي يقطع الهتاف من منتصفه، ويضحك، ويمشي، بمعنى أنه كان أثناء هتافه يلتفّ أمامك، ويذهب، فأنت ترى هذا الوجه وهو يقطع الهتاف، ويضحك، ويمشي.

جاء شابان، وكان عمر كل واحد منهما 16 أو17 عاماً، كانا يصرخان: مراسلة "بي بي سي". فتحلّق الناس حولنا، فقلنا لهم: لا، لسنا مراسلين. وكان مع نوال شال، واضطرت أن تضعه على رأسها، وبقينا، ودخلنا، وهتفنا، وكانت الهتافات: "واحد واحد الشعب السوري واحد"، "الله سوريا حرية وبس". وفجأة، قال شخص: إن الجزيرة تصوّر أو مراسل الجزيرة يصور. وهتفوا: "الشعب يريد إسقاط النظام"؛ فصاح بعض الأشخاص: لا، لا. وأسكتوا الهتاف، وعادوا لحالة الهتافات الأقلّ والتي كانت عن الحرية وسورية والشعب السوري، وهتفوا عن درعا.

الشعور الذي يُحكى عنه هو شعورك عندما يُهتف للمرة الأولى، وهذه أول مظاهرة، ونحن أتينا، ووقفنا عند الزاوية، ولم نشارك في المظاهرة بعد، وعندما قررنا أن ندخل، فأنت عندما تدخل تكون خارج الصوت في البداية، وعندما تدخل بين الناس يصبح الصوت حولك، يأتيك من الأمام والخلف ومن جميع الجهات، فلا تسمع الكلمات، فتسمع موسيقا الحروف، وترددها نفسها؛ لذلك أحياناً ترى شخصاً يخرج من وسط المظاهرة، وتكون المظاهرة منفعلة ومشتعلة، مثلاً: يعطي خطاباً جهادياً، فالناس تردّده في البداية؛ لأنه لا توجد سيطرة، والموسيقا هي التي تحكمك. والأمر الآخر: كانت هذه المرة الأولى التي نصرخ فيها أنا ونوال، وكنا بحاجة لهذا الصراخ، وكم نحن بحاجة إلى أن نتقيّأ هذا القيح الموجود وهذا الصمت الطويل الذي تحسّ أنه تعفّن بداخلك، ويجب أن تُخرجه، وبعد أن تُخرجه، وتكتفي، تحسّ بتعب في الحبال الصوتية؛ لأنك في البداية تصرخ بأعلى طاقتك واستطاعتك، ثم تشعر بالألم، فتعود لوعيك، وتسمع الهتافات، وتشاهد الأيدي وهي ترتفع، وتفهم موسيقاهم. ولكن أنت في البداية لا تستطيع أن تفهم؛ لأنك دخلت في حالة الصدمة الأولى أو الولادة الأولى، وأنت تصرخ من الألم، فهل يصرخ هذا الطفل لأنه يتألم أم لأنه سعيد أم لأنه غير متعوّد على الأوكسجين، أم لأن حبله السري قُصّ؟ لا تعرف، ولكنه يصرخ. فنحن انتهينا من هذا الصراخ، وبدأت الحياة، وبقينا تقريباً حتى الساعة 7:30 نهتف، وحتى ذلك الوقت لا يوجد أمن، ولم أشاهد أي عنصر أمن.

وبين الحين والآخر، كان هناك شخص يأتي ليعطينا قنينة ماء أو شيئاً آخر، ويعرضون علينا "السندويشات"، ورأيت عدنان، وقال لي عدنان: نحن نظمنا كل الأمور. فقلت له: شيء جميل. وحتماً، هو يقصد الاتحاد الاشتراكي. وقال: إن الأمور منضبطة. وأذكر أنني سألته عن الأمن، فقال لي: لا يوجد شيء، وهناك كلام عن تلبية الطلبات. وهنا قال لي عدنان: يوجد 14 طفلاً معتقلاً من دوما، وتكلموا مع الأمن لإخراجهم، وعندها ستنتهي المظاهرة، وبقينا حتى المساء.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/10/14

الموضوع الرئیس

الحراك السلمي

كود الشهادة

SMI/OH/53-11/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

25/3/2011

updatedAt

2024/05/06

المنطقة الجغرافية

محافظة ريف دمشق-منطقة دومامحافظة دمشق-الجزماتيةمحافظة دمشق-مخيم اليرموكمحافظة دمشق-مدينة دمشق

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي في سورية

حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي في سورية

قناة الجزيرة

قناة الجزيرة

حركة شباب 17 نيسان للتغيير

حركة شباب 17 نيسان للتغيير

الشهادات المرتبطة