الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

التعذيب في معتقل إدارة أمن الدولة

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:14:58:14

قضينا ليلتنا هكذا بين واقف وجالس، ويوجد جزء من الذاكرة غاب عني، يوجد شيء لم أعد أعرفه، أو أعرف ماذا حصل في هذا المكان، وأذكر أنهم أدخلوني إلى شخص، وبدأ يحدثني عن الوطنية قليلاً، وكنت مقيّد اليدين بقيد من حديد، وكان يتكلم عن الوطنية قليلاً، ثم قال لهم: خذوه. وأذكر أن شخصاً سألني سؤالاً، وأذكر أنني كنت أشتم رائحة كريهة، كأنني في مرحاض أو بجانب مرحاض، ولكن يوجد في أنفي رائحة كريهة، وأن شخصاً أيقظني من النوم، قال لي: ما هو اسمك؟ فقلت له: إسماعيل الحريري. وأنا لم أكن أكذب؛ لأنني كنت أظن أن اسمي إسماعيل الحريري، تذكرت ابن عمتي، لا أعرف لماذا. كان إسماعيل ابن عمتي، وكنت أقول له، وأنا مقتنع: اسمي إسماعيل. وأذكر أنني صحوت، وقلت لهم: ماء ماء. وقال لي شخص: افتح فمك. وبدأت تنزل نقاط الماء إلى فمي، وأذكر اللحظة التي كنت واعياً فيها بشكل جيد، أذكر أنني كنت مرميّاً، وهم يضربونني، ثم تذكرتها فيما بعد، حيث قام بدفعي إلى حافة الدرج، فأمسكني شخصان أو ثلاثة، وضربوني، واللحظة التي أذكرها تماماً أنني على باب منفردة، وفي ذلك الحين بدأت ذاكرتي [تعود]، كانت يدي مرفوعة، وكنت مقيّداً بقيد من حديد يخرج من طاقة الباب، وفي الطرف الثاني، يوجد شخص آخر، والذي بجانبي يصيح: يا ضابط، أين أنت؟ قدمي تؤلمني، فنظرت إلى قدمه، فكانت قدمه اليمين مصابة وفيها جرح، ونظرت خلفي، كان المكان ضيقاً جداً، كانت منفردة، ولكن كان بداخلها 12 شخصاً، فنحن شخصان ويوجد 10 أشخاص خلفنا، منهم من يقف، ومنهم من يجلس.

 وبقيت ذاكرتي مشوّشة، وجاء شخص، وتكلم مع الشخص الذي بجانبي، قال له: ألا تريد أن تسكت؟ فكان هذا الذي بجانبي هو نفسه الذي كان يقول: لا إله إلا الله. فقال له: أنتم كاذبون. وكان يعاندهم، ولكنني لا أذكر الحديث تماماً، كان يقول لهم: أنا لا أتابعكم، أنتم قناة الدنيا كاذبون، كان يعاندهم كثيراً، وفي اللحظة التي اشتدّت فيها الذاكرة عندي فكّوا قيودنا، وذهبنا إلى المرحاض. في البداية، قدّموا لنا الطعام، وأكلنا ونحن واقفون، وكنت أنا والشخص الذي بجانبي مقيَّدَين.

في السجن الأول في أمن الدولة، كان الطعام رزاً مع مرقة وبطاطا مع بندورة، وأحياناً، يقدّمون لنا الدجاج، ويأتي الدسير (الحلوى والفواكه)، مثل: البرتقال أو قطعة من الحلوى، [وأيضاً] بيض وحلاوة، وكانت الكميات جيدة، وتفيض عن حاجتنا. كانوا يقدّمون الطعام في قصعة للمنفردة، وهذا ما أتذكره عن الطعام؛ لأنني هناك لم آكل، كان الطعام يزيد عن حاجتنا فيتركونه إلى اليوم الثاني، فننزعج؛ لأن المكان كان ضيقاً. فأخرجونا، وفكّوا قيودنا، وذهبت إلى المرحاض، وكنا في المنفردة رقم 6 بجانب الساحة التي جلسنا فيها تماماً، وأخرجونا من الباب، والتففنا إلى اليمين، ثم يكون المرحاض على اليسار، ويوجد شخص على الباب اسمه أبو خليل، كان نازحاً، يدفعنا فنصبح داخل المرحاض، طبعاً، لم يكن الوقت محدوداً جداً في المرحاض، فأنت لست بحريتك الكاملة، ولكن لاحقاً عندما سنتكلم عن المخابرات الجوية فإن الوضع لم يكن كذلك، فالوضع هنا أسهل بكثير.

تنتهي من المرحاض، ثم تتعرض للضرب أيضاً حتى تعود إلى المنفردة، ثم عادوا من جديد إلى ربطنا على الباب، وكنا ننام، وفعلاً، نمت وأنا واقف. أحياناً، تحسّ بأن جسدك ارتخى، أو أن يدك تؤلمك فتصحو. وفي أحد الأيام، أخذونا إلى المرحاض، وأعادونا، وجاء أبو خليل، وضربني بدون سبب، فلم يكن هناك حديث بيني وبينه، ولكنه يقف على الباب، وكنت أريد أن أدخل فقال لي: أنت شخص ... وضربني بوكس (لكمني بيده) فدخت، دخت فعلاً؛ لأنه ضربني بغِلّ، ودخلت، وهنا بدأ الكلام بيني وبين جاري، فقال لي: إن اسمه أحمد الملا. وقال: إنه من الشام، ولكنه يعيش في داريا. وقال: إن لديه محل ألبسة أطفال أو ألعاب، اسمه "جنة الأطفال"، في سوق عاصم، في نهر عيشة. وأخبرني الكثير عن نفسه، ولكن هذا ما أتذكره، وسألت أحمد، وقلت له: لماذا أتيت إلى هنا؟ قال لي: لا أعرف، أنت مسجون؛ لأننا كنا في المظاهرة. فقلت له: أنا لم أخرج في المظاهرة. قال لي: ما هو اسمك؟ فقلت له: إسماعيل. وأنا مقتنع تماماً، وعندما أقول للعناصر: إن اسمي إسماعيل. لا أعرف لماذا كانوا ينزعجون، وكان كل اعتقادي أن اسمي إسماعيل، وأتذكر إسماعيل ابن عمتي، وأقول لهم: اسمي إسماعيل.

بقينا 5 أو 6 أيام أنا وأحمد واقفَين بهذا الشكل، وتورّمت أقدامنا، وأصبحنا عندما نذهب إلى المرحاض نحسّ بألم في أقدامنا أثناء المشي، وانتفخت بشكل كبير، وأصبح لون قدمي أحمر، وكنا نحاول رفعها أثناء وقوفنا، ولكن لا مجال لذلك. وجاؤوا فجأة، وفكّوا قيودنا، وأخذونا إلى غرفة في الطرف المقابل، يوجد غرفة بعد المراحيض، وكان فيها خشب له مفاصل يسمونه: "بساط الريح". وسطحوا أحمد على بطنه على "بساط الريح"، ورفعوا قدميه بشكل عكسي، فتألّم كثيراً، وصرخ بشكل شديد إلى درجة أنستني ألمي، وسطحوني بالشكل العادي، ورفعوا قدميّ، وأظن أنهم ضربوا كل واحد منا 15 أو 20 كبلاً رباعياً، ولكن بسبب هذا الانتفاخ في القدمين كنت أحسّ عندما يضربونني بوجود كهرباء تصعقني في رأسي.

كانوا يشتموننا: يا ...، يا حيوانات، يا أولاد الكذا وكذا. وعندما كانوا يضربون أحمد كانوا يقولون له: تتابع "بردى" يا ...، ويذكرونه بالكلام الذي كان يقوله: لا إله إلا الله. فقد كانوا يرددون ما كان يقول. ثم أعادونا إلى المنفردة، وخرج من المنفردة عدة أشخاص وبقينا 7 أشخاص، عندما قاموا بفكّ قيدنا أنا وأحمد، وكان بجانبي شخص من حماة، أخبرنا اسم قريته. أظن أن اسمها: "اللطامنة". كان ضخماً جداً وأسمر، فكنت أتجنبه؛ لأننا عندما ننام في المنفردة، ونصحو، فتكون قدم شخص في وجه الآخر؛ لأننا ننام بشكل مضغوط، وهو ضخم جداً. وأخرجوه فيما بعد، وبقيت أنا وأحمد وشاب من دير الزور، اسمه إما أبو علي أحمد أو أبو أحمد علي، لم يكن قد أخبرني بقصته بعد، ولكنه أخبرني أنه من دير الزور فقط. ثم طُلب أحمد، وأخذوه فجأة، ذهب قليلاً، ثم عاد، فقال: إن والدي تكلّم مع واسطة، وغالباً سأخرج. وقال: كانت لديّ زيارة. ذهبت إلى الضابط، وقال لي: ستخرج، ولا بد أن تترك هذه الأمور. فقال: المهم أن أخرج الآن. وبعد قليل، طلبوه، وذهب، واستحمّ بماء ساخن، وعاد، وقال: إنه استحمّ بماء ساخن. وفعلاً، خرج أحمد، حيث خرج بعد أسبوع تقريباً أو 8 أيام. وبقيت أنا والشاب الديري في المنفردة، فقال لي: كان في دير الزور مظاهرة أو احتجاج في الملعب الرياضي، وكانت هناك مباراة كرة قدم، وأنا الذي قلت: الله أكبر، وضربت السيارة، وأشعلت سيارة الأمن. أو ربما حرق شيئاً آخر، لا أعرف ما هو، هذا ما أتذكره، وقال لي: أنكرت، ولكن المحققين أحضروا صوراً لي؛ لذلك لا يمكنني أن أفعل شيئاً. وفي أحد الأيام، حلمت ليلاً أنني أصعد درجاً، ووصلت إلى باب في سطح بناء، فكنت أريد أن أفتحه، وصرت أضرب على الباب، وفجأة، ظهر أمامي العسكري، وبدأ يصرخ، ويقول: ماذا تريد يا ابن الكذا وكذا. فقلت له: إنني أحلم يا سيدي. وتذكرت أنني عبد الله، وتذكرت أنني أتيت أنا ونوال [شاهين]، وياليتني لم أتذكر؛ لأنني بدأت أفكر: هل اعتقلوا نوال أم لم يعتقلونها؟ وهل أمسكوا آلة التصوير (المقصود الموبايل) أم لا؟ وبدأت أفكر كثيراً، ولكنني حتى الآن لا أعرف كيف أتيت إلى هنا (المنفردة)، ولكنني تذكرت كل شيء. وصرت أتحدث مع أحمد، وفي إحدى المرات، كان الديري يقول لي فكاهة، وضحكنا، وخرج صوتنا، وكان مرتفعاً جداً، فجاء إلينا العسكري، وضربونا عدة كبلات ونحن واقفون عند الحائط، وحذّرونا من الضحك وقالوا أن هذا المكان ليس للضحك. وفي إحدى الليالي، كنا في المنفردة، وفجأة، في الساعة 9 أو 10 ليلاً، سمعنا صوت بنتين؛ لأننا بجانب الساحة، كنا في المنفردة السادسة، وسمعنا صوت بنتين، كان العساكر السجانون يشتمونهما بشتائم بذيئة: يا... وكذا وكذا، وهي تقول له: من أجل الله لا تخلع ثيابي. وأظن أنهن كرديات، وعرفت ذلك من لكنتهن، وكانت تقول: من أجل الله لا تخلع ثيابي. ثم سمعنا صوت بكائهن، وبالنسبة لإحساسنا فقد كان الشاب الديري يفرك قدميه، وكان منزعجاً، أصبح لدينا إحساس مؤكّد بأنهم قاموا بخلع ثياب البنات كما قمنا نحن بخلع ثيابنا قبل دخولنا، هكذا يبدو، ثم ذهبن، ولم نسمع أصواتهن.

وفي اليوم الثاني ظهراً، فتحوا المنفردة فجأة، وأدخلوا علينا شخصين أحدهما من حلب، كان تاجر كهربائيات أو مندوب شركة، كان يأخذ السيارة، ويذهب إلى جبلة، والآخر موظف في شركة "سيريتل" في القامشلي، فقلنا للحلبي: ما هي قصتك؟ عندما دخلا كانا خائفين جداً، وكانا يسألاننا: ماذا سيحدث؟ وكم سنبقى؟ وماذا سيفعلون بنا هنا؟ كنا أول من مرّ بتجربة الاعتقال في الشام، فنحن الذاكرة الحديثة للاعتقال، ولا يوجد أحد يخبرنا بما حصل في الثورة مع المعتقلين. فقلنا لهم: يوجد تحقيق لمدة ساعة من الوقت، ولا يوجد شيء. وفعلاً، هذا ما حصل معنا، وسألنا الحلبي: ماذا حدث معك؟ فقال: إنه يذهب لبيع الكهربائيات في حلب، وكانت هناك مسيرة، ووضعوا لي صورة لبشار، وعدت في الأسبوع الذي بعده، ولأنني أزلت الصورة أخذوني. وسألنا الشاب الذي جاء من القامشلي، فقال: أمّنت اتصالاً لصديقي بأقاربه في العراق، ذهب من أيام غزو العراق، فأمّنت له اتصالاً فأمسكوني. فجأة، فتح الباب شخص مثل المجنون، ويبدو أنه مساعد، فتح الباب مثل المجنون، وقال: أين المسمار؟ من الذي أخذ المسمار؟ ما هو المسمار؟ فلم نفهم، وأخرجونا نحن الأربعة، وبدأ يفتشنا، وفتّش الشاب الحلبي الذي يعمل بالكهربائيات، فوجد المسمار عنده، وهو مثل مفك البراغي ورأسه معقوف، وقاموا بضربه، ثم أعادونا.

وبعد مرور ساعة، أخرجونا إلى ساحة التعذيب، وكنا من الأشخاص الذين تمّ التحقيق معهم، وكنا نقف أنا والشاب الديري، لا نستطيع أن نتكلم مع المساعد نفسه الذي جاء من أجل المسمار، وكان هناك شخص قد جهّز نفسه عند صنبور الماء، على ما يبدو هناك تعذيب. فجاء الشاب الذي فاتني الحديث عنه، ومما كان في ذاكرتي عندما غبت عن الوعي أن هناك شخصاً أشقر ولون عينيه أخضر أو أزرق، فكنت أقول له: هل عندك أولاد؟ فيقول لي: لماذا؟ لدي بنتين. فقلت له: سلّم عليهما، وقل لهما: يوجد شخص سنّي في المعتقل يحبكما، هذا ما كان موجوداً في ذاكرتي عندما غبت عن الوعي.

 وعندما حوّلونا إلى المنفردة بعد أن ضربونا على البساط أخرجونا حتى يحلقوا شعرنا، فجاء إليّ في الساحة، وأمسك بشعري، وبدأ يحلق شعري ببطء، فقال لي: أنت لديك لحية، وهناك نوعين للحية: مشيخة و...، أنت ماذا؟ فقلت له: الثانية. فأصبح يضحك. وفي ذلك اليوم أعطونا بطانيات، وقال لي: يا حمار، كنت ستخرج يوم الاثنين لو أنك لم تفعل ما فعلته. فقلت له: ماذا فعلت؟ أنا لم أفعل شيئاً، فقال لي: اذهب. ورجعت إلى المنفردة، وعندما أخرجونا نحن الأربعة إلى الساحة، وكانوا يريدون أن يبدؤوا بتعذيبنا، فجاء هو، وقال: أنتم، ألستم قدماء؟ قلنا له: نعم. فقال: تعالوا معي. وأخذنا، وأعادنا إلى المنفردة، وقال: خذوا أغراضكم. وأخذنا البطانية، ثم أعادنا إلى الثنائية القديمة التي كنا بها في بداية دخولنا، وجميع من خرج من المنفردة كنا متوقعين أنهم سيخرجون، ولكن يبدو أنهم ذهبوا إلى الثنائية جميعاً، فوجدناهم جميعاً: الحموي الضخم وأبو النصر، وكان هناك شاب من حمص، يدرس هندسة معلوماتية، شعره أشقر.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/10/14

الموضوع الرئیس

قمع الحراك السلمي

كود الشهادة

SMI/OH/53-15/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

نيسان 2011

updatedAt

2024/05/24

المنطقة الجغرافية

محافظة دمشق-مدينة دمشق

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

إدارة المخابرات العامة / أمن الدولة

إدارة المخابرات العامة / أمن الدولة

قناة الدنيا الفضائية

قناة الدنيا الفضائية

قناة بردى الفضائية

قناة بردى الفضائية

الشهادات المرتبطة