في شهر حزيران عام 2011 نسَّقنا من أجل مظاهرة وكتبنا اللافتات وجهزنا كل شيء وحتَّى أي ساعة سنخرج إلى المشلب؛ لأن المشلب هي منطقة بعيدة عن مركز المدينة ونسقنا ساعة خروجنا ومع من سوف نذهب، ومن سوف يأخذنا، وأين سوف نجلس، حتى تبدأ المظاهرة يعني نظمنا كل شيء وطبعا شباب المشلب هم قصي الهويدي –الله يذكره بالخير- وهو الآن في أوروبا، والدكتور عدنان العرسان كان أيضًا في التنسيق وقاسم الخطيب وعمر الهويدي، ومن الصبايا أنا وراما حقي وزبيدة ونجوى ومريم. جئنا من الرقة، أخذتنا زبيدة بسيارتها حتى توصلنا فقط لأن بناتها كان عندهن امتحانات. قالت: أنا أوصلكم بسيارتي حتى لا تذهبن بتاكسي. فعلًا وصَّلتنا بسيارتها للمكان أو المنزل الذي سنجلس به حتى تخرج المظاهرة، لكن أول ما وصلنا بدأت المظاهرة، فالتحقنا بها وبدأنا نردد وراء الشباب. كانوا متفقين ألا يهتفوا: "الشعب يريد إسقاط النظام"، ولكن بدأ الشباب يهتفون، وبدأنا نردد خلفهم "الشعب يريد إسقاط النظام"، وهنا تدخل الأمن وحصل إطلاق رصاص وأصيب شخصان من الشباب، وبهذه الأثناء صرنا نركض ونبتعد؛ لأنهم أوصونا إذا حصل شيء مباشرة ادخلوا أيَّ بيت، ونحن صدقنا كلامَ "ادخلوا إلى أي بيت"، وكنت أنا وراما ونجوى نمسك بأيدي بعضنا؛ لأن الصبايا الأُخْرَيات كانوا أمام منزل يعرفون صاحبه من أصدقائهن، ودخلن إليه مباشرة، ونحن لم نعرف إلى أين نذهب، فأنا لا أعرف أي بيت في المشلب، ركضنا حتى ندخل على أحد البيوت، فخرجوا (من داخل المنزل) علينا بالشنتيانات [سكين طويلة طريَّة تُستخدم في المشاجرات]، طلَّعت هيك شنتيانة، وضربونا .. ضربونا ... ضربونا، أنا تأذَّيت حيث كنت أريد حماية راما فأصابوني. هم لا يريدون المظاهرات ونحن دخلنا إلى البيت الغلط. خرجنا (من البيت) فلحقوا بنا وبدؤوا يضربوننا بالحجر، وأيضًا خرج أصحاب منزل ثاني وبدؤوا يضربوننا بالحجر أيضًا، وكلمات من أسوأ ما يكون؛ بذيئة جدًّا وسخة، فوقَّفنا نأخذ سيارة فقالوا لصاحب السيارة: لا تأخذهم هؤلاء كذا وكذا وبدؤوا يشتموننا وأنا كان في رأسي بعض العقل ولكنه انتهى، ثم قمت بإزالة اللثام عن وجهي، وقلت لهم: (أنا آسفة) ولكن تفي عليكم من بين الرجال ولو يوجد بينكم رجل لا تمدون يدكم على بنات! ولكن يا حيف عليكم روحوا فصلوا ثياب نسوان، واقعدوا؛ لأن النسوان أرجل منكم، ومشيت وقلت لهم: أنا أخت عامر فريج وبيتي معروف، وسأمشي الآن، والرجل فيكم يلحقني، وقلت للبنات الذين معي: امشوا معي ومشينا ثم خرج أحد الشباب من منزل، وجاء يركض نحونا، وقال: تعالي أنا عمي هو أبو قحطان حسن الهويدي، فقلت له: يا حيَّاك الله.

حسن هو صديق عامر أخي الله يرحمه، وأيضًا حسن الله يرحمه تُوفِّي، وقال: تعالي ادخلي هنا، فقلت له: لا، نحن نريد الذهاب إلى البيت. فقال: ادخلن قليلًا ثم اذهبن، حتى ترتاحوا، وكان هذا الكلام كله أمام الناس في الشارع، وقام بإدخالنا إلى منزله من الشارع وعائلة الهويدي كانت عائلة كبيرة ولا أحد يستطيع الكلام معهم. دخلنا إلى المنزل وشربنا الشاي عندهم، وقالوا لنا: ظلوا ناموا عندنا، فقلنا لهم: لا يوجد داعٍ؛ بيتنا في الرقة ونحن لسنا بعيدين.

الأمن في هذه الأثناء كان يلاحق الناس، فخفنا أن يعتقلنا الأمن وخفنا من هؤلاء الكلاب [تقصِد الأشخاص الذين ضربوهن] أن يسلمونا إلى الأمن؛ لأن سيارات الأمن كانت موجودة في المنطقة، ولكن الأمن لم يتدخَّل، ولم يقترَّب منا؛ رغم قذارة الأمن فقد كانوا أفضل من هؤلاء الناس، الأمن أطلق النار في الهواء، وبعدها أطلق النار باتجاه الأقدام وأصيب اثنان من الشباب في أقدامهم.

خرجنا من المنزل وأوقف الشباب لنا سيارة وذهبنا، وفي يومها هذا الشاب أعطانا رقم هاتفه، وقال: إذا صار معكم شيء أخبروني، والحمد لله ما حصل معنا شيء، ولكن في يومها عدت إلى المنزل وأنا أعرُج ولا أستطيع الجلوس بسبب كثرة الضرب، وأمي -رحمها الله- كانت تقول لي: ما بك؟ وأنا أقول لها: لا أعرف، ولكن جسمي متعب، لا استطيع أن أقول لها: كنت في مظاهرة وتعرضت للضرب.