الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

الخروج من المعتقل

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:14:14:10

عدنا، وكان العدد في الثنائية أقلّ، كان الجميع ينام، ولأننا كنا آخر العائدين، فكنت أنام بجانب جهاز التدفئة الذي يقطر منه الماء، وينبغي أن أبقى حذراً حتى إذا امتلأ الدلو بالماء أفرغه في المرحاض، وأعود.

جلست مع أبي النصر، وقلت له: ماذا حصل معي؟ فقال لي: أنت انفعلت فجأة. وعلى ما يبدو أن الأوكسجين انخفض لديّ بسبب هذا الضغط، وقال لي: "أنت دخلت إلى المرحاض" -وكان في المرحاض طاقة، وكنت أريد التنفس على ما يبدو- ودخل السجّان، وعندما يدخل السجّان يجب أن تعطي ظهرك إلى الباب ووجهك إلى الحائط. فقال لي: أنت جئت من المرحاض، ورآك، وقال لك: ما هو اسمك؟ فقلت له: عبد الله الحريري. فقال: أنت من لبنان يا ... ؟ فقلت له: لا أنا من درعا. فقال لي: يا خنزير. فقمت بضربه على ما يبدو، وقال لي: فبدؤوا يضربونك، وأخذوك.

استمرّ الأمر معي حتى تذكّرت من أنا، وجلسنا في الثنائية، كانت الحياة منتظمة، ولم يأتِ معتقلون جدد، ولم يكن هناك استجواب لأي شخص للتحقيق، وكنت قلقاً من أن تعتقل نوال وأن يأخذوا التسجيل، وأن تعترف عليّ، وهذا القلق يأكلني، وكان قاسياً جداً. وفي أحد الأيام، كان يوم الخميس 14 نيسان، قالوا: يوجد "عفو" اليوم. الخطاب العام للسجن والتعامل كله أصبح مختلفاً، وأصبح أكثر ليونة، وأصبحوا يقولون لنا: يا شباب. بعد أن كانوا يقولون لنا: يا حيوانات. و[يقولون]: هيا يا شباب، تعالوا خذوا قصعات الطعام. فقد تغير الخطاب، والأمر الآخر أنهم في الساعة 11:30 ظهراً قدموا لنا الغداء، وهذا الوقت مبكر في السجن، وقدموا لنا الطعام بكميات كبيرة جداً، وأظن أنهم في هذه الثنائية قدموا حلتين كبيرتين فيهما فراريج وحلة فيها رز، قدموا لنا كميات كبيرة من الطعام وكميات كبيرة من الدسير(الحلوى والفاكهة) والحلويات والبرتقال.

 طبعاً هذا الأمر لم أفهمه، ولكنني فهمته في الاعتقال الثاني، وأصبح الأمل الطافح، ومن المؤكد أن هؤلاء أخرجوا المساجين الذين قبلنا، فأحضروا الطعام الفائض وقدموه لنا، هكذا كانوا يتكلمون. وكانت هذه المرة الأولى التي يأكل فيها الشباب بنهم، وبقيت كمية كبيرة وضعناها في المطبخ، حيث يوجد هناك مطبخ ومرحاض، أو كان هناك فراغ بجانب المرحاض، وضعنا الطعام فيه، وانتظرنا قليلاً، وجاء العصر ثم المغرب، وكان جامع الرفاعي بجانبنا، ونسمع صوت الأذان دائماً؛ لذلك لدينا القدرة على تقدير الوقت. وحلً الظلام، وأصبحت الساعة 12 ثم الواحدة تقريباً، ثم فقدنا الأمل، ودخلنا أنا وأبو النصر إلى المطبخ بجانب المرحاض، وكان الشباب قد أكلوا أفخاذ الدجاج، وأصبحنا نأكل الأجنحة، ونرميها بعد أن ننتهي منها، كانت حالة يأس عالية.

فجأة، فُتح الباب، واستدار الجميع نحو الحائط، ولكنهم طلبوا منا أن ندير وجوهنا، وبدؤوا يقرؤون: فلان وفلان و.....، وبدؤوا يذكرون الأسماء، وذكروا أسماء الجميع، وعلى الأغلب الذي بقي ولم يخرج هو الشاب الحمصي الذي يدرس الهندسة المعلوماتية، وهو كان يجلس بجانب الباب وشعره أشقر، وهو كان يقول: أنا لن أخرج. هكذا كان يقول، ولم يكن يتكلم إلا مع أبي النصر، لم يكن يتكلم مع أحد غيره. وعندما خرجنا إلى الساحة لم يكن معنا، وهو لم يكن يتكلم، ولكن كان يقول أنا لن أخرج. فخرجنا إلى الساحة، وكانت وجوهنا نحو الحائط، وكنا على شكل صندوق مفتوح، و كنت على طرف الصندوق المفتوح، ولم يقوموا بتعصيب أعيننا، ونظرت بطرف عيني إلى ما يفعلون، حيث وضعوا طاولة، وضعها نفس المساعد الذي كان منزعجاً بسبب المسمار، طبعاً، رأيت صاحب المسمار والشاب الذي جاء من القامشلي، ووضع أمامه ظروفاً كثيرة، وبدأ ينادي على كل شخص؛ حتى يوقّع، ويأخذ الأمانات، وكان هناك شخص يلبس ملابس الرياضة، قال: أنتم خرجتم بعفو من السيد الرئيس، صدر عفو عام اليوم، وأنتم ستخرجون، ولا تعودوا إلى أعمال الشغب، وإلى هذه الأعمال، فقد صدر عفو الآن، ولكن في المرة القادمة قد لا يصدر عفو، وستخسرون حياتكم ومستقبلكم. هكذا كان الخطاب، وقال: من لديه نقص في أماناته يراجعنا بعد أسبوع في الفرع حتى يأخذها. ونادى اسمي، ثم وقعت، وأمسكت ظرفي، وفتحته، كان المال موجوداً، وكل شيء موجود، ولكن الهوية غير موجودة، وكان هاتفي غير موجود أيضاً، ولم أتجرأ على السؤال عنه، ولكن الهوية غير موجودة، شعرت بالقلق في مكاني؛ لأنني يجب أن أراجع الفرع، ثم أخرجونا إلى الخارج، وسألونا: من يريد الذهاب إلى درعا؟ ومن يريد الذهاب إلى حلب؟ وكانت هناك باصات لتأخذنا إلى الكراجات، فهذا الباص يأخذك إلى كراج "العباسيين"، وهذا إلى كراجات "الست"، وهذا إلى "باب مصلى".

لم نوقّع على تعهدات، ولم يكن هذا الأمر في ذلك الحين مطروحاً، وركبنا في الباصات، وأثناء جلوسنا، كان هناك شخص أمامنا، قال: يا شباب، ما رأيكم يا شباب أن ننشئ صفحة اسمها "لبنة وزيتون"؟ وهي صفحة اشتهرت فيما بعد، فقالوا: كيف يكون ذلك؟ قال: أخبروني الآن ما هي حساباتكم حتى نكتب ذاكرة السجن. وكان شاباً صغيراً، وفعلاً، بدأ الشباب يعطونه الأسماء، فقال: سننشئ صفحة اسمها: "لبنة وزيتون". وهو سماها بهذا الاسم؛ لأننا كنا نأكل اللبنة والزيتون في السجن.

فتح أحد الشباب هاتفه، وأحد الذين كانوا يلبسون ثياب الرياضة، وهو متقدم بالسن، ويبدو أنه ضابط، انتبه إلى ضوء الهاتف في الباص، وصعد، وأمسك بهذا الشاب، وأنزلوه، وضُرب بشدة، ثم أعادوه إلينا، ولم يأخذوه. وعندها رأيت سيارة صغيرة في داخلها بنتان، كانوا قد أخرجوهما، وعلى الأغلب كانتا البنتين نفسهما اللتين سمعناهما في المنفردة، وخرج الباص من نفس الباب الذي دخلنا منه إلى الفرع، وأصبحنا مقابل "المجتهد"، وكان الباص سيأخذني إلى كراجات "الست"، ولكنني قلت له: أنزلني هنا. وطبعاً، كنت بدون حذاء، وفي كل المرات التي سُجنت فيها كانوا يأخذون حذائي؛ لأن أحذيتي أصلية، وفي إحدى المرات، كنت ألبس حذاء متولي، أخذوه أيضاً، وكنت حافي القدمين، وقلت له: أنزلني أمام "المجتهد"، ونزلت حافي القدمين، وهنا لاحظت أنني ألبس بنطالاً من "الجينز" وقميصاً أسود، وكانت ثيابي متسخة جداً وشعري في وضع سيئ؛ فقد حُلق شعري بشكل عشوائي، وكنت حافي القدمين، وليس معي هوية، فيستطيع أي أحد أن يأتي، ويأخذني، وأصبحت أحاول إيقاف سيارة أجرة، ولكن السائقين لا يتوقفون، ثم توقفت سيارة، وكان لدي خوف من سائق سيارة الأجرة؛ لأنه قادم من ناحية الفرع، ويوجد لدينا تخوف من سائق سيارة الأجرة، كنا نظن أن سائق سيارة الأجرة هو عنصر الأمن نفسه، وتوقفت سيارة الأجرة، وركبت بجانبه، وقلت له: إلى المخيم. وسألته: هل معك سجائر؟ فقال: نعم. فأخرج لي سيجارة حمراء وشربتها، قال لي: أين كنت؟ قلت له: حدثت مشكلة في العمل. قال لي: جيد جيداً، أين ستذهب غداً في "المخيم"؟ قلت له: لن أذهب إلى مكان، أمسكوا بي عن طريق الخطأ. وأحسست أنه عنصر أمن، وهذا الأمر جعلني أنزل في مكان آخر، وليس أمام منزل سامر، ونزلت، ومشيت في أحياء شارع المغاربة حتى وصلت إلى منزل سامر، وطرقت الباب، فاستقبلتني نوال، وكانت تبكي، وقلت لها: ألم يسجنوكِ؟ فقالت: لا. وكنت سعيداً جداً، ووجدت صديقتي حنان وجميع أصدقائي، وجاء متولي وسلاف بعد قليل. وسألت نوال: ماذا حصل معك؟ طبعاً، كانت هناك حالة من البكاء تنتابك، ليست فرحاً بالخروج، ربما لأنك تتذكر كم كنت ذليلاً في السجن، فهم كانوا يعاملونك، وكأنك لست إنساناً، وليست لك قيمة أو اعتبار، والآن رجعت إلى المكان، وتحسّ نوعاً ما أنك لا تستحقه، لا أستطيع أن أقول: إنني قبل قليل كنت أتعرض للشتائم (يا حيوان ويا...) وتقول له: سيدي، والآن جئت إلى المكان الذي ينادونني فيه: دكتور وصديقنا والشاعر. ويحترمونني، ويحبونني كل هذه المحبة، وهذا الفارق هو الذي يجعلك تجهش بالبكاء، وقد يكون الناس مشتاقين لك، ربما يكون هذا هو السبب.

سألت نوال، و قلت لها: ماذا حصل معك؟ قالت: أنا دخلت إلى محل العصير، وأنا لا أعرف صاحب محل العصير، ولا أعرف إذا لا زال موجوداً، وعلى ما يبدو أنه كان مع الثورة فأدخلها إلى الخلف، وقالت لي: رميت هاتفي من الخوف، وهربت. قالت لي: إنها ذهبت من اتجاه اتحاد الفلاحين، ونجت.

ونمت، وفي الليل، لم أكن أعرف بعض الأمور الدراجة، مثل: الحرية لفلان، الحرية لعبد الله الحريري، وأثارني الموضوع كثيراً، وكنت أريد أن أعرف من الذي كتب عني، ففتحت، فكانت صديقتي، كانت هناك حبيبة في الحياة، كتبت لي، ولكن ليست مثل نوال، كانت نوال تكتب يومياً عن القهوة، وأنت لست معنا في القهوة، ونحن ذاهبون لنسهر، وأنت لست معنا، ولا أريد أن أخرج لأسهر لأنك غير موجود، وطبخت الأكلة الفلانية أنت تحبها، وأنت غير موجود. يوجد لديها كم فائض جداً من المشاعر، وإذا كنت أحبها عشرة فأصبحت أحب نوال مليون، ويوجد تعليقات لأصدقاء لا تتوقع ذلك منهم، ولا تتوقع وجود لُحمة بين الناس إلى هذه الدرجة. فأصبحت أبكي في الليل، فأنت تشاهد تعليقاتهم، وماذا قالوا عنك، وتلاحظ أن شخصاً تذكرك فتبكي، أو تشعر بوجود علاقات حقيقية أو مشاعر حقيقية بين الناس ولكن أنت غير مدرك لها، وتدركها في لحظة من اللحظات فقط، أو ربما عندما نكون في مكان الضحية فإن هذا المكان هو الذي نحس فيه بأننا محبوبون، فأصبحت أبكي في الليل، وتأخرت حتى نمت.

وفي اليوم الثاني، كنت أريد الخروج إلى الشارع، وكنت خائفاً من مظهري؛ بعد أن حُلق شعري، ولم تكن لدي هوية، وعندما أخبرتهم بأن الهوية بقيت في الفرع كان متولي أبو ناصر أول شخص تبرّع للذهاب معي، قال لي: سنذهب أنا وأنت لنأخذ الهوية. وجاء متولي صباحاً، وقد أحضر معه طعام الإفطار (الفول وأشياء أخرى)، وتناولنا الطعام، فقال لي: قم حتى نذهب إلى الحلاق، إنه صديقي؛ حتى يقوم بتعديل حلاقة شعرك. فذهبت إلى الحلاق، وحلقت، وانتبه الحلاق، وعرف، ولكنه صديق متولي، فقام بحلاقة شعري بشكل لائق حتى يبدو مظهري جيداً، فقلت له: أريد أن أتكلم مع أهلي. وفي الحقيقة، كان بيني وبين أهلي خلاف كبير، فهم يرون أن هذا الشخص خارج عن المألوف وغير ملتزم وجميع أصدقائه متحررون، وحياته كلها شعر وسهر، ولم تكن العلاقة بيني وبين والدي قوية، وعندما اتصلت بالمنزل من هاتف عام، كنا نضع فيه ليرة، وكان موجوداً في الدكان. بعد أن ألقيت التحية عليهم، كان الرد: أهلاً، الحمد لله على السلامة. ولم أذكر من الذي ردّ من إخوتي، أظن أنه كان مصطفى، وكان الهاتف في المضافة بجانب والدي، فقال: الآن رفعت رأسي بك. فكانت هناك شحنة من والدي لم أتوقعها، وكنت أتوقع أنني قد أُقابل بنفس الشيء، وبنفس الحالة الرافضة. وفي النهاية، أنت تتكلم عن مجتمع ووالدي منهم، ووالدي كبير في السن، وكان يتجنب دائماً الاحتكاك بالأمن أو أن تسبب له مشكلة أمنية، وتفاجأت بأنه قال: رفعت رأسي بك، وأبليت بلاء حسناً. وأعطاني نوعاً ما دافعاً، ولكن الخوف كان أكبر، بعد أن خرجت من السجن، أصبحت لا أحب أن أخرج، وكانوا يحاولون دعوتي إلى "العليّة"، إلى "شينو"، إلى "نينار" وكنت أرفض، وأفضل البقاء في المنزل، ولا أحب أن أمشي في الشوارع الرئيسية أبداً، وأصبحوا يزورونني في منزل سامر. 

ثم عادت نوال كما كانت، ما رأيك أن نخرج ونذهب؟ كانت تتحدث في هذه القضية، وفي هذه المرحلة، كنت أجلس عندهم دائماً، فكان سامر يفتح لي القنوات، وأتابع المظاهرات في درعا، وبدأت قنوات العربية والجزيرة تغطيان الأحداث، وخرج بيان النقابات، وكان [أخي] نصر [الحريري] فيه. أحسست أن هناك عواملاً من الماضي تحفزني؛ كي لا أبقى بهذا الشكل، والكثير من الروافد كانت تأتيني. وأذكر أنه في آخر شهر نيسان صدر بيان النقابات و[تأثرت] بكلام والدي وبالشهداء الذين يسقطون، واستشهد 3 أشخاص من قريتنا في "مظاهرة الفزعة" في درعا، وكنت أعمل مع عمر الذي استشهد، وهو أول شهيد لدينا في القرية، اسمه عمر الحريري، استشهد في "مظاهرة الفزعة" التي توجّهت إلى درعا عند مستشفى الشرق (أمام مستشفى الشرق)، أعرفه جيداً. والكثير من الأمور دفعتني أن أذهب، ولكن الذي كنت أخاف منه جداً هو أنني لا أريد أن أبقى بمفردي، فقد كنت أعيش وحيداً في المنزل الموجود في "المخيم"، فكنت أريد أن أتخلص من الوحدة، وأن أخرج.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/10/14

الموضوع الرئیس

قمع الحراك السلمي

كود الشهادة

SMI/OH/53-16/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

نيسان 2011

updatedAt

2024/05/06

المنطقة الجغرافية

محافظة درعا-محافظة درعامحافظة دمشق-مخيم اليرموكمحافظة دمشق-مدينة دمشق

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

إدارة المخابرات العامة / أمن الدولة

إدارة المخابرات العامة / أمن الدولة

قناة الجزيرة

قناة الجزيرة

قناة العربية

قناة العربية

الشهادات المرتبطة