الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

الحراك الثقافي في منبج قبيل الثورة

صيغة الشهادة:

فيديو
صوتية
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:12:59:07

أفرج عني بتاريخ 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2001، وغادرت فرع الفيحاء للأمن السياسي في دمشق، وذهبت باتجاه الكراجات إلى حلب، ووصلت إلى منزلي في منبج الساعة 6:00 صباحًا، صباح 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2001، وطبعًا أنا في هذه الفترة كانت أخبار الأهل مقطوعةً عني، يعني طوال فترة سجن تدمر-6 سنوات-، وعندما كنت في عدرا، كانت تأتيني أخبار وتأتيني زيارات من الأهل، وفي فترة تدمر كلها -6 سنوات- كنت في حالة انقطاع تام، وعدت إلى المنزل ودخلت إلى المنزل ولم أجد أحدًا من عائلتي القديمة سوى أخي الكبير، وطبعًا الوالد تُوفي قبل أن اعتقل، ولكن والدتي تُوفيت بعد اعتقالي، وأنا لا يوجد عندي خبر، وطبعًا الإخوة تزوجوا والأخوات تزوجن، والذين كانوا موجودين هم عائلة جديدة -هي عائلة أخي-، وطبعًا في هذه الفترة من فترة خروجي من السجن واستغرقت هذه الفترة سنةً، وهذه الفترة كانت بصراحة هي نوع من الحيرة، وماذا يمكن للشخص أن يفعل؟ وأنا بنفس الوقت كان عندي رغبة بالعودة إلى الجامعة حتى أكمل وأتخرج، فعدت إلى الجامعة وتخرجت ودرست، ولكن كنت أشعر بأنه يوجد شيء تجردت منه، يعني كنت أتكلم فيه يوميًّا مع أصدقائي في السجن؛ يعني مثلًا كل يوم نتحدث بالشأن العام والسياسة، وطوال 15 سنةً لم أعش فيها همومًا شخصيةً فقط خارج الشأن العام، وكان الشأن العام هو جزء من حياتنا اليومية، وصحيح أننا لم نكن فاعلين؛ يعني داخل السجن أنت معتقل، ولا يمكنك أن تفعل شيئًا، ولكن هذا التفكير اعتدنا عليه وأصبح عندي نوع من التفكير النمطي.

منبج آنذاك لم يكن يوجد فيها حراك سياسي، وكانت مثلها مثل أية مدينة ريفية مهمشة ومهملة، فبدأت أتواصل مع الأصدقاء القدامى الذين خرجوا قبلي من السجن، والذين كانوا معتقلين، وكانت تربطنا صداقات جيدة. الحزب لم يعد موجودًا، وأنا لم يعد لي علاقة بأي تنظيم -لا التنظيم الذي كنت فيه، ولا سواه-، يعني أنا لست مؤطرًا تنظيميًّا أبدًا، ولكن كان يوجد صلات على المستوى الشخصي مع أصدقائنا المعتقلين السابقين، وكان معظمهم من حزب الشعب الذي كان اسمه المكتب السياسي للحزب الشيوعي، فكنا نتردد ويوجد زيارات، ونتداول الشأن العام، فكان يوجد علاقة من خلالهم -علاقة شخصية-، ونتحدث بالشأن العام وكنا نذهب ونشارك، وكل يوم اثنين كانت تحصل وقفة في ساحة سعد الله الجابري لبعض الناشطين في عام 2002، وهذه الوقفة لمعظم الناشطين والمعتقلين السابقين، وكنا نتظاهر في البداية ونرفع لافتات تضامنًا مع فلسطين وغزة، ولكن أيضًا نرفع لافتات أخرى تطالب بالمعتقلين السياسيين، وكان يأتي الأمن ويحاصر هذا التجمع، ولم تكن التجمعات كبيرةً وكانت تقتصر على الناشطين ومحيط الناشطين، وأنا كانت لي زيارات إلى دمشق، وكنت أزور صديقي ياسين الحاج صالح، وكان ياسين له امتداداته في النشاط السياسي والثقافي، وكانت قائمةً وجيدةً ولا بأس بها، فبقي هذا النشاط -أو مجمل تحركاتي- في هذا الإطار، وهي على المستوى الفردي، وغير مؤطرة تنظيميًّا على الإطلاق.

وبموازاة ذلك، وطبعًا بعد أن تخرجت من الجامعة، لم يكن مسموحًا لنا بالتدريس أو التوظيف، بحكم أننا مجردون من الحقوق المدنية والعسكرية، ولا يأخذوننا إلى الجيش حتى لا نفسد عقول العسكر، ففتحت مكتبةً كعمل للعيش، وهذه المكتبة تحولت إلى شبه تجمع لمعظم المثقفين في المدينة، والمهتمين بالحراك الثقافي والأدبي، والشيء الذي أحب أن أذكره وقد يعرفه الجميع، أن مدينة منبج لم يكن يوجد فيها حراك سياسي واضح الملامح أبدًا، وإنما الحراك فيها هو حراك ثقافي، لأنه يوجد فيها إرث ثقافي وإرث أدبي كبير، فكان الحضور الثقافي واضحًا دائمًا، وأنا كان ميلي آنذاك للمجال الثقافي لأنه الأرحب، ويمكن للشخص أن يعمل عليه وخاصةً في تلك الظروف، كان يوجد شعور لدى الناس شعور باليأس تقريبًا، وأن التغيير بالطريقة الراديكالية التقليدية، هذا أمر غير ممكن، فنظام الأسد يمسك بكل مفاصل الدولة، وهو مع كل يوم يمضي يزداد تغولًا بالإمساك بمفاصل المجتمع ومفاصل الدولة، فكان اللجوء إلى الحراك الثقافي هو الأفق الوحيد، الذي يمكن للشخص أن يعمل فيه، والفكرة التي كانت في ذهني: أن هذا الحراك الثقافي الموجود في منبج، وهذا المناخ ممكن استثماره جيدًا لتمرير ما تريد أن تقوله، وإيصال رسائل، وتغيير منحى هذا الحراك من حراك ثقافي أو أدبي مجاني، إلى حراك ثقافي فاعل، وهذه المسألة بحاجة إلى جهد، ولا يمكن أن تأتي دفعةً واحدةً، وإنما بالتدريج، وربط الحركة الأدبية بالشأن العام، هذا ما كنا نتمناه بصراحة، وهذه الحالة والانقطاع عن النشاطات الثقافية، أو انقطاع الثقافة عن الشأن العام، كانت مشكلةً لدى السوريين، فحاولت أن أعمل في هذا المجال.

طبعًا المؤسسات الثقافية أو مؤسسات السلطة الموجودة في منبج، هي مثلًا المركز الثقافي سواءً في منبج أو في حلب، وكنا بحكم المسافة القريبة، كنت أذهب إلى حلب إلى دار الكتب الوطنية أو المركز الثقافي، ولكن يبقى أي حراك داخل هذه المؤسسات، هو حراك محدود جدًّا، لأنه -كما نعرف- تسيطر عليه السلطة، ولا تخلو أمسية أدبية فيها، أو أي نشاط من وجود عناصر الأمن والمخابرات، وحتى عندما تريد أن تحاضر في هكذا مؤسسات، لا يمكن أن تتم الموافقة بدون موافقة الأمن، يعني الأسماء يرسلها مدير المركز الثقافي إلى الأمن إلى المخابرات، حتى يوافقوا عليها، وبعدها -وحتى أثناء النشاط- يأتي عنصر الأمن حتى يكتب التقرير عن النشاط. فكّرت فيما بعد بنقل هذا الحراك من دور المؤسسات الرسمية للسلطة إلى الخارج، وفي منبج تحديدًا أصبحنا نتيجة العلاقات الاجتماعية، واستعادة العلاقات مع المحيط الخارجي، وأنا لم يكن عندي صعوبات إطلاقًا بإعادة العلاقات؛ بمعنى مرحلة الاعتقال لم تشكل عندي حاجزًا من التواصل أو المرونة تجاه المحيط الاجتماعي، وبسرعة أنا أعدت مجمل علاقاتي، ولم تكن فترة السجن حائلًا، أو ولدت حاجزًا نفسيًّا، وخلال سنة أو أكثر قليلًا، كان هناك نوع من الحراك في منبج، ونوع من العلاقات الثقافية، واستطعنا بشكل غير مباشر نقل هذا الحراك من مؤسسات السلطة -أو من المؤسسات الرسمية- إلى خارجها، إلى البيوت والمزارع؛ يعني كنا مجموعةً منهم الكُتّاب ومنهم قاصّون ومنهم موسيقيون، وكل يوم كنا نسهر في منزل، ونسهر في مزرعة، وعدد الحضور أحيانًا يتجاوز 20 شخصًا، علمًا أنه حتى الأمسيات التي كانت تحصل في المركز الثقافي في حلب، لم يكن عددهم أكثر من هذا العدد، وعندما نقلنا الحراك إلى قطاعات أخرى خارج نطاق السلطة، كانت المناخات أرحب بصراحة، وحتى المُنتج سواءً الثقافي أو الفني، كان أكثر تميّزًا، واستطعنا أن نجعل الشأن العام تقريبًا هو جزء من هذا الحراك، أو أن هذه النشاطات تستمد مضامينها من السياقات العامة للشأن العام، وهذا كان له أثر أكثر تميّزًا إبان انطلاقة الثورة السورية.

بقينا على هذه الحالة فترة 6 أو 7 سنوات تقريبًا، حتى أصبح لدينا في المدينة حراك أدبي مميز؛ يعني حتى مؤسسات السلطة سواءً المركز الثقافي في حلب أو في منبج، أي نشاط تقوم به لم يكن بإمكانها تجاهله، لأننا استقطبنا مجمل الحراك، والمميزين من الشعراء ومن الكُتاب، وأصبح يوجد تيار واحد تقريبًا، وصحيح أنهم غير مؤطرين سياسيًّا، ولا يوجد خطاب متصادم مع السلطة، ولكنه حراك ثقافي مميز غير مغلف بغلاف السلطة أو التأييد أو ما إلى ذلك، فأجبرنا تقريبًا المؤسسات الرسمية للسلطة والمؤسسات الثقافية، على عدم تجاهلنا؛ يعني أي حراك سيحصل لابد من الاستعانة بهذه الكتلة، وهي الأكثر وهي المنتجة ثقافيًّا، ومثلًا حصل في عام 2010 مهرجان عمر أبو ريشة، وكان الحراك الثقافي في منبج حاضرًا بقوة، أو الحركة الأدبية أو أعضاء الحركة الأدبية حاضرين بقوة، وأي مهرجان أو أية مناسبة ثقافية كان لنا حضور فيها، علمًا أن مؤسسات السلطة أحيانًا لا ترغب بنا بسبب وجود بعض الأشخاص ومنهم أنا؛ يعني عندما أذهب إلى المركز الثقافي، أنا أعرف أنه ليس مرغوبًا بوجودي من القائمين عليه، ليس لوجود موقف شخصي مني، على العكس يوجد موقف ودي، ولكن خوفًا من السلطة؛ يعني مدير المركز الثقافي عندما يزورني في المنزل وأزوره، كان يوجد علاقة ود، ولكنه بسبب خوفه من السلطة أحيانًا عندما أكون في المركز كان يتهيّب، وربما بعض الأشخاص الآخرين.

هذا المناخ من تفاعل الثقافة مع الهم العام، كان في الحقيقة قد أسهم بشكل جيد في التحضير، أو كان سببًا من أسباب التفاعل السريع مع الثورة السورية عندما انطلقت.

معلومات الشهادة

الموضوع الرئیس

أوضاع ما قبل الثورة

كود الشهادة

SMI/OH/18-06/

أجرى المقابلة

سامر الأحمد

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

2001/01/01

updatedAt

2024/04/20

المنطقة الجغرافية

محافظة حلب-منطقة منبجمحافظة حلب-مدينة حلب

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

فرع التحقيق في الأمن السياسي

فرع التحقيق في الأمن السياسي

الشهادات المرتبطة