في منتصف الشهر الرابع (نيسان/ أبريل) تم التداول بين الناشطين في التنسيق للحراك؛ لأنَّنا بحاجة لأن نعرف استعدادات نظام الأسد لأي مظاهرة قد تنطلق نواتها من ساحة "سعدالله الجابري"، وهذا يوفر علينا أن نحشد في الأحياء البعيدة عن مركز المدينة. وكان لدينا تفكير بأن نرى ما هي استعدادات النظام، بحيث ننطلق بمظاهرة من وسط المدينة، من ساحة "سعدالله الجابري" مباشرة، قد تكون قاسمة. 

كان معنا بعض الإخوة الحكماء على غرار الدكتور مروان الخطيب، والدكتور ياسر درويش، وبعض الناشطين الذين كانوا حريصين على دماء إخوتهم وعدم إزهاق الدماء، وطُلب منا أن نقوم بحركة بمثابة جس نبض لمعرفة استعدادات النظام في ساحة "سعدالله الجابري". طبعًا، أُوكِل إلى بعض الإخوة مهمة تسجيل المعطيات ومراقبة ما هي الاستعدادات ، وكنا من الشباب الذين أُوكِلت إلينا مهمة القيام بحركة ضمن الساحة (حركة بلبلة أو لغط) وقمنا بها، وكنا عبارة عن خمسة وعشرين شابًا، لم نكن قد اجتمعنا معًا، وكان واضحًا أننا شِلَل كبيرة، واستنفر الأمن في ساحة "سعدالله الجابري"، والطريف في الأمر بحسب ما أذكر أن أحدهم كان مساعدًا في الأمن العسكري يعرف أحد الشباب الذين معنا، وهو شاب اسمه بلال آغا، وهو في فرنسا حاليًا، وهذا الشاب من أوائل الثوار، فسلم عليه، و أصوله من جسر الشغور، من سكان "حلب الجديدة"، وسلّم عليه، ودار بينهما حوار، وكان الحوار بريئًا. من خلال هذا الأمر، وجدنا أنَّ هناك شخوصًا غير معروفين للوسط أصلًا، والوسط الثوري كان ضيقًا وصغيرًا، وكانت أعدادنا قليلة جدًا، وكان عدد الأفراد الذين يمثلون الحالة الأمنية في ساحة "سعدالله الجابري" يتجاوز مائتي شخص، وكان واضحًا للعيان أننا نمثل جبهتين فقط كثورة وكأجهزة أمنية، فكان العدد كبيرًا وكذلك الاستعدادات، بالإضافة إلى أن بعض الإخوة سجلوا ملاحظات بأنهم وجدوا قناصة على مبنى "الأزبكية" والمعروف عند ساحة "سعدالله الجابري". ونعرف أن مبنى "حزب البعث" قريب جدًا من ساحة "سعدالله الجابري" عند الحديقة العامة، بالإضافة للفندق السياحي الذي كان فيه قناصة، وكان النظام مستعدًا أن يقوم بمجزرة ولا تقوم مظاهرة في ساحة "سعدالله الجابري". وهذه الحركة التي قمنا بها لندرس إمكانية هذا العمل فقط، وهل سيكون مجديًا أم لا؟ وهل حصوله ممكنًا أم لا؟ وهذه إحدى الحالات، وبعد ذلك، تم الاتفاق في الكواليس بصفتنا ناشطين على أننا حاليًا لن نستطيع في مدينة حلب أن نحصل على مظاهرات بهذا الزخم والحشد الكبير، بالإضافة إلى الضخ الإعلامي في قنوات النظام وعلى رأسها قناة "الدنيا" وقناة "سوريا الإخبارية" وتوصيف الحالة التظاهرية على أن هؤلاء مندسون، وهي حالة غير سورية، وأراد النظام أن يوصل ذلك للشعب كي لا يشارك أحد؛ لأن هذه الحالة ليست سورية.  

واتفقنا على أن نقوم بافتعال مظاهرات بغض النظر عن حجمها في كل أحياء حلب أو ما استطعنا القيام به في أحياء حلب؛ لكي يشاهد المواطن الحلبي أنَّ المظاهرات قائمة تندد بالنظام، وتنادي بإسقاط النظام، وهي موجودة في مدينة حلب، وهذا سيؤدي إلى تحفيز الناس ومساعدتهم في كسر حاجز الخوف، وكان هذا هدفنا، وبالإضافة إلى تكذيب روايات النظام، وهذه كان إحدى الممارسات المبكرة جدًا، واضطررنا القيام بها؛ لأننا لم نكن قادرين على الحصول على زخم كبير في المظاهرات. وخاصة لأن حجم التنسيق وأنت تنسق لمظاهرات في حالة أمنية متشددة جدًا فلم يكن بإمكانك أن تحصل على الزخم الكبير إلا عبر إعلان صريح، وهذا حصل في "بركان حلب" فقط في الشهر السادس (حزيران/ يونيو) أعلن عما يسمى: "بركان حلب"؛ لاختبار الزخم والشارع الحلبي كيف سيكون تفاعله، وهذا الضغط الأمني الذي مورس على حلب كمدينة جعل المحيط أو باقي المحافظات أو ريف حلب يشعرون بالإحباط وخِذلان مدينة حلب. وهذا الأمر أثّر في نفوسنا حيث كنا نواجه خطرًا أكبر بكثير من الخوض في مظاهرة في أي بقعة أخرى، ونحن نقوم بنشاط ثوري أو مظاهرة داخل مدينة حلب في البدايات، رغم أننا مدركون حجم الاستعدادات الأمنية للنظام. طبعًا، من خلال هذا العمل تعرضنا للاعتقالات نحن والكثير من الأخوة الناشطين آنذاك.