مدينة اللاذقية تُقسم إلى 30% علوية و70% سنة، ولكن إذا سألت أي سوري: ما هي اللاذقية؟ فإنه يقول: علوية. وهي مصبوغة بالصبغة العلوية، وعَلْوَنَها النظام بطريقة مدروسة جدًا وفاضحة، وإذا دخلت إلى أي مؤسسة حكومية في كل مفاصلها وغير حكومية في المفاصل الكبرى وفي أي مرفق من مرافق الدولة كبيرها وصغيرها جلّها وبعضها كلهم يتصدرون الساحة والمشهد والغطاء والقشرة، وكلهم من الموظفين العلويين، قطعًا، مدنيين وعسكريين، يعني اذا دخلت إلى دائرة المياه كل الموظفين علويون، وإذا دخلت إلى المركز الثقافي: علويون، وإذا دخلت إلى الهجرة والجوازات: علويون، وإذا دخلت إلى التربية والتعليم: علويون، وأينما دخلت العلويون في الواجهة، والموظفون الذين تحتهم هم من السنة، ولكن الشخص الغريب عن مدينة اللاذقية الذي جاء من الشام أو من دير الزور أو من حمص ودرعا وحماة وحلب إذا جاء إلى اللاذقية ويريد أن يذهب إلى المطاعم فإن إدارة المطاعم علوية، وإذا ذهب إلى الشاطئ فإن كل الشاطئ من العلويين، وإذا كان يريد أن يقوم بمعاملة ما ويذهب إلى المرفأ فسيجد العلويين ويقول: اللاذقية كلها علوية. بينما 70% من أهل اللاذقية من السنة، ولكن أين هم؟ موجودون لكن مغيبون تحت الواجهة الإعلامية أو تحت الواجهة الظاهرة للناس.

وأيضًا يوجد احتقان طائفي حديث وقديم.. القديم.. يوجد استقطاب طائفي كبير من أيام المهاجرة الأولى التي يقول عنها أجدادنا، عندما هجم علويو الجبل على سكان جبل صهيون من أهل الحفة وهجروهم من أراضيهم وعادوا لاحقًا وهجموا عليهم، ثم حصلت الهجرة الثانية. وهذا الاحتقان لم نكن نعيشه يوميًا، ولكنه كان موجودًا قطعًا، وكان يوجد تعليمات على الأقل عند الأهالي أو سكان المدينة الذين يحافظون على مبادئهم أنه لا يجب التعامل مع العلوية، وإذا أردت إحضار عامل التبليط إلى منزلك ويوجد عامل تبليط علوي يقول لك المتر بقيمة 50 ليرة والعامل السني يقول لك المتر بقيمة 60 ليرة يجب أن تحضر العامل السني وتعطيه 60 ليرة، وهذا الموضوع ليس كرهًا أو عدوانًا، ونحن كنا نعيش وقبل الثورة كان يوجد عمل طبيعي، ولكن كان يوجد هذا الاستقطاب، وإذا الشخص لديه القليل من الوعي فإنه سيشعر به، ولكن هل يفهم من كلامي أنه نحن كنا نعيش نتصارع ونبصق على بعض؟ لا، الأمر لم يكن بهذا الشكل، وكان يوجد عندنا أصدقاء من هنا وهناك، ولكن يوجد استقطاب، ويقولون: أنتم ونحن. وهذا كان واضحًا جدًا، ويقولون: أنتم ونحن، وأنتم لكم عاداتكم، ونحن لنا عاداتنا. وكان الموضوع واضحًا، ولم نكن كتلة مجتمعية واحدة. كنا كتلة سكانية واحدة، وكتلة ديموغرافية واحدة، وكنا كتلة جغرافية واحدة، ولكن لم نكن كتلة مجتمعية أبدًا، ولا أعرف إذا كان التوصيف صحيحًا، ولكن لم نكن كذلك، وهذا أعطى مدينة اللاذقية صفات تختلف عن 90% من باقي المدن، وأنا أقول 90% لأنه يوجد طرف من حمص يشترك مع علوية حمص، وطرف من حماة يشترك مع علوية حماه، ولكن الأصل هو عندنا اللاذقية، واللاذقية لديها أحد أريافها وهي مدينة القرداحة، والقرداحة التي تعتبر مصدر الشر في هذا العالم ومنبع الشر في هذا الكوكب، وإن كان للشيطان بيت فهو في القرداحة، ووجود قبر حافظ الأسد في هذا المكان أيضًا كان يعطي شيئًا نفسيًا لأهالي اللاذقية.. أنه نحن أولاد هذه المدينة، والعبث بهذه المدينة أو أي مشكلة ستحصل في المدينة لن يمر على خير أبدًا، لأنه نحن أولاد قضية وهم أيضًا لديهم قضية، ونحن لا ندعي أنهم كعلويين يخافون، لا، وهم لديهم انتماؤهم الذي ينتمون إليه، ونحن لدينا انتماؤنا القوي، واصطدام أصحاب الانتماءات القوية يؤدي إلى مهالك، وهذا حدث لاحقًا، وهذا الشيء جعل مدينة اللاذقية تنتظر الثورة حتى تنضم إلى الثورة كباقي المدن، وتنتظرها حتى تعرف ماذا سيحصل بيننا؟ وإلى أين سنذهب بأنفسنا نحن وهم؟ وهل نحن سنبقى في منازلنا أم هم سيبقون في منازلهم؟ وماذا سيحصل؟ وهل سنصطدم؟ وهل سيدافعون عنا أم سيخرجون معنا؟ وهل سنخاف منهم؟ يعني كانت كل الاحتمالات مفتوحة.

خرجت مظاهرات بانياس ونادت بإسقاط النظام، وأعتقد بانياس لم تنادِ بإسقاط النظام من البداية.