في 2012 بدأ الثوار بعملية تحرير نوعًا ما فعلية في المنطقة، وأطلقوا يومها معركة واسعة وتحررت مدينة حلفايا في شهر كانون الأول/ ديسمبر وعلى إثرها ارتكبت طائرة حربية تابعة لقوات الأسد تابعة لنظام الأسد مجزرة الفرن واختلط فيها الخبز مع الدم وراح ضحيتها 98 شهيدًا، وتحررت تل عثمان واستهدفت كل الحواجز الموجودة في المنطقة، يعني كانت في الحقيقة يمكننا أن نقول أيام انتصارات وأنا كان عملي التوثيق، وكذلك يوجد فيديوهات للثوار عندما كانوا يستهدفون قوات النظام، وكان يوجد اشتباكات موجودة وهذه الفيديوهات موجودة على اليوتيوب وإن لم تكن متوفرة اعتقد هي ما زالت حتى اليوم موجودة ضمن الأرشيف الميداني، وأنا فقدت الكثير من الأرشيف الخاص بي.

بعد هذه المعارك أصبح يوجد معارك روتينية: استهدف الثوار، والثوار سيطروا...، وأما أنا كمصطفى كنت أحاول أن أكرس جهودي أن أتواجد على الإنترنت بشكل كبير، وحتى لو أنه اليوم يجب أن أعد تقريري بحكم أنا كان عملي مع مركز حماة الإعلامي الذي تشكل في 2012، وكان يوجد شيء اسمه الهيئة العامة للثورة السورية، ومجلس قيادة الثورة وهذه كلها كانت موجودة، وتنسيقيات الثورة، وفي مركز حماة الإعلامي كان يوجد أقسام كانت منظمة بشكل جيد، ويوجد شيء اسمه قسم المداخلات، وكنت أستلم أغلب المداخلات أنا وشخص آخر، ولكن أنا كنت أحاول جاهدًا بشكل يومي أنا يجب أن أداخل وأحكي عن الوضع والسياق الميداني في محافظة حماة، سواء كانت مجزرة أو حدثًا مهمًا أو أي حدث سواء كان قصفًا فيجب اليوم أن أخرج وأتكلم، وهذا بشكل عام على الصعيد الشخصي كعملي الذي أعمل فيه. 

كذلك ليس فقط ملف المداخلات، وأيضًا ملف التصوير، فقد كنت أحاول كثيرًا قدر الإمكان أن أصور الدمار وأوثق انتهاكات قوات الأسد، وبعدها في عام 2013 ربما استمر الحال على ما هو باعتبار أن المنطقة هي منطقة محررة، ولكن أنا أريد أن اذكر أشياء كانت مؤثرة آنذاك، التي هي تخص الوضع المعيشي في حياة الناس كانت فعلًا تمسهم، وأذكر في تلك الأيام أنه لم يعد يوجد شيء اسمه غاز ولا مازوت نظامي قابل للاشتعال، ويوجد شيء اسمه المازوت الأسود المازوت الخام الذي يأتي مخلوطًا البنزين مع المازوت، الذي تسبب بالكثير من الضحايا من السوريين يعني فوق ضحايا بشار الأسد الذي كان يرتكبها والمجازر، أيضًا كنا ضحية المازوت الأسود، فالناس بدأت تستخدم المازوت الأسود وكيس الطحين وصل إلى 70 و 100 دولار، والمشكلة أنه الناس لا يوجد لديها عمل ولا شغل والناس أصلًا تعيش وضع بطالة، فكيف أنا اليوم سوف أذهب وأشتري كيس الطحين ب 100 دولار وكيف أنا سوف أستبدل أسطوانة الغاز، فالناس لجأت إلى الحطب، باعتبار أنها منطقة جبلية وممكن أن أحتطب قليلًا وأشعل النار وأطبخ على النار، وحتى يوجد لي تقرير معد عن الأوضاع المعيشية آنذاك في الشتاء وهي الشتوية القاسية جدًا، وكانت البيوت أغلبها يوجد فيها دمار جزئي، وممكن النافذة مفتوحة عليك وأنت تغلقها ببطانية (غطاء)، وفعليًا كان أقسى شتاء مر على أهالي الجبل (جبل شحشبو) في تلك الفترة، وليس فقط أبناء الجبل، لأنه عندما نتحدث عن المازوت الأسود هذا يعني أن جميع السوريين عاشوا نفس هذه التجربة التي عايشها الجبل وأبناء المنطقة.

يمكنك أن تسميه شتاء الجوع أو الشتاء البارد أو الشتاء القارس، ولا يمكننا أن نقول شتاء الجوع بالمعنى الحرفي، لأن المنطقة أولًا كانت هي حاضنة للنازحين وحاضنة للفصائل العسكرية المسلحة، وعلى الرغم من كل ذلك لا يوجد شيء اسمه بيت يتم تأجيره، وكان موجودًا شيء اسمه الولائم العامة، وأصبح يوجد حملة نزوح، ويجب اليوم على فلان أن يقيم وليمة غداء بما تيسر، ولكن غالبًا ما تيسر يكون ذبائح، والعشاء كذلك الأمر عند فلان والغداء عند فلان، وعلى الرغم من هذه الظروف القاسية التي كانوا يعيشونها، كانوا يضحون من مواشيهم، بحيث أنه يسترون وجوههم أمام الناس ويظهرون كرمهم للناس القادمين إليهم كضيوف.

في تلك الأيام لم يكن يوجد شيء اسمه منظمات، ولم يكن يوجد منظمات تقدم مساعدات إنسانية، وحتى الناس في تلك الأيام لم تكن تفكر أن يأتي أحد ويساعدها، ولم تكن تتقبل فكرة أنه أنا تصلني سلة إلى البيت لأنها كانت تعتبرها بمصطلح "الشحادة" (التسول) أنه أنا اليوم لا أتحمل أن يمن علي أحد من هذه المنظمات، ولكن بعدها بفترة بدأوا يتقبلونها بكل أريحية نتيجة ضيق العيش فلم يعد يوجد متسع في هذه الحياة ولا يوجد عمل، والمنطقة محاصرة ونظام الأسد سيطر على كل أراضيهم في منطقة سهل الغاب واستحوذ عليها، ويعيشون في منطقة جبلية وزراعتهم هي زراعة بعلية ولا يستطيعون الذهاب إلى لبنان (للعمل) على سبيل المثال، ولا يستطيعون الذهاب إلى مكان ثانٍ، ويوجد الكثير من الناس خسرت وظائفها، وفعليًا كانوا يعيشون الأمرَّين، وأنا ذكرت قبل قليل أنه ليس فقط هم الذين يعيشون الأمرين فبشكل عام كسوريين كانوا يعيشون أو المناطق التي حاول النظام إحكام سيطرته عليها أو محاصرتها كانت تعيش نفس الظروف.