بعد إخراج عناصر الأمن من المفرزة، دخل الناس إلى المفرزة، وصارت هناك حالة من الفوضى، ومفرزة الأمن السياسي في جنوب الثكنة هي ذراع من أذرع السلطة التي كانت تجند مخبرين وإلى آخره، فالناس صاروا يحرقون في بعض الغرف، فأشعلوا النار، وهناك أغراض صاروا يخرجونها، ويبعثرونها في الخارج، أو يأخذونها. وفي تلك الفوضى العارمة، كانت هناك ضرورة لأن نرى، ونطلع على الأوراق التي كانت في المفرزة؛ لأنَّ تلك الأوراق قد يكون فيها أوامر القتل أو ضرب الرصاص وتدين النظام، فكان ضروريًا أن نحصل على هذه الأوراق، وفي غمرة الفوضى، دخلت أنا على مكتب، يبدو أنه مكتب رئيس المفرزة فيه أوراق ومصنفات فجمعتها، وأخذتها معي، ولم يكن هناك وقت أن أطلع لأرى ما هو المهم وغير المهم، وجمعتهم من مصنفاتهم، وأخذت كيسًا، ووضعتهم فيه، وخرجت. في البداية، [تساءلت]: إلى أين سأذهب؟ فربما كان هناك تصوير أو شيء آخر (يعرف وجهي)، وهذا الأمر بالنسبة للنظام حساس، وهو الحصول على أي أوراق أو وثائق تدين إجرامه أو أن تطلع على أوامر القتل، وتوجهت إلى بيت أحد أصدقائي من الشباب الناشطين في الحقل القانوني، وهو محامٍ مخضرم في قضايا حقوق الإنسان والقانون الدولي، فتوجهت إليه، واطلعنا على الأوراق لنرى مدى أهميتها، وما هي الأوراق التي قد تشكل إدانة للنظام. اتصلت أول الأمر به لأرى إذا كان في البيت أو مكان آخر، ولا أستطيع على الهاتف أن أقول له: لدي أوراق أخذتهم من مفرزة الأمن السياسي، وكان من المتوقع في ذلك الوقت أن يكون رمضان في اليوم التالي أو الذي يليه، وقلت له: أحضرت لك معي تمرًا من أجل رمضان، وهو لم يعرف ماذا يعني التمر، وقلت له: الجو حار وبحاجة لبراد ضروري لنضعهم في البراد لديك، قال: نعم نعم أحضرهم. وهو شعر أن هناك شيئًا أريد أن أوصله له، ولكنه لم يفهم ماهو بالتحديد، ولكنه عرف أن هناك شيئًا مهمًا، قال لي: أنا في البيت تعال إلى بيتي. فخرجت وبالصدفة رأيت كرتونة(صندوق) تمر في أحد الشوارع وأنا في الطريق، وضعتها في كرتونة تمر، وحملتها.

دخلوا، أخذوا العناصر، أخرجوهم، ولكن بقي أن يطلقوا الرصاص على أطراف مدينة حماة مكان تجمهر الناس من جهة دوار السباهي مدخل طريق حلب، وكانت اشتباكات المخفر قد انتهت، و[بالنسبة] للوضع الناس متأهبون، والجيش واضح، فقد صارت الآليات تدخل، وتخرج من الشوارع محاولة استكشاف ماذا يوجد لدى الأهالي، هل يوجد سلاح أم لا؟ وهكذا كان الوضع العام، لا يوجد اقتحام مباشر، إنما استفزازات من الجيش وضرب رصاص في الجو، أو يضربون حين تحصل تجمعات لأشخاص يهتفون في وجههم، فيضربون عليهم. وهنا اطلعت أنا والمحامي على الأوراق، وكانت أغلبها أوامر إدارية وتعميمات لأرقام سيارات وتعميمات لمسدسات مرخصة لأحد أو شيء، كلها تعميمات إدارية، وشعرنا أن بعض الأوراق ربما تكون لها أهمية، ولكنها عمليًا لم تكن ذات أهمية، يبدو أنهم أخذوا الأوراق المهمة حين أخرجوهم، ولكن هناك ورقة أثارت انتباهنا، وصورناها، ونشرناها، وهي أمر من فرع الأمن السياسي بحماة لعناصر المفرزة، وهو غريب ومضحك وهو: مراقبة أي أحد يتابع قناة "أورينت"، وهي قناة معارضة تبث المظاهرات وتسجيل أسمائهم لملاحقة هؤلاء الناس في وقت لاحق، فمجرد مشاهدتهم للقناة كان بالنسبة للنظام تهمة، كان هذا الأمر واضحًا، صورناه، ونشرناه على الإنترنت.

بحثت عن الكومبيوتر (الخاص بالمفرزة) ولكن يبدو أنَّ صندوق الكومبيوتر المكتبي أخذه أحد ما، وخرج به، حاولت أن ألحقه لأنَّ هذا قد يكون فيه وثائق أو شيء مهم، لم يرد عليّ، ومشى، ولم أعرف من هو، كانت فوضى عارمة، وللأسف لم أستطع أن أحصل على "الهارد ديسك" لنرى ما فيه. وبقي الاستنفار في المدينة، وصرنا نتنقل بين عدة أحياء؛ لنرى ما هو الوضع، لم يحصل الاقتحام، ولكن هذا اليوم يعتبر يوم الاقتحام، فقد بدأ الجيش بالاستفزاز، وحصلت أحداث مخفر طريق حلب ومفرزة الأمن السياسي وما حصل في الضاحية وحرق الدواليب، واستنفار الأهالي.