إنزال القوات الأمريكية في البوكمال عام 2006
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:12:07:20
دخلت البوكمال في مرحلة حكم بشار الأسد تلقائيًا، ولم تكن هناك فترة انتقالية ما بين موت حافظ الأسد واستلام بشار الأسد الحكم، يعني لم نلاحظ أي تغيير بالنسبة لطبيعة السياسات الداخلية في البوكمال، وبقي رئيس شعبة الحزب (حزب البعث) كما هو ورؤساء الفروع الأمنية والنظام الإداري الموجود في البوكمال، ولم يتغير أي شيء بالنسبة لنا كشعب، وجرت بعض المظاهر في البوكمال من بعض الذين بدؤوا يبثون دعايات بأن مرحلة بشار الأسد هي مرحلة خير، وأُقيمت بعض الاحتفالات المخطط والمعدّ لها سابقًا برعاية شعبة الحزب ورعاية منظمة طلائع البعث، و أخرجوا الطلاب باحتفالات، وأن سورية بدأت بمرحلة جديدة وهي مرحلة بشار الأسد.
كنا ننظر أو نتطلع في البوكمال لأن يحدث تغيير، ولو كان هذا التغيير على يد ابن حافظ الأسد، لكن هذا التغيير لم يحصل في البوكمال، وانتظرنا تجديد دورة مجلس الشعب في عام 2004 ، ولعل هذا التغيير يحدث في مجلس الشعب، وكذلك أعيدت نفس الحلقة بتعيين مجلس الشعب وما يسمى الجبهة الوطنية والمستقلة، والجبهة الوطنية كانت تأخذ الحصة الأكبر من مجلس الشعب، وكانوا يعيّنون تعيينًا، والمستقلون لم يكونوا مستقلين فعليًا، وكانت أسماؤهم ترفع إلى قيادة فرع الحزب، وتُدرس هذه الأسماء، ثم يعودون، يعني لم نشعر بشيء أو تغير في السياسات أو تغير في شيء يمكن أن يكون له مردود على أهالي البوكمال.
ثم جاءت مرحلة حرب أمريكا وغزو أمريكا للعراق والحرب التي أُسقِط فيها صدام حسين، ونشطت أجهزه الأمن في البوكمال، ونشط عمل الأجهزة الأمنية، وأنشئ ما يسمى المكتب الثاني، وهو مكتب متابعة الإرهاب، وأُلحق الذين ذهبوا إلى العراق بالإرهاب تلقائيًا، يعني كل من ذهب إلى العراق وُضعت عليه إشارة إرهاب. النظام كان يسهّل هذا الدخول إلى العراق، والنظام فتح الحدود على مصراعيها لدخول المجاهدين العرب -كما سُموا آنذاك- للعراق، وجاؤوا من كل الكرة الأرضية، ودخلوا إلى العراق، والأجهزة الأمنية كانت ترى الباصات تنزل الغرباء من الجزائر والسعودية ومصر ومن كل الدول العربية، وأتذكر أنني التقيت مع شخص بريطاني كان أشقر واسمه أحمد، فلفت انتباهي في السوق، وبنيته الجسدية تدل أنه ليس عربيًا، فهو أشقر وطويل، فاقتربت منه، وسألته، وقلت له السلام عليكم. فقال: وعليكم السلام. وسألته: ما اسمك؟ فقال: أحمد. وعندما لفظ كلمة أحمد عرفت أنه أجنبي، وسألته: من أين أنت؟ فقال: أنا بريطاني. وسألته: إلى أين تذهب؟ فقال مع المجاهدين في العراق. فقلت له: أخشى أن يقتلك المجاهدون، ويظنون أنك أمريكي.
بدأنا نرى أن الأجهزة الأمنية تلعب لعبتها، ولكنها أكبر من اللعبة السابقة، والأجهزة الأمنية على أيام حافظ الأسد في البوكمال لاحقت اليمين العراقي، ولاحقت بعض عناصر "الإخوان المسلمين" أو قيادات "الإخوان المسلمين"، وهم قلة في البوكمال، ولاحقت بعض المهربين، واستفادت منهم، وتشاركت معهم إلا أنه هنا في عام 2003 ،لاحظنا أن الأجهزة الأمنية تلعب لعبة أكبر مما كانت عليه من قبل، وأدخلت آلاف وعشرات الآلاف من الناس عبر الحدود، ثم بدأت تلاحق من يساعد هؤلاء الناس فيما بعد، واعتقلت المئات من أبناء المدينة بحجة الإرهاب، وأُنشئ مكتب الإرهاب، وكان مسؤولًا عنه في ذلك الوقت مساعد أول اسمه أبو عماد، وأذكر أن اسمه ثائر قسومة، وقُتل هذا الشخص عند اقتحام الأمن العسكري في الثورة، وأبو عماد أصبح رعبًا داخل رعب، فهو مساعد أول ضمن الأمن العسكري في المكتب الثاني، فأصبح الرعب مركبًا في هذا الجهاز القذر الذي كان يعتبره أهل المدينة الحاكم الفعلي والمتسلط على رقاب الناس.
استمرت الأمور هكذا في حكم بشار الأسد، وفي عام 2006، حصل حدث بارز جدًا في البوكمال عندما قامت القوات الأمريكية بإنزال جوي في منطقة السكرية أو بالقرب من البوكمال وليس في السكرية، يعني ما بين السكرية والبوكمال وبالقرب من النهر، وحدث هذا الإنزال الجوي بحجة اعتقال قيادي كبير من تنظيم القاعدة. وفي عصر ذلك اليوم، كنا على أطراف المدينة مع الشباب، ونلعب كرة القدم، وكأننا نتفرج على مسلسل، ورأينا طائرتان مروحيتان تجوبان الآفاق في البوكمال، وكان المكان المستهدف قريب من حاجز النهر أو حاجز الجسر، وهو الحاجز الذي كان يتمركز فوق الجسر الممتد ما بين البوكمال والباغوز، وكان هناك حاجز للمخابرات العسكرية، وأتت هاتان الطائرتان، وسمعنا بعض أصوات إطلاق النار، وبعد 20 دقيقة تقريبًا، عادت هاتان الطائرتان، وكان الناس ساكتين، ويسألون: ما الذي حدث؟ ولا أحد يعرف، وتجمعنا بعيدًا حتى ننظر ماذا حدث، وفوجئنا بأن هاتين الطائرتين هما طائرتان أمريكيتان، دخلتا من العراق من قاعدة عين الأسد، واعتقلت هذا القيادي، وفيما بعد عرفنا أن هذا القيادي أصوله من مدينة الصالحية في ريف البوكمال، واعتُقل، وقُتل في ذلك الوقت 9 أشخاص، قتلتهم القوات الأمريكية، وهؤلاء مدنيون كانوا يعملون في بيت هذا الشخص، وكان هذا الشخص يقوم ببناء كبير، ويُقال بحسب ما سمعنا من بعض ما قيل في السوق من عناصر الأمن، وهم من بثوا الإشاعة بين الناس، ونحن بالطبع لا نعرف الحقيقة، يعني كان هناك إنزال جوي، وقُتل 9 أشخاص، وأُسر من أُسر وسمعنا بعد أيام أن هذه الحادثة كانت بغية اعتقال هذا القيادي الكبير الذي كان يعدّ مقرًا لتدريب عناصر القاعدة في عام 2006. وبعدها بيوم أُعلن إضراب كامل في البوكمال احتجاجًا على هذه الحادثة، وجاءت طواقم التلفزيون السوري بكاملها إلى مدينة البوكمال، وأخذت تُجري اللقاءات مع الناس حتى يستنكروا هذا العدوان. وجاء المحافظ وبعض المسؤولين وبعض أعضاء مجلس الشعب، وأظن أنه في يومها جاء رئيس الوزراء مصطفى ميرو، وجاء بعض الوزراء معه، وقاموا بمظاهرة ضخمة جدًا، ابتدأت من شمال المدينة من شعبة الحزب وصولًا إلى الساحة الرئيسية، وأصبح هناك مهرجان خطابي تنديدًا بهذه الجريمة التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية. وطبعًا، كانت مجرد أصوات، ولم يصدر أي شيء رسمي، ولم يُفتح تحقيق رسمي بها، وأنا ذهبت إلى المنطقة التي جرى فيها، فبعد أسابيع أو أيام، حتى تجرأنا أن نصل إلى هذه المنطقة، وبالفعل كانت منطقة مدنية، كان مجرد سور، وتوجد حفرة، وهم كانوا يحاولون صب هذه الحفرة من أجل إنشاء ما يشبه السرداب في هذه الغرفة. ويقال: إن الرجل كان يعده معسكرًا للقاعدة. وهو معسكر يبعد أمتارًا عن نقطة للمخابرات العسكرية، والمخابرات العسكرية رأت الطيران، وكان هناك لديهم مضاد 14.5 على الجسر، فلم يصدر منهم أي إطلاق للنار ضد الأمريكان، وقام الأمريكان بالإنزال، ثم ذهبوا، ولم يقم عناصر النظام بمقاومتهم.
إثر هذه الحادثة، فعّل النظام مطار الحمدان الدولي، ومطار الحمدان الدولي موجود قديمًا، ولم يكن مفعلًا، وعلى إثر هذه الحادثة في عام 2006، قام النظام بتفعيل مطار الحمدان الدولي ووضع مضادات جوية في هذا المطار بغية حماية المدينة. ووُضعت كتيبة دفاع الجوي في المطار، وكان قائد المطار هو رائد طيار موجود في المطار، ووُضعت بعض المروحيات، ثم أزيلت، وبقيت الكتيبة فقط وبعض الآليات والدبابات والعربات المجنزرة في مطار الحمدان الدولي الموجود في شمال المدينة.
وأثرت هذه الحادثة في نفوس أهالي البوكمال، فكنا نتناقل الخبر فيما بيننا: ما الذي حدث؟ وهل من المعقول أن تقوم أمريكا بإنزال؟ وهل أمريكا بحاجة لأن تقوم بإنزال؟! يعني يكفي أن تتصل أمريكا بالهاتف، ويأتي من يريد إليها، وتقوم أجهزة الأمن باعتقاله، واستغربنا من هذه الحالة. وحُفرت هذه الحالة في ذاكرة أهل البوكمال، ثم مضى الناس بأعمالهم، وقُتل من قُتل، ولم يعوّضوا، وجرح عدة أشخاص، ولم يلقِ لهم بالًا.
استمررنا في البوكمال تحت ظل نفس النظام ونفس الأشخاص ونفس الوجوه ونفس الرعب الأمني، ولم يحدث أي نشاط سياسي أو أي نشاط مجتمعي، ولم تشكل أية هيئات أو نقابات أو أي شيء، ولم نلاحظ في البوكمال شيئًا يختلف عن عام 1970 ونفس الوجوه ونفس التسلط، ولم يتغير في البوكمال أي شيء.
معلومات الشهادة
الموضوع الرئیس
مرحلة ما قبل الثورةكود الشهادة
SMI/OH/134-08/
أجرى المقابلة
بدر طالب
مكان المقابلة
الباب
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2006
updatedAt
2024/03/21
المنطقة الجغرافية
محافظة دير الزور-مدينة البوكمالشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
تنظيم القاعدة
جماعة الإخوان المسلمين (سورية)
مجلس الشعب - نظام
فرع الأمن العسكري في البوكمال
القناة الفضائية السورية - التلفزيون الرسمي