ومن ثم خرجت في الجمعة التي بعدها (جمعة الاصرار في 15 نيسان 2011) مظاهرة أكثر ترتيبًا، وأخذ الناس يصرخون أو يهتفون هتافات موحدة، وأتذكر في يومها هناك أغنية رددها المتظاهرون بصوت جماعي، وأخذت التظاهرات تنشط في جميع أرجاء سورية وليس فقط في البوكمال مما أعطى المتظاهرين في البوكمال حافزًا ودافعًا أقوى، وبدأنا نسمع عن المظاهرات في قلب دمشق، وفي الميدان، خرجت مظاهرات.

المظاهرة الثانية خرجت في الجمعة التي تليها من نقطتين: من جامع سيدنا عمر بن الخطاب في حي الطويبة، ومن الجامع الكبير. وطبعًا، سار المتظاهرون من جامع عمر إلى الجامع الكبير، واجتمع المتظاهرون، وأعيد المشهد ذاته، فالمتظاهرون يهتفون: "حرية حرية، الله أكبر سورية وبس، بالروح بالدم نفديك يا درعا". وبعض الأشخاص هتف: "الشعب يريد إسقاط النظام". ولم يكن الهتاف عاليًا، ولم نناد بإسقاط النظام، ونريد الإصلاح كما كان حال سورية. وتجمع المتظاهرون، وبالقرب من بناء الجنائية ومبنى النفوس ومبنى الشرطة وهذه المباني التي كانت قريبة من ساحة الفيحاء، اتخذ بعض المتظاهرين طوقًا؛ حتى لا يؤذي المتظاهرون الآخرون هذه المباني، وأن هذه المباني لنا، وهذه أملاك الدولة، واتخذوا طوقًا حول هذه المباني، ولم تجرِ أي مواجهات بين المتظاهرين أو أحد غيرهم، وقام النظام بإخراج مظاهرة مؤيدة في نفس الوقت عن طريق بعض المخبرين والعملاء له، وهتفوا، [وكانت المظاهرة] على الدراجات النارية، وهتفوا: "بالروح بالدم نفديك يا بشار". وبعض الناس خرجوا لا يعرفون ماذا يحصل، خرجوا مع المظاهرة المؤيدة، وعندما وصلوا إلى المظاهرة المعارضة رأوا أن الأعداد أكبر، ورأوا أن الشعب كله هنا؛ فالتقوا، وأخذوا يهتفون: "الله أكبر حرية". وكان مشهدًا جميلًا جدًا، ففشلت مظاهرة النظام أو فشلت هذه المسيرة التي أرادها النظام من أجل إحباط الروح المعنوية للمتظاهرين.

بعد المظاهرة، أخذ البعثيون والناس المتنفذون والمستفيدون من النظام وبعض وجهاء العشائر أو شيوخ العشائر ينتشرون بين الناس، ويحدثون الناس: إن النظام كذا وكذا. ويمدحون بشار الأسد، وأن بشار الأسد يريد الإصلاح، وأرادوا أن يبثّوا بين الناس أن هذه المظاهرات جاءت بمؤامرة خارجية، كما كان يقول النظام، وأصبح الناس يردون عليهم: [مرت] 11 سنة، لماذا لم يقم بإصلاح؟ ولماذا ينتظر؟ وهو في الأساس أخذ السلطة وراثة من أبيه ووالده قبله لم يفعل شيئًا. فانتشرت هذه الأحاديث كثيرًا في الشارع بعد هاتين المظاهرتين.