قصف قوات النظام بلدة الطيبة بالمدفعية الثقيلة بحجة وجود مسلحين
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:08:07:16
كانت المرة الثانية التي نُقصف فيها، ولكنها أكثر مرة نشعر فيها أن القصف جديّ، وقُصفت الأماكن السكنية بشكل أكبر، تقريباً في فترة العصر بعد الغداء، وكنا موجودين في المنزل، وسمعنا صوت سقوط قذيفة أول مرة، فنظرنا للأعلى، وعندما كان يحصل قصف في البلدات المجاورة كنا نصعد على السطح حتى نرى في أي بلد (منطقة) سقطت القذيفة، ولكن هذا الصوت كان قريباً قليلاً، وكان لدينا حي الوعر [غير حي الوعر في حمص]، ومنزلي كان بين الأماكن السكنية وبين منطقة وعرة فيها جبال وحجار كبيرة، وكانت منطقة آثار رومانية، وحتى الآن يوجد بعض الآثار والعلامات. رأينا أن القذيفة سقطت في الوعر، ولم تنزل على بيوت المدنيين، نزلت في الأماكن الفارغة، وكانت بعيدة قليلاً، وكانت كل 15 دقيقة بالضبط تنزل قذيفة، ولم تكن قذيفة هاون، كنا نُقصف بقذيفة بين المدفعية والهاون، يعني كان العيار ثقيلاً، ومع مرور الوقت كانت القذائف تقترب إلينا (إلى المنازل السكنية)، وكان منزلي أول هذه المنازل، يوجد حي الوعر وبعدنا مباشرة البيوت السكنية، وكنا نرى أنه طالما نزلت في الوعر فلن يحدث شيء.
وأمي كانت خائفة، وتقول: يجب علينا أن نخرج حتى لا تسقط علينا قذيفة بالخطأ. فنقول لها: ربما يخوفون الناس تخويفاً، وكل ربع ساعة كانت تسقط قذيفة، والقصف يقترب قليلاً قليلاً، حتى سقطت إحدى القذائف بالقرب منا بـ 20 متراً، واهتزّ المنزل بشكل كبير، حيث نزلت القذيفة فجأة، عندها والدي صلى صلاة المغرب، وقال: سنذهب إلى منزل عمي. ومنزل عمي يبعد عنا 200 متر، وكانوا في قلب الضيعة تقريباً، وكان بعيداً عن الوعر وأكثر أماناً من بيتنا. وفعلاً، صلينا المغرب بسرعة، و ذهبنا إلى منزل عمي، و كان منزلنا على التلة، وهم في الأسفل، ونزلنا عندهم، وكنا نضحك، ونمزح، وكان القصف مستمراً في الحي، والقذائف تسقط حول المنازل، و كنا نجلس، ونضحك، وكنا نصلي العشاء، فجاء صوت كبير مخيف جداً، وكُسر زجاج النوافذ في منزل عمي، وكنت أنا وعائلة عمي ومعنا عائلة عمي الآخر نجلس في بيت واحد إلى أن يهدأ القصف قليلاً، وكُسر الزجاج، وتناثر إلى الشرفة قطع من الحجارة علينا، وبدأ الناس يصرخون، وتسمع صراخ أطفال، وطرقوا علينا باب المنزل، وقالوا لأبي: عائلة عمك عبد اللطيف سقطت عليهم قذيفة. فخرج الناس حتى يروا إذا حصل شيء لهم، فخرجت زوجة عمي تصرخ، وتقول: نحن لم نصب بأذى. وكان الناس مجتمعين، هناك تقريباً 50 شخصاً في الحارة، ويبحثون إذا كان هناك شخص مصاب، وجاء الناس من باقي الحارات ليروا ماذا يحدث.
وأثناء هذا الوقت، أذكر أنني استلقيت على الأرض (بعد سقوط قذيفة جديدة)، وعندما رفعت رأسي رأيت شريط الكهرباء قد وقع على الأرض، وأغلب الناس مستلقين على الأرض، وبعضهم أغمي عليه بسبب الرعب، حيث سقطت قذيفة داخل الحارة ضمن تجمع الناس، وهنا قال والدي لأخي الأكبر مني: خذ أمك وإخوتك، واذهبوا إلى منزل جدكم. منزل جدي موجود في طرف الضيعة [القرية] في الطرف الثاني. وفوراً ذهبنا إلى المنزل، وفي الطريق بدأت تأتينا اتصالات أنه فلاناً وفلاناً أصيب، عندما وصلنا إلى منزل جدي فتحت على صفحات التنسيقيات (صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تعنى بنقل الأخبار والتنسيق للأنشطة الثورية) ، كان هناك مجلس ثوري، كان هناك خبر استشهاد 4 شباب جميعهم مدنيون، وكان اثنان من الشباب هم أولاد عم والدي وشاب آخر ابن عمتي و شاب آخر أيضاً هو جارنا. هم أحمد وعبد الغفور والشاب الثاني اسمه محمد ومراد، كانا أخوين، وهما أولاد عم والدي، وكانوا شبه أشلاء، شخص بُترت قدمه وآخر بُترت يده، وبصراحة كان منظرهم مخيفاً؛ لآن القذيفة سقطت عليهم، وعندما وصلنا إلى منزل جدي كان فيه كهرباء، وفتحنا على تلفزيون الدنيا، وكان مكتوباً: تدمير وكر إرهابي في بلده الطيبة. وكتبوا أسماء الشباب الأربعة الذين توفوا، وكانوا مدنيين وليس لهم علاقة بشيء، وتأكدنا من خلال القناة أن الشباب استشهدوا فعلاً، فقناة الدنيا أخذت الخبر عندما ذهب الشباب إلى الحاجز، كان هناك شخصان منهم لا يزالان على قيد الحياة، فأوقفوهم على الحاجز حتى مات الشباب؛ لآن الحاجز منعهم من الذهاب إلى المستشفى أو أن يدخلوا إلى المدينة التي فيها مستشفى، وبحسب ما قاله الناس الذين كانوا موجودين معهم: ظلوا موجودين على الحاجز ساعة كاملة والشباب ينزفون داخل السيارة، والحاجز يمنعهم من الدخول إلى المستشفى، و أخذوا أسماء المصابين، وكتبوا على الأخبار أن هؤلاء الشباب كانوا إرهابيين. وأحد إخوة هؤلاء الشباب كان يعيش في ألمانيا اتصل بأهله يسألهم: كيف أصبح أخوتي إرهابيين؟! ويقول: إخوتي مدنيون. وكان يبكي، وفعلاً في اليوم الثاني، حصل الدفن، ونمنا في تلك الليلة في منزل جدي، وصار (افتُتِحَ) عندنا مستوصف، كان في المناطق التي حولنا مثل المستشفيات الميدانية، فالأطباء فوراً جاؤوا إلى ضيعتنا، وفتحوا المستوصف، وبدؤوا يعالجون باقي المصابين، وكان هناك الكثير من الأشخاص المصابين في الحارة.
وبقي الحال كذلك حتى اليوم الثاني صباحاً، وفي اليوم الثاني، أحضروا الشباب، ودفنوهم، وبقي ابن عمتي على قيد الحياة، وكانت إصابته في الرأس، وبقي تقريباً لمدة أسبوع على قيد الحياة في العناية المشددة وتوفي بعدها. وحتى بعد أن انتهينا من الدفن كان هناك رعب، وكان بعد أن يحصل الدفن يتم قصف الضيعة (القرية)، وكان الأهالي يذهبون إلى قائد الفرقة الأولى [في جيش النظام] من أجل الحديث معه، ويحاولون إرضاءه، ويقولون: لا يوجد عندنا مسلحون. حتى يوقف القصف فقط. ففي الليلة الأولى، لم يجرؤ أحد أن يذهب، واستمر القصف حتى اليوم الثاني صباحاً، وفي اليوم الثاني، ذهبوا إلى قائد الفرقة من أجل التهدئة، وكانوا يأخذون رشوة أحياناً حتى يوقف القصف، ومع ذلك بعد أن انتهى التشييع، وحتى إنه لم تكن هناك هتافات؛ لأنه اشترط عليهم إيقاف التصوير والهتافات داخل التشييع، وعندما انتهى الدفن، وأثناء رجوع الناس، بدؤوا يرمون قذائف على الناس وبالقرب من المقبرة التي دفنا بها، وبعد الدفن مباشرة والناس عائدون ، صاروا يرمون قذائفاً، وهذه أول مرة تُقصف الأحياء المدنية، وأول مرة يموت أربعة شباب تحت القصف، وكان الشباب من أقربائنا من نفس الحارة.
كان هناك نازحون، ولكن لا يوجد مسلحون أو منشقون، وكان النظام يضرب بحجة أن لدينا مسلحين، يعني كان لدينا مسلحون، ولكنهم لا يخرجون على العلن، ونحن لا نعرفهم. وفي تلك الفترة، كان من يريد أن يعمل مع الشباب (الجيش الحر) يرتدي اللثام، أو لا يدع الناس يشاهدونه، ويعملون(ينشطون) ليلًا.
كان ابن عمتي متزوجاً وعنده بنتان صغيرتان، والشباب الآخرون أحدهما كان عنده طفلان والآخر كان أعزباً، حتى إنهم كانوا يريدون أن يخطبوا لهذا الشاب الذي استشهد، وجارنا كان أعزباً أيضاً، وهو استشهد، ولكن كل عائلته (إخوته ووالده وأمه) أصيبوا. وإصاباتهم كانت شبه خطيرة، وكان جيراننا يسكنون في الأعلى، ونزلوا حتى يذهبوا إلى بيت أقربائهم، وسقطت عليهم قذيفة أيضاً، والعائلة كلها أصيبت، وهذا الشاب استشهد.
كلهم ماتوا في نفس الحارة فأصبح هناك عزاء جماعي من أجل الشباب، وأنا لم أحضر العزاء؛ لأننا كنا في منزل جدي. ولم نجرؤ على العودة إلى الحارة بسبب القصف. وبصراحة، عندما عدت إلى الحارة أتذكر فوراً...، وحتى الآن عندما أمشي في ذلك المكان الذي قُصفنا فيه [أشعر أنه] فعلاً حصلت مأساة، وعندما تسمع صراخ النساء والأطفال، فهناك أشخاص لم يصابوا، ولكن أغمي عليهم بسبب الرعب، وحتى الآن أذكر الشاب الذي أغمي عليه، وكانت الحالة صعبة قليلاً.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2020/01/25
الموضوع الرئیس
انتهاكات النظام في ريف دمشقكود الشهادة
SMI/OH/110-03/
أجرى المقابلة
إبراهيم الفوال
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2011/01/01
updatedAt
2024/03/27
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-الطيبةشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
الفرقة الأولى - دمشق وريفها