أنا العميد الركن فاتح حسون من مدينة حمص من حي الخالدية من مواليد 1968، وأنا متزوج ولدي خمسة أطفال، عشت في صغري بسبب ظروف عمل الوالد في دولة الإمارات العربية المتحدة، تقريبًا من عام 1972 وحتى عام 1984، حيث عدت إلى سورية، في عام 1984، استكملت الدراسة الثانوية، ثم تطوعت في الجيش والقوات المسلحة في الكلية الجوية. عملية التطوع لم تكن موضوعًا روتينيًا أو عاديًا وذلك لأنه كان هناك عزوف من قبل أهل المدينة عن التطوع في الجيش، وخاصةً إذا كانت هذه العائلات تنتمي إلى الطبقة المتوسطة أو الطبقة الغنية، ولكن في الحقيقة كانت هذه الدعاية التي تُمارس على أبناء المدينة حول عدم التطوع في الجيش ينمّيها النظام نفسه، وينشر الإشاعات حولها، وكانت هناك جملة شهيرة جدًا أنه لا يتطوع في الجيش إلا من لا يجد قوت يومه في منزله؛ وبالتالي كانت تنتشر هذه الإشاعات ما بين أهل السنّة والمدينة حصرًا، وكان هناك عزوف كبير عن ذلك. 

الوالد لم يحضر أحداث الثمانينات، ولكنه كان في غربة؛ وبالتالي كانت هناك متابعة شديدة لكل الأحداث التي تدور وفق ما يمكن أن تصل من أحداث ومعلومات إلى خارج سورية، وبالتالي كان لديه قناعة بأن نظام الأسد لا يمكن أن يتبدّل إلا من الداخل وأن يكون أبناء سورية هم من يقومون بعملية التبديل، وبالتالي كان يحاول أن يكون أحد أولاده الثلاثة في الجيش، وحاول مع أخي الكبير، ولكنه ذهب إلى أمريكا للدراسة، ثم حاول مع أخي الأوسط، وكذلك ذهب إلى أمريكا للدراسة. وعندما عدنا إلى سورية قال لي بكل وضوح وأنا كنت مع أصدقائي في البكالوريا (الثالث الثانوي)، قال: لمن ستتركون البلد والجيش والأمن؟! ويجب أن تكونوا أنتم ضمن هذه المؤسسات من أجل تغييرها وتغيير الظروف الموجودة في هذا البلد. 

والحقيقة  أنه كانت لديّ قناعة علمًا بأني كنت قد قمت بترجمة كل أوراقي من أجل أن ألتحق بإخوتي في أمريكا، ولكنني قدمت أوراقي إلى الكلية الجوية، وأتى الرفض من الأمن السياسي للمرة الأولى وذلك لأنني لا أنتمي إلى طبقة "الكادحين" وفق تعبير الأمن السياسي، وكان النظام يعتبر طبقة الكادحين هي العمال والفلاحين وصغار الكسبة، وبالتالي أصحاب رأس المال أو التجار هم ليسوا الفئة المرحّب بها في الجيش والكليات العسكرية، وبالتالي تمّ رفض الطلب والقبول ثم سعينا باتجاهات أخرى، فتمّ تبديل الدراسة، وتمّ قبولي في الكلية الجوية، وتطوّعت في الكلية الجوية، في عام 1987 وعام 1988، التحقت بالكلية الجوية. والحقيقة أنني عندما التحقت بالكلية الجوية كانت لدي صدمة كبيرة، وبالرغم من أنه لم يكن لدينا أي توجهات طائفية وذلك بحكم تواجدي خارج سورية لسنوات طويلة، فليس لدي احتكاك بالطوائف الأخرى، تفاجأت بأنه لم يكن معي من مدينة حمص أي شخص آخر سوى ضابط آخر موجود أو متدرب آخر موجود في المعهد الجوي، وأنا كنت في المعهد الفني؛ لأن الكلية الجوية شُكّلت من ثلاثة معاهد، وحتى هذا الضابط كانت أصوله بعيدة من المدينة، وبالتالي كانت هناك قلة شديدة جدًا من الضباط السنة من أهل المدن في الجيش، ولم يكن ذلك بمحض الصدفة بل كان [يتمّ] بشكل ممنهج من قبل النظام؛ لأنه بالمحصلة هو من يختار المقبولين ولديه نسب لذلك.

استمررت في الكلية الجوية لمدة ثلاثة سنوات، وكان تحصيلي العلمي فيها قد خوّلني لأن أكون من الطلاب المتفوقين والأوائل حتى وصلت إلى السنة الثالثة، وتخرجت بترتيب ممتاز، وكان ترتيبي هو السادس على الكلية الجوية، وهذا في الحقيقة كان سابقة بالنسبة للضباط السنّة من أهل المدن، حيث أنك في الكلية الجوية (في النهايات) مهما قمت بعمليات تحصيل علمي ووصلت إلى كفاءة معينة فإن هناك ما يُسمى بأهلية القيادة، يعني يمكنني تشبيه أهلية القيادة ب 10 علامات من 100 أو 10 درجات أو علامات تكون في يد لجنة، وهذه اللجنة  تجري مقابلة وهي أمنية وعسكرية وحزبية وهي من تضع الدرجات، وبالتالي مهما كنت منافسًا للآخرين ومتفوقًا عليهم فإذا حصل أحدهم على تسعة من عشرة وأنت حصلت على سبعة من عشرة فبالتالي النتيجة محسومة، وهنا كان اللعب فيما يتعلق بموضوع الطائفية والانتماء إلى الحزب (حزب البعث) وموضوع الموثوقية والولاءات، وهذا ما جعلني في المرتبة السادسة وليس في المرتبة الأولى.

بعد التخرّج من الكلية الجوية أتينا إلى موضوع الفرز من الكليات، وإلى أين سيتم فرز الضباط؟ وخلال 20 يومًا يتمّ فرز الضباط من الكليات التي تخرجوا منها إلى القطعات العسكرية، وأنا تخرجت برتبة ملازم بنجمة واحدة، ولمدة سنتين يُسمى: ملازمًا تحت الاختبار حتى يُرفّع إلى ملازم أول، وعملية الفرز هي عملية معقدة كذلك، وتحتاج إلى الكثير من الأناة بالنسبة لأجهزة الأمن والدراسة، وذلك لأنهم يحاولون عدم تكريس [فكرة] أن يخدم أهالي المناطق في مناطقهم، وفي نفس الوقت ألا يكون هناك تركيز طائفي لعدد من الضباط في منطقة معينة أو في فرقة عسكرية معينة، وكانت هناك الكثير من الدراسات، وبالتالي كان هناك الكثير بالنسبة للقوى الجوية (الكثير من الواسطات والكثير من الحراكات)، وبالنسبة للضباط المتخرجين حتى يُفرزوا، يوجد مطاران رئيسيان أولًا- مطار دمشق الدولي اللواء 29 ، يعني الطائرات المدنية التي تتبع للقوى الجوية وليست إلى شركة الطيران السورية، ومطار حميميم وحميميم هي قرية قرب القرداحة، وهي أصبحت قاعدة جوية من أيام الاستعمار الفرنسي، واستمرّت هذه القاعدة.

لماذا تُكرّس الواسطات للذهاب إلى اللواء 29؟ وذلك بسبب الاستفادة المادية؛ لأن معظم هذا اللواء تكون أعماله خارج سورية، وبالتالي توجد مهمات كثيرة، ويمكن أن يستفيدوا من بعض التجارات التي تكون ما بين الدول وبين سورية، وأما حميميم فلأنها هي القاعدة الجوية الوحيدة الموجودة في المنطقة الساحلية، ومعظم الضباط، يعني تقريبًا أكثر من 80% من الضباط ينتمون إلى طائفة واحدة ومن الساحل حتمًا، وبالتالي سيكون هناك نسبة 80% تريد أن تخدم في قاعدة عسكرية محددة قريبة من مناطقهم وذلك حتى يستطيعوا النزول إلى قراهم ومنازلهم، ولا يشكل ذلك عبئًا ماديًا عليهم إذا كانوا قد خدموا في مناطق أخرى، وبالتالي فُرزت إلى تلك المنطقة إلى تلك القاعدة إلى قاعدة حميميم.

وفي الحقيقة لم يكن الفرز (فرزي) ناتجًا عن واسطة أو دعم، بل لأنك لا تنتمي إلى تلك المنطقة؛ لأنه ليس لك مصلحة في أن تكون في تلك المنطقة كضابط ينتمي إلى الطائفة السنية أو من المدينة على عكس باقي ال 80% من الضباط.