قبل أن يصدر تعميم منع النزول [من قاعدة حميميم] إلى المناطق المتوترة، كنت أذهب إلى حمص، وأعود، والمظاهرات مستمرة، وأقول لهم: يا جماعة، هؤلاء منذ شهر وهم يتظاهرون، ألم يعرف الأمن كيف يضبّهم (يسيطر عليهم)؟! فقالوا: إنهم متروكون قصدًا، أولًا- من أجل التنفيس للناس. وثانيًا- حتى نعرف من سيتعاطف معهم. وثالثًا- من أجل أن يكبروا أكثر، وليعرفوا من وراءهم. ورابعًا: التواصلات، ومن سيدعمهم؟ ومن المسؤولون الذين سيتعاطفون معهم؟ ومن من أهالي جبلة ووجهائها سيدافع عنهم؟ وهذا كان عبارة عن تركهم في منطقة محصورة، وهي سياسة يقوم بها النظام لدرجة أن الناس كانوا يمرّون بجانب المظاهرة، ويضحكون، فلم يعودوا يشعرون بأن هذه المظاهرة تشكّل خطرًا على موالي النظام بسبب كثرة اختراق هذه المظاهرة، وكل يوم كانوا يعتقلون عددًا من المتظاهرين الصادقين، وهكذا يخففون من الأشخاص، وطبعًا بالتحقيق والضرب منهم من يُقتل ومنهم من يموت ومنهم من يذهب إلى السجون، ويعرفون من يتواصل معهم، ومن يدعمه؛ لذلك كان هناك حذر حتى من أهالي جبلة الثقات في التعامل مع هذه المظاهرات.

لماذا كنا نرى أنه في الأماكن مثل جبلة واللاذقية رغم أن المظاهرات كانت تكثر بعنف، ولكن النتائج كانت وخيمة جدًا على المتظاهرين؟

[بالنسبة] لهذا المنظر أنا كنت موجودًا في جبلة، ورأيته، ويوجد شهود عيان أخبروني عنه.

 كنت أنزل أحيانًا إلى اللاذقية؛ لأنني ممنوع من النزول إلى حمص، وكنت أنزل إلى اللاذقية، وكانت هناك مظاهرات كبيرة جدًا، وحاول النظام اختراقها كثيرًا، ولكنه لم يكن ينجح، فليس مثل الكونترول (التحكّم) الذي قام به في جبلة، وكانت النواة الصلبة في اللاذقية تضمّ الثقات من المتظاهرين، وكانت اللاذقية بشكل كامل تعيش في حالة رعب وبما فيها موالو للنظام، لأن أحياء الصليبة وأحياء أهل السنّة التي كانت تخرج كانت تمتد على شارع المغرب العربي وشارع أنطاكيا، وكان لها امتداد، ولم تكن الفئة الفقيرة، وكانت عبارة عن أشخاص عانوا الظلم، وعانوا مرارة التفرقة ما بين السني والعلوي في المنطقة، وبالتالي كنت تشعر أن المظاهرات بالنسبة لهم لها زخم مختلف، وكانت أجهزة الأمن تهرب أمامهم، وكانوا رغم القتل الذي يحصل لا يستكينون، وكان لديهم إصرار غريب جدًا، فكان وضع اللاذقية مختلفًا، وأشبّه مظاهرات اللاذقية بمظاهرات الخالدية وبابا عمرو، يعني قمة العنفوان، ولم تستطع أجهزة الأمن التعامل معها، واحتاجت إلى فترة طويلة من أجل احتوائها.

طبعًا، الاحتواء الذي حصل هو اعتقال وقتل بعض الشخصيات، وإنشاء ممرات لهروبهم إلى الجبل وأماكن بعيدة عن المدينة، واعتقال ذويهم، وكان هناك الكثير من المظاهر يقوم بها النظام من أجل ضبط هذه الحالة.

نحن ضمن المطار لم نكن نسمع بما يحدث في اللاذقية في تلك الأماكن إلا إذا كنت شاهد عيان؛ لأنه مجرد تناقلك لهذا الحديث فأنت ستدخل في حالة الشبهات، وخاصة أنك من منطقة متوترة، وحتمًا كان العلويون يتحدثون عن ذلك، ولكن بالنسبة لنا الطائرات الحوامة لم تشارك هناك حتى بالتصوير، ولكن سمعنا من زملائنا البحريين؛ حيث كان عندنا في المطار ضباط بحريون أنه فعلًا خرجت الزوارق البحرية مقابل سواحل الرمل الجنوبي والرمل الفلسطيني، وكانت مستعدة من أجل القصف، فهي خرجت كنوع من الاستعداد من أجل المشاركة في الأعمال القتالية، وقد يكونوا قد استخدموا رشاشات معينة قد وُضعت عليها، وأنا لست متأكدًا، ولكنني متأكد من أنه كان هناك نوع من المراقبة البحرية لهذه الشواطئ بسبب التخوف من وجود زوارق للثوار أو هروبهم باتجاه البحر وما شابه.

[بالنسبة] للوضع، كانت أجهزة الأمن وعناصر الأمن قد تكون معروفة، وهذا أولًا. وثانيًا: لديهم الكثير من المهام الأخرى التي لا يستطيعون تغطيتها، فأصبحوا يستعينون بالجيش وضباط الجيش في الأمور التي يسيطرون عليها، يعني وفق مهمة أمنية، فأصبح هناك أمر روتيني لدى الضباط بمعنى أنه سيخرج في مهمة أمنية. ولكن ما هي مهمتك الأمنية؟ وهي إما المشاركة في المظاهرات، أو تكون له مهمة معينة مثل المراقبة في منطقة معينة، ولكنهم لم يكونوا يستخدمون السلاح بالمطلق، وكانوا سلميين في ذلك الوقت إلى أن جاء موضوع بانياس.