عند الباب وبينما كنا سنخرج، التقيت بفايز سارة، والصديق فايز سارة التقيت به في السيارة التي تنقلنا من الفرع الداخلي إلى إدارة المخابرات العامة مع بعض السجناء الآخرين، طبعًا تحدثنا لأننا موجودون في السيارة، وتكلَّمنا كلامًا عاديًا، ولكنني لا أعرف أنَّه معتقل، ولماذا؟ وهو نفس الشيء. ووصلنا إلى إدارة المخابرات العامة، وأدخلوني أنا وفايز سارة إلى منفردة واحدة، وبعد ساعات أدخلوا معنا شخصًا من المعضمية من بيت الشيخ، وتخيَّلوا أنَّ هناك منفردة أبعادها مترين بمتر وثلاثة أشخاص يجب أن يناموا فيها، واثنان منهما من حجم فايز سارة، ورجل من بيت الشيخ من المعضمية، وكانوا قد أتوا به من مظاهرات المعضمية حافيًا بدون حذاء، وقضينا في الفرع ثلاثة أيام، وهنا جرى التحقيق. 

بدون شك هناك فرق كبير في كل قصة الاعتقال السابق واللاحق، في السابق كنت في منفردة لوحدي، والآن في منفردة لست قادرًا أن أمدّ قدماي فيها براحة، وكنا سجناء سابقًا، ونعتقد أنَّنا سجناء، ولكن نحن الآن وهنا سجناء، ولا نعرف ما هو المصير؛ لأنه بعد الثورة احتمالات الموت بعد الدخول إلى السجن كبيرة جدًا، ونوعية التعذيب التي ممكن أن تحصل ونتلقاه كبيرة جدًا؛ لذلك السجن هنا أصبح له معنى آخر. وشيء آخر عليكم أن تتخيلوا مدى الازدحام في الزنزانات لدرجة أن يضعوا ثلاثة أشخاص في زنزانة واحدة، وهي عادةً موضوعة لشخص واحد. 

التحقيق كان في إدارة المخابرات العامة، وخرجت إلى صالة التحقيق، وحقق معي ضابط شاب، واستقبلني، وقال: أهلًا أستاذ جورج. وهنا أدركت الاختلاف، فنحن الآن في زمن الثورة، وهذا من فعل الثورة، وحين كنا نستقبل في الفروع سابقًا، كان أقل شيء [نُستقبل] به هو كلمات التحقير، والآن يستقبلك بكلمات الاحترام، وتجلس على الكرسي، ويسألك: هل تحب أن تشرب فنجاة قهوة؟ ويبدأ التحقيق. وفي بداية التحقيق، سألني: هل أنت عضو في حزب الشعب الديمقراطي السوري؟ قلت: نعم، ولكنني عضو في اللجنة المركزية لهذا الحزب، وأنا عضو قيادي فيه. وبعد أن تكلَّمت بهذا الكلام راجعت نفسي، وقلت: الله الله، الآن أعترف أنَّي عضو قيادي في الحزب، بينما كنا سابقًا نعمل اجتهادات كبيرة لنخفي أي علاقة، [ونقول:] "نحن ليست لنا علاقة بالحزب، نحن أصدقاء، نحن قرأنا جريدة، ولديّ صديق في حزب الشعب"، والآن وبكل عين مفتوحة (جرأة) تقول: أنا عضو قيادي، وتحمّل نفسك مسؤولية لم يحمّلها الأمن لك بعد، فكيف جرى ذلك؟ ودون شك هذا هو فعل الثورة. وطبعًا، الأسئلة الأخرى كانت مركزة على قضية أساسية هي الظهور الإعلامي؛ لأنَّ ظهوري كان بارزًا على الإعلام وكذلك مواقفي، وهذا واضح بأنّنَي أعبر عن آرائي وآراء الجهة السياسية التي أنتمي لها. والنقطة الثانية التي أثيرت كانت هي هواتف الثريا، ففي ذلك الوقت كانت هذه وسيلة اتصال أساسية بين اللجان الشعبية واللجان الثورية التي بدأت تنشأ في المدن، ويتواصلون مع بعضهم، وكان مصدرها الخليج. 

كيف [يمكن أن] تقوم باتصالات بعيدة عن سمع النظام؟ فأنت تقوم باتصالات وتحركات بين مجموعات ثورية ومسؤولة بدأت تتشكّل، هناك لجان في العديد من القرى والمواقع، وتريد أن تبعدها عن عين النظام وأذنه، فنشأت قصة [هاتف] الثريا. وكان لدينا أصدقاء في السعودية، وفي أحد الاتصالات معهم، كان الحديث عن الثريا، والحديث كان مع صديقنا أبو سرار الأمين الأول للجنة المركزية، وهو غياث عيون السود، وأنا لم أكن أعرف أنَّ غياث موجود أيضًا في السجن وتحت التعذيب، ووصل لدرجة الموت. واعتقالي كان بسبب هذه العلاقة (هل عندي معلومات أخرى؟)، وأنا في الحقيقة لم تكن لدي معلومات نهائيًا حول الموضوع، إنَّما أنا الذي أعطيت هاتف غياث عيون السود لأصدقائنا في المملكة [السعودية من السوريين - الشاهد]، ولكن الهدف الأساسي موجود لديهم، وفي ذلك الوقت، الذي أنقذ حياته (صديقنا غياث) هو صدور أول إعفاء، حيث صدر عن المتظاهرين والمعتقلين في تلك المرحلة، وشمله، وقُدّر أن يخرج من الموت، وفيما بعد عرفت أنَّه كان موجودًا.