الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

تهديد النظام بالاقتحام، ودور العقل السياسي مع حماس الثورة

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00;09;37;23

كان من مهمتنا نحن الكبار في السن والسياسيون على وجه خاص كيف نساعد شباب الثورة على ضبط مشاعرهم الفوَّارة ومنعهم من ارتكاب الأخطاء؛ لأنَّ الطرف الآخر مراهن على ارتكاب الأخطاء، وكنا نضطر أحيانًا حين نعرف أنَّ النظام يريد أن يلاقي المظاهرة في الشارع الفلاني أن نذهب [ونحاول إقناع الشباب بتغيير المسار ولا يقتنعون]، والعملية ليست سهلة، وحتى آباء الشباب الثوار يجدون صعوبة في إقناعهم، وكان عدد من الأشخاص يضطرون أن يستلقوا في عرض الشارع، فإذا أردتم الذهاب من هذا الاتجاه ادعسوا علينا، لأن روح التحدي كانت موجودة لدى الشباب، [فيقولون:] سنمر من أمام شعبة الحزب (حزب البعث)، وسنقوم باعتصام هناك على باب المفرزة كما يتوقع الإنسان من الشباب، ولكننا كنا في كل كلمات والتوجيهات [نقول لهم]: إنَّ عملية الثورة طويلة ومستمرة، ولا تسمحوا للنظام بأن يقطع إمكانياتنا من الاستمرار. وكانت هذه العملية معقدة بالفعل، ازدادت كثيرًا مع انتهاء آخر يوم [من الاعتصام في ساحة الشهداء في قطنا]، حيث أعطى النظام مهلة لثلاثة أيام، ثم أنذر المجلس البلدي والمشايخ ووجهاء المدينة، بأنَّ غدًا صباحًا سينتهي كل شيء، وتُفتح الساحة والطرقات، وإذا لم تعد الأمور مثلما كانت عليه فالمدينة ستُقتحم. ونحن نعرف أنَّ الدبابات في إطار المشاهدة، والمعسكرات بعيدة كيلو مترين عن قلب المدينة، فالحديث عن اقتحام المدينة عادي جدًا والأمر جدي، ويبدو أن الذين وصلتهم تهديدات كانت جادة وجزء منهم من أبناء البلد، وحاولوا مع أبنائهم فلم يستجب أحد، والمشايخ والوجهاء والأساتذة [يقولون]: يا شباب، سيكون هناك تدمير للبلد، وقضية ثورة، ولكن لا يوجد أمل. وفي منتصف الليل في بيتي، يُطرق الباب، ويدخل 10 أو 15 شخصًا من وجهاء البلد، ومن بينهم أعضاء المجلس البلدي وآباء الشباب المتظاهرين وأقارب الشهداء، ويقولون: قم يا أستاذ، هؤلاء الجماعة لا يسمعون إلا منك. وقالوا: وصلتنا تهديدات، ونريد أن ننهي الوضع غدًا وإلَّا فهناك اقتحام، وحاولنا ساعات مع الشباب بدون فائدة. والحقيقة أنني في داخلي ومشاعري مع الشباب، وأتمنى أن يبقى الاعتصام؛ لأنَّه بدأ يقوم بحالة تغييرية في المنطقة كلها، ولكن حين أعود إلى عقلي السياسي ومفهومي عن النظام وما يريده أكون مع الأهل، ويجب أن ننهي هذا الموضوع؛ لننتقل إلى مرحلة أخرى. ذهبت معهم، واجتمعت مع الشباب، والصراخ ارتفع، وقلت لهم: إذا خططتم لثورتكم أن تنتهي بثلاثة أيام فلتنهوها، ولتبقوا غدًا، وستأتي الدبابات، وتكون ثورتكم قد انتهت. أما إذا كنتم مع الشعب السوري الذي ثورته تستمر في المدن، ولا تزال تخرج في أماكن جديدة، فيجب أن تقولوا: أنكم لستم الثورة، وأنتم أحد أضلاعها، وإحدى براعمها، وإذا كنتم ثوارًا حقيقيين ننهي الموضوع غدًا بسلام، ونبقي احتياطنا معنا لنعود ونخرج في المظاهرات، ونعاود الاستمرار بفعاليات الثورة المتعددة، لا توهموا أنفسكم، والثورات والعمل السياسي فيه تقدم وتراجع، والذي أكسبنا هذا المكسب ليس شجاعتكم ولا بطولتنا إنما دم الشهداء، ويجب ألا نستثمره خطأً، ولنجعله لبنة في سياق البناء الثوري. وبقينا ساعات في هذا الحوار، وخرجنا، والحقيقة أنا لم أستطع أن آخذ منهم كلمة بأنَّهم سينهون [الاعتصام]، وكان هناك صمت، ولا أعرف نتيجته، وكان [الوقت] بعد منتصف الليل، ولكن كانت المفاجأة السارة في اليوم التالي صباحًا، حيث أفرغ الشباب الساحة من الكراسي، وقاموا بتنظيف الساحة وتراكتور(جرارة) المياه قادم، وعادت ساحة الشهداء وتلك اللافتة في قلبها باسم ساحة الشهداء كما يجب، وعادت الحركة فيها. وانتهاء تلك الأيام الثلاثة من الاعتصام بهذا الشكل الآمن كان فيه نجاح، وبرغم الاحتكاكات الصغيرة التي حصلت بين السياسة والثورة، ولكنه عمل على تقريب الوجود بينهما، وشكّل عاملًا يقول: كم هو ضروري وجود السياسة مع العمل الثوري، وكم هي العقلنة مهمة لتأطير هذا الحراك الثوري. 

وكانت هناك وقائع بعد هذه العملية، كانت ملفتة للنظر بالنسبة لي، وتنعش القلب عندما أتذكرها، واحدة منها أنني كنت أنا وزوجتي نائمان في غرفة النوم، ونافذة الغرفة مطلة على الشارع والرصيف مباشرًة، وفي منتصف الليل (الساعة الثانية أو الثالثة)، بدأت أسمع كلامًا تحت النافذة، وقلت: ربما مجموعة تعبر الطريق، ولكن هذا الكلام استمر من أشخاص، وكان واضحًا أنَّهم يجلسون تحت النافذة، وطبعَا أنا في منطقة أصبحت حساسة والشبيحة موجودون ومنظمون ومدعومون جدًا، فلا أستطيع السكوت عن الموضوع. استيقظت أنا وزوجتي، وجلست هي في السرير، وخرجت إلى الخارج، وأشعلت الضوء على الرصيف، كانوا يجلسون على الرصيف فوقفوا، كانوا أربعة أو خمسة شباب في العشرينات، وقال أحدهم: لا يوجد شيء يا أستاذ نحن هنا، ادخل لتنام وترتاح، [وسألتهم]: من أنتم؟ عرَّفوني بأنفسهم، وأنا لا أعرفهم فهم شباب صغار، ولكن أعرف عائلاتهم، وأعرف آباءهم وأهلهم، وقلت: ماذا تفعلون هنا؟ قالوا: نحن هنا من أجلك. قلت: يا أخي، أنا ليس عليَّ شيء. وقالوا: يا حيف (وا أسفاه) يا أستاذ، هل ننتظر حتى يمدّ هؤلاء الأوباش يدهم عليك؟! نحن كل يوم نأتي، وننام من نصف الليل حتى الصباح عندك. قلت: يا شباب: أنا ليس عليَّ شيء. وقال: يا أستاذ، هذه مهمتنا، فلن يحلموا بالاقتراب منك! وأنا في داخلي خالجني شعور الافتخار والفرح مع الشعور بعظمة ما يجري، فمن أين تولد هذه العظمة؟! وهي عظمة حقيقية، وهذا النبل من أين يُولد؟! وربما لو أطلب من أولاد أخي وأولاد عمي أن يحرسوني فلا يقومون بهذه المهمة، وعدت إلى زوجتي، وهي لاتزال تتساءل قلقة في سريرها: ماذا هناك؟ قلت لها: اذهبي لتري أولاد الإسلام، إنهم يحرسونك.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2020/07/23

الموضوع الرئیس

الحراك السياسي في بداية الثورة

كود الشهادة

SMI/OH/56-29/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

باريس

التصنيف

سياسي

المجال الزمني

5/2011

updatedAt

2024/08/09

المنطقة الجغرافية

محافظة ريف دمشق-مدينة قطنا

شخصيات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

كيانات وردت في الشهادة

حزب البعث العربي الاشتراكي

حزب البعث العربي الاشتراكي

الشهادات المرتبطة