الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

فرع التحقيق العسكري، والوجه الطائفي للنظام ودوره في عسكرة الثورة

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00;11;30;41

بعد أن أمضينا شهرًا في فرع المنطقة، أتت قوائم وفتحوا علينا الباب (باب الزنزانة)، وقالوا: جورج صبرة، ضبّ أغراضك (احزم أمتعتك). وهذا يعني أنه إفراج، وفعلًا، عندما خرجت وجدت مجموعة كبيرة من أبناء مدينتي قطنا الذين أعرفهم أيضًا قد أتت أسماؤهم، ووضبوا أغراضهم. خرجنا إلى الخارج بعد إنهاء كل الأمور الإدارية، ووجدت باصات (حافلات) وأبناء مدينتي يصعدون إليها، وقلت: أنا حتمًا معهم. فإذا به يقول لي: لا، أنت اصعد في السيارة (سيارة أجرة)، وكل الاعتقاد أنَّنا كلنا خارجون في الإفراج، وإذا بالسيارة تلتف في الطريق، وتأخذني إلى فرع التحقيق العسكري. 

وضعوني في السيارة مع مرافقة من الأمن، وأدركت أنَّ الموضوع ليس للإفراج، وفعلًا السيارة لم تمشي كثيرًا لأنَّه في نفس الحارة في المنطقة الغربية في الجمارك حول وزارة الكهرباء، توقفت السيارة أمام فرع التحقيق العسكري، وأُدخلت إليه كسجين جديد. وأبناء قطنا ذهبوا إلى منازلهم وأنا إلى فرع التحقيق العسكري، ومثل العادة إلى المنفردة، وفي اليوم التالي إلى التحقيق، ومثل العادة كنت معصوب العينين ومقيد اليدين وفق الأصول، وبمجرد أن دخلت غرفة التحقيق كان هناك ضابطان، فبدأ الضابط يصرخ على مدير السجن: كيف تعصب عيني الأستاذ جورج وتقيده؟! هيا فكه. وأنا أعرف أنَّ هذه الحركات نوع من الزحلقة (الإيقاع بي)، وبادرني بالكلام: تفضل اجلس، ماذا يفعل هنا جورج صبرة؟ لماذا جورج صبرة موجود هنا؟! وقلت له: أنا أيضًا أتساءل ولا أعرف، وكان الواضح من تساؤله أنَّه لماذا المسيحي [معتقل] لدي؟ ولم يكونوا منزعجين مني كمعارض، ولكنهم منزعجون مني كمسيحي موجود في إطار الثورة. لأن الافتراض لديهم والجهد [الذي يبذلونه] أن تكون الأقليات وراءهم ومحمية منهم، وحيثما ذهبت كان هذا الموضوع يواجهني ببساطة. وتحدثنا في نفس القضية [وكان حديثهم عن] القصر الجمهوري و"الرئيس" [بشار الأسد]، وأن الإصلاحات قادمة والذين حوله كلهم سيئون ونحن نعرفهم، وسيتم تنحيتهم، و"الرئيس" جيد وهذا الكلام، وعدنا. 

أمضيت في المنفردة أسابيع أيضًا، وفي التحقيق العسكري، تكتشف وجهًا آخر للأمن ووجهًا آخر لشكل الاعتقال؛ لأنَّ فرع التحقيق العسكري فيه معتقلون من مختلف أنحاء سورية. وكان في الزنزانة التي تقابلني شاب من حمص، وفورًا السجناء يطرقون الأبواب والجدران ليتعرفوا على بعضهم، ومن اسمي تعرّف علي، وقال لي: أنا من حمص، وكان قادمًا وهو جريح، ولم يداو أحد جروحه، وقال: يا أستاذ، أشتم رائحة لحمي، وكانت قد بدأت الغرغرينا في قدميه، ويشتم رائحة لحمه المتعفن، ويطلب باستمرار مرات عديدة عرضه على الطبيب ولا أحد يردّ عليه. وفي هذا المكان، نرى أيضًا حالات ابتزاز الأمن للمجتمع عبر عملية الاعتقال، ويأتي السجان، ويفتح شراقة السجن (الطاقة)أمام شخص، فيسأله: ما اسمك؟ يقول: فلان. من أين أنت؟ فإذا كان من ضيعة ووالده فلاح فيقول له: اذهب واجلس، أما إذا كان من المدينة فيقول له: هل لديكم محل، وأين محلكم؟ من يجلس فيه؟ وأنت يا بني متورّط بقصة، هل تحب أن أوصل خبرًا لأهلك عساهم يتمكّنون من مساعدتك؟ وطبعًا، السجين يستجيب، ويعطي عنوان المحل والبيت، ويذهب أشخاص آخرون إلى أهله، وتُعقد الصفقات، ويكون الشاب مجرد متظاهر وحمّلوه في الكميون (الشاحنة) مثل [بقية] المتظاهرين، ويذهبون ويخيفون أهله: ابنكم متورط مع عصابة إرهابية وعمل مسلح وحالته لن يخرج منها. ويجري ابتزاز الناس ليس بالآلاف بل بثروات، وكنت أرى هذه القضية عن يميني ويساري باستمرار، وهم يعرفون أين الضحية، لأنهم يسجلون الأسماء، ويعرفون كل شخص، ويعرفون الضحايا، ويختبرونها، ويثبتونها، ويشتغلون، وفي النهاية، قبل أن يتقدم للمحكمة، وقبل أن يُجرى التحقيق معه يخرجونه ويكونون قد قبضوا الثمن. ولكن كانت مفاجأتي الكبيرة باكتشافي في فترة ما بين شهر (آب/ أغسطس) و(أيلول/ سبتمبر) تمامًا، حيث بدأت أكتشف كيف يجري تهريب السلاح من المؤسسة العسكرية إلى الخارج عبر بيعه أو اعتماد تسريبه. أحضروا في إحدى الفترات على المنفردات مجموعة شباب، وأحدهم واضح أنَّه من الأمن لأنه كان وقحًا وغير خائف وهو من أبناء الطائفة العلوية، وبدأ يتكلم مع قرينه، وفي البداية، طرق عليّ وهو بجانبي، طرق عليّ الجدار، وقال لي: ما اسمك؟ وقلت: اسمي جورج صبرة من قطنا. وقال لي: أنت الذي تخرج في التلفزيون؟ وقلت له: نعم. وكان هذا آخر حديث بيننا، وعرفت أنَّ أحدًا آتٍ لقضية أخرى لم أعرفها بعد، وإذا به أصبح ينادي بصوت عال، ويطرق على أبي علي، ويقول له: يا أبا علي، لماذا لا ترد؟ لماذا أنت خائف إلى هذه الدرجة؟ دون أي رد من أبي علي، وحاول مرات عديدة، وفيما بعد ردّ عليه أبو علي، وقال: ماذا تريد؟ وقال له: هل قابلوك بالكبير؟ فقال له: لا، وهل الكبير هنا؟ وقال له: إنه هنا، وأنا قابلته، ولذلك أقول لك: لن يطول [بقاؤنا هنا]، وسنخرج فالكبير معنا هنا. وبعد قليل يسأله: لماذا أنت خائف كل هذا، هل واجهوك وسألوك عن قاذفات اللهب؟ وهل تكلمت عن القناصات أم تركتها؟ وبدأت أكتشف، وتكتمل الصورة عندي، وأيضًا في حمص هناك مستودع للسلاح في إحدى القطعات، ومحتوياته مأخوذة للخارج إمَّا للبيع أو للتسليم لأيدي أخرى بمعرفة كبار، لأنه يقول له: هل واجهوك بالكبير؟ فقال له: لم يواجهني. [فيجيبه]: أنا رأيته واطمأن لماذا أنت خائف هكذا؟ وفعلًا بعد يومين، يخرج أبو علي وصاحبه، وكأنَّ شيئًا لم يكن. وهنا كانت مفاجأة لي؛ لأنَّه للمرة الأولى أسمع أنَّ هناك سلاحًا يخرج، وبالطريقة التي يتحدث عنها أنا أعرف إلى أين سيصل السلاح، وهو يخرج قولًا واحدًا لأيدي الثوار، إمَّا بالبيع أو رميًا لهم بأي شكل، وفي النهاية، يقومون بوسائل لحرق المستودع أو [يرتبون الأمر] بشكل إداري ومخطط له، فقد كان يتكلم عن الموضوع باطمئنان، ولفت نظري أيضًا أن [الموضوع] ليس بندقية "كلاشنكوف" فقط، بل كانت هناك قناصات وقاذفات لهب (هل سألوك عنها؟)، وإذًا الموضوع ليس لفرد (مسدس)، وهناك تخطيط لقاذفات لهب ولاقتحامات ولشيء جماعي، وواضح في ذهنهم أنَّ التخطيط أصبح لشيء جماعي كبير. وحين خرجت وأنا أحمل الهم وأسأل: أين صارت قصة السلاح؟ لأنَّه إذا كان صدفًة وفي فرع التحقيق العسكري وكشفت طرفًا منها، فكم هي الوقائع والأطراف في أماكن أخرى ولم تصل إلى هنا! وموجود وهو الذي أخرج هذا السلاح بكل اطمئنان، [ويقول]: إننا سنخرج. وخرج فعلًا.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2020/07/23

الموضوع الرئیس

التعامل الأمني والعسكري لنظام الأسد

كود الشهادة

SMI/OH/56-37/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

باريس

التصنيف

سياسي

المجال الزمني

8-9/2011

updatedAt

2024/11/15

المنطقة الجغرافية

محافظة حمص-مدينة حمصمحافظة ريف دمشق-مدينة قطنامحافظة دمشق-مدينة دمشق

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

فرع التحقيق في المخابرات العسكرية 248

فرع التحقيق في المخابرات العسكرية 248

فرع المنطقة في دمشق

فرع المنطقة في دمشق

الشهادات المرتبطة