الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

اجراء أول عملية جراحية في بيت عربي في حمورية بالغوطة الشرقية

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:10:06:05

هناك أمر أريد أن أسلط عليه الضوء قليلًا: بعد حادثة "الجمعة العظيمة" وسقوط الشهداء والجرحى، اُسعف الجرحى إلى المستشفيات القائمة الخاصة، وفوجئنا بأن النظام يأتي بحملة، ويعتقل الجرحى، وعندها بصفتنا أطباء وجدنا أنه حينما يصاب ناشطون في مظاهرات فإنه أصبح من الخطر إسعافهم إلى أي مستشفى؛ لأنه في الحد الأدنى كان النظام لديه من يراقب داخل المستشفيات، ويعرف أسماء المصابين وحقيقتهم، وهذا الأمر من الممكن أن يعرضهم وأهلهم إلى الخطر، وفي الحد الأقصى، إذا كان هذا المصاب موجودًا في المستشفى، وأخذه النظام فيصبح مصيره مجهولًا، وقد يتم تصفيته، والعلم عند الله.

وعندها بدأنا نفكر، وأنا أتكلم عن نفسي كطبيب وابن ثورة وغيري طبيب والآخر ممرض، بحيث أننا يجب أن نجد طريقة لنعالج فيها المصابين في المظاهرات بعيدًا عن أعين الأمن، وبإمكاننا أن نسميها مرحلة من مراحل العمل الطبي الثوري التي هي: مرحلة النقطة الطبية المتنقلة، وهي ليست نقطة، وليس لها عجلات للتنقل، وهي عبارة عن حقيبتين: حقيبة كبيرة تُجهَّز بمستلزمات الإسعاف للإصابات البسيطة، مثل: فتح وريد، خياطة جرح، رضّ، تثبيت كسر، جبيرة. وحقيبة ثانية: فيها مستلزمات عمل جراحي كامل، مثل: علبة جراحة معقمة، وفيها ملابس الجراحة كاملة ومعقمة تُستخدم لمرة واحدة، وفيها الشاش المعقم ومواد تخدير و"الأنبوبات". فإذا فتحت هذه الحقيبة فأنت لديك القدرة على تخدير مريض والقيام بعملية وفيها جهاز "كتري" وجهاز "سكشن" وبهذه الطريقة.

وهنا بدأت تُخلق الحاجة أيضًا لأن يكون لكل شخص منا اسمًا حركيًا، وكل شخص يكون عنده خط هاتف -كنا نسميه في وقتها محروقًا- فلا يتم التواصل بأجهزة الهاتف الخاصة بنا وبأرقامنا المعروفة، وبدأنا بالتكلم فيما بيننا بكلام مثل الشيفرة، مثلًا: كان لدي شريحة محروقة وموضوعة على هاتف خاص، [فأتكلم، وأقول]: يا شباب، ما رأيكم أن نلعب الورق اليوم، ولدينا ثلاثة أشخاص، ولكن تنقصنا أنت، [ونلتقي] في المزرعة، وبدأنا نرمز للأماكن، مثلًا: عندما نريد أن نلتقي في مكان ما فكل رمز يعني منطقة. وطبعًا، هذا الكلام بدأ يصبح وينتشر كحس جمعي في المجتمع كحاجة للتخفي.

بعدها أصبحنا مراقَبين والمداهمات هنا وهناك والعواينية (المخبرين) [يراقبون]، فبدأنا نتخفى في تنقلاتنا؛ لأنه كان هناك من يتعقب وخصوصًا من ظهر اسمه أو لديه اعتقال سابق، مثلًا: كنت أتنقل بسيارة لشخص أعرفه هو الآن شهيد-رحمه الله- كان يأخذني، وأجلس في سيارة سكودا في الخلف، وأضع سلكًا (كوفية) على أنني عامل"صحية" أعمل معه، وهو المعلّم (رئيس العمل) في مجال الصحية، وبهذه الطريقة كنا نتنقل، وشخص آخر يتنقل بطريقة أخرى وهكذا. وبدأنا نأخذ الأسماء الحركية، وأنا أخذت الاسم الذي أعتبر نفسي ولدت به من جديد وهو اسم: صخر الدمشقي. يعني في الوسط الثوري كان اسمي صخر.

أذكر أنه في مرة من المرات، كانت هناك حملة مداهمة كبيرة في حمورية، وكانت هناك إصابات، وفي وقتها أجرينا أول عملية جراحية في بيت عربي في غرفة الضيوف، ووضعنا على الأرض قطعة من النايلون، وكانت طاولة العمليات عبارة عن طاولة صيانة، وأجرينا عملية كاملة، ووقفنا على السجاد بعد وضع النايلون عليه حتى لا نلوث غرفة الضيوف، وكان معنا طبيب هو الآن معتقل-فك الله أسره- وهو من قام بالتخدير، وكان معنا شاب ساعدني، وقمنا بالعملية والحمد لله تكللت بالنجاح، وأفاق المريض، ونقلناه إلى منطقة مخفية، وبقي عدة أيام حيث أعطيناه "السيرومات" والأنبوب الأنفي المعدي والتغطية الوريدية وكل هذه الأمور تمت متابعتها، وكان هناك شباب متطوعون من التمريض وغير التمريض، وكنا نتابع مرضانا وجرحانا بهذه الطريقة.

تنامى -كما قلنا- الحراك، وتنامت معه ضحاياه، وتنامت الحاجة ليكون هناك تخصص في العمل الثوري. كنت تجد مثلًا في كل بلدة النواة الصلبة الصغيرة التي يبنى عليها فريق كامل عليها وباستطاعته تحريك منطقة، هؤلاء الناشطون الأوائل الذين كان الواحد منهم منذ البداية نشاهده في المظاهرات، وعند وجود إطلاق [رصاص] نجد أنه يقوم بالإسعاف، وعند دفن الشهداء يقوم بالحفر والدفن، وعند الإغاثة لأسرة فيقوم بواجبه، ويقوم بتوثيق حادثة أو تصوير حادثة، ونحن الآن نسميها "الحالة الساروتية"، وهي عبارة عن شخص مستعد أن يعمل كل هذه الأمور بالحس الوطني العفوي من أجل قضيته، وإن اقتضى الأمر أن يعمل مسعفًا فهو مسعف أو إذا اقتضى الأمر أن يهتف في مظاهرة فهو يهتف ويغني، وإن اقتضى الأمر أن يعمل حمالًا لوجبة إغاثية لأشخاص محتاجين كان يقوم بذلك، وكثير من هؤلاء حملوا السلاح، وأصبحوا عناصر في الجيش الحر.

مع نهايات 2011، كان هذا الحراك يتنامى، وبدأت بوادر التخصص، مثلًا: فلان وفلان يقومون بتنظيم أمور المظاهرة والشعارات والتخطيط، وفلان وفلان مهتمون بالتصوير والتوثيق والتواصل مع القنوات الإعلامية ونقل القضية للخارج، ومثًلا: فلان وفلان يجب عليهم تحضير هذه الحقيبة للعمل الطبي، ونكون دائمًا على تواصل وجاهزين، ولدينا الاستعداد لترميم موادنا بحيث لدينا القدرة لإسعاف أي مصاب في أي وقت. وبهذا الشكل، بدأت الأمور تنتظم بالشكل العفوي، ولم يكن مخططًا لها سابقًا.

معظم أصدقائي الذين أعتبرهم إخوتي، وأعتز بصداقاتهم في الثورة، هناك قسم كبير منهم لا أعرفهم قبل الثورة، ولكن وجدنا أنفسنا مع بعض في الثورة في الساحة وفي الميدان والمظاهرة والإسعاف، وفي النهاية، أصبحنا فريقًا، وفيما بعد أسسنا مكاتبًا ومجالسًا؛ لأن القصة طالت، وكان لابد من تنظيم أمورنا والحياة العامة لأهلنا الصابرين الذين كانوا يتحملون العبء الأكبر في الثورة. الأمور تصاعدت، وبدأت تنتظم بالتدرج، ومع طول الوقت وزيادة بطش النظام وزيادة المعاناة كلما كان هناك حاجة للتنظيم وحاجة لابتكار الحلول البديلة، وخصوصًا أن النظام كان قد بدأ يحرم الغوطة من الخدمات مثل: قطع الماء والكهرباء والاتصالات، وكان قد تبقّى معبران للغوطة فقط في المليحة والمخيم (مخيم الوافدين)، وكان يدقق على الدخول والخروج، ويمنع إدخال أكثر من كيلو خبز واحد أو كيلو بندورة واحد، كانت الأمور بهذا الشكل.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/07/05

الموضوع الرئیس

واقع الغوطة الشرقية في العام 2011

كود الشهادة

SMI/OH/52-09/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

2011

updatedAt

2024/04/16

المنطقة الجغرافية

محافظة ريف دمشق-مخيم الوافدينمحافظة ريف دمشق-المليحةمحافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقيةمحافظة ريف دمشق-حمورية

شخصيات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

كيانات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

الشهادات المرتبطة