في بداية شهر كانون الأول/ ديسمبر 2011، كان هناك حشود للجيش على مداخل الغوطة، وكنا نتنقل من المسارب الخلفية، ونتجنب الطرقات التي قد يكون فيها حواجز؛ لأننا بدأنا نعرف أن لدى الأمن أسماء معممة على الحواجز وعند مرورك سيتم اعتقالك. وكانت لعبة التخفي، والاسم الوهمي، ورقم الهاتف الاحتياطي، ووسائل تشفير الكلام، كل هذه الأمور بدأنا نلجأ لها، وأعتبر أننا من هنا بدأنا نضع لبنة لبداية تنظيم للمرحلة القادمة.

وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر بدأ الجيش اقتحام الغوطة، جاء من الطرق الرئيسية كانت هناك دبابات وعساكر، محليًا بالنسبة للمناطق التي كان فيها اقتحام ظهرت فيها أعمال مقاومة من المجموعات التي كانت في البداية، وفكرتها هي حماية المظاهرات وحماية أهلها، وكانت أخبار اقتحامات الجيش التي حدثت في درعا وحمص وبانياس تتوارد، فكان هناك تخوف من أن هذا الاقتحام يخفي وراءه وسيتبعه حتمًا انتهاكات وسرقة وتعذيب واعتقال؛ لذلك كانت هناك روح مقاومة، ولكنها بإمكانات محدودة. وفي النهاية، اقتحم [جيش النظام] الغوطة، وانتهت مرحلة التعامل الأمني في الحملات في يوم الجمعة وغيره من الأيام، ودخلنا في مرحلة دخول الجيش وإقامة الحواجز داخل البلدات وعلى مفترقات الطرق وفي الساحات والأبنية الرئيسية، كان منظره تمامًا مثل منظر قوات احتلال جاءت لتحتل بلد.

وعندها بدأنا نرى الشعارات الطائفية، فمناطق الحواجز التي كانت حواجز للجيش بدأنا نشاهد فيها كلمة: "يا حسين". وما علاقة كلمة "يا حسين" بالثورة والنظام؟! وهنا بدأنا نشاهد رسمًا لسيف "ذو الفقار"، والكتابات: الأسد أو لا أحد، أو الأسد أو نحرق البلد، وربك يسقط والأسد لا يسقط، هذا الكلام كنا نشاهده، وكان بشكل مستفز للمجتمع وطبيعة الناس، وهناك نوع من الوقاحة والتجني والظلم والجبروت، وهذا الأمر ساهم...، ففي الفيزياء: كل فعل له رد فعل مساو بالقوة ومعاكس بالاتجاه، وهذا قانون علمي بالفيزياء. ونحن نقول: الثورة السورية. فكان هذا السلوك الطائفي الذي طرحه النظام، وخلق خطوط التماس الطائفي سواء في المناطق التي كانت تتمرد في برزة أو في المزة، وفي المزة كان النظام يحضر لهم جماعة ال 86 (منطقة عشوائيات أغلب سكانها من العلويين والمنتسبين للجيش والأمن)، وفي برزة، يأتيهم بجماعة عش الورور، فيوجد تعمد لإحداث شرخ طائفي أو صدام مسلح، بحيث يضع المجتمع السوري مقابل بعضه، وهذه السياسة نجح النظام بها، ورغم ذلك بقيت مظاهراتنا تقول: "واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد"، "يا درعا نحن معاك للموت"، "يا بانياس.. نحن معاك للموت". في ذلك الوقت، كانت تظهر أيقونات للمناطق المحررة، مثل: فدوى سليمان، حيث كانت أيقونة في المناطق المحافظة التي يتهمها بأنها معقل للإرهاب والتطرف السني.

الشعب السوري بطبيعته هو شعب مؤمن، ولكنه وطني، فالإيمان لا يتنافى مع الوطنية، فهو ليس طائفيًا وليس حقودًا، والشعب السوري شعب متعايش عبر التاريخ، وحتى في تجربة الخمسينيات كنا نسمع أنه عندما يكون رئيس الوزارة مسيحيًا فيُكلف بوزارة الأوقاف، وعندما تضع الثورة السورية الكبرى في عام 1922 و1925 القائد العام لها سلطان باشا [الأطرش]، وكان درزيًا، فليس في قاموس السوريين الانقسام الطائفي، وكانت الحالة الوطنية تجمعهم، وعلى مبدأ: "كل من على دينه الله يعينه".

هذه الصورة التي حاول النظام على مدار 30 أو 40 عامًا أن يخلق منها نظرية تحالف الأقليات وتسلط الطائفة، ودخل من تسلط الطائفة إلى تسلط العائلة والمافيا العائلية، وعند اندلاع الثورة حاول أن يكرس قضية الصدام الطائفي. كنا نرى في الغوطة ناشطين من أديان وطوائف أخرى يؤمنون بفكرة الحرية، وكانوا يأتون، ويشاركوننا في مظاهراتنا، وبعض الأشخاص من الذين عملوا على الدعم اللوجستي للغوطة بظرف الحصار وغير الحصار هم من أبناء طوائف وأديان أخرى، وكانوا يستغلون انتماءهم لسهولة التحرك، وهذه الظاهرة كنا نشاهدها، وكنا نقدرها، ونحتضنها، ولكن منهجية النظام [عكس ذلك]، وهذه القصة لها حديثها...