في مرحلة بداية المراهقة أو الشباب [تتشكل] الهوية الفكرية والدينية لأي شخص، وطبعًا دمشق في ذلك الوقت كانت خياراتها محدودة حتى يكون لديك فكر ديني، وبطبيعة الحال كبيئة تجارية كان والدي من رواد مساجد دمشق ضمن الفكر الوسطي المحبب، وأنا فعليًا كنت أرافقه سواء في عدة دروس في مساجد دمشق، ولكن بنفس الوقت كنت بعيد أو لم أكن أحبذ أن أكون ضمن أجواء الدين القريب من السلطة، التي كانت تتمثل بمجمع أبو النور أو جماعة كفتارو التي كانت تستقطب جزءًا كبيرًا من شباب جيلي أو حتى أصدقائي الذين كانوا من رواد سواء المسجد؛ أو حتى دروسه ورحلاته التي كانت تكون في مسبح الخيارة الذي كان يستقطب الشباب في ذلك الوقت. 

وأنا لا أعرف لماذا ولكن كان بالنسبة لي أو لنا كعائلة؛ يعني أنا والدتي ليست من دمشق وهي طبعًا ولدت وعاشت في دمشق ولكنها ابنة عائلة حمصية من عائلة سباعي، ووالدها الدكتور مصطفى السباعي، وأعتقد هذا الأمر لم أذكره في التعريف لأنه كانت فعليًا بالنسبة لنا في ذلك الوقت مجرد ذكر هذا الاسم هو أمر أمني خطير على المستوى الشخصي بالرغم من أنني لم أعايشه، وقد توفي ووالدتي عمرها 7 سنوات تقريبًا، وبالنسبة لنا ما كنا نسمعه عنه وعن سيرة حياته كان بصوت منخفض، لأن الأمر كان خطيرًا ويبدو أنه كان يوجد شيء شخصي نسمعه عن علاقته؛ عن علاقة الدكتور مصطفى السباعي بالشيخ كفتارو، لذلك كنا بعيدين عن هذا الجو وعلاقتنا فعليًا علاقة الوالد بعدد من مشايخ دمشق المقربين من التجار وكان بالنسبة لنا هذا الشيء محبب، يعني سواء الدكتور راتب النابلسي أو الشيخ أسامة الرفاعي أو زياد الأيوبي وهؤلاء من المشايخ الذين كانوا يأتون إلى مناسباتنا أو نحن نحضر عندهم بعض الدروس الدينية فكان بالنسبة لي الإسلام الوسطي الدمشقي هو الجو الذي تربيت عليه، وبنفس الوقت قصص الإخوان المسلمين كانت بالنسبة لنا أمرًا مجهولًا وبنفس الوقت محفوفًا بالمخاطر ولا يمكننا الحديث بهذا المجال.

طبعًا اليوم أنا أُعَدُّ عاملًا وناشطًا في المجتمع المدني، وعندما أتذكر كيف كانت دمشق في مرحلة الثمانينات والتسعينات حتى عام 2000 نحن كانت الكلمة بالنسبة لنا مجهولة، وأنا ذكرت مرحلة بسيطة التي هي مشاركتي أو أنني عضو في كشاف سورية الذي كان نوعًا ما مستقلًا، والذي كان يُعدُّ نوعًا ما مجتمعًا مدنيًا مقبولًا، ولكن هي مرحلة جدًا قصيرة، وتم القضاء عليها من قبل السلطة، وكان يحز بنفسي عندما كنا نذهب إلى مناطق معينة سواء إلى صيدنايا إلى مناطق سياحية، كنا نرى أن الكشاف المسيحي مستمر وهو مسموح فكان مسموحًا دائمًا الأنشطة المجتمعية أو ما يعبر عنها المجتمع المدني كانت مرتبطة بمؤسسات دينية محددة مسموح لها ذلك، وبهذا الشكل وإذا سألتني عن تعريف المجتمع المدني ما قبل عام 2000 في سورية فأقول بكل وضوح بأنه لم يكن هناك مجتمع مدني مستقل، وكان يوجد سيطرة للسلطة على كل ما يسمى: مجتمع مدني؛ من نقابات وجمعيات وحراك. والشيء الوحيد الذي لديه نوعًا ما استقلالية كانت هي الجمعيات الخيرية والتي كانت تقوم بدور مهم مجتمعيًا بمحاولة القضاء على الفقر أو تحسين وضع الفئات الأكثر فقرًا في سورية وكان لها دور مهم وأذكر أنه في شهر رمضان كانت الجمعيات الخيرية تدور وأنا أذكر القائمة كان يوجد فيها حوالي 180 جمعية في دمشق وريفها، وهي جمعيات خيرية وليس لها ارتباط مباشر، وطبعًا هي تأتي بترخيص بشكل مباشر من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ولوغو الإيصالات التي يتم دفعها في شهر رمضان التي هي ضمن الزكاة أو الصدقات وعليه "الجمهورية العربية السورية - وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل- جمعية الإسعاف الخيري" والجمعيات المتعددة، وطبعًا هذا الكلام أخذ طابعًا أكبر بعد عام 2000 بعد وراثة بشار الأسد للسلطة، الذي هو نوعًا ما يمكننا الحديث فيه لاحقًا.

كما ذكرت بالنسبة لنا كان حافظ الأسد هو البعبع والتماثيل الموجودة في دمشق والموجودة في أغلب المدن السورية لإخافة الناس، وهو بالنسبة لنا وأنا اليوم ولدت خلال حكم الأسد، وخرجت من سورية خلال حكم الأسد، وصراعي في هذه الحياة حتى يكون لديها خيار ثانٍ غير الأسد الموجود في السلطة، وقبل عام 2000 كان دائمًا يوجد حديث عن صحة حافظ الأسد وهل من المعقول أن يمرض أو يموت وأكثر من مرة كان يوجد إشاعات أنه موجود في مشفى الشامي، وتم الحديث عن [إصابته بمرض] اللوكيميا، وطبعًا بالنسبة لنا يعني قبل مقتل باسل الأسد بحادث لا نعرف إذا كان مفتعلًا أو طبيعيًا، يعني كانت كل الدلائل تشير بأنه سوف يكون خليفة حافظ الأسد، ولا يوجد شك ولا يوجد مجال حتى تفكر بالاحتمالات في هذه المرحلة.